عربي21:
2025-07-04@11:34:46 GMT

الربيع الذي انتهى والربيع الذي سيأتي

تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT

إحدى أهم الزوايا التي تُتابع من خلالها العديد من الأطراف مجريات الحرب على غزة ونتائجها هي ارتداداتها على المحيط والمنطقة، وتحديدا على الوضع الداخلي لبعض الدول.

ذلك أن مركزية القضية الفلسطينية وتاريخيتها من جهة، واستثنائية المعركة واختلافها عن كل ما سبقها من جهة ثانية، وارتباط قضايا المنطقة وتطوراتها ببعضها البعض من جهة ثالثة، يجعل من المرجّح أن يكون لهذه الحرب تبعاتها وانعكاساتها الخارجية، إن على مستوى المنطقة أو العالم.



ومما يعزز هذا الاعتقاد لدى الكثيرين أن له نموذجا سابقا، هو الثورات التي سميت بالربيع العربي نهاية 2010 وبداية 2011. فقد قامت الثورات في عدد من الدول العربية لأسباب داخلية في معظمها مثل الفساد والأزمات الاقتصادية والمعيشية، ولكن أيضا لأسباب تتعلق بالسياسة الخارجية مثل التبعية وضعف الدور والموقف من القضية الفلسطينية.

مركزية القضية الفلسطينية وتاريخيتها من جهة، واستثنائية المعركة واختلافها عن كل ما سبقها من جهة ثانية، وارتباط قضايا المنطقة وتطوراتها ببعضها البعض من جهة ثالثة، يجعل من المرجّح أن يكون لهذه الحرب تبعاتها وانعكاساتها الخارجية، إن على مستوى المنطقة أو العالم
وقد كان العدوان "الإسرائيلي" على غزة في 2008-2009 حاضرا في أذهان الشباب الذين ملأوا الميادين في تلك الاحتجاجات، من جهة بسبب دروس الحرب من صمود الفلسطينيين وأداء مقاومتهم رغم الحصار وقلة الإمكانات، ومن جهة أخرى بسبب ضعف الموقف الرسمي العربي المتراوح بين العجز والفشل. وهكذا سمعنا من شباب ميدان التحرير وأشقائه أن الاحتجاجات كانت تستلهم من غزة فكرة الإمكان رغم ضعف الإمكانات، وتحتج على أنظمتها التي خذلت غزة.

طويت صفحة "الربيع العربي" في موجة 2011 منذ سنوات، ولعل المصالحة الخليجية أولا ثم مسار المصالحة بين تركيا وبعض الدول العربية التي ناصبتها العداء لعقد كامل ثانيا؛ بمثابة إعلان غير رسمي بأن كافة دول المنطقة ومن الجانبين قد وضعت ملف الثورات وراء ظهرها بشكل كامل ونهائي، وربما يكون حديث أنقرة عن لقاء محتمل بين أردوغان والأسد آخر فصول هذا الإعلان، لكن هذا لا يعني أن هذا الحدث انتهى بلا رجعة.

في تفسير التاريخ وتوصيفه نظريات عديدة، بعضها ينظر للمسار التاريخي على أنه خط مستقيم لا يعود للخلف، وبعضها الآخر يراه ضمن موجات مد وجزر، وبعضها الآخر ينظّر للمسار "الدوري" أو "الدوراني"، وأخرى تتحدث عن "نهر التاريخ"، لكن معظم هذه القراءات تقر بإمكانية تكرر بعض الأحداث أو تشابهها، لا سيما إذا ما توفرت لها ظروف وسياقات ودوافع متقاربة. ولعل أكثر الظواهر السياسية- الاجتماعية القابلة للتكرر هي الاحتجاجات والثورات، ولذلك لطالما قُيّمت ضمن "موجات" أو مراحل ثورية متتالية.

استمرار المجازر البشعة بحق المدنيين من نساء وأطفال حتى وهم في مخيمات النازحين التي أنشئت في المناطق المعلنة "آمنة" من قبل الاحتلال؛ لم يدفع إلى موقف حقيقي تجاه الاحتلال من النظام الرسمي العربي، لا فعلا ولا تلويحا ولا حتى تلميحا
يتحدث العديد من الباحثين عن أن الأسباب التي دفعت الناس للانفجار في نهاية 2010 في عدد من الدول العربية ما زالت قائمة، ويكاد يكون أي منها لم يُحلَّ أو يُخفف، بل تفاقم بعضها أضعافا مضاعفة، ولا سيما ما يتعلق بمعاناة المواطن اليومية من الأوضاع الاقتصادية الخانقة من جهة والانسداد السياسي والفساد والمظالم من جهة أخرى.

