والله لن يخزيكم الله، فأبشروا

#الشيخ_كمال_الخطيب

????أصحاب #القلوب_الكبيرة
✍️هم أصحاب القلوب التي لا تعرف الحقد ولا تضمر على البغض، وليس فيها متسع ولا مكان لنزعة الإنتقام.
هم الهيّنون الليّنون السمحون المتسامحون، هم الذين يعلمون أن #التجارة_الرابحة هي التجارة مع الله وإن كانت صفقاتها هي مع الناس، وذلكم وهو النُبل بعينه وهؤلاء هم النبلاء.


✍️ذكر الأستاذ أدهم شرقاوي في كتابه الرائع “رسائل من القرآن” قصة مسعود الهمذاني والذي عُرف بكثرة صفحه عن الناس، وكان إذا أساء إليه أحد وجاءه ليعتذر منه فكان لا يعاقبه ولا حتى يعاتبه وإنما كان يسامحه ويقول له جملته المشهورة: “الماضي لا يُذكر” وكما يقال بالعامية: “إنسى”. ولما مات مسعود الهمذاني فقد رآه أحد الصالحين في المنام وقد قيل له: ما فعل الله بك. قال: أوقفني بين يديه، وقال لي: يا مسعود الماضي لا يُذكر، يا ملائكتي خذوه إلى الجنة.
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وهل جزاء العفو إلا عفو أعظم. وإذا كان هو ينسى زلات الناس ولا يذكرها، فإن الله سبحانه لا يذكر له سيئاته ويغفرها ويدخله الجنة.
✍️هكذا كان قلب يوسف عليه السلام، وبرغم ما فعله له وبه إخوته من الحسد والكيد ثم إلقائه في البئر، فلما دارت الأيام وقد أصبح هو عزيز مصر وجاءوا هم يبتاعون الطعام فعرفهم ثم كان ما كان فاعتذروا له، فكان أن طوى الصفحة سريعًا ولم يكن في قلبه الكبير متسع للتأنيب ولا للإنتقام ولسان حاله يقول: الماضي لا يُذكر، وما كان منه سوى الصفح والعفو {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ} آية 92 سورة يوسف.

✍️وهكذا كان قلب محمد ﷺ وبرغم ما فعله به قومه وعشيرته من تكذيب وإساءة وضرب واتهامه بالسحر والجنون ثم محاولة قتله ثم قتاله سنين طوالًا، فلما كان يوم الفتح المبارك فقد طوى صفحة عشرات سنوات الأذى والكيد له بالقول: “إذهبوا فأنتم الطلقاء” ولسان حاله يقول: “الماضي لا يُذكر”. وما أجمل ما قال الشاعر في وصف أصحاب القلوب الكبيرة:
من اليوم تعارفنا ونطوي ما جرى منا
فلا كان ولا صار ولا قلتم ولا قلنا
وإن كان ولا بد من العتبى فبالحسنى
ولقد ذهب بعض الخيرين إلى التغافر بلا تعاتب، وقد قال له من اختلف معه: تعال نتعاتب، فقال له: بل تعال نتغافر.
فلماذا لا تكون من أصحاب القلوب الكبيرة ويكون شعارك “الماضي لا يُذكر”.

