أحمد بن موسى البلوشي
يُمكن تعريف تصريحات المسؤولين على أنها عبارة عن البيانات، أو المواقف، أو الرسائل، أو المعلومات التي يُعلنها للمستفيدين بشأن مختلف المواضيع أو الخدمات التي تخص المواطن أو يستفيد منها؛ بهدف إيصال معلومة مُعينة ذات أهمية.
وعادة ما يتم إرسال مثل هذه الرسائل عبر وسائل الإعلام المختلفة أو وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا نتكلم عن التصريحات المتعلقة بالشأن الداخلي للبلاد وخاصة التي تهم المواطن بالدرجة الأولى.
يجب أن يعلم بعض المسؤولين أنَّ تصريحاتهم مُتَابَعةٌ من قبل الكثير من المواطنين وبشكل وثيق؛ حيث تسهم هذه التصريحات في تشكيل الرأي العام وفهم التوجهات التي تريدها بعض الوحدات الحكومية في بعض الأمور والقضايا المتعلقة بها، وقد تؤثر هذه التصريحات في الكثير من الأحيان علي المواطنين وربما تكون ردة فعلهم غير إيجابية، والسبب في ذلك عدم تمكن أو امتلاك بعض المسؤولين مهارة إيصال المعلومة بالطريقة الصحيحة أو إيصالها بطريقة إيجابية، لماذا يتعمد البعض من المسؤولين إثارة الرأي العام من خلال هذه التصاريح؟ لماذا لا يحاول هؤلاء المسؤولون بث وزرع الإيجابية في نفوس المواطنين، فالتصريح الإيجابي هو تصريح أو بيان يحمل معنى إيجابيًا أو مشجعًا يتم فيه التعبير عن التفاؤل، ويسعى إلى تشجيع الناس وتعزيز الثقة في المستقبل والتطلع إلى الأمام.
تصريحات المسؤولين التي تثير الرأي العام يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على المواطنين، ويمكن أن تؤدي إلى شعورهم بالخوف، أو القلق، أو الإحباط، أو التوتر تجاه قضية، أو موضوع مُعين. وهنا يجب على كل مسؤول أن يتذكر أن أي تصريح له تأثير على حياة المواطنين، وبالتالي يجب عليهم استخدام تصريحاتهم بطريقة إيجابية وبناءة؛ بطريقة تدعو وتشجع على التفاؤل والأمل.
وهناك العديد من الطرق التي يمكن للمسؤولين من خلالها بث الإيجابية في نفوس المواطنين مثل إصدار تصريحات تُعبر عن التفاؤل والأمل في المستقبل، التركيز على الإنجازات التي تحققت بدلاً من المشاكل التي لم تحل، تشجيع المواطنين على المشاركة في الحياة السياسية والمجتمعية، بناء الثقة مع المواطنين من خلال الشفافية، ومن خلال القيام بهذه الأشياء يمكن للمسؤولين أن يساعدوا في خلق جو من الإيجابية والأمل في المجتمع.
من المهم أن يكون هناك توازن بين التصريحات الإيجابية والتحذيرية أو الواقعية. التصريحات الإيجابية يمكن أن تساعد على رفع الروح المعنوية وبناء الثقة، ولكن من المهم أيضًا أن تكون واقعية وأن تشير إلى التحديات التي تواجهنا.
إن التوازن بين الإيجابية والواقعية يسمح لنا بفهم الوضع بشكل شامل واتخاذ القرارات المناسبة بناءً على الظروف والتحديات المُحيطة.
وتصريحات المسؤولين مهمة جدًا للمواطنين، وتختلف في توقيتها وأسلوبها، ولكن جميعها تهدف إلى إيصال معلومات مهمة إلى المواطنين، وبالتالي يجب أن يحرص جميع المسؤولين وأن يهتموا في تقديمها بالأسلوب والمضمون المناسب، واختيار التوقيت المناسب لها كذلك، وهناك العديد من النقاط التي يجب على المسؤولين الانتباه لها ومراعاتها عند إصدار أي تصريح مثل أن تكون التصريحات دقيقة وموثوقة، وأن تكون التصريحات واضحة وسهلة الفهم، وأن تكون التصريحات ذات أهمية للمواطنين، وأن يتم إصدار التصريحات في الوقت المناسب، وأن يكون الأسلوب مناسبًا للجمهور المستهدف.
من المهم أن يتذكر المسؤولون أن تصريحاتهم لها تأثير على حياة المواطنين، ويجب أن يحاولوا استخدام تصريحاتهم بطريقة إيجابية وبناءة، وأن يحاولوا أن يكونوا نموذجًا يحتذى به للمواطنين وأن يشجعوا على التفاؤل والأمل.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ما قصة تماثيل عين غزال الأردنية التي احتفل بها غوغل؟
احتفى محرّك البحث العالمي "غوغل" بتماثيل "عين غزال" الأردنية، مسلطًا الضوء على واحدة من أقدم الشواهد الفنية في تاريخ البشرية.
هذا الاحتفاء أعاد هذه التماثيل إلى الواجهة، حيث تعتبر تماثيل عين غزال، نافذة على بدايات التفكير الرمزي والديني لدى الإنسان في العصر الحجري الحديث.
تماثيل عين غزال تعد شاهدة على مجتمع استقر قبل نحو تسعة آلاف عام على أطراف عمّان الحالية، وترك خلفه إرثًا فنيًا وروحيًا ما زال يثير أسئلة العلماء والمؤرخين حتى اليوم.
