تغليب المصالح مع قيادات الجيش على الحق ورحمة السودانيين
تاريخ النشر: 8th, July 2024 GMT
زهير عثمان حمد
على نحو مفاجئ، وبخلاف ما كان معلناً باختتام مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية في القاهرة أعماله اليوم الأحد السابع، أنهى المؤتمر أعماله وأصدر بيانه الختامي مساء أمس السبت، في نفس يوم انطلاقته.
كشفت مصادر سياسية لـ”اندبندنت عربية” عن امتناع كل من مالك عقار أير نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي ورئيس الحركة الشعبية شمال/ الجبهة الثورية، ومني أركو مناوي حاكم دارفور ورئيس حركة جيش تحرير السودان، وجبريل إبراهيم وزير المالية ورئيس حركة العدل والمساوة، عن التوقيع على البيان الختامي للمؤتمر.
وغرد مني أركو مناوي على حسابه بمنصة “إكس” أن البيان الختامي خيب ظنون السودانيين بخاصة الضحايا، مضيفاً “لذا لسنا معنيين ببيان لا يحمل تعاطفاً مع الشعب”.
تابع مناوي “شكراً لجمهورية مصر العربية الشقيقة التي وفرت للسودانيين أن يجتمعوا بعد تنازلات، ظناً أن المؤتمر يخرج بتعاطف مع الضحايا بإصدار إدانة لممارسات قوات الدعم السريع لكن البيان خيب ظنون السودانيين”.
وطن موحد
على الرغم من ذلك، أصدر المؤتمر بيانه الذي جاء فيه “أجمعت القوى السياسية والمدنية السودانية المشاركة في مؤتمر القاهرة في بيانها الختامي على المحافظة على السودان وطناً موحداً، على أسس المواطنة والحقوق المتساوية والدولة المدنية الديمقراطية الفيدرالية”.
اعتبر البيان، المؤتمر فرصة قيمة جمعت لأول مرة منذ الحرب الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية، بجانب طيف مقدر من الشخصيات الوطنية وممثلي المجتمع المدني، توافقوا جميعاً على العمل لوقف الحرب كمطلب أساسي للسودانيين.
تغليب المصالح الشخصية على الحق
من المؤسف أن نرى قيادات الجيش وبعض القادة السياسيين يواصلون تمسكهم بمناصبهم دون اعتبار لمصلحة الوطن العليا. إنهم يسعون فقط للحفاظ على مواقعهم، متجاهلين أن الحرب فترة زمنية محدودة، بينما السلام والاستقرار لهما ديمومة وبقاء. همهم الأساسي هو البقاء في السلطة، حتى ولو كان ذلك على حساب الشعب السوداني ومعاناته.
الرحمة بالسودانيين تتطلب الأمن ووقف الحرب
السودانيون يستحقون الأمن والسلام، وهذا لا يتحقق إلا بوقف الحرب. استمرار الصراع المسلح لا يخدم سوى مصالح ضيقة لبعض قيادات الجيش وبعض السياسيين، الذين يفضلون الحلول العسكرية على الحلول السلمية. يجب أن تتذكر هذه القيادات أن الحرب تترك آثاراً مدمرة على المجتمع، وأن الحلول السياسية والدبلوماسية هي السبيل الأوحد لتحقيق الاستقرار.
التاريخ والشعب سيحاكمان مواقفهم
عندما نلقي نظرة على مواقف بعض القادة الذين امتنعوا عن التوقيع على البيان الختامي لمؤتمر القاهرة، نجد أن هؤلاء يفتقرون إلى المواقف المبدئية. همهم الوحيد هو البقاء في مناصبهم، متجاهلين أن الشعب والتاريخ لن ينسى مواقفهم البائسة. سيسجل التاريخ أنهم فضلوا المصالح الشخصية على مصلحة الوطن، وأنهم ساهموا في استمرار معاناة الشعب السوداني.
قيادات الجيش والأزمة السودانية
الترقيات والتعيينات الأخيرة التي أجراها رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، مثل ترقية اللواء الصادق إسماعيل إلى رتبة الفريق وتعيينه مبعوثاً رئاسياً، وتسمية العميد ركن عادل سبدرات مديراً لمكتبه، تظهر بوضوح مدى اهتمام القيادات العسكرية بالحفاظ على مصالحها الشخصية على حساب مصالح الوطن.
