الحر الشديد في بغداد..مقاومة بمياه النهر والمسابح وحلبة جليد
تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT
في حي الكريعات السكني في شمال بغداد، يسبح عامل البناء موسى عبدالله (21 عاما) يوميا في نهر دجلة إذ "لا خيار آخر" لديه في ظل ارتفاع درجات الحرارة في العراق والانقطاع المزمن للتيار الكهربائي.
ويقول العامل بملابسه المبللة والملطخة بدهان أبيض لوكالة فرانس برس ""نحن شباب ونريد أن نستمتع بوقتنا. إلى أين نذهب؟ في البيت لا كهرباء وحرارة المياه حارقة".
ويضيف فيما الحرارة 47 درجة مئوية عند الساعة الرابعة عصرا "يتسرب مني العرق وأشعر أنني انتهيت بحلول نهاية اليوم بسبب الشمس".
ويتابع "لا خيار آخر" سوى نهر دجلة حيث "المياه ملوثة".
في العراق الذي يضم 43 مليون نسمة، لا يميز الحر الشديد بين الطبقات الاجتماعية في الليل كما في النهار. غير أن سبل مواجهة ارتفاع درجات الحرارة تختلف، فيلجأ البعض إلى الخيارات المجانية مثل الأنهر فيما يقصد آخرون صالات ترفيهية فيها مياه وتكييف.
ومع انقطاع التيار الكهربائي ساعات طويلة في اليوم، تلجأ الكثير من الأسر إلى المولدات الكهربائية فيما يصبح التكييف في المنازل ترفا في بلد غني بالنفط لكنه يعاني من تهالك البنى التحتية نزاعات واستمرت لعقود وسياسات عامة غير فعالة.
وفيما يرتدي عبدالله صندلا بني اللون ليعود إلى منزله للاستحمام، يقفز رشيد الراشد البالغ 17 عاما في المياه حيث كان اثنان يغسلان شعرهما بالصابون.
ويقول الشاب الذي يعمل في جمع النفايات "الجو حار في المنزل ولا يمكنني أن أبقى فيه وقتا طويلا".
وفي منطقة أخرى على ضفاف دجلة، يختلف المشهد إذ لم يكن أحدا في النهر سوى دورية لشرطة النجدة النهرية أبعدت نحو 10 فتيان عن المياه.
ويقول أحد عنصري الدورية طالبا عدم الكشف عن هويته "كلما أبعدناهم عن المكان يعودون، إلى أن يغرق أحدهم".
ويضيف مشيرا إلى مقطع فيديو على هاتفه "هذا طفل عمره 11 سنة انتشلناه ميتا من المياه بعدما ظل غارقا مدة يوم ونصف اليوم".
وفي محافظة بغداد وحدها، قضى ستة أشخاص معظمهم دون سن العشرين غرقا في نهر دجلة بين الأول من مايو و19 يونيو، حسبما أفاد مصدر في شرطة بغداد.
وفيما تبقى السباحة في النهر الخيار الوحيد لمن يريد الهرب من الحر الشديد مجانا، يلجأ آخرون إلى مدن الألعاب المائية.
في مدينة ألعاب بغداد المائية في منطقة زيونة في شرق بغداد، تغطس دارين عبد (11 عاما) بزيها الزهري في المياه الباردة.
وتقول "أتمنى لو كان بإمكاني أن آتي إلى هنا 24 ساعة في اليوم".
ومنذ وصولها عند الواحدة ظهرا، توثق تلميذة الصف السادس التي تنوي البقاء في المسبح حتى الثامنة مساء، لحظات المرح بهاتفها على مزالق مائية ملونة ضخمة حيث يستخدم كثر عوامات سباحة خضراء وصفراء للتزحلق.
وتضيف الفتاة التي تمارس السباحة بانتظام منذ عامين "الحر قاتل والتيار الكهربائي مقطوع كل الوقت في البيت".
وتفتح هذه المدينة المائية التي تفرض رسم دخول يصل إلى 15 ألف دينار (11,5 دولارا تقريبا) للشخص الواحد، أبوابها حتى الساعة 23,00 يوميا.
