أبو مرزوق : هناك 3 عوامل ستجبر نتنياهو على وقف حرب غزة
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق ، اليوم الجمعة 28 يونيو 2024 ، إن هناك 3 عوامل ستجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وقف حرب غزة والخروج من الحلبة السياسية.
وبحسب أبو مرزوق الذي تحدث لموقع الجزيرة نت ، فإن العامل الأول هو هو صمود الشعب الفلسطيني وصمود المقاومة وفعاليتها في مواجهة الجيش الاسرائيلي وقدرتها على إفشال كل مخططات الاحتلال وأهدافه.
العامل الثاني: يتمثل في أن الولايات المتحدة الآن في أضعف حالاتها بوقت الانتخابات، ولذلك قد تكون مترددة في إجبار نتنياهو على وقف العدوان.
العامل الثالث: يرتبط بالوضع الداخلي والانقسام السياسي الحاد داخل إسرائيل سواء بين الجمهور ونتنياهو، وبين الجيش ونتنياهو، مما دفعه إلى إلغاء مجلس الحرب، فضلا عن عدم استقرار الأوضاع في تل أبيب في نواح كثيرة، وهو ما سيجبره في نهاية المطاف على وقف العدوان.
يجب أن نضيف أيضا العامل المتعلق بتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة ومكروهة لا يحترمها أحد، تنتهك القوانين الدولية والإنسانية، صدر بحق قاداتها مذكرات اعتقال وملاحقة من محكمتي الجنايات الدولية والعدل الدولية، فضلا عن أن محاكم محلية كثيرة ترفع قضايا ضد إسرائيل.يقول أبو مرزوق
نص حوار موسى أبو مرزوقما أسباب زيارتكم موسكو، وهي الرابعة منذ أحداث 7 أكتوبر، وما الملفات التي بحثتموها مع الجانب الروسي؟
الحراك السياسي والدبلوماسي مسألة لا تنقطع خصوصا مع دولة بوزن روسيا، عضو في مجلس الأمن الدولي وذات حضور قوي على المستوى العالمي.
وعلى سبيل المثال، فإن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لا يكاد يغيب عن المنطقة. هناك حرب دائرة ومتغيرات هائلة، ما يقتضي التشاور على كل المستويات، لا سيما أن حماس والمقاومة الفلسطينية هما طرف أساسي في الحرب. وفي المقابل، تُعد إسرائيل كواجهة وأداة.
لكن الصراع الحقيقي هو مع الولايات المتحدة التي تمد تل أبيب بالسلاح وتحميها في المحافل الدولية ومن العقوبات.
بالتالي، لا بد من وجود دولة بحجم روسيا، تقف إلى جوارك، كي لا تستفرد الولايات المتحدة، ليس فقط بمنطقة الشرق الأوسط بل وبالساحة الدولية.
إلى جانب ضرورة دوام المشاورات لتقييم الأوضاع. الدعوة وُجهت إلينا أيضا لسبب موضوعي يرتبط بحراك إسرائيل الدبلوماسي النشط في الآونة الأخيرة لصرف النظر عن مركزية التفاوض حول الورقة التي تم إقرارها في مجلس الأمن، وتحاول أن تشتت الانتباه وتفصل مسارات التفاوض.
وقد حضر وفد سياسي وعسكري إسرائيلي كبير إلى موسكو، وقدم عرضا بوقف إطلاق نار مؤقت وإطلاق سراح الأسرى الروس لدى حماس، والذين يحملون جنسية مزدوجة. بالتالي كان لا بد من سؤال الجانب الروسي حول هذا الموضوع، وهذا أحد الأسباب التي استدعت الحوار مع الأصدقاء الروس.
وقد أوضحنا لهم الموقف بجلاء، وهو أنه ليس هناك من مجال سوى تطبيق قرار مجلس الأمن الذي أُقر في المرحلة الأخيرة، ووقف إطلاق دائم للنار ووقف العدوان، وإغاثة الشعب الفلسطيني والبدء بإعاة الإعمار وكسر الحصار، وهو ما يمكن أن يفضي لصفقة تبادل للأسرى من كلا الجانبين.