و يجب على قيادات الجيش والقادة السياسيين أن يدركوا أن بقائهم في السلطة ليس الهدف الأسمى. الشعب السوداني يستحق حياة كريمة وآمنة، وهذا لن يتحقق إلا بوقف الحرب والعمل على تحقيق السلام الدائم. التاريخ سيحاكم هؤلاء القادة على مواقفهم، والشعب لن ينسى من اختار مصالحه الشخصية على حساب مصلحة الوطن. حان الوقت لأن تتحمل هذه القيادات مسؤوليتها وتعمل بجدية لتحقيق الأمن والاستقرار في السودان.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قیادات الجیش الشخصیة على
إقرأ أيضاً:
فصل الجيش عن الحزب والحركة
حيدر المكاشفي
خلال زيارته للمملكة العربية السعودية في اطار جولته الخليجية التي شملت الى جانب المملكة كل من دولتي الامارات وقطر، وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة كانتا من الرعاة الرئيسيين لمبادرة جدة لوقف الحرب في السودان، إلا أن زيارة ترامب لم تتضمن أي تصريحات أو مبادرات جديدة بخصوص الأزمة السودانية. لم يُذكر السودان في الخطابات الرسمية أو المؤتمرات الصحفية، فيما عدا تلك الاشارة المعممة التي وردت على لسان ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان والتي جاء فيها (سنواصل جهودنا لإنهاء الأزمة في السودان من خلال منبر جدة والذي يحظى برعاية سعودية أميركية)، فهل بناءً على ما سبق، يمكن القول إن زيارة ترامب إلى الخليج تجاوزت فعلياً ملف الحرب في السودان، حيث لم يتم التطرق إليه بشكل علني أو ضمن جدول الأعمال المعلن مما يشير إلى أن الأزمة السودانية لم تكن ضمن أولويات هذه الجولة الدبلوماسية..شخصياً و بعدد من الشواهد لا اعتقد أن إدارة ترامب تجاهلت تماماً وكلياً أزمة حرب السودان الكارثية، فادارة ترامب في فترة رئاسته الاولى هي من قدمت قانون (حماية الانتقال الديمقراطي)، الذي تضمن عدداً من الحوافز، في سياسة يمكن وصفها بسياسة العصا والجزرة، ومعلوم أيضاً ان سياسة ترامب منذ ولايته الاولى تعمد الى تجاهل المؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وتحويل السياسة الأميركية في المنطقة إلى تحالفات مع دول معينة مثل السعودية، مصر، والإمارات وقطر لتدير هي ملفات، منها مثلاً ملف السودان الموكل الى المملكة العربية السعودية بحسب تصريحات ولي العهد السعودي، كما أن نهج إدارة ترامب الممتد حتى الآن منذ ولايته الأولى واتضح جليا في زيارته الحالية للدول الخليجية، انها تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية هي تعزيز العلاقات الاقتصادية، وضمان فعالية المساعدات الأميركية من خلال تقليص الإنفاق غير الفعّال، ومكافحة التشدد والتطرف وإنهاء الحروب، وطالما ان ملف حرب السودان أوكل تماماً للمملكة العربية السعودية لم يعد ترامب بحاجة للاشارة اليه وترك أمره لولي العهد السعودي الذي أشار اليه في حديثه الذي نقلناه عنه، ولكن هب ان ترامب تدخل مباشرة في ملف حرب السودان وملأ الميديا بالتصريحات، فما عساه ان يفعل غير محاولة حمل الطرفين المتقاتلين للتفاوض، فمن المستبعد جداً ان يتدخل بصورة سافرة لانهاء الحرب كأن يفرض حظر على الطيران أو ارسال قوات للفصل بين المتقاتلين أو اي إجراء عسكري آخر..