في المقابل، فإن النظر إلى حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على غزة بأهلها ومقاومتها يدفع للقول بأن مشاعر الشارع العربي اليوم بخصوص موقف بعض الأنظمة تجاه الإبادة في غزة؛ تتخطى بمراحل ما شعر به في 2008 وما تلاها من حروب وعدوانات. إن موقف بعض الأنظمة العربية يُتعذر معه التفسير بالعجز (الإخفاق بدون محاولة) والفشل (الإخفاق بعد المحاولة) في دعم الفلسطينيين إلى مستويات التواطؤ (السكوت والرضا)، بل والانخراط المباشر وغير المباشر في المعركة إلى جانب الاحتلال.

ذلك أن استمرار المجازر البشعة بحق المدنيين من نساء وأطفال حتى وهم في مخيمات النازحين التي أنشئت في المناطق المعلنة "آمنة" من قبل الاحتلال؛ لم يدفع إلى موقف حقيقي تجاه الاحتلال من النظام الرسمي العربي، لا فعلا ولا تلويحا ولا حتى تلميحا. أكثر من ذلك، فقد أظهرت بعض الأنظمة رضا ضمنيا واستمرت بعلاقاتها مع الاحتلال، بما في ذلك التعاون وكأن شيئا لم يكن.

رغم الإبادة بل خلالها، لم توقف أي دولة عربية علاقاتها التطبيعية مع الاحتلال، ولا حتى هددت بذلك، ولم تسحب سفيرها ولم تطرد سفير الاحتلال، وبقيت العلاقات التجارية والاقتصادية، وجلس سفير الإمارات على مائدة الرئيس "الإسرائيلي" في بيت الأخير، وشارك صحافي سعودي في مؤتمر هرتسيليا الأمني- العسكري في دولة الاحتلال، ويستمر "الجسر البري" الذي تنقذ من خلاله عدة دول عربية اقتصاد الحرب في دولة الاحتلال وتعوضها ما تخسره من عمليات "أنصار الله" في اليمن، وشاركت بعض الدول العربية في حماية دولة الاحتلال من صواريخ إيران ومسيّراتها، فضلا عن الاجتماع الذي عقد بين قيادات عسكرية عربية رفيعة وقائد أركان جيش الاحتلال في المنامة برعاية أمريكية.

اتخاذ المواقف الصحيحة من الحرب على غزة والوقوف في الجهة الصحيحة من التاريخ كما يقال؛ ليس فقط موقفا أخلاقيا مبدئيا صحيحا، ولا يخدم الأمن القومي العربي من باب أن الكيان الصهيوني عدو للجميع ويستهدف الكل وحسب، وإنما يمكن أن يساهم في نزع فتيل انفجار كبير قادم على المنطقة
يقرأ الشارع العربي هذا الموقف، ولا يصدق -في غالبيته الساحقة- الكلام الدعائي للأنظمة بدعم الفلسطينيين وشجب للعدوان والعمل على وقفه.

ومن جهة أخرى، فإن القوى الحية التي انخرطت في الاحتجاجات الواسعة وسعت للتغيير في بلادها ثم دفعت ثمن فشل الثورات وتحكّم الثورات المضادة؛ بقيت خاملة لسنوات طويلة لأنها افتقدت للشعور بالجدوى بشكل أساسي، بينما يرى شبابها اليوم في غزة -مقاومة وشعبا- نموذجا يُقتدى في العمل والإنجاز رغم ندرة الإمكانات وبالتالي جدوى العمل بل ضرورته.

ولذلك، فليس من باب المبالغة القول إن الحرب الحالية على غزة تعزز فكرة تكرر الانفجار الاجتماعي- السياسي في العالم العربي، ولعلها تقرّب من موعده. فإذا كان ثمة من يخشى من هذه الموجة القادمة فعليه أن يسعى لعلاج أسبابها وتخفيف السياقات التي تدفع باتجاهها.

من هذه الزاوية، فإن اتخاذ المواقف الصحيحة من الحرب على غزة والوقوف في الجهة الصحيحة من التاريخ كما يقال؛ ليس فقط موقفا أخلاقيا مبدئيا صحيحا، ولا يخدم الأمن القومي العربي من باب أن الكيان الصهيوني عدو للجميع ويستهدف الكل وحسب، وإنما يمكن أن يساهم في نزع فتيل انفجار كبير قادم على المنطقة وخصوصا بعض دولها؛ لن يستطيع أحد التنبؤ بتوقيته ولا التحكم بمساره ونتائجه وتداعياته.