ما طبيعة وحدود الدور الذي تأملون أن تلعبه روسيا في ملف حرب غزة وبالمنطقة والجبهات المفتوحة مع إسرائيل؟
الدور السياسي لروسيا محل تقدير عندنا، وموقفها تجاه الشعب الفلسطيني واضح وجلي منذ سنوات طويلة وهم يؤيدون حقه في إقامة دولته وتقرير مصيره، والآن يقدمون مساعدات مدنية.
أما على المستوى العسكري، فالمقاومة تصنّع سلاحها وتقاوم العدو بنفسها. أما إذا توسعت المعركة، ستكون روسيا حاضرة بقوة لأنه سيكون لها حلفاء في المنطقة. فلموسكو وجود في سوريا وتربطها علاقات متميزة مع إيران، وبالتالي ستكون لروسيا أدوار أخرى غير التي تقوم بها في الوقت الحاضر، وحينها سيكون لكل حادث حديث.
أين وصل ملف المفاوضات بخصوص التهدئة أو الوقف النهائي لإطلاق النار؟ وما الذي يجبر نتنياهو على قبول شروط المقاومة الفلسطينية؟
هناك 3 عوامل ستجبر نتنياهو على وقف عدوانه وخروجه من الحلبة السياسية:
العامل الأول: هو صمود الشعب الفلسطيني وصمود المقاومة وفعاليتها في مواجهة الجيش الاسرائيلي وقدرتها على إفشال كل مخططات الاحتلال وأهدافه.
العامل الثاني: يتمثل في أن الولايات المتحدة الآن في أضعف حالاتها بوقت الانتخابات، ولذلك قد تكون مترددة في إجبار نتنياهو على وقف العدوان.
العامل الثالث: يرتبط بالوضع الداخلي والانقسام السياسي الحاد داخل إسرائيل سواء بين الجمهور ونتنياهو، وبين الجيش ونتنياهو، مما دفعه إلى إلغاء مجلس الحرب، فضلا عن عدم استقرار الأوضاع في تل أبيب في نواح كثيرة، وهو ما سيجبره في نهاية المطاف على وقف العدوان.
يجب أن نضيف أيضا العامل المتعلق بتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة ومكروهة لا يحترمها أحد، تنتهك القوانين الدولية والإنسانية، صدر بحق قاداتها مذكرات اعتقال وملاحقة من محكمتي الجنايات الدولية والعدل الدولية، فضلا عن أن محاكم محلية كثيرة ترفع قضايا ضد إسرائيل.
ما تقييمكم لحقيقة الخلاف بين إدارة الرئيس الأميركي بايدن ونتنياهو، وهل من الوارد أن تعمل واشنطن على إسقاط حكومته أو تملك الأدوات اللازمة لفعل ذلك في ظل تماسك تحالفه؟
سياسة واشنطن الآن تكمن في عزل أمن إسرائيل عن مستقبل نتنياهو، وهي تعتبر أنه لا يعمل لصالح تل أبيب بل لأهداف سياسية. لكنها ملتزمة بأمن إسرائيل.
نتنياهو يحاول مواجهة هذه الضغوط، خاصة في فترة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، باللعب على حاجة الإدارة الأميركية إلى الأموال اليهودية، إضافة إلى أنه يملك أغلبية مريحة في الكنيست مممثلة بالتيار الصهيوني المتدين.
كما أن ما يضعف من تأثير الإدارة الأميركية على تل أبيب هو موقف الكونغرس المنحاز بشكل كبير جدا لإسرائيل.
ما المكاسب الحقيقية التي ستجنيها القضية الفلسطينية جراء "طوفان الأقصى"، بعيدا عن أهمية خسارة إسرائيل سياسيا وأخلاقيا على مستوى العالم؟
بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كسبت القضية الفلسطينية تأييدا واسعا جدا، لا سيما فيما يخص حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإنشاء دولتهم المستقلة.
إلى حد الآن، اعترفت 144 دولة تقريبا بهذا الحق، فضلا عن التأييد الشعبي الهائل في أوروبا، بما في ذلك اليهود غير الصهاينة، وكذلك انضمام دول جديدة إلى الدعوات ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. هذا نتيجة صمود الشعب الفلسطيني الأسطوري في قطاع غزة الذي يُعبر عن صلابته وتمسكه بحقوقه ورفضه التهجير.
كما أن مكانة إسرائيل لم تعد كما كانت، إذ أصبحت غير قادرة على حماية أنظمة في المنطقة، بل لا تستطيع أن تدافع عن نفسها إلى جانب دول أخرى تقيم معها تحالفات عسكرية وأمنية.
