سلطنة عمان بين الدول الأكثر سلامًا إقليميًا
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
رصد – أثير
حلت سلطنة عُمان في المرتبة 37 عالميا في مؤشر السلام العالمي 2024م، وفي المرتبة الثالثة على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مرتفعة 11 مرتبة عن العام الماضي، لتستمر في تحقيق ارتفاع في هذا المؤشر، إذ حلت في المرتبة 48 عام 2023م، والمرتبة 64 عام 2022م، والمرتبة 73 عام 2021م.
يصدر مؤشر السلام العالمي 2024م عن معهد الاقتصاد والسلام، ويُصنف 163 دولة وإقليماً حسب مستوى السلام، ، ويقيس حالة السلام عبر ثلاث مجالات رئيسية، وهي السلامة والأمن المجتمعي، واستمرار الصراع المحلي والدولي، ودرجة العسكرة، وأضاف في مؤشر هذا العام مقياساً جديداً وهو القدرة العسكرية العالمية.
وضمن التصنفيات الفرعية لهذا المؤشر، يمكن إيجاز المراتب التي حصلت عليها سلطنة عُمان في الآتي:
– “استمرار الصراع المحلي والدولي” والذي يُصنف الدول من الأكثر سلمية إلى الأقل، حلت في المرتبة 17 لتكون متساوية مع 11 دولة أخرى نالت ذات النقاط ومنها دولتان عربيتان هما الكويت وقطر.
– “السلامة والأمن المجتمعي” والذي يُصنف الدول من الأكثر سلمية إلى الأقل، حلت في المرتبة 32، وسبقتها دولتان عربيتان، هما قطر في المرتبة 9، والكويت في المرتبة 16.
– “التكلفة الاقتصادية للعنف” والذي يٌصنف الدول من الأكثر تكلفة إلى الأقل، حلت في المرتبة 49 عالمياً، وبلغت النسبة المئوية من الناتج المحلي الإجمالي 8.93%، وسبقتها السودان في المرتبة 7 عالمياً، ثم فلسطين في المرتبة 10، وثالثاً السعودية في المرتبة 24، ورابعاً البحرين في المرتبة 26، والعراق 31، وقطر 40، والإمارات 41.
أبرز النتائج
خلُص مؤشر السلام العالمي إلى أن العالم أصبح أقل سلامًا للمرة الـ 12 خلال الأعوام الـ 16 الماضي، وفي المقابل فإن حالة السلام أصبحت أفضل في 65 دولة، وتدهورت في 97 دولة أخرى.
يرى المؤشر بأن الصراعات الإقليمية توضح التكلفة البشرية المدمرة وتعقيد الحرب الحديثة، وتفاقمت بسبب الدعم العسكري الخارجي والمنافسات الجيوسياسية، مستشهداً بالصراع بين روسيا وأوكرانيا الذي أدى إلى أكثر من 2000 حالة وفاة شهرياً، وما اعتبره بـ “صراع غزة” الذي نتج عنه 35 ألف حالة وفاة منذ أكتوبر 2023 دون الإشارة إلى دور الاحتلال الإسرائيلي.
واعتبر المؤشر أن أمريكا الشمالية سجلت أكبر تدهور إقليمي في حالة السلام، إذ سجلت كلاً من كندا والولايات المتحدة انخفاضاً كبيراً، مدفوعاً بتزايد جرائم العنف.
عربيًا
حلت 4 دول عربية ضمن حالة السلام المرتفعة، وجاءت الكويت في المرتبة الأولى عربياً والـ 25 عالمياً، تليها قطر في المرتبة 29، ثم سلطنة عُمان ثالثاً، والإمارات رابعاً في المرتبة 53 عالمياً.
عالميًا
حلت 11 دولة ضمن حالة السلام المرتفعة للغاية، وهي آيسلندا في المرتبة الأولى عالميًا ومحافظة على ذات المرتبة منذ عام 2008، تليها إيرلندا، ثم النمسا، ورابعًا نيوزلندا، وخامسًا سنغافورة.
فلسطين
اعتبر التقرير أن العمل العسكري الإسرائيلي في غزة أدى إلى مقتل أكثر من 35 ألف شخص، وتفاقم الصراع في المنطقة بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس، ومنها التدخل العسكري الأمريكي والبريطاني “ردًا” على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
وحلت فلسطين في المرتبة 145 عالمياً، واعتبر التقرير “صراع غزة” محركاً رئيسياً لما سمّاه بـ” سقوط السلام”، مشيراً إلى “توترات” تتصاعد منذ عام 2020م، وتصاعد عنف المستوطنين.
أما الاحتلال الإسرائيلي، حل في المرتبة الأولى ضمن الدول الخمس الأكثر تدهوراً في السلام، وحل في المرتبة 155 عالميًا، وسجلت تدهورًا كبيرًا في التصنيفات الفرعية، وأشار إلى التقرير إلى انخفاض في عدد الإسرائيليين الذين “شعروا بالأمان” في الحي الذي يقطنون فيه.