ويقول المتحدث باسم الإدارة علي يوسف (23 عاما) "حل الصيف باكرا في هذا الموسم لذلك نشهد عددا كبيرا من الزوار يأتون بعد العمل أو بعد المدرسة".
بدوره، يشتكي الموظف في قطاع التربية ميثم مهدي (31 عاما) من انقطاع الكهرباء في منزله.
ويتوقع مهدي وهو أب لأربعة أطفال، في زيارته الثانية للصالة المغلقة هذا الشهر أن يرتاد المكان بكثرة هذا الصيف "من أجل البرودة".
وفي ظل تراجع نسبة المتساقطات وارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الجفاف، يعد العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثرا ببعض أوجه التغير المناخي وفق الأمم المتحدة.
وشهد هذا البلد في السنوات الأربع الأخيرة موجات جفاف متتالية اتسمت بنقص في المياه وانخفاض ملحوظ في مستوى الأنهار. لكن هذا الشتاء كان أكثر اعتدالا ورحب المسؤولون بالأمطار الغزيرة التي يأملون أن تحسن الوضع خلال الصيف.
لكن في بلد يتميز "بمناخ شبه صحراوي"، يتوقع أن تكون "السنوات القادمة أكثر حرارة" ويشهد "موجات حارة غير مسبوقة" نتيجة التغيرات المناخية بحسب المتحدث باسم الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي عامر الجابري.
ويتوقع أن تتخطى درجات الحرارة 50 مئوية هذا الأسبوع في أكثر من نصف محافظات البلاد، بينها بغداد وأخرى جنوبية، وفقا لتقرير لهيئة الأنواء الجوية العراقية.
ويضم مركز زيونة التجاري، صالة للتزحلق على الجليد هي الوحيدة في العاصمة العراقية، بحسب الإدارة.
وقد يصل عدد روادها إلى 100 في أيام العطل والأعياد، حسبما يقول المدرب سجاد محمد 25 عاما
ويؤكد أن الصالة المجاورة لمطاعم وصالة ألعاب إلكترونية تشهد إقبالا أكثر خلال فصل الصيف.
ويضيف الشاب أن في صالة التزحلق "الكهرباء مؤمنة 24 ساعة وكذلك أنظمة تبريد داخلية" للحفاظ على الثلج.
وبعد دفع مبلغ سبعة آلاف دينار (5 دولارات)، يضع حسين هلالي (11 عاما) الحذاء الخاص بالحلبة وينطلق فيما تلتقط والدته صورا له.
ويتردد التلميذ في الصف الخامس مرتين في الأسبوع مع أولاد عمه إلى هذه الحلبة.
ويقول "أستأنس بهذا المكان وأشعر براحة كبيرة أكثر من أي مكان آخر".
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار درجات الحرارة
إقرأ أيضاً:
مفارقة الوفرة والظمأ.. الشح المائي يهدد 4 ملايين ليبي
لطالما أُرجئت أزمة المياه في ليبيا إلى هامش الأولويات، محجوبة خلف وهْم وفرة مشروع النهر الصناعي التي لا تنضب، إلا أن الواقع اليوم بات يفرض -وفق المتابعين- معادلة أخرى، في ظل تقارير عن شح مائي تعاني منه البلاد.
فمع تجاوز العجز المائي اليومي نصف مليون متر مكعب، باتت ندرة المياه خطرا داهما يواجه ما يقرب من نصف الليبيين البالغ عددهم 7.4 ملايين نسمة، وفق موقع وورلد ميتر.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4أزمة مياه وتجويع وبلدية غزة تناشد للتدخل العاجلlist 2 of 4الجفاف يهدد الأمن الغذائي في سورياlist 3 of 4التنوع البيولوجي بين مخاطر التغير المناخي والأنشطة البشريةlist 4 of 4تغيّر المناخ يُفقد قطاع الزراعة الأوروبي 31 مليار دولار سنوياend of listوتعتمد ليبيا بشكل شبه كامل على المياه الجوفية التي تمثل 97% من إجمالي المياه المستخدمة للأغراض الزراعية والصناعية والاستخدام المنزلي المنزلية، وتعود مشكلة ندرة المياه إلى معادلة زيادة الطلب وتراجع مستوى هطول الأمطار خلال الأعوام الأخيرة.