لكن المشكلة الأساسية ليست في المقاومة ولا في الموقف العربي أو الدولي، بل في أنه لدينا سلطة فلسطينية عاجزة وفاسدة، وقد جاءت كل هذه المكتسبات وهي خامدة، لا تقوم بأي حراك سواء على مستوى وحدة الشعب الفلسطيني، أو جني المكاسب الهائلة للقضية الفلسطينية، ولا على مستوى الإنجاز الذي حققته المقاومة.
لن يكون من الممكن استثمار هذه المكاسب إلا بتغيير هذه السلطة وإزاحتها من طريق الشعب الفلسطيني، فهي لم تعد صالحة لتمثيل الشعب والتعبير عن آماله.
هل أدت ظروف المعارك الحالية بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل لتراجع الاهتمام بملف المصالحة الوطنية، لا سيما أن لروسيا دورا واضحا في الوساطة ورعاية حوار الفصائل؟
موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وموقف حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) لم يعد مقررا مستقبلهم الشخصي ولا مستقبل السلطة ولا مستقبل الوضع الفلسطيني. للأسف الشديد، موقفهم مرهون بدول في المنطقة وبالولايات المتحدة وإسرائيل، وبالتالي هو موقف غير مستقل ولا يخدم الشعب الفلسطيني.
لذلك، كل محاولات المصالحة أفشلها أبو مازن بطريقة أو بأخرى، عندما كنا في موسكو واجتمعنا 14 فصيلا فلسطينيا واتفقنا وأصدرنا بيانا، وذلك في أول اجتماع بعد اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وكان من المفترض أن يكون الاجتماع التالي أيضا في موسكو بين حركتي فتح وحماس، لتحديد معالم المرحلة المقبلة حول الحكومة الفلسطينية ومنظمة التحرير والدولة الفلسطينية والمشروع الوطني الذي نسعى إليه، لنخرج إلى الفصائل باتفاق نجمع عليه.
وإذا بـ"أبو مازن"، وبعد يومين فقط، يصدر قرارا دون تشاور ودون مرجعية، سوى أنه استشار دولة في المنطقة إضافة إلى الولايات المتحدة، وعيّن محمد مصطفى رئيسا للوزراء، مفشلا بذلك جهود روسيا بهذا الصدد.
المجهود الآخر الذي بُذل كان من جانب الصين، التي دعت حماس وفتح إلى بكين في أبريل/نيسان الماضي، وكان اللقاء ناجحا. واتفقنا خلاله على جدول أعمال لقاء موسع للفصائل الفلسطينية تضمن 8 نقاط إيجابية تحظى بإجماع فلسطيني، كالبند المتعلق بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ودخول كل الفصائل الفلسطينية إليها، وكذلك حكومة بتوافق وطني جامع.
إضافة إلى موضوع دولة فلسطينية مستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو/حزيران، والحفاظ على الضفة الغربية ومقاومة الاستيطان ومنع محاولات تهويد القدس وملف الأسرى. واتفقنا على مواصلة بحث تفصيلات هذه النقاط في اللقاء المقبل والذي حُدد يوم 23 يونيو/حزيران الجاري.
وإذا بالرئيس عباس، وقبل الاجتماع بيوم واحد، يقوم باستدعاء السفير الصيني ويبلغه بتأجيل اللقاء إلى أجل غير مسمى، ومن السفير الصيني، علمنا بالقرار، وهو ما كان محل استغرابنا. إنهم لا يريدون أن تكون الوحدة الفلسطينية جماعية ولا للفصائل أن تجتمع، وبالتالي أرادوا إفشال الصين في مسعاها.
هنا رفضت حماس مقترح فتح بعقد اجتماع جديد وأصرت على مخرجات اجتماع أبريل/نيسان بمشاركة كامل الفصائل في بكين، وعلى جدول الأعمال الذي تم الاتفاق عليه.
فتح أنكرت وجود اجتماع واتفاق، وهذا كان كذبا صريحا، لأن الصينيين شاهدون على هذا الأمر، وسلمت الورقة إلى نائب وزير الخارجية الصيني الذي امتدح اللقاء، قبل أن تخرج الخارجية الصينية ببيان يتكلم عن نجاح المفاوضات واستمرار مساعيها على هذا الخط.
