تدَّعى جماعة الإخوان الفاشية أن غالبية المصريين الذين خرجوا عليها فى «30 يونيو» كانوا مدفوعين لذلك.. تدَّعى أن هناك من قام بتحريكهم والتحريض عليهم.. أقول تدَّعى لأنها لا تريد أن ترى الحقيقة الواضحة للجميع وضوح الشمس، وهى أن الغالبية خرجت من تلقاء نفسها وهى ترى الخطر يداهمها وهى فى بيتها.. خرجت لأنه جرى تكفيرها.

خرجت بعد أن رأوها وهى تقامر بالوطن وتريد تحويله لملكية خاصة.. خرجت بعد أن رأت مكانة مصر تتأثر.. مصر -وكما قلت سابقاً- وهى فى أضعف حالاتها قوية جداً.. لا يمكن أن تلغى تأثيرها لا فى المنطقة ولا فى العالم.. هى عامود الخيمة.. خرجت الغالبية وهى ترى دولاً لا وزن لها تتحكم فينا.. دولاً تريد أن تفرض كلمتها على مصر، خرجت الغالبية وهى ترى الجماعة تفرض إرادتها وأبناء تنظيمها والخارجين من رحمها على مفاصل الدولة المصرية.

وصلت الجماعة للحكم وهى لديها خطة كاملة للتمكين.. قبل أن تظهر ممارساتها أمام الناس جميعاً، وفى بداية السنة الكبيسة لحكمهم كنت قد نشرت وثائق خاصة بهم تكشف ما كانوا يفكرون فى تنفيذه.. وقتها خرجت قيادات الجماعة علينا لتعلن أنها حتى الآن لم تتمكن.. وقتها حل مهدى عاكف، المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين، ضيفاً على طونى خليفة فى برنامجه «زمن الإخوان».. تحفَّظ عاكف على اسم البرنامج وقال: «إن زمن الإخوان لم يأتِ بعد.. صحيح أن واحداً من أبناء الجماعة -كان يقصد محمد مرسى- وصل للرئاسة، لكن هذا لا يعنى أننا فى زمن الإخوان.. الحالة الوحيدة التى يمكن أن نقول فيها إنه زمن الإخوان عندما نشكل الحكومة كاملة من رجالنا.. عندما نضع أيدينا على المحافظات وباقى المؤسسات المهمة فى الدولة».

كان مهدى عاكف صادقاً فيما ذهب إليه.. كان يكشف لنا كيف تفكر هذه الجماعة المنحلة، وكيف تدير أمورها، وكيف تخطط لخطف مصر من المصريين.. لا أحد يصدق أن الجماعة المنحلة يمكن لها أن ترضى عن أحد لا ينتمى إليها مهما ظهرت عليه علامات الورع والتقوى.. بل إنها ستزيح من طريقها من تراه عقبة فى مخططها.. ستزيح من كان شاهداً على تجاوزاتها وتجاوزات أعضائها.

هذه الجماعة المنحلة ماضية فى تنفيذ ما خططت له من السيطرة على كل مفاصل الحكم فى مصر مهما كان الثمن فادحاً.. وضعت الخطة فى أوراق ليحفظها الأعضاء ويعملون على تنفيذها.. من بين هذه الأوراق ما يخص كيفية التعامل مع الدولة العميقة، وفيها جاء -تحت عنوان «استراتيجيات التعامل مع الدولة العميقة»- إنه يجب مواجهة الدولة العميقة بحسم وقوة وضربها فى مفاصلها.

وذلك من خلال الإقصاء بالتركيز على النقاط الحرجة والمفاصل وقطع خطوط التواصل.. أيضاً من خلال المراجعة وإعطاء فرصة للتعايش، وهو مسمى بالعدالة الانتقالية.. أيضاً الإحلال والتجديد والاندماج الكامل للكفاءات الصالحة المخلصة داخل مؤسسات الدولة.. هذه النقطة ينفذونها بقراءة أوراق من ينتمون إلى المؤسسة التى وضعوا أيديهم عليها ويُبقون على من يقدم لهم كل شىء طواعية، وعندما يقدمه طمعاً فى أن يبقى فى مكانه تتم الإطاحة به فوراً.. تمارس الجماعة المنحلة ذلك حتى لا تطيح بالكفاءات.

تأخذ من كل شخص ما تريده، يكشف لها أسرار ما كان يقوم به ثم تتخلص منه، وهو ما تجسَّد فى وزارات كثيرة ومؤسسات.. ثم وضعت الجماعة المنحلة استراتيجيات خاصة بكل وحدة، منها دور مؤسسة الرئاسة ودور الحكومة والمحافظين والجماعة والحزب.. على أن يتطلب ذلك تكوين فريق عمل مركزى يقوم بإعداد خريطة معلوماتية بالمؤسسات أو الوزارات أو الهيئات ذات الأولوية وتشكيل فريق عمل لكل مؤسسة أو هيئة أو وزارة، وكل فريق يقوم بإعداد خطة للتعامل مع الدولة العميقة فى جهته من حيث تحالفاتها وتشكيلها ومراكز قوتها وعناصرها وتصنيفهم بين من يجب التخلص منه أو مراجعته.

فيما يخص الرئاسة يجب اتخاذ إجراءات كثيرة، منها عمل خريطة الدولة العميقة داخلياً وخارجياً وإعادة ترتيب هيكلة المؤسسات، موضحة فيها المهام والمسئوليات والمتابعة عليها بما يحقق الشفافية، ثم إعادة تحديد مهام الأجهزة الرقابية والأمنية بشكل دقيق وعلنى ومتناسق بما يمنع وجود أى أجهزة تعمل بدون تنسيق أو خارج السيطرة.