مقالات ذات صلة واشنطن ستفرج عن قنابل تزن 500 رطل لإسرائيل 2024/06/28

????ثأر الله
✍️يقول الاستاذ علي جابر الفيفي في تفسير وبيان معنى اسم “الولي” أحد أسمائه الحسنى سبحانه: “ويعني اسم المولى مع معنيين، معنى أنه وليّ يُعبد ويطاع، ومعنى أنه وليّ يدبّر ويعين. فالولاية من العبد الطاعة والعبادة، والولاية من الرب الإعانة والإفادة. ومن جلال هذا الاسم أنه يشير إلى ولايته سبحانه لبعض خلقه وحبه لهم وحمايته ودفاعه عنهم، فعن أبي هريرة قال، قال رسول الله ﷺ: “إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب”.
✍️ فالله الذي على عرشه استوى يعلنها حربًا طاحنة يطحن به سعادة وهناءة أولئك الذين يتعرضون لأوليائه بالأذى. إنه وليّهم ولا يترك الوليّ وليّه، بل يحوّطه بحبه وعنايته ويصنعه على عينه ويصطنعه لنفسه. إنها المعركة الأكثر رهبة في تاريخ الحروب عندما يكون الله بعظمته وجلاله وجبروته في الجهة المقابلة لك، يحاربك بقدرته التي ليس لها حدّ وعلمه الذي يملأ الدنيا والآخرة، وببغضبه الشديد ستدمر ولا شك، وستهزم وستنتهي نهاية مأساوية!
وهناك حديث قدسي لفظه عجيب ذكره غير واحد من أهل العلم منهم ابن تيمية في كتابه “الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان” عن النبي ﷺ، عن الله تعالى أنه قال: “إني لأثار لأوليائي كما يثأر الليث الحرب”. يقول شيخ الإسلام: “أي آخذ ثأرهم ممن عاداهم كما يأخذ الليث الحرب ثأره”. فيا لثأر من يمس وليًا من أوليائه سبحانه، ويا لخيبته وخسارته.
✍️إن انتصار الله لأوليائه الذين سبق وطمأنهم لما قال: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} آية 6٢ سورة يونس، فليس معناه أنه لن يمسهم الضر والبلاء فيجوّعون ويشرّدون ويسجنون ويقتلون، إنه يصيبهم بعض من ذلك ولعلّه يصيبهم كل هذا وأكثر منه، ولكن هذا يكون اصطفاء من الله تعالى لهم، ولعلّه يريد أن ينقّيهم كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وكما ينقى الذهب من الشوائب ليكون أصيلًا صافيًا {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ} آية 214 سورة البقرة.

????ومحبة الخلق رزق من الخالق
✍️مثلما أن الطعام والشراب رزق الله سبحانه قدّره لك وسيأتيك أو تأتيه أينما كنت، ولأنه حق من الله سبحانه {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} آية 22-23 سورة الذاريات، فكما أن الطعام والشراب رزق فإن الحب كذلك رزق وأن محبة الناس وإلقاء محبتك في قلوبهم هي رزق، وإنك لا تدري في أي قلب يكون رزقك. قال ابن المنكدر لأبي حازم: “يلقاني الناس فيدعون لي بالخير، ما أعرفهم وما صنعت معهم معروفًا ولا خيرًا. فقال له أبو حازم: ذلك فضل الله”.
✍️وسواء كان هو ابن المنكدر أو غيره ممن ألقى الله تعالى في قلوب الخلق محبتهم وهم الذين لم يلتقوا بهم من قبل أبدًا ولم يعرفوهم، فإن هذا من فضل الله عليهم ومن الرزق آتاهم الله إياه وفيهم يتمثل قول الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَٰنُ وُدًّا} آية 96 سورة مريم.
✍️وإن ما نراه من حال أهلنا في غزة، أطفالها ونساؤها وشيوخها من تعاطف الدنيا معهم ومحبتها لهم والانتصار لمظلوميتهم، فإنه من رزق الله الذي آتاهم، لكن اللافت والمحير والعجيب، أن ما يظهر من علامات الحب هذه عند الغرباء فإن عكسها ما يحدث عند ذوي القربى، وأقصد هنا الأنظمة المستبدة وليست الشعوب المقهورة.
✍️إنهم أطفال غزة، الغرباء والأجانب والبعيدون يتعاطفون ويتضامنون معهم ويتظاهرون في الشوارع والميادين لأجلهم منذ ثمانية أشهر لم يكلّوا ولم يملّوا، ويضغطون على حكوماتهم لقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع حكومة إسرائيل دفاعًا عنهم وقد نجحوا في مواقع عديدة، بينما الأقارب والإخوة والجيران هم من يحاصرونهم ويجوّعونهم ويتآمرون عليهم بل ويطبعون العلاقات الدبلوماسية معهم، بل ويفتحون معابر برية لإيصال البضائع والحاجات إليهم، وكل ذلك نكاية بأطفال غزة ونسائها وشيوخها.
✍️مثل أطفال غزة مع الغرباء والأقرباء كمثل الطفل يوسف عليه السلام قال أخوه القريب: {ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ} آية 9 سورة يوسف، بينما قال البعيد الغريب: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} آية 21 سورة يوسف.
إنه رزق الله ليوسف ومحبته والحنوّ عليه جعله عند الغرباء ولم يجعله عند الأقرباء، ولكن ومثلما تحققت رؤيا يوسف عليه السلام {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} آية 10 سورة يوسف.
✍️فكما تحققت رؤيا يوسف، فمثلها يقينًا ستتحقق بإذن الله تعالى أمنيات أطفال غزة ونسائها ورجالها ومعهم كل الأمة بالفرج أو بأمر من عنده سبحانه فيصبح الأقرباء والجيران من أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة على ما أسروا في أنفسهم نادمين.