موقع عين غزال
يقع موقع عين غزال الأثري في الجزء الشرقي من العاصمة الأردنية عمّان، قرب مجرى سيل الزرقاء، في منطقة كانت تُعدّ من أكبر المستوطنات البشرية في العصر الحجري الحديث قبل الفخاري.
وتشير الدراسات الأثرية إلى أن الموقع كان مأهولًا بشكل متواصل تقريبًا بين عامي 7200 و5000 قبل الميلاد، أي في مرحلة مفصلية من تاريخ البشرية شهدت الانتقال من الصيد وجمع الثمار إلى الزراعة والاستقرار.
ما يميّز عين غزال عن غيره من المواقع المماثلة في المنطقة، هو ضخامته نسبيًا؛ إذ قُدّر عدد سكانه في ذروة ازدهاره بالآلاف، وهو رقم كبير جدًا بمقاييس تلك الفترة. هذا الاستقرار السكاني الكثيف أتاح نشوء أنماط اجتماعية ودينية معقدة، انعكست لاحقًا في طقوس الدفن والعمارة والفنون، وعلى رأسها تماثيل الجص الشهيرة.
اكتشاف تماثيل عين غزال عام 1983
بدأت قصة الاكتشاف في عام 1983، عندما كانت أعمال توسعة عمرانية تجري في المنطقة. وخلال حفريات إنقاذية، عثر فريق من علماء الآثار على مجموعة غير متوقعة من التماثيل المدفونة بعناية تحت أرضية أحد المباني السكنية القديمة. لاحقًا، كشفت حملات تنقيب إضافية عن مجموعتين رئيسيتين من التماثيل، يعود تاريخ دفنهما إلى نحو 6500 قبل الميلاد.
شكّل هذا الاكتشاف صدمة علمية حقيقية، إذ لم يكن معروفًا آنذاك وجود تماثيل بشرية كاملة الحجم تقريبًا تعود إلى هذا الزمن السحيق. ومنذ ذلك الحين، أصبح اسم «تماثيل عين غزال» حاضرًا في أبرز المراجع الأكاديمية، وغالبًا ما يُشار إليها بوصفها من أقدم التماثيل البشرية في العالم.
تماثيل من الجص
صُنعت تماثيل عين غزال من مادة الجص (الجبس الجيري)، وهي مادة كانت تُحضّر عبر حرق الحجر الجيري ثم خلطه بالماء لتكوين عجينة قابلة للتشكيل. وقد بُنيت التماثيل حول هيكل داخلي من القصب أو الأغصان، ثم جرى تغليفها بطبقات من الجص المصقول بعناية.
تتراوح أطوال التماثيل بين نصف متر ومتر تقريبًا، وبعضها تماثيل كاملة، فيما صُنعت أخرى على شكل أنصاف تماثيل (بوست). اللافت للنظر هو التركيز الشديد على ملامح الوجه، ولا سيما العيون الكبيرة المصنوعة غالبًا من القار أو الصدف، والتي تمنح التماثيل نظرة حادة ومقلقة، كأنها تحدّق في المشاهد عبر آلاف السنين.
ملامح بلا أفواه
من أكثر ما يثير الجدل العلمي حول تماثيل عين غزال، هو غياب الفم في معظمها، مقابل إبراز واضح للعيون والرؤوس. هذا الاختيار الفني المتكرر دفع الباحثين إلى طرح تفسيرات متعددة، من بينها أن التماثيل لم تكن تمثّل أفرادًا بعينهم، بل كائنات رمزية أو أسلافًا مقدسين، أو ربما آلهة مرتبطة بالخصوبة والحياة والموت.
كما يرى بعض العلماء أن غياب الفم قد يرمز إلى الصمت الطقسي، أو إلى عالم روحي لا يحتاج إلى الكلام، فيما تبقى العيون وسيلة الاتصال بين العالم المرئي والعالم غير المرئي.
لماذا دُفنت تحت الأرض؟
لم تُترك التماثيل معروضة أو مهجورة، بل دُفنت بعناية فائقة داخل حفر خاصة تحت أرضيات المنازل، وهو ما يفتح بابًا واسعًا للتأويل. فالبعض يرى أن الدفن كان جزءًا من طقس ديني دوري، حيث تُصنع التماثيل وتُستخدم في شعائر معينة ثم تُوارى الأرض بعد انتهاء دورها الرمزي.
ويذهب رأي آخر إلى أن هذه التماثيل كانت مرتبطة بطقوس حماية المنزل أو الجماعة، وأن دفنها تحت الأرضية يهدف إلى ضمان البركة أو الحماية الروحية لسكان المكان.
وعُثر في موقع عين غزال على ما يقارب 32 تمثالًا وتمثالًا نصفيًا، وهو عدد كبير قياسًا بالفترة الزمنية التي تعود إليها.
أين توجد تماثيل عين غزال اليوم؟
تتوزع تماثيل عين غزال اليوم بين عدد من المتاحف العالمية، أبرزها متحف الأردن في عمّان، الذي يضم مجموعة مهمة تُعدّ من أثمن معروضاته الدائمة.
كما توجد تماثيل أخرى في متاحف عالمية مثل المتحف البريطاني في لندن، ومتحف اللوفر في باريس، ضمن سياق التعاون العلمي الذي رافق عمليات التنقيب والدراسة.
ويُنظر إلى عرض هذه التماثيل في متحف الأردن على وجه الخصوص بوصفه استعادة رمزية للإرث الحضاري المحلي، وربطًا بين سكان عمّان المعاصرين وأحد أقدم فصول تاريخ مدينتهم.