ثم جذب بعض الأفراد منهم داخل منظومة الدولة.. أيضاً اختراق الدولة العميقة من خلال عيون أمينة لمؤسسة الرئاسة، والمواجهة القانونية للفساد وفق استراتيجيات، منها إعادة محاكمة قتلة الثوار والتخلص من رؤوس النظام السابق فى الوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية وقطاع الأعمال وسرعة إعادة هيكلة وظيفة جهاز الأمن الوطنى والتخلص من اللواءات ومَن على شاكلتهم فى كل مؤسسات الدولة، مع عدم التمديد لهم، ويُفضَّل استبدالهم بالأنسب، وأخيراً تشكيل مجلس قومى لمكافحة الفساد.

أما الإجراءات الخاصة بحزب الحرية والعدالة -الذراع السياسية للجماعة المنحلة- فكانت مهمته عمل خريطة للقوى والرموز السياسية وتصنيفهم على أساس ارتباطهم بالدولة العميقة وتحديد درجة التعامل معهم «عدم تعامل/ تنسيق/تحالف»، وعمل خريطة لرموز الدولة العميقة بالوزارات وتصنيفهم أيضاً وتحديد درجة التعامل معهم، والتنسيق مع مؤسسات الجماعة فى إعداد وتأهيل البدائل وتكوين رأى عام للضغط على الدولة العميقة ودعم متخذ القرار وبناء تحالفات سياسية واسعة على أساس قضايا محددة هى محل إجماع وطنى مثل إعادة هيكلة وزارة الداخلية وإخراج القيادات العسكرية كاملة من السياسة وإخضاع المؤسسة العسكرية للسيادة المدنية الديمقراطية وإعادة النظر فى التشريعات التى تسمح بالفساد والاستثناءات وتسييس الأحكام والقضاء وتفكيك غابة القوانين واستبدالها بقوانين أكثر وضوحاً وحسماً وشفافية من خلال الجهات الشرعية.

من إجراءات الحزب إلى إجراءات الحكومة، وعليه يجب كشف وتفكيك العلاقة بين أجهزة الأمن وبين العصابات والبلطجية وعالم الجريمة من مخدرات وتهريب وغيرها، حيث من المتوقع أن تكون هذه العلاقة عميقة نظراً لنمط إدارة الفساد الذى تميزت به سياسات الأمن فى مصر.. أيضاً قطع خطوط الإمداد بين المنظمات والدول الخارجية والدولة العميقة -إشارة إلى التضامن والتعاون الدولى- ومراجعة الاستثمارات الخارجية ومراجعة المسئولين عن الاتفاقيات الدولية.

فى إجراءات الحكومة ركزت الجماعة المنحلة على ما تم التجاوز فيه مثل تخصيص الأراضى وخصخصة المصانع والاستيراد والتصدير وغيرها، والتسهيلات البنكية ومراجعة الموقف القانونى لها وصياغة سياسة جديدة للتوزيع والتخصيص العادل لممتلكات الدولة.. أيضاً التخلص من رجال أمن الدولة السابقين وإخراجهم من الشرطة وفتح ملفاتهم القديمة.. وتصميم نموذج يحفظ الإعلام العام من الحياد عن المهنية ومن الفساد من جهة أخرى، واعتماد قوانين استقلال المؤسسات الدينية التى تجعل الاستقلال للأزهر المؤسسة لا لشيخ الأزهر، وتعيد تشكيل هيئة كبار العلماء وهيئات علماء المذاهب وشهادة العالمية على النحو الذى عرفه الأزهر حتى سنة 1856، وكذلك إعادة النظر فى القوانين والهياكل والآليات الحاكمة لعمل الكنيسة بما يضمن قصر دورها على التوجيه والإرشاد الروحى مع جعل الأقباط مواطنين يتبعون الدولة لا الكنيسة.

أما دور الجماعة المنحلة فى التعامل مع الدولة العميقة فهو إعداد خريطة معلوماتية للهياكل الإدارية والجهاز التنفيذى من المحافظة إلى الوحدات المحلية ومن المديريات إلى الوحدات، ثم خريطة معلوماتية أخرى تتضمن حصر وتجهيز وإعداد البدائل من أهل الكفاءة والصلاح.. ثم حصر وتصنيف رجال الأعمال وأعضاء مجالس الشعب والشورى والمحليات، والتعامل سياسياً ومجتمعياً مع العناصر القابلة للصلاح، وفضح العناصر التى تصر على الفساد وإقصاؤهم شعبياً، أيضاً زيادة الوعى الشعبى لمحاصرة الفساد والمفسدين من خلال نشر القيم فى المسارات المختلفة «المسجد، والمدرسة، والنقابات، والأندية»، وتفعيل الرقابة الشعبية والمجتمعية فى الضغط على الفاسدين، وأخيراً توفير شبكات بديلة يمكن من خلالها تعويض القصور الذى سيظهر فى المؤسسات الخدمية مع مقاومتها التغيير.

بالتأكيد تسعى الجماعة المنحلة إلى وضع رجالها على رأس كل مؤسسات الدولة، ولكن أكثر ما يؤرقها كيفية السيطرة على الأجهزة الأمنية!.. فهى الأجهزة التى كانت تراقبها وترصد أنشطتها وتحركاتها وبينها وبين رجالها ثأر لا بد من أخذه.. الجماعة المنحلة هى من تحكم الآن.. هى من تشير بفتح الملفات والتفتيش فى ذمم كل من ترى أنه أوجعها فى يوم من الأيام.

