المغيرة التجاني علي
[email protected]
لا أعرف بلدا , يتخير الأصعب , كلما اعترضت طريقه مشكله , حتي و إن كانت صغيرة , مثل بلادنا السودان . حيث تقف شواهد كثيرة في تاريخنا السياسي و الاجتماعي دلت علي ذلك , و لم يتم تجاوزها الا بعد أن اهريق في سبيل انجازها دم عزيز , وارتكبت فيها الفظائع و فقدت فيها الكثير من الأرواح الطاهرة البريئة .
و المرء لا يخالجه أدني شك , في أن الاقصوصة المحفوظة في التراث الانساني , و التي تتحدث عن قطع رقبة العجل , من أجل أخراج رأسه من الجرة , قد حدثت بكاملها عندنا في بلاد السودان و التي عرفت بقصة ( البصيرة أم حمد ) و هي المرأة ( الحكيمة ) التي دلتهم علي هذا الفعل الأهوج .
و سواء بوعي أو بلا وعي , فان نماذج من العنف الواضح , قد مورست في بلادنا و أفضت في محصلتها النهائية الي كوارث و عواقب وخيمة , كان من السهل تفاديها لو أن جانب اللين والتروي و الحكمة و احترام المواطن و تقدير حرمة الأنفس قد حصل . ولو أن الدولة التي تمتلك وسائل العنف قد وعت بأن الواجبات الوطنية لا يمكن الفصل بينها و بين حرية المواطن الذي له الحق في أن يتمتع بكامل الحرية في التعبير عن رأيه , في كل شأن يخص حيواته و يرتبط بمعيشته في كل الظروف و تجاه كل القضايا .
وما من شك , في أن الحكومات المتعاقبة علي ادارة شأن البلاد لم تفلح في أن توطن سلطاتها و قياداتها و أجهزتها علي طرائق سلسة و فاعلة حكيمة و رحيمة لإدارة علاقاتها بالمواطنين , في كل العهود و في عهد دولة الانقاذ خاصة , والتي لم تدخر وسعا , طيلة سنوات حكمها الطويل, في القمع و كبت الحريات و إسكات الأصوات بالعنف , بل وتكوين الأجهزة الأمنية المنيعة , التي اتخذت العنف مبدأ ووسيلة و ترسخت في ذهنيتها غطرسة القوة و البطش .و لعل الشواهد في حالات القمع و التنكيل ضد مواطني سد كجبار و في مثال معالجة مشكلة دارفور و قضية منطقة المناصير و مشكلات الشرق و الجنوب , خير دليل علي احتقارها للشعب و ازدرائه , ولإعمال العنف الزائد و اراقة الدم , التي تتنافي جميعها مع النصوص الدينية و الشريعة الاسلامية السمحاء .
و الخلاصة الواضحة من ذلك , أن مجمل أزماتنا , و خاصة فيما يتعلق باستشراء العنف , ورخص الدم و إراقته بكل برود علي جوانب سوح القضايا , مهما صغرت , تكمن و بالاستنتاج الي البيئة السياسية التي ظلت ماثلة في البلاد ولفترات طويلة خاصة في ظل الحكومات الشمولية , التي نتجت عن الانقلابات العسكرية ثم تسلطت من بعد علي رقاب الشعب و حكمت لأكثر من ثلثي فترة الحكم الوطني , و عاشت , رغم التبرير لوجودها , وبدواع متشابهة , لم تستطع أن تحافظ علي سلطاتها و نفوذها الا بوسائل القمع و انتهاك الحريات في ظل غياب التدافع الطبيعي والمنافسة السياسة و غياب الديمقراطية و الحكم الراشد , و خارج اطار الحريات الأساسية و حقوق الانسان و غياب دور المؤسسات الديمقراطية التي من المؤمل أن تكون من أوجب مهامها ضبط سلوك الاجهزة والافراد الذين يتخذون العنف منهجا و طريقا أوحدا لمعالجة المشكلات .