وفي عام 1984، أطلق مشروع النهر الصناعي الذي صُمّم لنقل المياه من الأحواض الجوفية العميقة في الجنوب نحو الشمال عبر شبكة تمتد لأكثر من 4 آلاف كيلو متر، وبطاقة تصل إلى 6.4 ملايين متر مكعب يوميا.
توقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن تواجه ليبيا مع حلول عام 2025 عجزا مائيا سنويا يبلغ 4.2 ملايين متر مكعب، نتيجة الاستنزاف والاستغلال غير المستدام للمياه الجوفية وانهيار البنية التحتية، وتآكل شبكات النقل والتوزيع، ناهيك عن التغيرات المناخية وما صاحبها من تراجع لكميات الأمطار.
كما رصدت منظمة اليونيسيف في تقرير سابق ما يمكن وصفه بالمؤشرات المجتمعية للعجز المائي في ليبيا، إذ بات أكثر من 4 ملايين مواطن ليبي يواجه خطر العطش، فضلا عن تجاوز العجز المائي اليومي 581 ألف متر مكعب.
وفي مقاربة أخرى، قدم مدير المكتب الإعلامي لمشروع النهر الصناعي الحسن بوخريص، في تصريحه للجزيرة نت، قراءة أكثر تحفظا تجاه ما يُتداول من تحذيرات بشأن قرب نضوب المياه الجوفية في ليبيا، موضحا أن معظم هذه التحذيرات تستند إلى دراسات وأوراق بحثية أجنبية، تفتقر إلى الدقة الميدانية.
إعلانوأضاف أن مشروع النهر الصناعي صُمم ليدعم الزراعة والصناعة، لكن غياب البدائل حوله تدريجيا إلى المورد الأساسي، وهو دور لم يُصمم لتحمّله منفردا، حسب تصريحه.
وصوب بوخريص في حديثه للجزيرة نت الشائعات المتداولة حول تكلفة المشروع، إذ يُشاع أنه كلف 30 مليار دولار، بينما التكلفة الفعلية لم تتجاوز 15 مليار دينار ليبي وفق البيانات الرسمية، أي نحو 10 مليارات دولار.
وفي معرض تحديد المسؤوليات، أوضح بوخريص أن دور جهاز النهر الصناعي يظل فنّيا وتنفيذيا بحتا، ينحصر في استخراج المياه من الخزانات الجوفية ونقلها إلى مناطق الاستهلاك، دون أن يمتد إلى وضع السياسات المائية أو رسم إستراتيجيات الإدارة.
وفيما يتعلّق بالموارد، أشار المكتب إلى أن ليبيا لا تزال تحتفظ بأحد أكبر الخزانات الجوفية في شمال القارة الأفريقية، غير أن هذا الطرح التطميني لم يُغفل الإقرار بوجود جملة من التحديات البنيوية المتمثلة في:
– سوء التوزيع على المستوى الجغرافي والمؤسسي.
– الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي والتي تعيق انتظام الضخ.
– الاعتداءات المستمرة على مكونات البنية التحتية من خطوط وأنابيب ومحطات.
وفي هذا السياق، زوّد المكتب الإعلامي لمشروع النهر الصناعي الجزيرة نت بدراسة فنية تفصيلية، تضمنت مؤشرات دقيقة على وضع المخزون المائي الراهن تضمنت ما يلي:
– انخفاض مناسيب الأحواض الجوفية بـ15 مترا خلال العقدين الماضيين.
– تآكل نوعي في صلاحية المياه نتيجة ارتفاع ملوحة المياه في عدد من الآبار الإنتاجية بأكثر من 30%.
– رصد فاقد مائي كبير يتراوح في بعض المدن ما بين 30% و45%، نتيجة التسرّبات وضعف أعمال الصيانة.