بل إن أوراق الجماعة المنحلة تحمل من الآن اتهامات خطيرة لرجال الأمن بالإشارة إلى علاقتهم بالعصابات والبلطجية، وقدَّمت نموذجاً للعاملين بجهاز الأمن الوطنى بدمياط.. جاء فى النموذج أن عدد العاملين بالجهاز يبلغ 85 فرداً: 8 ضباط و61 أمين شرطة و14 جندياً وعريفاً ومساعد شرطة سائق على المعاش يعمل طوارئ ومساعد شرطة موظف شئون إدارية على المعاش ويعمل طوارئ أيضاً، بإجمالى رواتب تصل إلى 150 ألف جنيه تقريباً.

وهناك ميزانية سرية للصرف منها على المصادر.. ثم جرى كتابة تقرير بأسماء العاملين بجهاز الأمن الوطنى بدمياط ومعلومات عن كل واحد منهم.. سأشير إليه بالأحرف الأولى، أولهم مدير الفرع «س.م.س» أما وكيل الفرع فهو «م.ف.ا» مقدم من كفر سليمان، وكان مسئول نشاط الإخوان بالدقهلية.. الرائد «ع.ا.م» مسئول نشاط الأحزاب، وهو من بورسعيد ويعمل بدمياط من قبل الثورة.

وكان مسئول نشاط الأحزاب قبل الثورة، وهو متهم فى قضية حرق المستندات.. الرائد «ى.ا.ا» مسئول النشاط العربى والأجنبى ويتابع الأحزاب أيضاً.. الرائد «ا.ف.ا» رئيس مجموعة النشاط السلفى والطائفى والجماعات كلها ما عدا الإخوان، وهو - على حد وصفهم له- ضابط نشيط جداً فى أداء عمله ضد التيار الإسلامى.. النقيب «خ.م.ع» مسئول نشاط الإخوان بدمياط.

وكان قبلها مسئولاً عن أمن وزارة الداخلية بالدقهلية، وهو -على حد وصفهم- شخصية سيئة جداً.. والرائد «ع.ا» مسئول مكتب الميناء وهو من الإسكندرية.. والنقيب «ف.ا» مسئول النشاط الدينى «سلفى، أوقاف» كان يعمل بمكتب الزرقا، وهو -على حد وصفهم له- شخصية سيئة جداً وسرق التكييف من مكتب الزرقا قبل مغادرته له قبل الثورة.

لم تفوِّت الجماعة المنحلة أسماء من كانوا يعملون من قبل فى جهاز الأمن الوطنى، وأعدت ورقة بأسمائهم، ربما تمهيداً لمحاسبتهم، أيضاً سأشير للأسماء بالأحرف الأولى، وهم:

«ع. ا» الذى تولى منصب مدير أمن إحدى المحافظات الجنوبية ووصفته بأنه معروف بسمعته السيئة جدا.

«ح.ف.ا» وكيل إدارة بإحدى محافظات الوجه البحرى وكان مسئول نشاط الإخوان بدمياط وما زال على اتصال وثيق بالأمن الوطنى بدمياط لعلمه بتفاصيل العمل ولاتصاله بالمصادر السرية التى كان يتعامل معها قبل الثورة ووصفته بأنه شخص شديد السوء.

«م.ج.ع» انتقل للعمل بالقضاء العسكرى وعلى علاقة قوية بـ«ح.ع»، «مرتشى» وكان يدفع لكى يتم ترقيته.

«و.ع» ضابط اتصال بمديرية الأمن، وهو من المتهمين فى قضية حرق المستندات وعمل جاهداً لكى يعود للعمل بالجهاز مرة أخرى.

«ا.م.ا» يعمل بالميناء السياحى ببورسعيد وكان مسئول مكتب الميناء بدمياط ووكيل الفرع قبل الثورة.

«ط.ا» يعمل بأمن الموانئ، وجرى وصفه بأنه شخص سيئ جداً وقد ترك الجهاز.

يبدو من هذه الأوراق أن الجماعة المنحلة لن تترك هؤلاء فى حالهم.. يبدو من وصفها لهم بأنهم أشخاص سيئون وأنهم بيَّتوا النية لتصفيتهم.. لا لشىء سوى أنهم كانوا يرصدون أنشطتهم غير القانونية، والآن تبدَّل الحال وأصبحوا هم من يراقبون ويرصدون ويتحكمون فى المصائر.

ما جاء فى هذه الوثائق عملت الجماعة على تنفيذه على أرض الواقع.. تخلصت ممن لا ينتمون إليها، والأمثلة كثيرة، قبلهم جميعاً تخلصت من رؤساء تحرير الصحف القومية ووضعت بدلاً منهم من ينتمون إليها أو يسبّحون بحمدها.. ثم كان الهدف الأسمى التخلص من النائب العام عبدالمجيد محمود.. ثم تخلصت من رؤساء الأحياء ووضعت رجالها بدلاً منهم، فعلت هذا لأنها تعرف أن المحليات هى كل شىء.

المحليات هى بوابة الرضا على النظام.. قبل الإطاحة برؤساء الأحياء كانوا قد أمهلوهم فترة قصيرة جداً كفرصة لحل مشكلات الجماهير وجرى التنبيه عليهم أنهم إذا ما فشلوا فسوف يتم استبدالهم.. منحوهم هذه المهلة القصيرة وهم على يقين أنها مهلة لا تكفى لحل مشكلات حى واحد فقط لا غير.. فالفساد فى المحليات كان ضارباً فى العمق.. لكنهم يريدون التخلص من رؤساء الأحياء لوضع رجالهم.. وفعلوها ومكَّنوا أبناء التنظيم من الكراسى ثم منحوا أبناء الجماعة والخارجين من رحمها مزايا لا حصر لها، واستغلوا الأحياء عندما خرجت الغالبية من المصريين عليها.. استغلوا بلطجية منحوهم تراخيص أكشاك فى مهاجمة المتظاهرين العزل، واستغلوا أوتوبيسات الأحياء فى نقل هؤلاء البلطجية ومعهم أبناء الجماعة.