بالتالي حركة فتح أفشلت الاتفاق، وذلك لسببين:
الأول: هو رفض إسرائيل والولايات المتحدة أن تكون حماس موجودة في المشهد الفلسطيني في اليوم التالي للحرب، من خلال حكومة كفاءات فلسطينية ووحدة في إطار منظمة التحرير.
الثاني: واشنطن لا تريد للصين أن تلعب أي دور في المنطقة ولا في الملف الفلسطيني.
والسلطة لا تستطيع مواجهة الحقائق كما هي، لذلك يكذبون ويزيفون ويتهمون ويعتقلون وينسقون. وكل ذلك لن يجدي نفعا. وبدلا من أن تتصدى السلطة لهجمات إسرائيل عليها ولتقويض صلاحياتها والانتقاص من مسؤولياتها، تهاجم حماس والمقاومة الفلسطينية وترفض الوحدة الفلسطينية.
لا يتوقف الجيش الإسرائيلي عن اقتحام مناطق عدة في الضفة، في تقديركم ما الذي يحول دون انفجار الوضع فيها وحدوث مواجهة شعبية واسعة أو انتفاضة ثالثة؟
السبب الأول هو السلطة والثاني إسرائيل، فالسلطة عطّلت الجامعات ومدارس كثيرة حتى لا تكون منطلقا لأي حراك أو لانتفاضة جديدة في الضفة الغربية. كما تلاحق السلطة المقاومين، وكل من يدعو إلى أي انتفاضة أو تجمع أو إضراب وتحاسب حتى على منشور أو تغريدة على مواقع التواصل.
الأجهزة الأمنية التابعة لها تعمل ليلا نهارا لخدمة العدو الصهيوني تحت باب التصدي للفوضى والتهدئة والحل التفاوضي. هذه هي الأسباب الأساسية لعدم وجود انتفاضة أو مقاومة بحجم أكبر رغم ممارسات الاحتلال من مصادرة أراض الفلسطينيين وترحيلهم.
إضافة إلى ذلك، هناك الدور الذي تلعبه الاعتقالات الإسرائيلية؛ فكما هو معروف، هناك أكثر من 9 آلاف معتقل فلسطيني من أبناء الضفة في سجون الاحتلال، وهذا العدد الكبير يحول إلى حد ما من تفعيل هذا الجانب. ومع ذلك، أتوقع أن تشهد الضفة أحداثا في المستقبل القريب، تختلف عن تلك التي نشاهدها في الوقت الحاضر.
هل ترون أن حربا مفتوحة باتت وشيكة خاصة بعد ارتفاع وتيرة هجمات "جبهات الإسناد" المؤيدة للمقاومة، وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على غزة والقضية الفلسطينية؟
توسيع إطار الحرب هو مصلحة لبنيامين نتنياهو، لأن ذلك يجلب الولايات المتحدة إلى المنطقة. كما أن له مصلحة في استمرار الحرب لأنه لا يريد أن يخرج من الحكومة أو أن تنتهي فترة حكمه بهزيمة.
بخصوص جبهات الإسناد، نحن والشعب الفلسطيني ممتنون جدا لهذه الجبهات التي ربطت مقاومتها وأفعالها بوقف العدوان على غزة.
في حال توسعت الحرب، فبالتأكيد لا تستطيع إسرائيل أن تحارب على جبهتين، وإذا تشتت جيشها على أي جبهة من الجبهات، سيكون لذلك أثر واضح على غزة.
يجب أن نتذكر أن إسرائيل شنت حربا على غزة بعد أسر حماس الجندي جلعاد شاليط، ولم تتوقف هذه الحرب إلا عندما قام حزب الله بخطف 3 جنود إسرائيليين في شمال فلسطين، وإذا بالحرب على غزة تتوقف وتتحول إلى لبنان. بالتالي إسرائيل لا تستطيع الدخول في حروب على جبهتين في الظروف الحالية.
