قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة– محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، «2- 15»
تاريخ النشر: 11th, July 2024 GMT
قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة– محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، «2- 15»
تأليف عبد الله الفكي البشير- الناشر ط1: مركز أسبلتا للاستنارة والنشر، أيوا، الولايات المتحدة، الموزع: دار الأجنحة للنشر والتوزيع، الخرطوم.. ناشر الطبعة الثانية: دار بدوي للنشر، كونستانس، ألمانيا، 2022
* بقلم: بدر موسى
البروفيسور علي عبد القادر: “هذا كتاب مذهل”وطلب البروفيسور علي عبد القادر، قائلاً: “أرى أن ينشر هذا الكتاب في السودان، حتى يستفيد منه الناس وحتى يستفيد منه الشباب والحاكمين، وآمل أن تقام حوله حوارات ونقاش”.
قدم الكتاب مقارنة بين أفكار الأستاذ محمود محمد طه وآرائه تجاه التنمية مع أفكار المتخصصين وآرائهم، فمثَّل نموذجاً فريداً لهذه المقارنة، التي أبرزت و”تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكيَّة”. قارن الكتاب بين أطروحة: التنمية حرية، التي قدمها عالم الاقتصاد والفيلسوف الهندي أمارتيا كومار سن، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1998، وأستاذ الاقتصاد والفلسفة، حالياً، بجامعة هارفارد، والتي جاءت ضمن كتاب له نُشر عام 1999، وبيَّن طرح الأستاذ محمود محمد طه ورؤيته تجاه التنمية، والتي كانت سابقة، وقد قدمها منذ خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، ومثلَّت محوراً أساسياً في مشروعه الفكري: الفهم الجديد للإسلام/ الفكرة الجمهوري/ الفكرة الجمهورية، وجاءت في العديد من كتبه ومقالاته وأحاديثه، كما قام بتفصيل كل ذلك الدكتور عبد الله في كتابه المتميز والعجيب والمدهش.
وتزداد قيمة مقاربة الدكتور عبد الله الفكي البشير، في أنها أظهرت المرجعية الفكرية لرؤية الأستاذ محمود محمد طه تجاه التنمية، وهي القرآن في مستوى آيات الأصول (الآيات المكية). قدم الأستاذ محمود من خلال الفهم الجديد للإسلام، وجهاً مشرقاً للإسلام، في الوقت الذي يواجه فيه الإسلام والمسلمين التهم بالعجز والقصور والتخلف والتطرف ومحاربة التقدم والفهم باسم الله. وهذه التهم تجد سندها وتعزيزها في أخذ الإسلام عن جهل، يقول الأستاذ محمود: “إن الإسلامَ سلاحٌ ذو حدين.. إذا أُخذ عن علمٍ ومعرفة رفع الناس إلى أوج الرفعة والإنسانية والرقي، وإذا أُخذ عن جهلٍ، ارتد بالناس إلى صورٍ من التخلفِ البشع، الذي يحارب باسم الله كل مظهرٍ من مظاهر التقدم والفهم”. ولقد أوضح عبد الله في كتابه أن رؤية الأستاذ محمود تجاه التنمية تنطلق من دعوته لإرجاع الحياة إلى الله، وأن منشأ العلوم في حاجة ماسة وضرورية للمزج بين العلم التجريبي المادي مع العلم التجريبي