????بين الربط والربت
✍️نحن في زمان أحوج ما نكون فيه لأن يربط الله على قلوبنا وأن نربت نحن على قلوب بعضنا.
في زمن البلاء الذي نعيش وسطوة الباطل، زمن تكالب الأعداء وخيانة الزعماء وضلال العلماء وتطاول السفهاء وخذلان الأشقاء، نحن أحوج ما نكون بأن تمتلئ قلوبنا ثقة ويقينًا بالله سبحانه فيربط على قلوبنا كما ربط على قلب أم موسى لما ألقت بابنها في النهر. فرغم أنه كان أمرًا ربانيًا، لكن عاطفة الأمومة فعلت أفاعيلها، فكان ربط الله على قلبها وسكينته قد أنزلها عليها {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلَآ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا} آية 10 سورة القصص. وكما ربط الله على قلوب أصحاب رسول الله ﷺ يوم الخندق وقد بلغ بهم الضيق والكرب كل مبلغ {وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاهُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} آية 10- 11 سورة الأحزاب، في مثل ذلك الظرف العصيب كان الربط من الله على قلوبهم وأنزل السكينة والتثبيت لهم {وَلَمَّا رَءَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَٰنًا وَتَسْلِيمًامِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا} 22-23 سورة الأحزاب. ومثلما ربط الله على قلوب أصحاب رسول الله ﷺ يوم الأحزاب فإنه سبق وربط على قلوبهم وأنزل عليهم السكينه يوم أحد {ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ} آية 173 سورة آل عمران.

الشيخ كمال خطيب, [6/28/2024 4:42 AM]
✍️فمثل حاجتنا لربط الله على قلوبنا، فإنها حاجتنا لنربت على أكتاف وصدور بعضنا البعض، فيشدّ الواحد منا عضد أخيه ويتواصوا بالحق وبالصبر والثبات ويذكّره الله وبالآخرة وبجزاء الصابرين، ويذكّره بأن كل من اختار طريق الإيمان والاستقامة فثمة ثمن لا بد أن يدفعه، ويذكّره بأنه مهما اشتد الخطب وعظم الكرب فإن العاقبه للمتقين {وَالْعَصْرِإِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍإِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} سورة العصر.
✍️أن تربت على كتفه أو صدره أي أن تضع كفك عليها لتشعره بالأمن والأمان والطمأنينة بقربك منه فتبعث فيه الأمل والقوة، فهكذا فعل رسول الله ﷺ مع أبي بكر لما شعر بقلقه وخوفه من وصول كفار قريش إليهما في الغار {إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا} آية 40 سورة التوبة. وكما فعلت خديجة رضي الله عنها مع زوجها رسول الله ﷺ لمّا رجع من الغار بعد نزول جبريل الأمين عليه أول مرة وكان خائفًا يرتجف ويقول دثروني دثروني، فكان الربط منها على صدره وهي تقول له رضي الله عنها: “إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا”.
✍️ومثلما ربتت خديجة على صدر وكتف رسول الله ﷺ في ذلك الظرف الصعب وتقول له: أبشر فوالله لن يخزيك الله، فإننا نربت على قلوب أبناء شعبنا وأمتنا في هذا الزمان والظرف الصعب، وسنظل نقول لهم: نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا فوالله لن يخزيكم الله أبدًا.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: رسول الله ﷺ الله سبحانه الله تعالى سورة یوسف ما کان

إقرأ أيضاً:

فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

هل يجوز أن أصرف مبلغًا من المال من محل الصرافة، بحيث أدفع للصراف شيكًا مصدقًا من البنك، وذلك تجنبًا لخطورة حمل مبالغ كثيرة، ولجعل المعاملة أكثر سلاسة وسرعة؟

وفق ما يراه فقهاء معاصرون، وعلى هذا قرار مجمع الفقه الإسلامي والمعايير الشرعية، أن الشيك المصدق هو من وسائل الدفع، وسائل السداد الحاضر، نعم، فبناءً على هذا، فلا إشكال في هذه الصورة، لأنه لم يُؤجَّل السداد حينما دُفع بالشيك المصدق، لأنها تُعد -كما قلتَ- من النقد الحاضر، والله تعالى أعلم.