– نحو 60% من محطات معالجة المياه لا تعمل بكامل طاقتها التصميمية أو متوقفة بالكامل.
بدوره، يرى أستاذ هندسة الموارد المائية وإدارتها في جامعة بنغازي الدكتور صلاح بوعوينة، في تصريحه للجزيرة نت، أن تعقيدات المشهد المائي في ليبيا لم تعد تحتمل المعالجات التقليدية، لا سيما في ظل تسارع التغيرات المناخية، واتساع رقعة الإجهاد الجوفي، وتضاؤل جدوى الحلول التوسعية غير المقيدة بضوابط الطلب.
إعلانوحسب بوعوينة، فإن السلطات الليبية مطالبة اليوم بالانتقال من نموذج توفير المورد بأي ثمن إلى نموذج يقوم على إدارة رشيدة للطلب المائي، أساسه تقني، ومخرجه سياسي، يعيد ضبط أولويات الاستهلاك، ويوزع الموارد على أساس الحاجة والكفاءة لا النفوذ الجغرافي أو التوسع العشوائي.
وهذا النموذج الذي اقترحه بوعوينة للجزيرة نت يضع في جوهره ترشيد الاستهلاك المدني عبر عدادات ذكية ونُظم تسعير مرنة، تضمن حماية الفئات الضعيفة دون التساهل في الهدر المنزلي أو المؤسسي.
كما يدعو إلى مراجعة جذرية لواقع الشبكات المحلية، التي يتجاوز الفاقد فيها في بعض المدن 40%، نتيجة التسرّب والتقادم وغياب الصيانة.
وفيما يتعلق بالحقول الزراعية، يرى بوعوينة أن إعادة هيكلة الدعم، وتوجيهه نحو الزراعة الذكية والمقاومة للجفاف، باتت مسألة تتعلق بالأمن القومي وليس مجرد إصلاح قطاعي.
أما في جانب الحوكمة والاستغلال الرشيد للمياه، يشدّد بوعوينة على أهمية تأسيس مرصد وطني موثوق للمياه، ينسّق البيانات، ويراقب الاستهلاك، ويضمن التوزيع العادل على مختلف البلديات.
وشدّد بوعوينة في حديثه للجزيرة نت على أهمية استهداف المناطق الهشة، وعلى رأسها الجنوب الليبي الذي يعاني تهميشا مزمنا في شبكات الإمداد.
وفيما يخص إعادة استخدام المياه المعالجة، ضرب بوعوينة مثالا بالتجربة التونسية التي تستخدم المياه المعالجة لأغراض زراعية، لكن نجاح هذا الخيار في ليبيا مشروط بإعادة تأهيل محطات المعالجة المتعطلة، وكسر الحاجز النفسي لدى المواطنين تجاه المياه المعاد استخدامها.
وتمتلك ليبيا أحد أكثر السواحل ملاءمة لتقنية تحلية المياه في المنطقة، بحسب بوعوينة، إلا أن هذه الخطوة تواجه عددا من التحديات، أبرزها ارتفاع الكلفة التشغيلية لتحلية مياه البحر، ناهيك عن الأضرار البيئية على النظم البحرية نتيجة التخلص من الرجيع الملحي الذي يُعاد ضخه إلى البحر، وفق قوله.
ولتجاوز هذه العوائق يوصي بوعوينة بمجموعة من الحلول التي قد تقلل من الإجهاد المائي في البلاد ومن بينها:
– إنشاء محطات تحلية تعتمد على الطاقة الشمسية في المناطق المعزولة.
– تحلية المياه الجوفية ذات الملوحة المنخفضة في المناطق الساحلية.
– تحديث وتوسعة المحطات القائمة بالفعل، بدلا من التوسع في بناء مشاريع جديدة.
وفي المحصلة، خلصت توصيات بوعوينة إلى أن التقنيات وحدها لا تحل الأزمات، لذلك لا بد أن تُصاغ سياسات التحلية وإعادة الاستخدام ضمن رؤية وطنية متكاملة، تربط الأمن المائي بالسيادة، والإدارة الرشيدة بالاستقرار المستقبلي، حسب تصريحه.