الروحي، نسبة لوحدة الوجود، وأن تعريف التعليم هو تمليك الحي للقدرة، أي القدرة على تكيف الإنسان مع البيئة، وأن عناصر البيئة هي المعلم المباشر، بينما المعلم الأصلي هو الله، وأن الحرية هي العبودية لله، وأن سبب أزمة الأخلاق في العالم يتصل بالتخلف بين تقدم العلم التجريبي، وتخلف الأخلاق البشرية، وقد فصل عبدالله في كتابه كل ذلك تفصيلاً دقيقاً ومسدداً، فقد كتب عبد الله، قائلاً: “أرجع طه أزمة الأخلاق، التي أدت الى الاضطرابات التي يشهدها عالم اليوم، إلى سبب أساسي، وهو مدى التخلف بين تقدم العلم التجريبي، وتخلف الأخلاق البشرية”. وأضاف عبدالله، قائلاً: يرى الأستاذ محمود بإن العلم التجريبي الحديث رد مظاهر المادة المختلفة، التي تزخر بها العوالم جميعها، إلى أصل واحد، وأن البيئة التي يعيش فيها الإنسان هي بيئة روحية ذات مظهر مادي. هذا الاكتشاف الجديد، كما يرى الأستاذ محمود، يواجه الإنسان المعاصر بتحد حاسم، فالعلم المادي التجريبي، والعلم الروحي التجريبي، التوحيدي، اتحدا اليوم في الدلالة على وحدة الوجود. ولهذا، كما يقول عبدالله مستشهداً بقول الأستاذ محمود: فإنه على الإنسان “أن يوائم بين حياته وبين بيئته هذه القديمة الجديدة، وبهذه المواءمة والتناسق يكون الرجوع إلى الله بعقولنا، بل وبكل كياننا، حتى نحقق العبودية لله”.
كتاب التنمية حريةعرض عبدالله كتابه على البروفيسور علي عبد القادر (1944- 2022)، أستاذ اقتصاديات التنمية، والخبير السوداني المعروف، الذي عمل قائداً لبعض المؤسسات وفرق العمل التنموية، إقليمياً وعالمياً، وذلك باقتراح من البروفيسور عصام البوشي. أطلع البروفيسور علي عبد القادر على الكتاب، وناقش كل فصوله ومحاوره مع عبدالله، فعبَّر عن اعجابه بالكتاب، وبما جاء فيه من مقارنة علمية، وبما اشتمل عليه من رؤية للأستاذ محمود تجاه التنمية. ثم وصف الكتاب، قائلاً: “هذا كتاب مذهل”. تبع ذلك أن حكى البروفيسور علي عبد القادر لعبدالله، قائلاً: “لقد تحدثت مع بعض الأصدقاء عن الكتاب، الذي تضمن رؤية محمود محمد طه تجاه التنمية، فعبَّر أحدهم عن دهشته عن معرفة محمود محمد طه بالتنمية، فرددت عليه، قائلاً: إذا كان كل دارس يمكن أن يعرف تنمية، هل من المعقول أن يكون محمود محمد طه لا يعرف تنمية”. وأضاف البروفسور علي عبد القادر، قائلاً: “محمود محمد طه يعرف بدقة وعمق وشمول، بينما نحن الذين لا نعرف”. كذلك كان البروفيسور علي عبد القادر حريصاً على أن ينشر الكتاب داخل السودان، وليس خارجه، حيث تحدث إلى عبد الله، قائلاً: “أرى أن ينشر هذا الكتاب في السودان، حتى يستفيد منه الناس وحتى يستفيد منه الشباب والحاكمين، وآمل أن تقام حوله حوارات ونقاش”. واستجاب عبد الله من جانبه، لطلب البروفيسور علي عبد القادر، على الرغم من المعروض المقدمة لنشر الكتاب خارج السودان”.