ما حكم أراضي الانتفاع التي تمنحها الحكومة للمواطن تحت مسمى عقد انتفاع طويل؟ ما أحكامها بعد موت صاحبها؟ وهل تنتقل ملكيتها للورثة كلهم، أم لمن كان له يد في تعميرها منهم؟

هذا مرده إلى عقد الانتفاع الموقع بين الطرفين؛ فالأصل أن مثل هذه الشروط تكون مذكورة في هذا العقد، جرى العرف فيما يتعلق بعقود الانتفاع طويلة الآجال أنها تنتقل إلى الورثة، لكن هذه العقود الطويلة اليوم يتحرّج منها الفقهاء، وتتحرج منها المؤسسات الرسمية والخاصة، فلا تُبرم عقود إيجارات أو عقود انتفاع طويلة، والحاصل أن مردّ ذلك إلى ما يكون بين الطرفين، والله تعالى أعلم.

الصفوف عندما يقيم الإمام متراصة مع بعضها، وعندما تنتهي الركعة الأولى تكون فُرَج بسيطة؛ هل تؤثر في الصلاة؟

لا، هذه لا تؤثر، ولكن ينبغي لهم أن يسدوا الخلل، وهذه الفُرَج التي تكون بين المصلين في الصف الواحد، الأصل فيها هو التراصّ، وعدم ترك فجوات، لكن إذا كانت فجوات يسيرة، يعني يُوسّع بعض الناس عند دخولهم في الصلاة أقدامهم، ثم بعد ذلك -بعد قيامهم من السجود- تضيق أقدامهم، فيحصل شيء من الفُرَج بين المصلين، فهذه لا تؤثر، لكن لا ينبغي لهم أن يفعلوا ذلك، بل ينبغي أن يُضيّقوا هذه الفُرَج، هذا هو الذي دلّت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله تعالى أعلم.

ما حكم الدعاء بعد صلاة الفريضة؟ وهل الأولى هو ذكر الله كما جاء في قوله تعالى: «فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم»؟

الدعاء مشروع بعد الصلاة، والدعاء من الذكر، والذكر مشروع بعد الصلاة أيضًا، وقد تقدّم أكثر من جواب في هذه المسألة، وأما الآية الكريمة، فالمقصود منها هو الإتيان بذكر الله تبارك وتعالى في مختلف الأحوال التي يكون عليها المكلّف، فيأتي بالصلاة على وجهها، ولكن بعد انصرافه منها، وبعد انقضاء صلاته، فلا ينبغي له أن يُخلي قلبه ولسانه من ذكر الله تبارك وتعالى، بل عليه أن يُكثر من ذكر الله عز وجل في كل الأحوال التي يكون عليها.

أما أدلة مشروعية الدعاء والذكر بعد الصلاة، بعد الفرائض وأدبار الصلوات، فهذا دلّت عليه أدلة كثيرة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفعل ذلك أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، وأقرّهم عليها، وقد تَقدَّم ذكر هذه الأدلة في مناسبات، يمكن له أن يرجع إليها، والله تعالى أعلم.

انتشر في الآونة الأخيرة تسمية المساجد والجوامع بأسماء الله تعالى الحسنى، كمسجد «التواب» وغيره من الأسماء، ما حكم ذلك؟ وهل يوجد محذور شرعي من ذلك؟

لا يظهر لي محذور شرعي من إضافة المساجد إلى الأسماء الحسنى، فهذه الإضافة هي إضافة تشريف، ربنا تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم: «وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا»، فالمساجد بيوت الله في أرضه، وهذه الإضافة كما نص أهل العلم هي إضافة تشريف، لكن هذه الإضافة لا تعني أنه إذا أُريد تسمية مسجد من المساجد باسمٍ مضاف إلى شيء من الأسماء الحسنى ليكون عَلَمًا على ذلك المسجد يُعرف به، أن ذلك ممنوع؛ هذا غير صحيح.

