علي جمعة: قصة البقرة تُرشد المسلم للامتثال لأوامر الله دون تشدد أو مغالاة
تاريخ النشر: 10th, August 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن قصة البقرة التي في سورة البقرة تعلم المسلمين كيفية التعامل مع الفقه والأحكام الشرعية. فالفقه والأحكام الشرعية هي أحكام من عند الله، لذا وجب عليك أيها المسلم أن لا تفتش ولا تسأل عن أشياء إن تُبْدَ لك تَسُؤْك. قال النبي ﷺ: "دعوني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم".
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن كلمة "بِهَا" هنا تعني بسببها. في قصة البقرة، يتعلم المسلم كيف يفكر وكيف يتعامل مع أوامر الله. فالدين مبناه على اليسر لا العسر، وعلى اليقين لا الشك، وعلى المصلحة لا المضرة ولا الفساد ولا الضرر، كما قال النبي ﷺ: "لا ضرر ولا ضرار". كما أن الدين يقوم على النية الصالحة المخلصة، فالأمور بمقاصدها، كما في الحديث: "إنما الأعمال بالنيات".
وأشار الى أن الدين ليس مجرد تحسين الظاهر أو إظهار علامات على الجسد، بل هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل، كما قال النبي ﷺ: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
وأوضح أن تسمية الله سبحانه وتعالى السورة بكاملها "البقرة" تشير إلى أهمية الالتفات إلى هذه القصة أثناء قراءة السورة، فهي من أهم مكونات عقل المسلم. ورغم أن الله ضربها على أقوام سابقين وتحدث عن أشياء أخرى، إلا أن المقصود هو الفكر الذي كان وراء تصرفات أصحاب قصة البقرة، قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } [البقرة: 67] الأمر كان بسيطًا وواضحًا. قال رسول الله ﷺ: "لو ذبحوا أي بقرة لكفتهم". ولكن المشكلة كانت في التنطع والتفتيش والورع الكاذب.
التنطع: هو التشدد والمغالاة. وهو يظهر عندما يرى الإنسان حوله وقوته، مع أن القوة كلها بيد الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
التفتيش: خذ الحكم الشرعي أو الفتوى بلا زيادة أسئلة ولا استقصاء غير مبرر، فقد يكون ذلك مخالفًا للتقوى الحقيقية.
الورع الكاذب: يظهر في تناقض التصرفات، كما فعل بني إسرائيل؛ قتلوا النفس ثم أظهروا ورعًا زائفًا في السؤال عن البقرة.
إذن، الدين ينهانا عن التنطع، والتفتيش، والورع الكاذب. وهذه القصة تقدم لنا درسًا عظيمًا في الامتثال واليقين والثقة بحكم الله سبحانه وتعالى.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة قصة سورة البقرة سورة البقرة قصة البقرة
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الشيب والمرض والزلازل منبهات إلهية توقظ الغافلين
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان هناك منبهات نبهنا الله إليها في الكون، وفي الآفاق، وفي الأنفس، وفي التاريخ؛ علامات يُستدل بها على ما وراءها.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان هذه المنبهات قد تتعلق بالإنسان؛ فهو يُولد صغيرًا لا يعلم شيئًا، ثم يشُب ويقوى، ثم يشيخ ويضعف، كما قال تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ}.
واشار الى انه عندما يبدأ الشيب في الرأس، وتصيب العظام الهشاشة، فذلك تنبيه للإنسان بأن يخلع عن نفسه رداء الغفلة والعصيان، وأن يستعد ليوم الرحيل، ويقدم في دنياه ما يُرضي الله عنه، كما قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
فبلوغ الأربعين علامة من العلامات، ومنبه من المنبهات التي تُوقظ العاقل وترده إلى ربه.
وهن العظم، وهشاشته، وخط الشيب في الرأس، منبهات لعل الإنسان يرتدع ويعود، والمرض بعد الصحة من منبهات الله التي توقظ القلب والعقل، ليعود العبد إلى ربه.
ومن المنبهات الكونية: الزلازل.
جعلها الله تعالى آيات توقظ الغافلين، وتذكر بالزلزال الأكبر يوم القيامة، قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا} كأنه يحدث نفسه ولا يخاطبها: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}.
فالزلازل من المنبهات، الغرض منها أن يتذكر الإنسان أن هذه الدنيا فانية، وأن الحياة قد تنتهي في أية لحظة، فإذا استحضر ذلك، هانت عليه الدنيا، وحضر الموت أمام عينيه يقول تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ}.
لكن ماذا بعد بلوغ الأشد؟
{وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى} وهو في عز الشباب.{وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً }
ثم ينقلك السياق إلى مشهد الأرض: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}. فيذكرك الله بالقيامة: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ}. و يُذكِّرك بأن الخلق أطوار.
وجعل الله تعالى العلامات في السماوات أيضًا، فقال:{وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}.وقال: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.ثم قال: { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}، فالقمر يظهر هلالاً، ثم يصير بدرًا، ثم ينقص حتى يعود هلالاً، وكل ذلك جعله الله علاماتٍ: للابتداء، والتوسط، والانتهاء.
إذن لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ * فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ * مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ.
قالها أبو البقاء الرّندي وهو يرى الأندلس تنهار بعد مجد، كما ينحط البدر في السماء إلى أن يصير هلالاً.
ففي الكون، وفي الآفاق، وفي الأنفس، وفي التاريخ، منبهات وعلامات تزيد الإيمان، وتنزع الخوف، وتُهون أمر الدنيا، وتنزعك نزعًا من العصيان إلى طاعة الرحمن والعاقل خصيم نفسه والعاقل هو من يلتفت إلى العلامات، فيعود إلى ربه.