المصدر : وكالة سواالمصدر: وكالة سوا الإخبارية
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة الولایات المتحدة الشعب الفلسطینی نتنیاهو على وقف على وقف العدوان فی المنطقة أبو مرزوق إضافة إلى لا تستطیع فضلا عن تل أبیب على غزة وهو ما
إقرأ أيضاً:
عوامل السوق:
عوامل السوق:
هل تؤسس الولايات المتحدة شراكة طويلة الأمد مع آسيا في مجال توريد الغاز المسال؟
ترمي الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب لتجديد زخم إنتاج وتصدير النفط والغاز الطبيعي بعد القفزة القوية التي حققتها صناعة الطاقة الأمريكية بالعقد الأخير بفضل تقنيات التكسير الهيدروليكي، الأمر الذي تحسبه واشنطن مكسباً جيوسياسياً واقتصادياً فارقاً. أما بالنسبة لمستوردي الطاقة في آسيا، فتشكل زيادة واردات الغاز المسال الأمريكي بالتحديد مدخلاً لتنويع إمدادات الطاقة وتأمين الاحتياجات المستقبلية المتنامية، فضلاً عن تأكيد التزام وارتباط الولايات المتحدة بدوائر المصالح السياسية للدول المستوردة في مواجهة التهديدات الجيوسياسية العالمية والإقليمية. مع ذلك، فإن نمو حصة إمدادات الغاز المسال الأمريكي لأسواق الاستهلاك الآسيوية؛ سيظل مقيداً بفعل عدة عوامل أبرزها المنافسة السعرية لمنتجي الغاز المسال الآخرين، فضلاً عن مدى تقدم الحكومات الآسيوية في إحراز أهدافها المناخية وتعزيز انتقال الطاقة المتجددة.
ورقة تفاوض:
استخدمت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب الطاقة كورقة مساومة في إطار المفاوضات الجارية مع أوروبا وآسيا بشأن الرسوم الجمركية المتبادلة الأمريكية، حيث حثت واشنطن كثيراً من شركائها في آسيا وأوروبا على شراء مزيد من شحنات النفط والغاز الأمريكية، بما يعكس الأهمية الحيوية لصناعة الطاقة الأمريكية في الأجندة الاقتصادية لترامب، وطموحه الواسع لتأكيد هيمنة الطاقة الأمريكية في النظام الاقتصادي العالمي.
طالب ترامب دول الاتحاد الأوروبي في شهر إبريل الماضي بشراء منتجات طاقة أمريكية بقيمة 350 مليار دولار للحصول على إعفاء من الرسوم الجمركية الجديدة. وعلى نفس المنوال، فقد كان النفط والغاز الطبيعي إحدى القضايا محل النقاش في مفاوضات واشنطن التجارية مع شركائها في القارة الآسيوية.
ومبدئياً، رحب الاتحاد الأوروبي بدعوات ترامب لشراء النفط والغاز الأمريكي؛ إذ تبحث الكتلة عن بدائل موثوقة ومستقرة لإمدادات الغاز الروسي ليس هذا فحسب، وإنما تعول أيضاً على الدور الأمريكي في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية. بينما في القارة الآسيوية، بدأت قائمة من البلدان تضم اليابان وكوريا الجنوبية والهند، بالإضافة إلى بنغلاديش والهند وفيتنام وإندونيسيا والفلبين باستكشاف فرص التعاقد على شراء مزيد من شحنات النفط والغاز المسال الأمريكية قريباً.
وتطمح الإدارة الأمريكية لأكثر من مجرد زيادة مشتريات الغاز المسال من قبل شركائها الآسيويين، بل دعت واشنطن اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وبلدان أخرى للمشاركة في مشاريع الغاز المسال الأمريكية وعلى رأسها مشروع ألاسكا للغاز البالغة قيمته 44 مليار دولار. وكل ذلك سيعيد صياغة وتشكيل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة وآسيا بحيث تشمل ملف الطاقة، الذي يشكل أولية قصوى لدى الطرفين.
الحسابات الأمريكية:
في اللحظات الأولى لتولي دونالد ترامب سدة الرئاسة الأمريكية، أعلن عن خطط واسعة لزيادة إنتاج الغاز الأمريكي من خلال إتاحة مزيد من الأراضي للتنقيب وتسريع إصدار تصاريح حفر النفط والغاز الطبيعي. وحتى قبل تاريخ تنصيبه في يناير 2025، كان هناك عدد كبير من مشاريع تسييل الغاز المسال الأمريكية قيد التشغيل أو التنفيذ، وذلك رغم موقف إدارة بايدن الصارم تجاه الوقود الأحفوري.
