الهامش أغلى من الموز.. انتصار الثورة السودانية والربط بين قواها في الريف والهامش والمدن «1- 2»

ياسر عرمان  

الموز فكرة من الأفكار المضادة للثورة وككل فكرة ان وجدت أجنحة فإنها ستحلق بعلو أو انخفاض، والأفكار في حقلها وسياقها المتصل بالحياة تخدم مصالح وقوى أجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية على الأرض وتمشي بين الناس في الأسواق.

وبعد ثورة ديسمبر كانت فكرة (الموز) منصة لتعويق الانتقال اتخذت من الهامش غطاءا وهي فكرة ضد الهامش بامتياز، كانت (تبن تحته ماء الفلول) جمعت عملاء ومصادر الاجهزة وبعض قادة الحركات المسلحة وتوابعهم، وهنا لا نقول حركات الكفاح المسلح، فـ(الكفاح) بالضرورة ينحاز للثورة اما السلاح دون هدي وكتاب ثوري منير فانه بالضرورة يقف ضد الثورة والفرق يدهش النظر مثل دعاية صابون (اومو)!

في ابريل 1985 كانت انتفاضة ابريل وهزيمة نظام نميري، وكان نادي اساتذة جامعة الخرطوم هو المركز الرئيسي من مراكز التجمع النقابي وقوى الانتفاضة، في ذلك اليوم تحديدا كانت مكبرات الصوت قد علا صوتها عند الساعة الثالثة عصرا وتم ربطها باذاعة الجيش الشعبي ذات الجمهور العريض، والكل كان في انتظار بيان هام للدكتور جون قرنق يعلن فيه موقفه من انتفاضة ابريل واذا ما كان سيعلن انضمامه الى قوى الانتفاضة والمجلس العسكري في الخرطوم. كان الكفاح المسلح ذو جاذبية والق وشآن وكان الكلاشنكوف رمزا للتحرر والثورة يومذاك، واليوم تناقصت قيمته واصبح في كثير من الاحيان رمزا للقتل والنهب والاعتداء على المدنيين وتصاعدت قيمة النضال السلمي الجماهيري وعائده.

كنا شبابا ومصممين على اكمال وكنس السدنة وفتح طريق جديد لبلادنا وقد كان نادي الاساتذة مزدحما وبدا قرنق خطابه الذي حوى افكارا جديدة اسعدت الشباب واحبطت النادي القديم، وكان قرنق نفسه شابا ومهتما بالاجيال الجديدة وبالثورة ومتحديا للطبقة السياسية فكرا ومؤسسات وتسابق افكاره سلاحه، وقد هز كثيرا من المسلمات التي لم تكن تعترف بالتنوع وبالمواطنة بلا تمييز، وان ما يسمي بقضية الجنوب هو في الاصل قضية السودان وحلها في تغيير سياسات الخرطوم.

واردف قائلا: “إن الذي جرى في الخرطوم هو ظاهرتين إحداهما ثورية والاخرى رجعية قطعت الطريق على الظاهرة الثورية فانتفاضة الشعب قطع طريقها جنرالات نميري.” واطلق عليهم “مايو الثانية” وطالب بحل المجلس العسكري وتسليم السلطة لقوى الانتفاضة، وقد اقترب على نحو بعيد من قضية ربط قضايا الهامش بنضالات المدن، ورغم التعقيدات التي تضمنها طرحه ولكنه راي في قوى الانتفاضة حليف استراتيجي وهذا هو الاهم. وتطور الحوار بينه وبين قوى الثورة حتي بلغ مؤتمر كوكدام الذي طرح فيه مرة اخرى فكرة المؤتمر الدستوري لحل المعضلات التاريخية التي تواجه السودان. معلوم ان موجة الكفاح المسلح التي تطرح ضرورة تغيير سياسات المركز وبناء واعادة هيكلته قد خرجت من معطف قرنق في عام 1983 ولكنه تجاوز محطة الاحتجاج وقام بطرح رؤية السودان كبرنامج بديل وتجاوز المخاوف من جماهير المدن للعمل معها وانخرط في حوار متصل مع القوى السياسية الوطنية والديمقراطية ووصل الى قمة الجبل في الساحة الخضراء التي دمجت بين جمهوري الهامش والريف وجمهور المدن في كتلة فريدة لم يشهدها السودان من قبل. وذكر لي الراحل الدكتور علي حسن تاج الدين عندما جاء لاستقبال قرنق في مطار الخرطوم والساحة الخضراء انه قد صحب والده وهو صبي في بواكير الاستقلال لكنه لم يري جمهورا مثل يوم الساحة الخضراء. لقد كانت كتلة فريدة اوصلت قرنق الى قاعدة اجتماعية جديدة من الريف والمدن وادي ذلك الحدث الى تغييبه من كامل المشهد السياسي فقد توصل يومها الى الحبل الذي يقود لخلق كتلة تاريخية تؤدي الى تغيير السودان في عملية ديمقراطية سلمية وبمشاركة الملايين، والساحة الخضراء لم تمت وجمهورها هو الذي يمكن ان يوحد السودان.

في ساحة الاعتصام وفي جمهورية اعالي النفق كان شعار الديسمبريات والديسمبريين (الشعب يريد بناء سودان جديد) ولمعت صور قرنق كبارق الثورة المتبسم، وهو رصيد معنوي وفكري لاعادة توحيد السودان في اتحاد سوداني بين بلدين ذوي سيادة وما اصوات الاخوة الشريفة في استاد جوبا بالامس الا صوتا من التاريخ والمستقبل.

