بذكاء وعذوبة وتخييل جذاب يلتقط الروائى الفذ أشرف العشماوى ملفات قديمة من أرشيف العدالة ليُحولها إلى روايات شيقة، تحمل من الجمال والمُتعة والسحر قدراً كبيراً، استحق من أجله المُبدع المنتم لمهنة العدالة، مكانة أدبية رفيعة حازها عن استحقاق خلال أقل من عشر سنوات.
فى عمله الأحدث «مواليد حديقة الحيوانات»، الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، يُقدم ثلاث روايات قصيرة فى نحو مئتين وخمسين صفحة، تركز جميعها على قيمة العدالة بمفهومها الواسع فى مُجتمع مُضطرب مُلتهب بصراعاته حول الهوية، والأعراف، والقضايا الشائكة.
يبدو أشرف العشماوى متحمسا لممارساته التجريبية فى عالم السرد، ليُجدد– على خلاف الشائع– فكرة الرواية القصيرة «النوفيلا» مرة أخرى، مفضلاً تقديم ثلاث روايات دفعة واحدة، وكأنه يُراهن على قدرته على الإدهاش من خلال ثلاث جولات متتالية، تمثل حكايات غرائبية غير نمطية تحدث فى ذلك المجتمع الكبير بتناقضاته والفريد بحكاياته.
رغم تصدير الكاتب للعمل بعبارة تُشعل الحيرة هى «لا يمكننى تأكيد أن الأحداث حقيقية، وفى الوقت ذاته لا أستطيع النفى»، إلا أن وجود المحكمة كعنصر قائم وأساسى فى النوفيلات الثلاث، يؤكد دون شك أن الحكايات مستوحاة من قضايا حقيقية شهدتها ساحات القضاء يوما ما. فالظلم الإنسانى من عمر البشر، عندما غرس قابيل خنجره فى ظهر شقيقه، فانفك إسار التجبر من كل سلطة أعلى تجاه من يدانيها.
ما الظلم سوى حبل طويل يلف ماضينا بحاضرنا، ويستفز خلايا الإحباط ففكر بقلق فى مستقبل أبناءنا، لنطرح السؤال الموجع عما يُمكن فعله لرد الظلم. إننا نتابع كل يوم، ظلم مَن يملكون ضد مَن لا يملكون، ومَن يقدرون ضد مَن لا يقدرون، ومَن يحالفهم الحظ ضد تعساءه. نرى وُننكر ونحاول دائما أن ننأى بأنفسنا عن معسكر الظلمة، وهذا ما يحاول المبدع فعله فى هذا الزمن، وعلى هذه الأرض، فهو لا يمتلك سوى الكلمة، وهى أمانة خالدة إلى يوم الفناء.
واللافت فى الأحداث ثمة إشارة واضحة حول تاريخ الأحداث الحقيقية للنوفيلات الثلاث يوضح أنها جرت جميعا خلال عهد الرئيس أنور السادات، باعتباره أنه العهد الذى شهد صعوداً مريباً وقاسياً للتيار الدينى فى مصر، متزامناً مع تصاعد ظاهرة الثراء السريع، وانتشار الفساد، وتفاقم أزمات الفتنة الطائفية، وبدء ظهور تحالف المال والسلطة، وما نتج عنه من مظالم جمة.
وبما أنى لست ناقداً وإنما قراءتى للعمل هى قراءة إنطباعية، متأثرة بعشقى للسرد، وهيامى باللغة، لذا تستوقفنى بعض التعبيرات المُدهشة المُعلمة التى تعبر عن جهد وحرص واعتناء. منها مثلا قول الكاتب فى النوفيلا الأولى التى تحمل عنوان «كابينة لا ترى البحر»: «إن الناس أطياف عابرة تمر برأسى، محطات لرحلة مشئومة خرجت منها تعيساً، وحيداً لا يعرف أحد شيئاً عنى». وقوله فى الحكاية ذاتها «أمامى الآن أكبر شاشة عرض لكنها بلا فائدة، بعدما تبخرت أفلام خيالى، ولم يعد متبقياً سوى مأساتى ومقولة شقيقتى: كل الصور خادعة».