ومن قال ذلك فقد تكلّف تخصيصًا بذلك الاسم الذي أُضيف إليه المسجد على ذلك المسجد دون غيره، لا على سبيل الحصر، لا، وإنما هو أيضًا للتعريف، وللتذكير بالمعاني التي يحملها ذلك الاسم، وهو أيضًا موافق للأصل، فإن الأصل أن المساجد بيوت الله، وكما قال ربنا تبارك وتعالى: «وأن المساجد لله»، فإضافتها إليه تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى لا يوجد ما يمنع منه شرعًا.

وإن كان هذا أيضًا لا ينبغي الاقتصار عليه، فيمكن أن تُنسب المساجد إلى الأسماء الحسنى، ويمكن أن تُنسب أيضًا إلى معانٍ مستحسنة من المعاني الشرعية، من المفاهيم والمصطلحات الشرعية، ويمكن أن تُنسب إلى مكان، ويمكن أن تُنسب إلى ما هو حاصل.

صحيح أن إضافة أسماء المساجد إلى أسماء الله تعالى الحسنى لم يكن معهودًا كثيرًا، فلا يحضر الآن أسماء كثيرة في تاريخ المسلمين من هذا النوع، وإن كانت كما تقدم الفقهاء يذكرون أن إضافة المساجد إلى الله تبارك وتعالى هي إضافة تشريف، لكن لا مانع أن تكون هذه الإضافة أيضًا للتعريف، ولكن لا ينبغي الاقتصار عليها، فأسماء الله تعالى الحسنى مهما قيل فيها أسماء محصورة، بينما المساجد والجوامع في الأوطان بالألوف، بل بعشرات الألوف.

فتُراعى أيضًا المعاني المستحسنة التي يُذكّر بها الناس، وتُراعى الأعلام والأئمة، ومن يُراد أن يُعرّف بهم الناس من ذوي الفضل والعلم، وكذلك أيضًا إذا كانت هناك أحداث في تاريخ الأمة، أحداث جليلة، والحاصل أن الفقهاء ذكروا كل هذه الوجوه في تسمية المساجد، أما ما يتعلق بتسميتها بالإضافة إلى أسماء الله تعالى الحسنى، فالصحيح أنه لا مانع من ذلك شرعًا، والله تعالى أعلم.

في قوله تعالى: «لا يُكلّف الله نفسًا إلا وُسعها»: ما المقصود بهذه الآية؟ وكيف نفرّق بين هذه الآية وبين بعض التكاليف التي قد تبدو صعبة في بعض الأحيان؟ ما معنى «الوُسع»؟

الوُسع يعني الاحتمال، والاستطاعة. كثير من المفسّرين يقولون إن الوُسع هو الطاقة، ولكن رأيتُ أن صاحب الضياء، والواحدي في البسيط يقولون إن الوُسع دون الطاقة؛ لأن الطاقة تعني أقصى درجات الاحتمال، أي: الحدّ الذي لا يُحتمل بعده. ولذلك عبّروا عن الوُسع بأنه دون الطاقة، أي: ما كان محتملاً، وما كان الإنسان مستطيعًا له، فهذا هو معنى الآية الكريمة.

«لا يُكلّف الله نفسًا إلا وُسعها» أي: إلا ما في طاقتها واحتمالها واستطاعتها. نعم، هذا لا ينفي أن تكون التكاليف الشرعية فيها شيء من الصعوبة؛ فالتكليف يعني الإلزام، وهذا الإلزام فيه قدر من المشقة على نفوس المكلّفين.

لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أنهم لا يستطيعون الإتيان بما أُمروا به، بل إن كتاب الله عز وجل ناطق بأن هذه الشريعة حنيفية سَمْحاء، نُفي عنها الحَرَج، وليس فيها ضيق، وإنما فيها سَعة، ووُسع، واحتمال، وتيسير، وفيها أحكام ميسّرة مُخفّفة مقدورٌ عليها، نعم، هذا هو معنى هذه الآية الكريمة وما أشبهها في كتاب الله عز وجل.