كلما زاد العبد في التخضع لله كلما زادت حريتهيقول عبد الله إن العبودية لله، كما هي عند الأستاذ محمود، “هي غاية الحرية، وكلما زاد العبد في التخضع لله، كلما زادت حريته”. وذكر عبد الله بأن الأستاذ محمود يقول: “بالعلم التجريبي لا نستطيع الرجوع إلى الله، وإنما أسرع الطرق للرجوع لله يكون عن طريق الفكر، النابت في البيئة الروحية”. وأضاف عبد الله بأن الفكر، كما يرى الأستاذ محمود، “أسرع من الضوء، وبالطبع أسرع من الآلة التي ينجزها العلم التجريبي”. ولهذا، كما أورد عبد الله، يقول الأستاذ محمود: “إن قواعد الأخلاق البشرية إذا لم ترتفع إلى هذا المستوى فترد جميعها إلى أصل واحد، الأصل الروحي، كما ردت ظواهر الكون المادي إلى أصل واحد، فإن التـواؤم بين البيئـة، وبيـن الحيـاة البشرية، سيظـل ناقصاً، وسيبـقى الاضطراب الذي يعيشه عالم اليوم مهدداً الحياة الإنسانية على هذا الكوكب بالعجز، والقصور، في أول الأمر، ثم بالفناء والدثور، في آخر الأمر”.
نواصل في الحلقة القادمة.
* ماجستير برامج دعم التنمية في دول العالم الثالث (2000)، جامعة أيوا، الولايات المتحدة
يدرس حالياً في ماجستير التدريس والتعليم، جامعة أيوا، الولايات المتحدة
bederelddin@yahoo.com
الوسومأطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية أمارتيا كومار سن الأستاذ محمود محمد طه الإنقاذ البروفيسور علي عبد القادر التمكين التنمية حرية الدعم السريع السودان الكيزان حميدتي د. عبد الله الفكي البشير سناء حمد سيف الدولة حمدنا الله مرتضى الغاليالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية الأستاذ محمود محمد طه الإنقاذ التمكين التنمية حرية الدعم السريع السودان الكيزان حميدتي سناء حمد مرتضى الغالي الأستاذ محمود محمد طه تجاه التنمیة یستفید منه عبد الله فی کتاب
إقرأ أيضاً:
إبراهيم عليه السلام إمام الهُدى وقائد المسيرة العالمية في مشروع الله الإلهي .. قراءة في المعاني والدلالات الواردة في الدرس السادس للسيد القائد يحفظه الله
يمانيون / خاص
في قلب التاريخ الإنساني، وعلى مفترق طريق الإيمان، يبرز نبي الله إبراهيم عليه السلام بوصفه نموذجًا فريدًا للإيمان المطلق، والطاعة الكاملة، والدور الرسالي العالمي الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان. لم يكن مجرد نبي، بل إمامًا للناس، أسوةً وقدوةً، جعل الله له مقامًا خاصًا في منظومة الهداية الربانية.
في الدرس السادس من سلسلة قصص الأنبياء، يفتح السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) نافذة واسعة على المعاني العميقة والدلالات العظيمة في سيرة هذا النبي الجليل، فيكشف عن طبيعة الإمامة الإلهية، وشروطها، ورسالتها، ويضع أمامنا إبراهيم في موقعه الحقيقي كصانع التحول الحضاري والديني، وركنٌ أساس في مشروع الله لهداية البشرية.
رحلة الهجرة، بناء الكعبة، إحياء الشعائر، الدعاء بإمامة الذرية، المواقف الخاشعة، والتجرد الكامل لله… كلها ملامح لصورة إبراهيم الإمام، الذي لا تزال مواقفه تُلهم المؤمنين وتُرشدهم إلى الطريق المستقيم.
في هذه القراءة، نستعرض أبرز معاني الدرس، ونغوص في عمق الرؤية القرآنية، كما يشرحها السيد القائد، لنستخرج الدروس، ونستلهم من إبراهيم روح الإيمان والمسؤولية..
تناول السيد القائد يحفظه الله موقع إبراهيم عليه السلام في سُلَّم النبوة والهداية باعتباره ركنٌ في سلسلة الهُداة مؤكداً أن نبي الله إبراهيم ليس فقط أحد الأنبياء، بل هو ركنٌ محوري في سلسلة الأنبياء والرسل، ودوره يتجاوز الزمان والمكان إلى العالمية، ما يعني أنه نموذج يُحتذى به حتى من قبل الأنبياء والرسل من بعده.
