هل غسل المال الحرام يحوله إلى حلال؟ .. على جمعة يجيب
تاريخ النشر: 11th, August 2025 GMT
كتب الدكتور علي جمعة منشورا جديدا عبر صفحته الرسمية على فيس بوك قال فيه: إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يرزق الخلق، ومن هذا الرزق ما هو حلال ومنه ما هو حرام، ولقد أمرنا ربنا سبحانه وتعالى بالتماس الحلال في المكاسب واجتناب الحرام فيها، وكلٌ من عند الله إلا أن هذا فيه نعمة الابتغاء والطلب والسعي من أجل تحصيله، وهذا فيه نعمة الاجتناب والترك من أجل الله سبحانه وتعالى.
ونوه بأن الله خلق الحلال والحرام، ورزق الناس الحلال والحرام؛ حتى يقوم المؤمن بوظيفته التي أمره الله بها أو نهاه عنها، وحتى ينال المؤمن الثواب الجزيل إذا ما هو طلب الحلال، وينال الثواب الجزيل إذا ما هو ابتعد عن الحرام، ومن أجل ذلك كان الحلال والحرام نعمةً من عند الله؛ لأن المؤمن سيثاب في كلٍ من الطرفين؛ هذا في ابتغائه وتحصيله، وهذا في البعد عنه والترك له.
وأشار إلى أن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ فيخاطب المؤمن والكافر ﴿ كُلُوا مِمَّا فِى الأَرْضِ ﴾ والذي في الأرض قد أتاحه الله لنا، وهو في متناول أيدينا لكننا يمكن أن نجعله رزقًا طيبًا حلالاً حسنًا بتحصيله من وجهه على مراد ربنا وأوامره ويمكن أن نجعله رزقًا خبيثًا حرامًا يغضب عليه الله ورسـوله، وجعل الله سبحانه وتعالى معالم الحلال والحرام في قرآنه وسنة نبيه في دينه ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِى الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾.
ولابد عليك أيها المؤمن أن تفهم معالم الحلال والحرام في المكاسب، ومن الناس الآن من يتبع خطوات الشيطان، وإذا ما حصلوا شيئًا من الحرام أرادوا أن يغسلوه كما لو أن ذلك الغسيل يحوله إلى حلال، ويأبى اللهُ الشيطانَ وخطواتِه، ويمنعنا الله سبحانه وتعالى من التحايل والخداع عليه، ويبين لنا أن المجتمعات إذا ظلمت هذا الظلم المبين- تهلك، وأن صور الهلاك أن نعطل الحلال وأن ننغمس في الترف، فيقول الله عز وجل: ﴿ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ انظر الهـلاك سببه الظلم ﴿ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾. خرَّت.. وانهار المجتمع ﴿ وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴾ بئر فيها الماء وهو أساس حياة الإنسان والحيوان والنبات.. وما كان كذلك فهو معطل عند أولئك الظلمة، وقصر كان يكتفي ساكنه بكوخٍ يأويه من الحر والبرد والمطر..، لكنه جَصَّصه بالجُصِّ (أي بيضه بالطلاء)، وحلاه وزينه على أبدع ما يكون، ومكّن بنيانه بحيث جاء الهلاك فأبقى القصر على ما هو عليه؛ تذكرة لمن بعدهم بعد هلاكهم..! فالقصر لم يتأثر بالهلاك؛ فهو قصر ثابت مبذول فيه كل الجهد، وللأسف البئر معطلة!
هذا مظهر الظلم..! أن نجد قرية من قرى الله سبحانه وتعالى قد عطلت فيها أدوات الإنتاج وما ينفع الناس وما يعم خيره، وقد شيدت فيها قاعات الأفراح والقصور والاستراحات وغيرها من مظاهر الترف، هذا الظلم سيترتب عليه الجوع والخوف؛ لأننا لا نسير وراء سنة نبينا، ولا وراء أوامر ربنا سبحانه وتعالى.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة الرزق المكاسب الحلال والحرام غسيل الأموال الله سبحانه وتعالى الحلال والحرام هذا فی
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: التصوف في عصرنا الحاضر تاه بين الأعداء والأدعياء
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، إن في العصر الحاضر، خلط كثير من الناس بين تصرفات الصوفية وبين التصوف, كما خلط كثير من الخلق بين أفعال المسلمين وبين الإسلام. وأفعال المسلمين -في أي مكان وزمان- لم تكن أبدًا حجة على الإسلام.