فبحسب شركة “ريستاد إنيرجي”، لدى الولايات المتحدة فرص قوية لمضاعفة صادراتها من الغاز المسال حتى عام 2030 ذلك بدعم من مشاريع التسييل الجديدة قيد التطوير. ولكن مع استمرار نمو قدراتها الإنتاجية، سيكون على الولايات المتحدة إيجاد أسواق جديدة لتصريف الإمدادات الإضافية من الغاز المسال. وترى واشنطن أن آسيا تمثل سوقاً مثالية لاستقبال تلك الكميات الجديدة؛ حيث إنها تُعد محركاً رئيسياً للطلب العالمي على الغاز والغاز المسال في العقود المقبلة.
من المتوقع أن يستمر زخم الطلب الآسيوي على الغاز الطبيعي والغاز المسال في الأمد المتوسط والطويل؛ بسبب خطط الحكومات الآسيوية لإحلال الفحم في توليد الكهرباء وبعض الصناعات، إلى جانب انتشار استخدام مركبات الغاز المسال بدلاً من البنزين. وسينمو الطلب الآسيوي على الغاز المسال بمعدل قياسي قدره 88.8% من 270 مليون طن (367.2 مليار متر مكعب) سنوياً في عام 2024 إلى 510 ملايين طن (693.6 مليار متر مكعب) سنوياً في عام 2050، وفق شركة “وود ماكنزي”.
لنيل حصة من الطلب الإضافي، ستسعى شركات الطاقة الأمريكية بدعم من الإدارة الأمريكية الجديدة للتعاقد مع مرافق توليد الكهرباء الآسيوية لتوريد كميات إضافية من الغاز المسال. وإلى الآن لا تزال الحصة الأمريكية في سوق توريد الغاز المسال الآسيوية نحو 8%، في حين تصل هذه النسبة إلى 45% تقريباً في أوروبا بأكملها. ومع التوسع بالأسواق الآسيوية، ستعزز شركات الطاقة الأمريكية تدفقاتها النقدية ليس هذا فحسب، وإنما التحوط من مخاطر شراكاتها مع المستهلكين الأوروبيين؛ حيث يتبنى الاتحاد الأوروبي خططاً طويلة الأمد للتخلص من الوقود الأحفوري وتسريع نشر الطاقة المتجددة.
ومع ذلك، تنبغي الإشارة في هذا الصدد إلى أن زيادة الإمدادات العالمية من الغاز المسال سواء من قبل الولايات المتحدة أم غيرها من المنتجين تنذر بفائض بالمعروض السوقي؛ مما قد يُؤدي إلى انخفاض الأسعار وتآكل ربحية منتجي الغاز المسال؛ ومن ثم يرى مراقبو الطاقة أن التحدي الرئيسي الماثل أمام الشركات الأمريكية يتمثل في الموازنة بين دعم طموحات زيادة طاقة التسييل وضمان حصة سوقية تنافسية في الأمد الطويل.
مكاسب آسيوية:
من المنتظر أن تحقق الدول الآسيوية مكسباً مباشراً من خلال زيادة واردات الطاقة الأمريكية يتمثل في معالجة جانب من مخاوف واشنطن بشأن استمرار عجزها التجاري معها، وكذلك تعزيز موقفها التفاوضي بشأن بعض الملفات التجارية العالقة كتصدير السيارات الآسيوية للسوق الأمريكية؛ وإذا ما توصلت البلدان الآسيوية لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، ستتجنب الأولى مساراً اقتصادياً يغلب عليه عدم اليقين وتقلبات في الأسواق المالية والعملات وارتفاع الديون؛ وذلك نتيجة الرسوم الجمركية التبادلية المرتفعة التي فرضتها واشنطن على الصادرات الآسيوية للسوق الأمريكية، والتي أجلها ترامب لمدة 90 يوماً فقط.
بالإضافة إلى ما سبق، يؤسس استيراد الغاز المسال الأمريكي مساراً جديداً يعمل في صالح تعزيز أمن الطاقة، وتنويع الواردات الآسيوية من الغاز المسال. فيما يقدم المنتجون الأمريكيون للغاز المسال شروطاً أكثر مرونة في توريد الغاز المسال، سواء من حيث آجال التعاقد أم قيود الوجهة وإعادة البيع، وهذا ما يحرص عليه المستهلكون الآسيويون. وكل هذه النقاط ستكون محور نقاش ومباحثات مستمرة بين شركات الغاز المسال الأمريكية والمرافق الآسيوية عند توقيع عقود توريد الغاز المسال في الفترة المقبلة.