المشكلة اذن ليست هي عدم اشارة ترامب لحرب السودان، وانما المشكلة في طرفي الحرب انفسهم وبالذات في قيادة الجيش التي يمكن ان نستلف لقب (مستر نو) من السيد عبدالواحد محمد احمد النور ونخلعه على قيادة الجيش التي صارت بالفعل (مستر نو)، برفضها لكل المنابر التي اتيحت للتداول حول الازمة، بل حتى المنبر الذي شاركت فيه وتوصل لتفاهمات مبدئية بين الفريق كباشي وعبدالرحيم دقلو في العاصمة البحرينية المنامة، تنصلت عنه قيادة الجيش ووأدته في مهده، والملاحظ هنا ان قيادة الجيش مرتهنة تماماً للوبي البلابسة وعلى وجه الخصوص جماعة الكيزان، فكلما تسربت اخبار عن لقاء يجمع طرفي الحرب، تجد هذه الجماعة سارعت لشن حملة شعواء ضده، فتسارع بدورها قيادة الجيش ليس لنفي التسريب فحسب بل والتأكيد على استمرار الحرب حتى القضاء على المليشيا، ولا تفسير لذلك سوى ان قيادة الجيش واقعة تماماً تحت تأثير وقبضة الكيزان ولا تملك الارادة الحقيقية للمضي في أية فرص تفاوض تلوح في الافق، وما لم تتحرر قيادة الجيش من الهيمنة والسيطرة الكيزانية وتمتلك ارادة نفسها سيظل الحال كما هو عليه، وبالطبع لن تتحرر قيادة الجيش من قبضة الكيزان مالم يتم فصل الجيش عن الحزب والحركة ونعني بهما حزب المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية، ومعلوم ان هذين (الحاءين) الحزب والحركة ما فعلاه بالدولة منذ استلام الاخيرة للسلطة عبر انقلابها المشؤوم، فهما لم يسيطرا على الجيش فقط بل جعلوا من الحزب والحركة والدولة شيئاً واحداً، تماهت السلطة في الحزب وتمدد الحزب في السلطة، ووضع الدولة في خدمة الحزب، رئيس الدولة هو رئيس الحزب، ومساعد الرئيس في القصر هو نائب الرئيس في الحزب، والوالي هو رئيس الحزب في الولاية، ووزير الوزارة الفلانية هو أمين القطاع العلاني في الحزب وهكذا دواليك، كل الدولة في جوف الحزب بما في ذلك الــ… والــ… والــ… مما تعدون وتعرفون من مؤسسات وهيئات يتشكل منها قوام أي دولة، وباختصار وضع الحزب الدولة رهينة له ورهن إشارته من قمة جهازها التنفيذي وإلى أصغر وحدة محلية، وأحكم عليها الخناق تحت إبطه، لا فاصل بين الانتماء السياسي للحزب والحركة والانتماء العام للمنصب، ذاك هو هذا، وهذا هو ذاك، فلا تدري ما الذي يفعله من أجل الحزب، وما الذي يفعله من أجل المنصب، فقد اختلط حابل الدولة بنابل الحزب، حتى صار السودان كله من أقصاه إلى أقصاه رهينة بين يديه، وجعل ما فيه ومن فيه مثل خادم الفكي كلهم مجبورون قسرا على خدمته، يسوقهم حيث ما شاء ويطبق عليهم ما يشاء بالقوة والقهر والجبروت حيناً ولا يريهم إلا ما يرى، ولا يسمع إلا ما يطربه، وبالجزرة والإغراء والملاطفة حيناً آخر، ورغم ان لجنة ازالة التمكين التي تكونت بعد ثورة ديسمبر سعت لتعديل هذا الوضع المقلوب والصورة الشائهة للدولة، بإنهاء دولة الحزب لصالح دولة الوطن بفصل الحزب عن الدولة وتخليص رقبتها من تحت إبطه، إلا ان انقلاب اكتوبر2021 الذي نفذته قيادتي الجيش والدعم السريع قبل ان تكتشف الاخيرة نوايا الانقلاب الحقيقية وتتبرأ منه، حيث وضح ان الهدف الرئيس للانقلاب كان القضاء على الثورة وإعادة الكيزان للسلطة، وهذا هو المشهد الماثل حتى الآن منذ انقلاب اكتوبر اذ ماتزال قيادة الجيش تحت إبط الحزب والحركة..
الوسومحيدر المكاشفي