جرى تمكين أبناء الجماعة والخارجين من رحمها.. 8 أشخاص فى مؤسسة الرئاسة وما يقرب من 70 شخصاً فى جميع الوزارات ومستشارى الوزارات و5 محافظين إخوان و5 نواب للمحافظين و13 مستشاراً لهم و12 رئيس حى، حدث هذا فقط فى أول 7 شهور من عمر الجماعة فى سنة الحكم الكبيسة.

فى هذه الفترة كانت تخرج علينا قيادات الجماعة لتقول إنها لم تتمكن من الحكم فى ظل الدولة العميقة.. تقول ذلك حتى لا يحاسبها أحد.. حتى تتهرب من مطالب الجماهير ومن وعودها بنهضة كبيرة تحمل الخير لمصر.. كل ما وعدوا به المصريين لم يتم تنفيذه، والسبب كما يقولون «الدولة العميقة» من ناحية ومن ناحية أخرى أن هناك دولاً عربية تضخ أموالها حتى لا تستقر البلاد.

وضعت الجماعة رجالها فى كل مؤسسات الدولة الحيوية وفرضت رجالها على كل الصحف والمجلات وحتى ماسبيرو والقنوات الخاصة وأسست إعلامها الخاص من جرائد وقنوات وغيرها ثم تبكى على عدم قدرتها على إنجاز ما وعدت به.. كانت تريد اختطاف الأزهر والكنيسة.. وثائقها كاشفة لها «اعتماد قوانين استقلال المؤسسات الدينية التى تجعل الاستقلال للأزهر المؤسسة لا لشيخ الأزهر، وتعيد تشكيل هيئة كبار العلماء وهيئات علماء المذاهب وشهادة العالمية على النحو الذى عرفه الأزهر حتى سنة 1856.

وكذلك إعادة النظر فى القوانين والهياكل والآليات الحاكمة لعمل الكنيسة بما يضمن قصر دورها على التوجيه والإرشاد الروحى مع جعل الأقباط مواطنين يتبعون الدولة لا الكنيسة».. وفشلت الجماعة فى اختطاف الأزهر وترهيب الكنيسة.. أرادت فرض سيطرتها على الشباب من خلال النقابات والأندية والمسجد والمدرسة والأهم مراكز الشباب، فقد فتحت العضويات أمام أبناء الجماعة والخارجين من رحمها بعد أن كان الأمر محظوراً.. طوَّروا مراكز الشباب وقاموا بتأجير الملاعب بأسعار رمزية بهدف تجنيدهم وبطرق غير مباشرة بزعم «زيادة الوعى الشعبى لمحاربة الفساد والمفسدين».

حتى رجال الأعمال لم يسلموا من الجماعة ولا من ألاعيبها «حصر وتصنيف رجال أعمال وأعضاء مجلسى الشعب والشورى والمحليات».. لم يسلموا وجرى ابتزاز عدد كبير منهم.. عدد منهم رضخ والآخر لم يرفع الراية، بل وأغلق مصانعه قبل أن يغلقوها هم، وخرجوا يستثمرون فى دول عربية فى مقدمتها الإمارات.. فعلوا ذلك لأن الجماعة كانت تريد أموالهم خدمة للتنظيم، لكنهم يبتزونهم بزعم أنهم استولوا على خيرات هذا البلد ونهبوا أراضيه.. وضعوا كل رجال الأعمال فى سلة واحدة.. لا فرق بين من نهب ومن كوَّن ثروته بطرق قانونية.. لا فرق بين من سرق ومن لم يسرق.. لقد أرادت الجماعة أن تضرب ما سمَّته «الدولة العميقة»، فإذا بها تطلق على نفسها النار.. لأنها كانت فى حقيقة الأمر تريد اختطاف الدولة لصالحها!

غداً.. الحلقة السابعة

لقراءة الحلقة السابقة من هـــــــــــنا

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: خالد حنفي الإخوان الإرهاب الصحف القومية مؤسسات الدولة أبناء الجماعة الأمن الوطنى التعامل مع قبل الثورة التخلص من من خلال

إقرأ أيضاً:

عبقرية التفكيك.. كيف واجه صلاح الدين الدولة الفاطمية العميقة؟

شهدت مصر منتصف القرن السادس الهجري مرحلة حاسمة من تاريخها السياسي والعسكري، حين تزامن ضعف الدولة الفاطمية مع تصاعد الهجوم الصليبي على سواحلها، وحين تصارع الوزيران ضرغام وشاور على السيطرة المطلقة على البلاد.

هُزم الأخير في ذلك الصراع، واضطر إلى اللجوء إلى السلطان نور الدين محمود زنكي قائد بلاد الشام للاستنجاد به، وإعادته للوزارة مقابل العديد من الامتيازات الاقتصادية والمالية التي ستعود على الدولة الزنكية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما حقيقة طائر صلاح الدين الأيوبي الأسود الذي أرعب المصريين؟list 2 of 2لماذا اغتال بيبرس السلطان قطز في وهج الانتصار؟end of list

ولكن نور الدين كان ينظر إلى أبعد من الاستفادة المالية والاقتصادية، كان يرى أن السيطرة السياسية والاقتصادية على مصر ستؤدي إلى تقوية بلاد الشام في مشروعها أمام الصليبيين، حيث ستمدها بالمال والقوة البشرية اللازمة في حروب الاستنزاف تلك، ولهذا السبب أرسل أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب لحسم ذلك الصراع.