في كافة الأحوال، تنظر آسيا لنمو إمدادات الغاز المسال الأمريكي كرافعة لتأمين إمدادات الطاقة وسط نمو الطلب المحلي. ومن الناحية الاستراتيجية أيضاً، ترى آسيا أن توثيق العلاقات مع واشنطن في مجال الطاقة لن يسهم فقط في توثيق الشراكة التجارية مع الولايات المتحدة؛ بل سيعزز أيضاً التزامات الولايات المتحدة تجاه استقرار البلدان الآسيوية، ودعم مصالحها في مواجهة التهديدات العالمية وكثير من القضايا الإقليمية الخلافية.
حدود الاعتماد:
لعل السؤال الجوهري هنا هو ما إذا كانت آسيا تتطلع لتأسيس شراكة دائمة مع الولايات المتحدة في مجال الغاز المسال، حتى بعد انتهاء فترة رئاسة ترامب الممتدة حتى عام 2028. وتبدو الإجابة عن هذا السؤال صعبة والكشف عن النيات الحقيقية أمراً أصعب. وبلا شك أن الجانبين سيحققان مكاسب اقتصادية وجيوسياسية من تعزيز مبادلات الطاقة والغاز المسال، كما استعرضنا آنفاً.
مع ذلك، ينبغي الأخذ في الحسبان عدداً من العوامل التي ستحدد أوليات الحكومات الآسيوية في زيادة تجارة الطاقة والغاز المسال مع الولايات المتحدة، يتعلق أولها بمدى ملاءمة العقود الأمريكية للمستهلكين الآسيويين سواء من حيث آجال التعاقد أم شروط إعادة التصدير أم أسعار التوريد. فكلما قدم المنتجون الأمريكيون شروطاً أكثر ملاءمة لهم، زادت فرص توريد الغاز الطبيعي المسال لهذه الأسواق والعكس صحيح.
ولعل الطموح الأمريكي بالتوسع في أسواق الطاقة الآسيوية يأتي في وقت تنظر فيه الحكومات الآسيوية لزيادة الإمدادات العالمية من الغاز المسال من المنتجين الآخرين بخلاف أمريكا بمنظور إيجابي أيضاً، ذلك من حيث تعزيز قوتها التفاوضية للحصول على صفقات غاز مسال بأسعار أكثر تنافسية وجاذبية.
ثاني هذه العوامل يرتبط بحدود توريد الغاز المسال الأمريكي للأسواق الآسيوية، في ظل استراتيجيات الحكومات الآسيوية الراسخة لتأمين واردات الطاقة من مصادر متنوعة، للتحوط من التقلبات السياسية العالمية ومخاطر اختناقات سلاسل التوريد. فبطبيعة الحال، ترى غالبية الحكومات الآسيوية أن مجرد الاعتماد على شريك واحد أو إثنين في مجال توريد الغاز المسال أو حتى النفط لن يحقق لها أمن الطاقة المنشود.
فيما ثالث هذه العوامل يتعلق باستراتيجيات الطاقة الآسيوية الطامحة لتسريع نشر الطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات الكربونية. ففي الواقع، لن تتخلى كثير من الدول الآسيوية سريعاً عن استخدام الوقود الأحفوري في المزيج الحالي والمستقبلي للطاقة، ومع ذلك تسارع بعض البلدان مثل اليابان وكوريا الجنوبية إلى الاعتماد على مصادر الطاقة منخفضة الكربون في توليد الكهرباء؛ لتحقيق أهدافها المناخية؛ مما يعني أن اعتمادها على واردات الغاز المسال قد ينخفض مستقبلاً.
كل الاعتبارات المذكورة تعني أنه رغم قدرة الولايات المتحدة على بناء شراكة طويلة الأمد مع آسيا في مجال توريد الغاز المسال؛ فإن انخراطها بالأسواق الآسيوية سيظل مقيداً وخاضعاً لعدد من المتغيرات من أبرزها التنافس الشديد مع المنتجين الآخرين، فضلاً عن تغير أولويات الحكومات الآسيوية بشأن تحقيق الأهداف المناخية وتعزيز انتقال الطاقة.