هذا، وإلا فعلى الجميع الاستعداد لذلك اليوم الآتي، وكلُّ آتٍ قريب.

x.com/saidelhaj

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطينية الاحتجاجات العالم العربي احتجاجات فلسطين غزة الثورة العالم العربي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدول العربیة الصحیحة من على غزة من جهة

إقرأ أيضاً:

مخاوف في مصر والأردن من مشروع خفي تعمل عليه إسرائيل بعد حربها ضد إيران

تسود مخاوف في كل من مصر والأردن من سيطرة إسرائيلية غير مسبوقة على المنطقة، مدفوعة بحالة من النشوة الإسرائيلية بعد الحرب على لإيران ومزاعم تدمير البرنامج النووي.

وقالت صحيفة "هآرتس"، إن وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وإيران استقبل بارتياح في مصر وفي الأردن، خشية أن تؤدي حرب طويلة إلى حالة من الاستنزاف، سيرافقها ركود اقتصادي وأزمة طاقة في المنطقة.

ولكن هذا الارتياح رافقه قلق متزايد من تغيير ميزان القوة الإقليمي لصالح "إسرائيل"، ومن السياسة التي يتوقع أن تنتهجها الحكومة الاسرائيلية في أعقاب الحرب.

وحسب التنبؤ السائد في مصر وفي الأردن، فإن الإنجازات العسكرية لـ"إسرائيل" يمكن أن تمنحها الشعور بـ "الانتصار المبالغ فيه"، وتشجع قيادتها على تبني مقاربة استقوائية تشمل فرض "نظام إقليمي جديد" بدعم الادارة الامريكية، التي تعتبر منحازة لها. 

ويمكن للظروف الحالية أن تحث "إسرائيل" على تصعيد سياستها العنيفة في قطاع غزة وفي سوريا، وحتى محاولة إسقاط النظام في إيران، إلى جانب النشاطات التي تقوض النظام الاقليمي، فإن الخوف الرئيسي الملموس هو استغلال زخم الحرب من أجل الدفع قدما بخطوات أحادية الجانب في الساحة الفلسطينية، مثل ضم مناطق ونقل السكان إلى دول جارة وتدمير الوضع الراهن في القدس. 


وقالت الصحيفة، إن هذه الخطوات تعتبر في مصر والأردن خطر على الاستقرار الداخلي فيهما، وتهديد بتصفية القضية الفلسطينية على حسابهما، باعتبار ذلك مناقض لمواقفها المبدئية التي تطالب بإيجاد مسار لتسوية النزاع بين "إسرائيل" والفلسطينيين وفق حل الدولتين.

وفي مقابل تهديد "إسرائيل" المتزايد تظهر في مصر وفي الأردن نداءات لسياسة عربية منسقة، تخلق وزن مضاد أمام "إسرائيل"، وتستغل تأثير دول الخليج في واشنطن والعواصم الأوروبية. 

وذكرت الصحيفة أن التخوفات التي تسمع بعد انتهاء الحرب في القاهرة وفي عمان تظهر المعضلة التي تقف أمام "إسرائيل"، فمن جهة، إضعاف إيران و"المحور الراديكالي" يعطي إسرائيل فرصة حقيقية لزيادة الضغط على حماس من أجل التوصل الى اتفاق على إنهاء الحرب وتحرير "المخطوفين"، وتجنيد الدول العربية المعتدلة للمساعدة في استقرار وإعادة إعمار قطاع غزة، وتوسيع دائرة التطبيع الاقليمية. ومن جهة أخرى، تجنيد شركاء عرب في هذه الخطوات سيجبر "إسرائيل" على الاعتراف بموقفهم وإعطاءه الأهمية.

 وختمت "هآرتس" بالقول، إن  فتح "محور سلام وازدهار مع شعوب المنطقة" لا يكمن فقط في استعراض القوة العسكرية أو فرض الاملاءات، بل بالذات في الامتناع عن السياسة التي يتوقع أن تعتبر في الدول الجارة سياسة متغطرسة أو استقواء. 

مقالات مشابهة

  • عنوان ما بعد الحرب العدوانية؟
  • تقارير تكشف خطورة الطريق الذي شهد مقتل ديوغو جوتا
  • طحنون بن زايد: الإمارات مؤمنة بأهمية العمل العربي المشترك
  • عضو فيلق القدس الإيراني الذي استهدف في خلدة بلبنان يدعى قاسم الحسيني
  • البرلمان العربي يدين تصريحات مسؤولين في الاحتلال الإسرائيلي الداعية لضم الضفة الغربية
  • البرلمان العربي يدين التصريحات الإسرائيلية الداعية لضم الضفة الغربية
  • مخاوف في مصر والأردن من مشروع خفي تعمل عليه إسرائيل بعد حربها ضد إيران
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • من انتصر في الحرب: إسرائيل أم إيران؟
  • عطيفي يطلع على مستوى الخدمات التي يقدمها مستشفى الأمل العربي