وقد نجح صلاح الدين بالفعل في حسم ذلك الصراع لصالح شاور الذي سرعان ما نكص على عقبه وتجاهل اتفاقه السابق مع نور الدين، بل عمل على خيانتهم والقضاء عليهم، ولما اكتشف أسد الدين وصلاح الدين هذه المؤامرة، قررا القضاء عليه وقتله وهو ما حصل بالفعل، ثم ارتقى أسد الدين لمنصب الوزارة في مصر باتفاق مع الخليفة الفاطمي الأخير العاضد، ولما مات أسد الدين سنة 564هـ/1169م تولى صلاح الدين الوزارة مكانه، بحسب ما يقول أبو شامة في تاريخه "الروضتين".

ما قبل سقوط الفاطميين

وفي نفس العام بلغت هذه التحديات ذروتها في مصر، حين اتفق الصليبيون والبيزنطيون على غزو مصر وطرد قوات صلاح الدين ونور الدين منها، وهو ما وقع في غزوة دمياط حين أصبحت هذه المدينة الساحلية ساحة أول مواجهة كبيرة يخوضها صلاح الدين بعد تولّيه الوزارة بالقاهرة، وهي المواجهة التي ستتحول لاحقا إلى نقطة فاصلة على طريق إنهاء الحكم الفاطمي.

ففي أعقاب هذه الحملة أرسل نور الدين إلى صلاح الدين ما يساند صموده أمام الخطر الصليبي، إدراكا منه أن صمود مصر ضرورة إستراتيجية لمنع توسع الصليبيين إلى مصر، وقناعته بأن الدفاع عن مصر دفاع عن الشام والقدس معا، كما يذكر المؤرخ شاكر مصطفى في كتابه "صلاح الدين الفارس المجاهد".

إعلان

وقد كان لانتصار صلاح الدين في دمياط رغم قسوة الظروف أثر بالغ، فقد رسّخ صورته كقائد قادر على إدارة المعارك المصيرية، وثبّت حضوره على الساحة المصرية سياسيا وعسكريا، ومنذ ذلك الوقت بدأ يتعامل مع بقايا السلطة الفاطمية بوصفها عائقا أمام الأمن الإسلامي العام، لا شريكا فعليًا في الحكم.

وتجلّى هذا التحوّل في سياساته التي اعتمدت على تفكيك النفوذ الفاطمي تدريجيا من دون صدام مباشر قد يثير اضطرابات داخلية أو يُظهره بمظهر المستقلّ عن نور الدين، فراح يقوي قبضته على مفاصل الحكم، مستندا إلى الجيش التركي الذي أرسله له نور الدين سابقا وإلى شعبيته المتنامية بين أهل مصر الذين لمسوا في وجوده حماية من الخطر الصليبي، بعد أن خيّبتهم قدرة الخلافة الفاطمية على الدفاع عن البلاد.

وكما يذكر شاكر مصطفى، ففي الوقت الذي كان فيه نور الدين يتابع الأحداث بدقة، كان صلاح الدين يفكر في خطوتين متلازمتين تتمثلان في فتح الطريق بين الشام ومصر لتسهيل مرور الجيوش والتجارة، وضمان وحدة الجبهة الإسلامية ضد الصليبيين، وضمان استقرار الداخل المصري ومنع أي التفاف قد يحصل حول الخليفة الفاطمي أو انبعاث لقوى التمرد داخل القصر.

وقد قاد صلاح الدين مشروعه بهدوء محسوب، فلم يسرع بإعلان إنهاء الدولة الفاطمية، وفي نفس الوقت لم يسمح لها بأن تسترد عافيتها وتماسكها. ومع تراكم نجاحاته العسكرية والسياسية منذ هزم الصليبيين في دمياط، تهيأت الظروف التاريخية لإسدال الستار على الحكم الفاطمي، تمهيدا لقيام الدولة الأيوبية الموحدة التي ستتولى لاحقا مهمة تحرير القدس.

وتبيّن لصلاح الدين أن طريق تثبيت سلطته في مصر، وتحقيق مشروع التحرير، يمر عبر تأمين الصلة العسكرية والسياسية بين القاهرة ودمشق، حيث بدأ بتنفيذ سلسلة من الحملات على الساحل الفلسطيني منذ سنة 566هـ/1170م، فهاجم عسقلان ودمّر بعض التحصينات المحيطة بها حتى بلغت قواته إلى مدينة الرملة، وكانت تلك رسالة ميدانية مفادها أن القوة الإسلامية بدأت تتحرك في المناطق التي تعدّ امتدادا طبيعيا لجبهة الدفاع عن مصر، وأن الصليبيين لن يكونوا قادرين على تهديدها دون رد مقابل.

وقد أراد صلاح الدين أن يُظهر للصليبيين من وراء هذا التوغل المبكر في فلسطين أن القوة التي كسرت حملتهم في دمياط ما زالت مستعدة لخوض الجهاد من جديد، ومن جهة ثانية أسهمت هذه العمليات في تحذير التجار والقوافل العابرة بين الشام ومصر من التعاون مع الصليبيين تحت ضغط تهديداتهم، كما نجحت في ردع الأعراب الذين اعتادوا قطع الطرقات ونهب المسافرين، وبذلك وُضِعت أولى لبنات تأمين الطريق البري الحيوي بين مصر وبلاد الشام، كما يؤكد الدكتور شاكر مصطفى.