الهجرة ومهامه الرسالية
هجرته من بابل إلى الشام، ثم إلى مكة، كانت جزءًا من خطة إلهية لتهيئة الأرض لدوره العالمي في الهداية وتأسيس أُسُس الدين الإلهي العالمي.
الهداية لا تورَّث
قوله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]: يشير إلى أن منصب الإمامة والهداية لا يُمنَح بالوراثة أو بالقرار الشخصي، بل هو اختصاص إلهي خالص ، هذه الآية تجسّد رفض الله أن يتولى هذا المقام من كان ظالمًا مهما كان نسبه أو قرابته، مما يؤكد على عدالة هذا المقام وسموّه.
من صفات إبراهيم عليه السلام
إتمامه للابتلاءات بنجاح: قوله تعالى {فَأَتَمَّهُنَّ} يدل على أن إبراهيم بلغ درجة الكمال في الامتحانات الإلهية، حتى استحقّ مقام الإمامة.
نفسية المؤمن الحق: رغم مكانته، كان في منتهى الخضوع والتواضع، حتى عندما يُؤمر ببناء الكعبة، يتضرّع إلى الله بطلب قبول العمل: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}.
الإمامة الإلهية
ليست منصبًا تشريفيًا، بل تكليفًا يتطلب مؤهلات خاصة إيمانية وروحية وعملية.
هي منهج حياة في خدمة الناس وهدايتهم، والإمام الحق يُقْتدى به، لا لموقعه فقط بل لأفعاله ومواقفه ومنهجه.
الكعبة وبيت الله الحرام في رسالة إبراهيم
بناء البيت الحرام: يعكس عُمق الدور العالمي لإبراهيم، ويُجسّد انطلاق مركز الهداية الدينية من مكة، لتكون منارةً روحية للناس جميعًا.
إحياء الحج: الحج لم ينقطع، حتى مع ما علق به من شوائب في الجاهلية، وجاء الإسلام ليعيده إلى صفائه، استمرارًا لمسيرة إبراهيم.
مقام إبراهيم: يرمز لوحدة الدين الإلهي، وهو أثر ملموس يربط المسلمين بسيرة إبراهيم عمليًا وروحيًا.
شعور الإنسان المؤمن بالافتقار إلى الله
من المعاني الراقية التي أشار إليها السيد القائد حفظه الله : أن الإنسان المؤمن – حتى حين يؤدي عملًا صالحًا – لا يستشعر المِنَّة أو الفضل على الله، بل يعيش شعور التقصير، كما عاشه إبراهيم وإسماعيل وهما يبنيان الكعبة، يدعوان الله لقبول العمل.
البيت الحرام: مركز البركة والهداية والمنافع
القرآن وصفه بأنه: “مباركًا وهدى للعالمين” و”مثابةً وأمنًا” و”فيه آيات بينات”.
البركات والهداية لا تتحقق تلقائيًا، بل بقدر ما يُقبل الناس بإيمان ووعي على البيت، يستفيدون من منافعه وهداياته.
وحدة المسيرة الإلهية في الحج
الحج كما شُرع في الإسلام هو امتداد طبيعي لحج إبراهيم عليه السلام، وفيه إشارات عملية إلى وحدة الدين الإلهي، وربط بين أمة محمد عليه الصلاة والسلام والأمم السابقة.
خاتمة
نبي الله إبراهيم عليه السلام هو إمام الهُداة، ومنار الهدى العالمي، ومثاله يُحتذى في التجرّد لله، الطاعة التامة، والنفسية الخاشعة المتواضعة، وحرصه على استمرار مسيرة الهداية في ذريته.
الإمامة والهداية مقامٌ رفيع لا يُنال بالميراث أو القرابة، بل بالاصطفاء الإلهي، والتأهيل الروحي والإيماني.
الحج والكعبة هما معلمان مرتبطان بسيرة إبراهيم، يحفظان وحدة الدين، ويمثلان محورًا للهداية الروحية والبركات للناس عبر الزمان.