و يصح ذات الاستنتاج عن بلادنا , أن الأزمة الحالية و التي أدت الي هذه الحرب , هي أزمة متصلة بالتسلط , و حب فرض الرأي بالقوة و محاولة الانفراد بالسلطة و استخدام العنف وسيلة للوصول للغايات و التي ليس من بينها بأي حال رفاهية المواطن وتحسين ظروف حياته و نماء الوطن و تقدمه و نهضته , بل كانت , جميعها لأغراض و مصالح ذاتية مرتبطة بالأفراد .و الشاهد الماثل , أن أزماتنا ستظل قائمة , طالما كان الطريق الي حلها و مواجهتها هو العنف وحده و فرض الارادات , و تبني المعالجات الأمنية والعسكرية و ليست السياسية القائمة علي الحوار والتدافع و التراضي الوطني من أجل الوطن و ازدهاره و تطوره .
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الفضيحة ليست في الصورة.. بل في غياب القانون
بقلم: الحقوقية انوار داود الخفاجي ..
في العراق، لم يعد كافياً أن تكوني صاحبة رأي لتدفعي الثمن بالكلمات فقط. بل إن الصوت العالي، خصوصاً إذا كان نسويًّا، سياسيًّا، أو معارضًا، قد يُقابل بمحاولات إسكات خبيثة تنطلق من غرف مظلمة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تتحول الخصوصية إلى سلاح، والصورة الشخصية إلى قيد على رقبة الضحية.
انتشر في السنوات الأخيرة ما يمكن وصفه بـ (مسلسل نشر الصور والفضائح الرقمية)الذي يطال شخصيات نسائية معروفة، سواء كنّ إعلاميات، ناشطات، مرشحات، أو حتى نساء عاديات عبرنَ رأيًا لم يعجب أحدهم. وغالباً ما يتم استخدام هذه الصور كأدوات لابتزاز مادي أو تشويه سُمعة سياسي، دون أدنى مراعاة للقانون أو الأخلاق.
اللافت أن هذا الانتهاك لا يستثني أحداً. فقد طالت الحملات الابتزازية رجالاً ونساءً على حد سواء، لكن الضرر المجتمعي يكون مضاعفاً على النساء بسبب النظرة الاجتماعية المحافظة التي غالباً ما تلقي باللوم على الضحية بدل الجاني. فكم من مرشحة اضطرت للانسحاب من السباق الانتخابي خوفًا من تسريب صور قديمة أو مفبركة؟ وكم من ناشطة فضّلت الصمت على المواجهة لأنها بلا حماية حقيقية من الدولة أو القانون؟
ورغم تصاعد وتيرة هذه الانتهاكات، ما زال الغياب التشريعي والرقابي واضحاً. فمجلس النواب العراقي، ورغم كل الجدل المجتمعي، لم يُشرّع حتى اليوم قانوناً واضحاً وصارماً لحماية الخصوصية الرقمية للمواطنين والمواطنات. كما أن الجهات التنفيذية ما زالت تتعامل مع الشكاوى الإلكترونية بعقلية جرائم الشوارع ، متجاهلة أن الأذى الرقمي قد يدمّر حياة بأكملها، وأن الصورة التي تُسرّب في لحظة، قد تقود إلى انتحار أو عزلة اجتماعية أو طلاق أو إبعاد من الوظيفة.
المطلوب اليوم ليس مجرد شجب أخلاقي. بل هو تحرك تشريعي وقانوني واضح، يبدأ من إصدار قانون لحماية البيانات الشخصية، يُجرّم تسريب الصور والمعلومات من دون إذن أصحابها، ويوفر أدوات قانونية حقيقية للضحايا، مع تسريع إجراءات ملاحقة ومحاسبة من يقفون وراء البيجات والصفحات المجهولة التي تمتهن التشهير والابتزاز.
كما يجب إلزام شركات الإنترنت ومشغلي المنصات الرقمية المحلية بالتعاون مع الجهات الأمنية لوقف هذه الجرائم، والكشف عن هويات من يقفون خلف الحسابات المبتزّة. ولا بد من برامج توعية عامة تنقل المسؤولية من الضحية إلى الجاني، وتفكك البنية الثقافية التي ما زالت تعتبر الصور الشخصية جريمة بحد ذاتها.
إن كرامة الإنسان في العراق باتت على المحك، لا لأن هناك من يبتزّ، بل لأن الدولة تصمت، والمجتمع يلوم، والقانون ما زال في سبات. آن الأوان أن نُدرك أن الصورة التي تُسرّب هي ليست الفضيحة، بل الفضيحة الحقيقية هي أن نعيش بلا قانون يحمي ظهورنا عندما نقف ونتكلم.
ختاما لن تنتهي الفضيحة إلا عندما يبدأ القانون.