محمد كركوتي يكتب: عالم غارق بديونه
تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT
يبدو واضحاً أنه لا توجد حدود للديون الحكومية حول العالم، التي شهدت منذ مطلع العقد الحالي، مزيداً من الارتفاع لأسباب عديدة، من بينها مواجهة تكاليف جائحة «كورونا»، والمصاعب الاقتصادية والمعيشية التي ظهرت أيضاً جراء الزيادة الهائلة للتضخم، وبالطبع وصول الفائدة على الدولار الأميركي إلى أعلى مستوياتها.
أما لماذا هذا العامل الأخير؟ فلأن أكثر من 70% من الديون العالمية مقومة بالعملة الأميركية.
هذه الديون ليست حكراً على البلدان النامية، حيث تبلغ حصتها فيها الثلث، بل تشمل كل الدول المتقدمة أيضاً، إلى درجة أن زادت التحذيرات المتلاحقة من المؤسسات المالية، من إمكانية خروج ديون الولايات المتحدة نفسها عن السيطرة.
الإقبال على الاقتراض لا يهدأ، رغم الفائدة المرتفعة، فغالبية الحكومات تعاني عجزاً مالياً، تجاوز في بعض الدول مستوى ناتجها المحلي الإجمالي. ومشكلة الديون لا تكمن فقط بفوائدها الباهظة، بل تشمل بالدرجة الأولى تقليل قوة الحكومات على الإنفاق في مجالات الخدمات والرعاية لشعوبها.
بعض الحكومات توقفت بالفعل عن ذلك، وبعضها الآخر تقدم خدماتها عملياً دون جودة. وكلما زادت الأزمات الاقتصادية، ارتفعت مستويات الديون الحكومية. ففي العام الماضي، ارتفعت بمقدار 5.6 تريليون دولار، ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع في العام الحالي، تحت ضغوط حالة عدم اليقين التي تلف الاقتصاد العالمي. وإذا كانت الدول المتقدمة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها حيال ديونها، فإن عدداً متزايداً من البلدان يئن تحت وطأة هذه الديون.
ولأن الأمر كذلك، كان لا بد من إعادة النظر بديون الدول النامية، خصوصاً في الأعوام الماضية، حيث شهدت أزمات اقتصادية عدة في آنٍ معاً، يضاف إلى ذلك ضرورة أن تتخذ حتى الدول المتقدمة إجراءات سريعة لتطمين الأسواق بشأن ديونها. فالديون الحكومية هي في الواقع جزء من إجمالي الديون العالمية التي تشمل أيضاً القطاع الخاص والأفراد، والتي بلغت في العام الماضي، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي 315 تريليون دولار، تمثل كلها «قنبلة» اقتصادية موقوتة، إذا لم تتم السيطرة عليها. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: محمد كركوتي كلام آخر فی العام
إقرأ أيضاً:
يوسف عبد المنان يكتب: شطحات الحكيم
كان محمد مختار ولد أحمد الصوفي، الغارق في فلسفة محيي الدين بن عربي، يحدّث الناس في مدينة واذيبو بموريتانيا كل عام عن رؤاه المنامية. يدّعي حيناً أنه إلتقى الرسول ﷺ، وأحياناً يزعم أن أبا هريرة حدّثه بكذا وكذا. حتى نهضت جماعة سلفية فقطعت رأسه، بدعوى أنه رجل فتنة يتقول على السلف الصالح بمزاعم لا يسندها دليل من كتاب أو سنة.
وللإمام أبي حامد الغزالي شطحات في التصوف جعلت البعض يتهمه بالجنون واختلال العقل، فيما تم تكفير نصر حامد أبو زيد من قبل فقهاء الأزهر الشريف بعد صدور كتابه الشهير “التفسير التأويلي للقرآن الكريم”، بحجة أنه متخصص في اللغة العربية وليس له دراية بعلم التفسير.
واليوم، يخرج علينا محمد هاشم الحكيم بزوبعة جديدة، يثير بها الغبار في عاصفة البحر، مدعياً رؤيا منامية رأى فيها الرسول ﷺ يأمره أن يبلغ الفريق البرهان بالتفاوض مع قوات الدعم السريع لإنهاء الحرب في السودان.
لكن الرؤى المنامية – كما هو معلوم في الشرع – لا يُحتج بها في الأحكام، ولا يُعتد بها بعد وفاة الرسول ﷺ. فلم نسمع أن أحداً من العشرة المبشرين بالجنة حدثنا عن رؤيا من هذا النوع، رغم أنهم كانوا أولى بها، خصوصاً بعد وفاة النبي واندلاع حروب الردة التي خاضها الخليفة أبو بكر الصديق.
واليوم، تُنسب الرؤى إلى شيوخ أمثال محمد هاشم الحكيم، الذي نُشرت له صور مع سفراء “شياطين العرب” – ممن أشعلوا فتيل حرب آل دقلو – مما يضعه في موضع الاتهام بمولاة طرف على حساب آخر. وليته لم يوالِ الفئة الباغية، التي أجمعت أغلب فتاوى أهل العلم في السودان على بغيها.
ولو سُلّم برؤية الشيخ المنامية، فغداً سيخرج شيخ آخر من زريبة البرعي، وثالث من الكريدة، وكل منهم يدّعي أن الرسول حدّثه في المنام عن أمور مشتبهات. ولأصبح السودان دولة تُحكم من شيوخ المنامات، حتى وإن خالفت صحيح الحديث أو نصوص القرآن القطعية.
ثم كيف للشيخ أن يتيقّن أن من رأى في المنام هو الرسول ﷺ؟ أليس من المحتمل أن من تمثل له كان شيطاناً أو حتى أحد شخوص السياسة؟ ربما كان عبد الله حمدوك أو خالد سلك، تمثّل له بهيئة بشر سوي!
وفي هذا السياق، لا ننسى ما أبدع فيه الدكتور أحمد الطيب زين العابدين في روايته “دروب قرماش”، حيث قرّب صورة الصراع بين أهل الظاهر والباطن في حبكة روائية بارعة. فقد روى قصة الفكي “قرماش” الذي ادّعى علاج الناس وجلب المطر ودفع الشر عنهم، فتبعه جمع من أهل القرى المحيطة بالجنينة. ثم جاء رجل خطب فيهم وشكك في صدق الفكي، وطلب منه أن يجريا اختباراً أمام الناس: أن يُذبح ثور، ويُعطى كل واحد منهما قدحاً من اللحم، ويحمي كلٌّ قدحه بطريقته.
الفكي كتب محاياته، والرجل دسّ في جيبه روث مرفعين (ضبع)، ووضع قدحه في غرب القرية، بينما وضع الفكي قدحه شرقها. وفي الصباح هجمت الكلاب على قدح الفكي وأتت عليه، بينما لم تقترب من قدح الرجل الآخر بسبب الرائحة الكريهة. فطُرد الفكي قرماش من القرية، وأفصح الرجل للناس عن حيلته حتى لا يظنوا فيه كرامة أو كرامات.
وعليه، فإن على الأخ محمد هاشم الحكيم أن يعلن للناس من يقف وراء هذه المزاعم المنامية. فربما يأتي غداً من يقول إنه رأى الرسول ﷺ، وأمره بأن تُعقد مفاوضات في المنامة، أو أن يُصدر إعلان مبادئ جديد أوحاه له الرسول في منامه. وهكذا، يصبح مستقبل السودان مرتهناً لأحلام ومزاعم لا حجة فيها ولا يقين.
يوسف عبد المنان
إنضم لقناة النيلين على واتساب