ونقرأ فى الحكاية الثانية «مزرعة الخنازير» عدة عبارات ساحرة ربما كان أبرزها وصف الكاتب للعاصمة القاهرة بقوله «القاهرة الآن مدينة نداهة، مع أنها عجوز متصابية دميمة، صبغت شعرها بصفرة تؤذى الناظرين، تقتات على الزيف والكذب، بعدما رفعت برقع الحياء، لكنها لا تتخلى عن طرحتها وسجادة صلاتها حتى ينجذيوا إليها، وعندما تنزلق أقدامهم تكشف لهم وجهها القبيح».
وهذا الجمال جدير بالاحتفاء المتحقق للمبدع الكبير، الذى حلم يوماً قبل ربع قرن بأن يكون متواجداً فى كل بيت مصرى.
فالجمال المستحق توازيه محبة مستقة. والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد أشرف العشماوى الدار المصرية اللبنانية
إقرأ أيضاً:
تركيا: العدالة والتنمية يواصل النزيف في استطلاعات الرأي
أنقرة (زمان التركية) – تواصل قاعدة ناخبي حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا التراجع، وذلك بعد تسجيل الحزب المركز الثاني لأول مرة في تاريخه خلال الانتخابات البلدية الأخيرة.
ويظهر استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة ORC تراجع متوسط أصوات الحزب في المدن الكبرى مثل بورصة وقونية وقيصري وكوجالي بنحو 6 في المئة، بينما يواصل حزب الشعب الجمهوري المعارض الصعود في المدن عينها.
وأصبح حزب العدالة والتنمية بنظر الرأي العام التركي عاجزا عن إيجاد حل في ظل تراجع الدعم الشعبي له بفعل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والفقر المتزايد والسخط الشعبي.
وخلال استطلاع الرأي الذي أجرته الشركة في الفترة بين 11 و13 يونية/ حزيران في مدن بورصة وقيصري وكوجالي وتكرداغ وقونية، تم سؤال المشاركين عن الحزب الذي سيصوتون له.
حصل حزب العدالة والتنمية على 33.1 في المئة من الأصوات في مدينة بورصة بمشاركة 2490 شخص، بينما كانت هذه النسبة تبلغ 39.1 في المئة خلال الانتخابات المحلية في 14 مايو/ آيار من عام 2023.
وفي مدينة كوجالي وبمشاركة 1970 شخص، تراجع دعم العدالة والتنمية من 39.7 في المئة إلى 33.5 في المئة.
وفي مدينة قونية وبمشاركة 2320 شخص، تراجعت نسبة العدالة والتنمية 47.95 في المئة إلى 40.8 في المئة.
وكان المشهد مشابه في قيصري بمشاركة 2150 شخص، إذ انخفضت نسبة أصوات العدالة والتنمية من 40.72 في المئة إلى 34.5 في المئة.
ويبرز التراجع في التأييد الشعبي للحزب الحاكم في الولايات الغربية، ففي تكرداغ بمشاركة 1850 شخص، انخفضت نسبة أصوات العدالة والتنمية إلى 25 في المئة بعدما بلغت هذه النسبة 30.73 في المئة خلال الانتخابات المحلية الأخيرة.
وفي أسكيشهير بمشاركة 1700 شخص، تراجعت نسبة العدالة والتنمية من 33.15 في المئة إلى 27 في المئة.
على الجانب الآخر، ارتفع متوسط أصوات حزب الشعب الجمهوري في هذه الولايات بنحو 6 في المئة.
وعكست اللقاءات الجماهيرية بمشاركة عالية في ولايات قونية وبارتين ويوزجات تزايدا ملحوظا في الاهتمام بالحزب.
ويبدو أن الاستراتيجية المتبعة المتركزة على نقاشات الدستور الجديد في السياسة الداخلية والشرق الأوسط في السياسة الخارجية لا تلقى مردودا لدى الناخبين.
ويرى الخبراء أن الصعوبات الاقتصادية ونقص مقترحات الحلول الملموسة للاحتياجات الأساسية للمجتمع تؤدي للتراجع في دعم الحزب الحاكم.
Tags: استطلاع رأيالانتخابات في تركياحزب الشعب الجمهوريحزب العدالة والتنمية