2 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة: في صمت الغرف الباريسية، ووسط غياب كاميرات الإعلام، تشكّل لقاء بين ممثلي الحكومة السورية الجديدة ومسؤولين إسرائيليين، تحت أنظار أميركية ورعاية فرنسية متصاعدة.

اللقاء، الذي بدا للبعض وكأنه مجرّد “تنسيق أمني”، يحمل في عمقه إشارات أكثر تعقيدًا: تحوّل في وظيفة سوريا الإقليمية، وعودة فرنسية إلى صلب اللعبة، وبحث إسرائيلي حثيث عن أمن طويل الأمد وسط تقاطع الهشاشة السياسية والاختراقات الجغرافية.

وتفتح المباحثات السرية بين الحكومة السورية ومسؤولين إسرائيليين في باريس نافذة لتحول استراتيجي غير مألوف، تسعى من خلاله قوى إقليمية ودولية إلى إعادة تموضع دمشق ضمن محور سني معتدل.
وتكشف المؤشرات أن الهدف الضمني ليس فقط تثبيت الاستقرار في الجنوب، بل عزل النفوذ الإيراني، ومحاصرته لاحقا حتى داخل العراق.
وتسعى الأطراف الراعية، خصوصًا واشنطن وباريس، إلى اختبار استعداد دمشق لفك ارتباطها التدريجي عن اي جماعة مسلحة متطرفة مقابل دعم سياسي وأمني يضمن بقاءها.
وتعكس هذه الخطوة محاولة لإعادة بناء “جدار صدّ سني” يمتد من القاهرة إلى الرياض ودمشق، يكون قادرًا على مواجهة المد الإيراني.
ويبدو أن دمشق الجديدة تقرأ المتغيرات ببراغماتية لافتة، إذ تبحث عن دور قابل للتسويق عربيًا، ولو تطلّب ذلك مراجعة التموضع التاريخي للحلفاء.

وما جرى في باريس لا يمكن عزله عن واقع الجنوب السوري الذي يتململ تحت ضغط الصراعات المحلية والمصالح الدولية، حيث تسعى دمشق إلى تثبيت حضورها في معادلة ما بعد الحرب، لا عبر القوة وحدها، بل بإعادة تعريف الشرعية السياسية على طاولة الخارج. فالحكومة السورية الجديدة تدرك أنّ كل تأجيل في إعادة الهيكلة السياسية، يعني ترسيخ صورة “السلطة المؤقتة”، لا الدولة المركزية، ولذلك فإن أي عملية تفاوض، ولو جزئية، تحمل في خلفيتها معركة اعتراف دولي مؤجل.

وفي المقابل، تُعيد إسرائيل ترتيب أولوياتها في ضوء التحديات المتزايدة على جبهات عدة. هي لا تبحث عن سلام شامل، بل عن “نظام استقرار” يُبقي الجنوب هادئًا وخاليًا من نفوذ قوى تُصنّفها كعدو دائم، سواء كانت فصائل إيرانية أم حركات مدعومة من أنقرة. المسألة الأمنية، بالنسبة لتل أبيب، ليست بندًا في التفاوض، بل شرط مسبق لأي تفاهم.

ومن خلف الستار، تسعى فرنسا إلى تعويض فراغ الدور الروسي، لا حبًا في دمشق، بل وعيًا بمخاطر الانهيار السوري على الأمن الأوروبي والذاكرة الاستعمارية التي تُطل من خلف السياسة. فهي ترى في الحراك السوري فرصة لبناء نفوذ من نوع جديد، لا عبر العسكر، بل عبر “الوساطة السياسية” والملف الإنساني، والربط بين استقرار المشرق وأمن المتوسط.

أما واشنطن، فلا تزال متمسكة بإدارة ملف سوريا على قاعدة “الاحتواء لا الحل”، لأن الانفجار في هذه اللحظة قد يعني اشتعال أكثر من جبهة دفعة واحدة. لذلك، فإن دعمها غير المباشر للمفاوضات الجارية يُترجم بعبارة واحدة: لا حسم، بل إدارة دقيقة لصراع مزمن.