وتابع: بل إن النبي ﷺ يحذر الناس من فساد الزمان والبعد عن السنة, وفي حديث حذيفة رضي الله عنه -الذي أخرجه البخاري ومسلم- يبين رسول الله ﷺ أن الشريعة هي الأساس, وأننا سنرى فتنًا, ومخالفة, واختلافًا بين الناس. يقول حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير, وكنت أسأله عن الشر, مخافة أن يدركني, فقلت: يا رسول الله, إنا كنا في جاهلية وشر, فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي, تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم, دعاة إلى أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله, صفهم لنا. فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها, ولو أن تعض بأصل شجرة, حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.
فالحق أن المسلمين ليسوا حجة على الإسلام. ولما أمر ﷺ أمير الجيوش قال له: وإن حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تُنزلهم على حكم الله, فلا تُنزلهم على حكم الله, ولكن أنزلهم على حكمك, فإنك لا تدري, أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ (أخرجه أحمد).
وأشار إلى أن لذلك, فإننا عندما نتفاوض, نتفاوض باجتهادنا؛ فليس هذا هو كلام الله ولا كلام رسوله ﷺ , وإنما هو ما فهمناه من كلام الله ورسوله, ومن أجل ذلك, فإن العلماء من أهل التصوف تقيدوا بالكتاب والسنة, واجتهدوا كما اجتهد الفقهاء, وكما اجتهد أهل العقيدة والمتكلمون, لكنه اجتهاد مقيد بالكتاب والسنة.
ولفت إلى أنه قد نشأت الآن ناشئة تنكر التصوف لما رأته من بعض الخلل أو البدع ممن ينتسبون إليه, ولو نظرنا إلى سيرة رسول الله ﷺ لوجدنا أن هذا الذي فعلوه مخالف للمنهج النبوي؛ فلقد وجد رسول الله ﷺ أصناما حول الكعبة، فلم يهدم الكعبة, وإنما أزال الأصنام وأبقى الكعبة, هذا هو المنهج النبوي, إنه منهج رباني.
كذلك لو نظرنا إلى قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} نجد أن الصحابة كان عندهم حرج أن يفعلوا تلك الأفعال التي فعلها المشركون عندما قصدوا وحجوا إلى بيت الله, وأرادوا إلغاء السعي جملة, لكن السعي من دين إبراهيم, هذا من الحنيفية، وهو بأمر الله سبحانه وتعالى.
لقد خلط المشركون الوثنية بشريعة إبراهيم, فخلصها الله تعالى منها, وجعل شريعة إبراهيم صافية, نحج بها إلى يومنا هذا: من طواف, وسعي, ورمي, ومبيت, ووقوف بعرفة.. إلى آخر هذا, وخلصها من النواقص أو الزوائد التي أضافها الوثنيون المشركون, لم يلغ هذا الأمر, لأن هذا ليس من الإنصاف, وليس من العدل, ورسول الله ﷺ يعلمنا الإنصاف والعدل, ولذلك خلص هذا من ذاك.
فالمنهج واضح: إذا اختلط الأمر, لا نرمي الجميع, بل نُخلّص هذا من ذاك, ونأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، وننكر البدع والانحرافات.
لكن التصوف في عصرنا الحاضر تاه بين أعدائه وأدعيائه؛ فهناك من يتمسك بمجموعة من البدع مدعيًا أنها هي التصوف, والتصوف براء من ذلك.
وبين ان التصوف هو حفظ مرتبة الإحسان, وهو مقيد بالكتاب والسنة. وله علماؤه عبر العصور, كتبوا فيه وعاشوا من أجله, وأوضحوه بألفاظ مختلفة في عصور مختلفة. تكلموا عن الزهد, وألف فيه أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة, تكلموا عن الورع, والتقوى, وأعمال القلوب, وكتب كل هؤلاء في هذا الباب.
لكن ابتلينا في عصرنا هذا بمن يريد أن يخالف المنهج النبوي في حقيقة أمره, إلا أنه تزيا -في الظاهر- بالزي النبوي؛ تراه يطلق لحيته, ويقصر ثوبه, ويضع سواكه فوق أذنه وكأنه من الجيل الأول ومن السلف الصالح, ثم تراه -في بعض الأحيان عن جهل, وفي بعض الأحيان عن غرور وكبر- يخرج على المنهج النبوي, أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام, يقولون من كلام خير البرية, لا يجاوز إيمانهم تراقيهم.