وعام 570هـ اتجه صلاح الدين بجيشه نحو ميناء ومدينة العقبة لما تمثّله من أهمية جغرافية محورية تتحكم في طرق العبور نحو الحجاز واليمن، وقد هدف من خلال هذه الخطوة إلى تضييق الخناق على الصليبيين عبر تعطيل قنوات تموينهم واتصالهم.

صلاح الدين والقضاء على الخلافة الفاطمية

وبالتوازي مع جهوده العسكرية، شرع صلاح الدين في تنفيذ مشروع سياسي طويل المدى يستهدف تحويل البنية الاجتماعية في مصر من الولاء للنظام الفاطمي الآفل إلى الارتباط بالدولة الصاعدة التي يقودها.

إعلان

وانطلقت هذه الرؤية من إصلاحات اقتصادية واجتماعية ممنهجة، ركّزت على تخفيف الأعباء الضريبية التي أرهقت السكان خلال العقود السابقة، وإشاعة العدل في مؤسسات الحكم، وتوجيه موارد الدولة نحو تلبية حاجات الفئات الضعيفة، وقد أسهمت هذه الإجراءات بصورة مباشرة في تعزيز قبول المصريين لسلطته وترسيخ الثقة الشعبية بالمشروع الأيوبي الجديد.

وتوجّه صلاح الدين نحو تحييد شبكات الفساد والولاء الفاطمي التي بقيت تنشط في الظل، إذ تصدى لقوى من الداخل -من بقايا الحرس الفاطمي وعناصر ارتبطت بمؤامرات داخلية- أهمها ما عُرف بـ"مؤامرة العبيد السودان" و"مؤامرة عمارة اليمني" وغيرها من محاولات لإعادة إحياء حكم الفاطميين عبر التآمر أو التحريض.

وباشر في تفكيك تلك التنظيمات بإجراءات أمنية صارمة، كذلك أُعيد تنظيم الجيش، بحيث استُبعدت وحدات الحرس القديم، وبُنيت قوة عسكرية جديدة من جيوش الشام الكردية والتركمانية، مما ضمن لسلطته سيطرة محكمة على القوة المسلحة، وأغلق الباب نهائيا أمام أي محاولة لاستعادة الحكم الفاطمي من الداخل أو من الخارج.

وقد جمعت إستراتيجية صلاح الدين بين الحزم العسكري في الخارج وبناء الشرعية على العدل ومحاربة الفساد بالداخل، وفي الوقت الذي كانت فيه خطواته ضد الصليبيين تُكسبه تقدير المصريين.

جاءت تحركات صلاح الدين الأيوبي العسكرية في جنوب بلاد الشام والساحل الفلسطيني جزءا من رؤية أوسع لتأمين الطريق بين مصر والشام، بما يسمح باندماج الجبهتين في مواجهة الصليبيين (ميدجيرني – الجزيرة)

وحين تعزز نفوذ صلاح الدين في مصر بعد سلسلة انتصاراته على الصليبيين وتثبيت سلطته بالقاهرة، وجد نور الدين فرصة ليحثه على تنفيذ التحوّل السياسي الأكبر الذي طال انتظاره لإنهاء الحكم الفاطمي وقطع الصلة رسميا مع العقيدة الإسماعيلية.

وأثناء تلك الحوادث كان الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله يواجه مرضا شديدا عزله عن شؤون الحكم، ولم يلتفت كثيرون إلى خبر وفاته حين وافته المنية بعد فترة وجيزة، إذ كانت مصر قد دخلت فعليًا في طور سياسي جديد.

وقد كان اعتدال المشهد في القاهرة مردّه إلى أن الخلافة الفاطمية، التي يمكن وصفها وقتئذ بـ"الرجل المريض" في الجبهة الإسلامية، فقدت قدرتها على التأثير، وانشغل الناس عنها وانهمكوا في مواجهة الغزو الصليبي الذي كان يُعدّ التهديد الأكبر لأرضهم وديانتهم، وهكذا أُغلِق آخر فصل لتلك الدولة دون ثورة شعبية أو اضطراب أهلي، بل عبر انتقال هادئ ناتج عن تآكل مقوماتها وفقدانها ثقة المحكومين.

ومن الملاحظ أن اثنين من أبرز المؤرخين المعاصرين لصلاح الدين في تلك الحقبة، هما ابن الأثير المقرَّب من الدولة الزنكية، وابن أبي طي الشيعي، قدّما روايات لا تخلو من بعض التحيز، ولكلٍّ منهما أسبابه. فابن الأثير – وهو من كبار مؤرخي الإسلام – ينتقد صلاح الدين بسبب تسيّده على مصر والشام وهما ميراث الزنكيين، مع أنه يكشف في مواضع كثيرة عن جوانب إيجابية من سياسته في مصر، ويؤكد أن السلطان الناصر لم يقطع تبعيته لنور الدين، كما ينبّه إلى إعلانه الولاء للخلافة العباسية.

أمّا ابن أبي طي، الذي استقى كثيرًا من رواياته من والده المنفي إلى حلب بأمر نور الدين، فتبدو في سرده ملامح تحيز أوضح. وعلى هذا الأساس شاع الاستناد إلى قول ابن الأثير بأن صلاح الدين تردد في القضاء على الخلافة الفاطمية خوفًا من نور الدين، لتأكيد زعم أنّه لم يكن مقتنعًا تمامًا بإسقاطها، وأنه كان يخشى أن يؤدي ذلك إلى تدخل  الزنكيين وتهديد نفوذه في مصر.