وإذا كان ما جرى في باريس هو المقدّمة، فإن ما يُحاك في اللقاءات المقبلة – سواء مع قسد في الشمال أو ضمن مسارات أخرى – قد يفضي إلى اتفاقات جزئية تحمل في طيّاتها بذور تفاهمات أوسع. السيناريو الأقرب ليس اتفاقًا تاريخيًا، بل ترتيب إقليمي جديد يُبقي على خطوط التماس، لكنه يبدّل خرائط النفوذ وحدود الصمت.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: فی باریس

إقرأ أيضاً:

إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في 11 محافظة سورية

أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في سوريا أسماء الفائزين بعضوية مجلس الشعب في (11) محافظة سورية بعد انتهاء عملية التصويت في أول انتخابات برلمانية منذ الإطاحة بالنظام السابق، فيما تأجلت الانتخابات في بعض دوائر محافظات الرقة والحسكة والسويداء بسبب الظروف السياسية والأمنية.

وأوضح الناطق باسم اللجنة نوار نجمة أن الانتخابات جرت بشكل ميسر ولم تكن هناك أي تجاوزات، وأن الوضع الأمني واللوجستي كان ممتازًا، مؤكدًا حرص المواطنين على المشاركة بفاعلية في الانتخابات.

وأضاف أن اللجنة تنتظر ظروفًا سياسية وأمنية ملائمة في المحافظات التي تأجلت فيها الانتخابات لإتمام العملية الانتخابية وشغل المقاعد الشاغرة في مجلس الشعب، مشيرًا إلى أنه من غير المعلوم ما إذا كانت اللجنة العليا للانتخابات ستستمر في عملها حتى إجراء الانتخابات في المحافظات التي لم تشارك، أو أن عملها سينتهي بعد عقد أول جلسة لمجلس الشعب السوري وفق ما ينص عليه القانون الانتخابي المؤقت.

وتبلغ مدة ولاية مجلس الشعب (30) شهرًا قابلة للتجديد، ضمن مرحلة انتقالية تمتد لأربع سنوات، مع إمكانية تمديدها لسنة إضافية إذا استدعت الظروف، ما يوفر استمرارية للعمل التشريعي في هذه الفترة الحساسة.

ويتولى المجلس مهام اقتراح القوانين وإقرارها وتعديل أو إلغاء القوانين السابقة والمصادقة على المعاهدات الدولية وإقرار الموازنة العامة للدولة، ومنح العفو العام عند الاقتضاء، إضافة إلى دوره التأسيسي في إعداد دستور دائم يعرض على استفتاء عام عند توفر الظروف الأمنية والاستقرار الكافي، بما يضمن وصوله لجميع المواطنين، وبعد اعتماده تجرى انتخابات برلمانية ومحلية ورئاسية لإعادة تنظيم السلطات وفق دستور دائم ومستقر.

وتأتي هذه الانتخابات بعد ثلاثة أشهر من إصدار الرئيس السوري أحمد الشرع، مرسومًا قضى بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب للإشراف على العملية الانتخابية، وضمان سيرها وفق المعايير القانونية والتنظيمية المعتمدة، لتكون هذه الانتخابات نقطة انطلاق لإعادة تأسيس المؤسسات التشريعية في سوريا بما يعكس المرحلة الانتقالية بعد سنوات من النزاع.

سورياالانتخابات السوريةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • مجلس السلام
  • الرئيس السوري يستقبل وفدا أمريكيا في دمشق لبحث تفعيل اتفاق العاشر من مارس
  • وزير الدفاع السوري يعلن الاتفاق مع قائد قسد على وقف شامل لإطلاق النار
  • وزير الدفاع السوري يعلن الاتفاق مع قائد قسد على وقف فوري لإطلاق النار
  • ترامب يتوعد إيران بالقصف مجددا إذا أعادت تشغيل برنامجها النووي
  • مصادرة مقر نفط إيران في لندن لصالح شركة إماراتية
  • تكلفته مليارات… 5 تحالفات دولية تتنافس لإدارة مشروع عملاق في مصر
  • إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في 11 محافظة سورية
  • إيران : التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يعد “ملائما”
  • الاحتلال يقرّ بتنفيذ عشرات العمليات العسكرية في الجنوب السوري