وأوضح التقرير أن “الصراع” أدى إلى عزلة إسرائيل في المجتمع الدولي، ونزوح أكثر من 100 ألف إسرائيلي، وتزايد لمخاطر الأعمال العدائية في المنطقة بين الاحتلال ودول أخرى.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: حلت فی المرتبة حالة السلام
إقرأ أيضاً:
سلطنة عُمان.. علاقات دبلوماسية متوازنة وثقة صلبة من الجميع
محمد المعتصم **
في منطقة تمتلئ بالتوترات والتحالفات التي تتبدل بحسب توافقات ومصالح، برزت سلطنة عُمان كاستثناء لافت؛ بعد أن اختارت منذ عقود سياسة الحياد الإيجابي، مع مزيج من الدبلوماسية المتوازنة والوساطة الصامتة. هذا المسار جعل من العاصمة مسقط مركزًا دبلوماسيًا يُمكن أن «يُهمس فيه» مع الجميع ويستمع إليه الجميع، وهم يدركون أنهم يتحدثون مع دولة أمينة في الطرح وفي التدخل، الولايات المتحدة، إيران، الدول الخليجية، وحتى القوى الدولية الكبرى يدركون أهمية هذا الدور الذي جعل السلطنة تحظى باحترام واسع، وثقة متجددة، وقدرة على لعب دور محوري عندما تشتد الأزمات.
تعود جذور سياسة الحياد العُماني إلى فهم واقعي لطبيعة المنطقة، عُمان رأت في عدم الانحياز إلى أحد الأطراف مخرجًا للحفاظ على استقرارها الداخلي وعلى مصالحها الاقتصادية أولًا.
الحياد العُماني ليس مجرد موقف مرحلي؛ بل هو جزء من هوية دبلوماسية: «الحياد الإيجابي» كما تصفه الدوائر الرسمية. نهج يعتمد على احترام سيادة الدول، عدم التدخل في الشؤون الداخلية لها، الالتزام بالقانون الدولي، والعمل الدبلوماسي الهادئ بعيدًا عن التصعيد.
هذا التوجه ساعد عُمان على تجنب الانخراط في النزاعات الإقليمية، وفتح لها باب الوساطة حين تتصاعد الأزمات.
وقد حافظت السلطنة على الحياد عبر أدواتها الدبلوماسية المتوازنة، مكنتها من بناء علاقات خارجية متعددة الأبعاد، حيث حافظت السلطنة على علاقات مفتوحة مع طيف واسع من الدول: من دول الخليج، إلى إيران، إلى الغرب (أوروبا، الولايات المتحدة)، بل وحتى الدول الناشئة. هذا «التوازن» يمنحها موضع ثقة من الأطراف المتناقضة.
أضف إلى ذلك هو اعتمادها على الوساطة خلف الكواليس، فبدلًا من التصريحات النارية والإدانات العلنية، تختار مسقط «القناة المغلقة» للحوار. في كثير من القضايا - من النووي الإيراني إلى أوضاع اليمن - وغيرها من القضايا التي تتحرك فيها بصمت بعيدًا عن الضجيج وبعيدًا عن المزايدات، حيث تعتمد على السرية والحيطة؛ فالدخول في التفاصيل علانية قد يُفسد الوساطة.
مبدأ «الحياد الصامت» منح عُمان مصداقية لدى الجميع... عُمان لا تدخل في نزاع عسكري أو تحالف مسلح. اقتصادها ما يزال يعتمد بنحو 70% على النفط والغاز، لكنها منذ سنوات بدأت خطوات فاعلة ومؤثرة لتنويع الاقتصاد. وهذا النهج العُماني الأصيل منحها مساحةً للمناورة الدبلوماسية بعيدًا عن التحزبات والتحالفات العسكرية.
الوساطة في الملف النووي الإيراني من أبرز الملفات التي أدرك فيها العالم حجم الدبلوماسية العُمانية، مارست عُمان دورًا محوريًا في وساطة سرية بين إيران والغرب. وفي 2025، أعلنت عُمان أنها عرضت عناصر من مقترح أمريكي على الجانب الإيراني خلال زيارات دبلوماسية قصيرة، في إطار جهود لإنهاء الجمود حول الملف النووي.
هذا الدور يعكس ثقة الطرفين بمسقط، الولايات المتحدة، لإيصال رسائلها إلى طهران. طهران، لكونها ترى في مسقط قناة آمنة وموثوقة تفتح لها أفق تفاهم بديل عن المواجهة.
ثاني الأزمات التي تدخلت فيها السلطنة كانت أثناء الأزمة اليمنية وتصاعد التوتر في البحر الأحمر وباب المندب، تدخلت عُمان كوسيط لطرح هدنة وقبول التفاوض بين الأطراف، وفي مايو 2025، أعلنت سلطنة عُمان أنها نجحت في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة أنصار الله في اليمن، وهو تحرك يُظهر قدرتها على التعامل باحترافية شديدة مع جبهات التوتر بلباقة.
إنَّ السياسة العُمانية لم تكن وليدة اللحظة؛ فخلال الحرب العراقية - الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، حافظت مسقط على حيادها، ولم تساند أي طرف. كذلك، أثناء احتلال الكويت ثم تحريرها، اتخذت موقفًا متوازنًا، أكّد على احترام السيادة، دون الانزلاق في محاذير الانحياز.
وعندما قاطعت الدول العربية مصر بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل رفضت سلطنة عُمان المقاطعة، وبقيت على علاقات مع مصر، وهو الموقف الذي ما تزال مصر تذكره إلى الآن، واستمر صداه بدايةً من حكم الرئيس محمد أنور السادات والرئيس محمد حسني مبارك؛ وصولًا إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يحمل تقديرًا خاصًا لسلطنة عُمان.
باختصارٍ.. سجل سلطنة عُمان في التعامل الهادئ مع القضايا الكبرى، جعلها أقرب لأن تكون «سويسرا الخليج»، أو كما وصفها بعض الباحثين بأنها: «دولة مؤثرة للغاية عبر ذكائها الدبلوماسي».
** كاتب صحفي مصري