جماعة الموز رفعت شعارات الهامش في وجه الثورة مثل ما رفع (قميص عثمان) في وجه الامام (علي) “والله ما معاوية بادهى مني ولكنه يمكر ويفجر وانا لا امكر ولا افجر”. وما اجمل ان يتطابق القول بالفعل.

فكرة الموز باعت الثورة بتراب السلطة وفرمانات التعيين والمتغطي بطرف السلطة عاري من قضايا الثورة والهامش. لقد كان المكون العسكري بشقيه ممولا لفكرة (الموز) التي لم تكن لتصمد دون تمويل وتم الربط بين الانقلاب والموز ولكن الهامش برىء كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب، واستخدمت قضاياه زورا وبهتانا في مطبخ الانقلاب (الليلة ما بنرجع الا البيان يطلع) كما ذكر احد (التوابع)، ومن بيان الانقلاب وتخريب الانتقال خرج خازوق الحرب.

فكرة (الموز) يقف خلفها المؤتمر الوطني وقصد منها احداث قطيعة بين مقاومة الريف والهامش والنضال السلمي الذي راس رمحه المدن وجسدته ثورة ديسمبر واستطاعت ان توحد كتلة عريضة في الريف والمدن بدات بالدمازين وانتهت في ساحة الاعتصام، وتلك كتلة كان يخشاها المؤتمر الوطني، ولكن للاسف قوى مهمة من قوى الكفاح المسلح فشلت في ان تري في ثورة ديسمبر مدخلا لاعادة هيكلة السودان وحل القضايا والمظالم التاريخية، وعلى راسها قضايا الحقوق الطبيعية؛ حق الحياة وحق المواطنة بلا تمييز، واعادة الوجه المنتج للريف وربطه عضويا بتحسين شروط الحياة في المدن وخلق كتلة تاريخية حرجة لازمة لوحدة السودان ولانتصار الثورة وللوصول لسودان جديد . اكتفت بعض حركات الكفاح المسلح  بالوقوف عند اسوار الاحتجاج ومطالب الحواضن الاثنية دون ربطها بمطالب التغيير الشامل بل ان بعضها اراد ان يبدل الضحايا بضحايا اخرين بدلا من حق الاخرين في ان يكونوا اخرين.

13 يونيو 2024

الوسومالخرطوم السودان الكفاح المسلح ثورة ديسمبر جون قرنق قضايا الهامش قوى الانتفاضة نظام نميري ياسر عرمان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الخرطوم السودان الكفاح المسلح ثورة ديسمبر جون قرنق قوى الانتفاضة ياسر عرمان الکفاح المسلح ثورة دیسمبر

إقرأ أيضاً:

أوقاف القليوبية: تجهيز 471 ساحة لصلاة عيد الأضحى بالمراكز والمدن

أعلن الشيخ ياسر غياتي وكيل وزارة الأوقاف بالقليوبية، رفع حالة الطوارئ لإستقبال عيد الأضحي المبارك وبدء تجهيز ساحات صلاة عيد الأضحى 2025 بمحافظة القليوبية، حيث جري تجهيز 471 ساحة رئيسية في المراكز والمدن استعدادا لصلاة العيد بزيادة 20 ساحة عن عيد الفطر، إذ قامت المديرية بتجهيز الساحات المختلفة بجانب اعلان الطوارئ في كل مساجد المديرية في مختلف الإدارات.

من المقرر أن تشهد أماكن ساحات صلاة عيد الأضحى 2025 بمحافظة القليوبية أداء الصلاة وفق التوقيت المحلي لمدينة بنها في تمام الساعة 06:18 ص، في المساجد الكبرى التي يؤدي فيها صلاة الجمعة بجانب الساحات المعتمدة وعددها 471 ساحة.

أوضح وكيل وزارة الأوقاف أنه جري اعتماد أماكن ساحات صلاة عيد الأضحى 2025 بمحافظة القليوبية، في المساجد والساحات ومراكز الشباب أبرزها إضافة ساحة جديدة بنادي بنها الرياضي لأداء صلاة العيد وفق توجيهات المهندس أيمن عطية محافظ القليوبية بالتوسع في إقامة ساحات الصلاة.

مقالات مشابهة

  • حضرت احتفالية.. محامي نوال الدجوي يرد على تحدي الخصوم: الدجوي في كامل قواها العقلية
  • بعد توليه رئاسة الحكومة السودانية.. من هو كامل إدريس؟
  • خطوة جديدة في مجال التنقيب عن النفط وإنتاجه.. تركيا توحد قواها مع دولة إفريقية
  • أوقاف القليوبية: تجهيز 471 ساحة لصلاة عيد الأضحى بالمراكز والمدن
  • له فكرة خاصة..تامر حسني يعلن عن موعد طرح "حبيبي تقلان" من البوم "لينا معاد"
  • بيان عسكري للقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح بمناسبة انتصارهم في محور الخوي
  • رزيق يسلّم وثائق التوطين البنكي لمستوردي الموز 
  • «لسنا أصدقاء».. مجدي عبد الغني يعلق على فكرة الصلح مع كهربا
  • “فكرة عيد” فعالية فنية ترفيهية للأطفال في مدينة شهبا بالسويداء
  • بالصور.. فيلم «آخر راجل في العالم» مفاجأة الصيف والبطل مفاجأة