إستراتيجية صلاح الدين في مصر

والحقيقة أن عددا كبيرا من المؤرخين المعاصرين مثل شاكر مصطفى في كتابه "صلاح الدين" ويعقوب ليف في كتابه "صلاح الدين في مصر" ومايكل فلوتون في كتابه "التنافس على مصر، سقوط الخلافة الفاطمية" ينفون الادعاء بأن صلاح الدين لم يكن حاسما في موقفه من الخلافة الفاطمية، ويرون أن وجهة النظر هذه متهافتة عند إخضاع المشهد السياسي والعسكري آنذاك للفحص الدقيق، فخطوات صلاح الدين منذ بداية تولّيه الوزارة الفاطمية تشير بوضوح إلى رؤية إستراتيجية متكاملة تستهدف إنهاء الخلافة الفاطمية بصورة تدريجية ومدروسة.

إعلان

حيث حرص على تفكيك مراكز القوة التابعة للنظام القديم داخل مؤسسات الدولة، مع إقصاء العناصر المؤثرة في صنع القرار، ليُفرغ الخلافة الفاطمية من مضمونها فعليا قبل إعلان سقوطها رسميا، وهو ما يعكس مشروعا متواصلا نحو إلغاء الحكم الفاطمي لا نحو الإبقاء عليه كما يروّج بعض المؤرخين وعلى رأسهم ابن الأثير.

وقد جاءت تحركاته العسكرية في جنوب بلاد الشام والساحل الفلسطيني جزءا من رؤية أوسع لتأمين الطريق بين مصر والشام، بما يسمح باندماج الجبهتين في مواجهة الصليبيين، ولم يكن ذلك خروجا عن سلطة نور الدين كما قد يبدو في قراءة سطحية للأحداث، بل خطوة تمهيدية لتعزيز المشروع الزنكي في توحيد العالم الإسلامي، مع منح مصر موقعا قياديا داخل هذه المنظومة الجديدة.

أما على المستوى السياسي، فقد حافظ صلاح الدين على ولائه الواضح لنور الدين، ولم يُظهر أي سلوك يوحي بالرغبة في التفرد بالسلطة أو الانقلاب على الإطار الشرعي الذي تحرك من خلاله، حيث تجنّب المواجهة مع نور الدين، إدراكا منه أن أي صدام داخلي سيكون بمثابة خدمة مجانية للصليبيين، في وقت كانت فيه معركة الوجود الإسلامي هي العنوان الأكبر للمرحلة، فلما أمره نور الدين بالدعاء للخليفة العباسي المستضيء بالله على منابر القاهرة امتثل لأمره.

وسنرى مدى حرص نور الدين على استقرار الأوضاع لصلاح الدين في مصر، فيذكر أبو شامة في تاريخه نصيحة نور الدين لتورانشاه أخي صلاح الدين الأكبر، وكان صلاح الدين يعامله باحترام وتقدير وخدمة زائدة، وذلك قبل سفره إلى مصر ضمن جيش أرسله نور الدين ليدعم موقف صلاح الدين قائلا له:

"إن كنتَ تسير الى مصر وتنظر إلى أخيك أنه يوسف الذي كان يقومُ في خدمتك وأنت قاعد فلا تَسِر، فإنك تُفسد البلاد وأُحضرك حينئذ وأُعاقبك بما تستحقه، وإن كُنت تنظر إليه أنه صاحب مصر وقائم فيها مقامي وتخدمه بنفسك كما تخدمني فَسِر إليه واشدد أزره، وساعده على ما هو بصدده، فقال تورانشاه: أفعلُ معه من الخدمة والطاعة ما يصل إليك إن شاء الله تعالى فكان كما قال".

ويعترف ابن الأثير نفسه في تاريخه الكامل بعد ادعائه السابق بأن صلاح الدين لم يكن يريد تصفية الخلافة الفاطمية، قائلا "ألح عليه (نور الدين) بقطع خطبة العاضد، وألزمهم إلزاما لا فُسحة له في مخالفته، وكان على الحقيقة نائب نور الدين، واتفق أن العاضد مرض هذا الوقت مرضا شديدا، فلما عزم صلاح الدين على قطع خطبته استشار أمراءه، فمنهم من أشار به ولم يفكر في المصريين، ومنهم من خافهم إلا أنه ما يمكنه إلا امتثال أمر نور الدين.

وكان قد دخل إلى مصر إنسان أعجمي يعرف بالأمير العالم، رأيته أنا بالموصل، فلما رأى ما هم فيه من الإحجام، وأن أحدا لا يتجاسر أن يخطب للعباسيين قال: أنا أبتدئ بالخطبة لهم، فلما كان أول جمعة من المحرم صعد المنبر قبل الخطيب، ودعا للمستضيء بأمر الله، فلم ينكر أحد ذلك، فلما كان الجمعة الثانية أمر صلاح الدين الخطباء بمصر والقاهرة أن يقطعوا خطبة العاضد ويخطبوا للمستضيء، ففعلوا ذلك فلم ينتطح فيها عنزان".

إذن كان الخلاف -إن صح أن هناك خلافا- على التوقيت وليس الهدف ذاته، خوفا من قوى النظام القديم المتربصة والكامنة في المناصب المهمة وبين عامة الناس، ومن ثم كان تعامل صلاح الدين مع هذا الملف بحذر شديد تفاديا لأي اضطرابات داخلية قد تُفشل مشروعه العسكري ضد القوى الصليبية لاحقا.