فالمقصود أن ما أمر الله تبارك وتعالى به إنما هو في استطاعة المكلفين، وفي مقدور احتمالهم، وليس مما يتعذر عليهم الإتيان به، وأنهم إذا بلغوا في أدائه حدّ المشقة، فإن الأحكام الشرعية تتوارد عليهم تخفيفًا وتيسيرًا.

وقد نُفي عن هذه الشريعة الحَرَج، والضيق، والشدة، وبُنيت على التيسير، وعلى رفع الحرج، وعلى أن ما أُمر العباد بالتزامه مقدورٌ عليه، مستطاع الإتيان به، وهذا يشمل أصول الشريعة وفروعها، في كل وجوهها، وفي كل أبواب هذه الشريعة الحنيفية السمحاء، والله تعالى أعلم.

ما صحة حديث الرسول عن منكر ونكير في عذاب القبر؟ أعني الحديث الذي ورد فيه: «يأتيه ملكان أسودان أزرقان، يحملانه...» إلى آخره؟

الأحاديث الواردة في الملكين اللذين يأتيان العبد في القبر، هي أحاديث تلقتها الأمة بالقبول. نعم، هي أحاديث صحيحة تلقّتها الأمة بالقبول، وعلى هذا جمهور المسلمين من حيث الإجمال، وأما ما ورد من روايات وأحاديث في كثير من أوصاف الملكين وأسمائهما، ففيها ما هو صحيح، وفيها ما هو حسن، وفيها ما هو ضعيف، وفيها ما هو موضوع.

ولكن هذا لا يغيّر من حقيقة الإيمان بالملكين اللذين يأتيان العبد إذا وُضع في قبره، وأن ذلك ليس مجرد «امتحان» كما يُظن، بل هو من عالم البرزخ، وفي عالم البرزخ، فإن من كان على إيمان وصدق ويقين وحسن إسلام، فإن الملكين يبشّرانه، وإذا كان والعياذ بالله على نفاق أو على كفر بالله تبارك وتعالى، فإنهما يُنذِرانه.

أما ما ورد من تسمية الملكين بـ«منكر» و«نكير»، فالأكثر من أهل العلم على أنه صحيح، وقد وردت هذه التسمية في بعض الروايات، ما ورد من أوصافهما، مثل كونهما «أسودان أزرقان»، فهي رواية وردت عند الترمذي، وبعض أصحاب السنن والمسانيد.

وأما ما ورد في صحيح مسلم، فقد ثبت أنهما ملكان يأتيان العبد إذا وُضع في قبره، ثم انصرف عنه أهله، وإنه ليسمع خَفْق نعالهم، فيأتيه الملكان، فيُقعدانه، فيسألانه.. إلى آخر الحديث، وهذه رواية صحيحة.

وأما تسمية الملكين بـ«منكر ونكير»، فهي روايات كما قلت تلقّاها العلماء بالقبول، وحتى من ضعّف بعض رواياتها، فإنه لم يضعّف الأصل؛ لأن هذه من فروع العقيدة، ويرى أنها قابلة للتأويل، وليس هناك ما يعارضها، ووُجد من المعتزلة من طعن في بعض الروايات، ومنهم من طعن في أن يكون اسما الملكين «منكر» و«نكير»، بحجّة أن أسماء الملائكة يجب أن تكون حسنة.

لكن لا مشاحة في التسمية، فالمقصود بالاسم هنا هو الوصف الذي يعبّر عن المهمة التي يقوم بها الملكان، لا مجرد الاسم في ذاته، والحاصل أن الأكثر من العلماء على قبول هذه الروايات، وأما بعض التفاصيل التي وردت في أوصاف الملكين، ففيها روايات ضعيفة لا يُعتد بها، والله تعالى أعلم.

مقالات مشابهة

  • الشيخ قاسم: خيارنا تحرير الأرض وبناء البلد وعدم الخضوع للإملاءات
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • غزة في سورة الفجر
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كلام للغد)
  • خطيب الأقصى: إجراءات الاحتلال منعت مئات آلاف المصلين من الوصول للمسجد
  • محمد عبد الجواد يكتب: فسيكفيكهم الله
  • حنكش عن كلام الشيخ نعيم: منفصل عن الواقع!
  • كاريكاتير كمال شرف
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: الذين سوف يُقتلون قريباً من هم؟
  • الشيخ خالد الجندي: النبي عبّر عن حب الوطن في لحظات الهجرة