وتأتي الأحداث التي أعقبت سقوط الفاطميين لتؤكد الهدف الثابت الذي كان صلاح الدين يتقدّم نحوه منذ دخوله القاهرة، فقد أرسى فورا أسس الدولة الأيوبية وبسط مظلة الشرعية العباسية، وأعاد توجيه مصر سياسيا ومذهبيا لتكون قاعدة المواجهة المرتقبة من أجل تحرير القدس، كل ذلك يؤكد أن ما كان منه ما قبل تصفية الدولة الفاطمية كان إعدادا محكما، وما بعده كان انطلاقًا نحو تحقيق الغاية الكبرى.

وبعد القضاء على الحكم الفاطمي وإعلان تبعية مصر للخلافة العباسية، انطلقت مرحلة إعادة تنظيم الحياة السياسية والإدارية في البلاد، لتأكيد شرعية التحول التاريخي الذي قاده صلاح الدين، وقد بدأت هذه المرحلة بإرسال وفد رسمي إلى بغداد ليُعلن نهاية الدعوة الفاطمية، وتفعيل الخطبة باسم الخليفة العباسي على منابر القاهرة وسائر المدن المصرية، ورافق ذلك تنكيس الرايات البيضاء التي ارتبطت بالحكم الفاطمي، ورفع الأعلام السوداء رمز الدولة العباسية.

إعلان

ويرصد عبد الرحمن عزام في كتابه "صلاح الدين وإعادة إحياء المذهب السني" عملية الإصلاح الشاملة التي قام بها صلاح الدين، فعلى مستوى الجهاز الرسمي ألزم قادة الدولة وكبار موظفيها بحضور صلاة الجمعة تحت الراية العباسية، ليبرهن المصريون علنا على انتقال ولائهم السياسي، كما أُعيد سكّ العملة باسم الخليفة العباسي المستضيء بالله، مع إبراز اسم نور الدين بوصفه صاحب السلطان الأعلى في مصر هذه المرحلة الانتقالية.

وشملت خطة الإصلاح أيضا تطهير الجهاز القضائي والإداري من العناصر الفاطمية التي كانت مؤثرة في مفاصل الحكم، وتعويضها بقضاة شافعيين جدد كان يدين لهم صلاح الدين فكريا وعقديا، ومنهم صدر الدين ابن درباس الذي تولّى منصب قاضي القضاة. ولم يكتفِ صلاح الدين بذلك، بل أعاد هيكلة المؤسسات التعليمية والدينية بإغلاق دار المعونة التي كانت سجنا سيئ السمعة في القاهرة وتحويلها إلى مدرسة لنشر المذهب الشافعي، مع إنشاء مدارس أخرى للمذهب المالكي.

كما أنهى صلاح الدين حضور الطقوس والشعائر الفاطمية في المجتمع التي تتصادم مع اعتقاد العامة، مثل الأذان بصيغة التشيّع "حي على خير العمل" ومنع تعليم المؤلفات التي تخدم العقيدة الإسماعيلية، واستبدلها بممارسات سنية جامعة، كما سعى أيضا إلى تنقية الهوية الاجتماعية من بقايا الخطاب الفاطمي الذي كان يربط النسب السياسي للخلفاء الفاطميين بآل البيت، فعمل على تفنيد تلك الدعوى ضمن سياق الشرعية العباسية الجديدة.

أما على الصعيد المالي، فقد اتخذ صلاح الدين قرارا حاسمًا بإبطال الضرائب الجائرة والمكوس التي أنهكت المصريين طوال العقود السابقة، ودوّن أوامر رسمية بإسقاط الديون والمظالم عن العامة وإعادة الأموال غير المشروعة إلى أهلها، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بتخصيص مبالغ ضخمة لإصلاح الأحوال الاجتماعية ودعم الفقراء، وتسهيل شؤون الحجاج المصريين إلى الحجاز، بعد أن أعاق الفاطميون كثيرًا من طرقهم ونشاطهم التجاري.

وقد لمس المصريون لأول مرة منذ فترة طويلة نتائج سياسية واقتصادية تُعيد إليهم الشعور بالعدل والكرامة، وهو الأمر الذي لاحظه الرحالة والفقيه الأندلسي ابن جبير حين دخل مصر في عصر صلاح الدين، مما أكسب الأخير ثقة واسعة بين مختلف طبقات المجتمع في الداخل والخارج، وجعل مشروعه لتوحيد الجبهة الإسلامية يترسخ على أساس من الداخل قبل أن يتجه إلى تحرير القدس.

مقالات مشابهة

  • مصدر أمني: عناصر الجماعة الإرهابية يروّجون صورًا مفبركة عن تجمعات لمواطنين بالمحافظات
  • هند الضاوي: القضاء على الديمقراطيين أحد اهداف ترامب بتصنيف الاخوان جماعة إرهابية
  • هند الضاوي: ترامب يعتبر جماعة الإخوان أحد أدوات الحزب الديمقراطي في الشرق الأوسط
  • انقلاب دولي على "الإخوان".. هند الضاوي: ترامب يعتبر الجماعة أداة للديمقراطيين
  • FP: جماعة الإخوان لا تزال غير إرهابية وحظرها سيعزز قمع أنظمة المنطقة
  • خوجة في مكة يستعرض تاريخ الصحافة السعودية ومستقبلها الرقمي ويكشف قصة إطلاق قناتي القرآن والسنة
  • تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.. نهاية للحرب أم تصعيد للصراع في السودان؟
  • خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
  • عبقرية التفكيك.. كيف واجه صلاح الدين الدولة الفاطمية العميقة؟
  • جيل زد... هل يكسر ثنائية الإخوان والدولة العميقة؟