هكذا فشل مشروع “أتلانتس” في إغراق أنفاق حماس / تفاصيل جديدة
تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT
#سواليف
نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية، تحقيقا حول فشل مشروع #جيش_الاحتلال المعروف باسم ” #أتلانتس في #إغراق #أنفاق_حماس في قطاع #غزة.
وقال التحقيق، إن المشكلة بدأت باعتماد خطة قديمة وغير ملائمة، مع تجاهل نصائح المهنيين والخطر المحتمل على الأسرى لدى حماس، وانتهت بعد بضعة أشهر دون الكشف عن تفاصيل تنفيذها وما إذا قد تسبب تنفيذها بضرر ما أم لا، مشيرة إلى أن الخطة “توقفت بعد فوات الأوان”.
وتضيف الصحيفة العبرية، أنه كان من المفترض أن تكون “أتلانتس” تحولاً كبيراً، حيث كانت تهدف إلى تقديم حل سريع وفعّال لأحد التحديات المعقدة في قطاع غزة، ووصفها جيش الاحتلال بأنها “اختراق هندسي وتكنولوجي كبير في التعامل مع التهديد تحت الأرض” في إشارة لتعطيل أنفاق حركة حماس والقضاء على كبار مسؤوليها العسكريين عبر إغراقها بالمياه.
مقالات ذات صلة الأونروا: 9 من كل 10 فلسطينيين بغزة نزحوا قسرا 2024/07/26ومع ذلك، تشير الصحيفة العبرية، إلى أنه بعد حوالي نصف عام من الكشف عن هذا النظام لجمهور الاحتلال، أصبح واضحاً أن خطة “أتلانتس” ضاعت؛ فقد توقف استخدامها، ولا أحد في جيش الاحتلال يعرف ما إذا كانت قد حققت أي فائدة، إن وجدت، من هذا المشروع الباهظ.
ويكشف تحقيق “هآرتس”، الذي يعتمد على محادثات مع مصادر مطلعة على تطور النظام وعمله، بالإضافة إلى وثائق وبروتوكولات من مناقشات مغلقة مع كبار الضباط والمهنيين في جيش الاحتلال، عن سلسلة من الفضائح وفشل في التصرف البيئي.
وتقول: بدأ النظام العمل قبل الحصول على الآراء الضرورية التي طلبها جيش الاحتلال من المتخصصين؛ وذلك تحت ضغط كبير من قائد القيادة الجنوبية، اللواء يارون فينكلمان، وتم تنفيذ العملية مع وجود خطر محتمل على الإسرائيليين المختطفين إلى القطاع وهم أحياء.
وزعم مصدر أمني مطلع على مشروع “أتلانتس” في حديثه للصحيفة العبرية، أنه “تم تفعيل النظام في نفق مركزي واحد على الأقل لحماس، والذي كان يستخدمه كبار أعضاء الحركة خلال مراحل مختلفة من الحرب، وهناك احتمال كبير بوجود مختطفين استخدموا كدروع بشرية”.
وفيما يتعلق بكيفية تحول المشروع الذي اعتبره جيش الاحتلال “كسرًا للمساواة” إلى فشل مستمر، فإن الإجابة معقدة وفق “هآرتس”، وربما تتعدد الأسباب، بما في ذلك العقلية التي تقول إن “الإنجازات التي تحققت على الأرض ضد كبار مسؤولي حماس كانت ضئيلة”، وفقاً لمصدر أمني في جيش الاحتلال.
وأضاف مصدر آخر تحدث إلى “هآرتس”، أن الجنرال فينكلمان طلب تقديم حلول للتعامل مع عناصر حماس في الأنفاق، ويقول: “كان هناك إحباط لأن القوات لم تكن تعتقد أننا سنتمكن من دخول جميع الأنفاق، وبدأوا أيضاً في فهم حجم الأنفاق الذي لم تكن المخابرات على علم به، حيث كان جيش الاحتلال لا يزال في طور اكتشاف الأنفاق التي تواجهها في قطاع غزة ومدى انتشارها.
وتشير “هآرتس”، إلى أنه لمدة شهر ونصف، تم تخصيص فرقة كاملة من جيش الاحتلال للقيام بأعمال السباكة وأمن الأنابيب على طول القطاع، لمشروع لم يكن هناك تأكيد على جدواه التشغيلية، ويقول أحد المسؤولين الذين شاركوا في ذلك، إنه “لم يكن لدى الجيش القدرة على معرفة ما إذا كان النظام يعمل، وما حدث في الأنفاق، وما إذا كان هناك أي رهائن أصيبوا نتيجة للمياه، وحتى الآن، لا نعرف حجم الأضرار التي لحقت بالأنفاق إن وجدت”.
وفي تلك الفترة، كما يقول المختصون للصحيفة، إنه لم يكن لدى جيش الاحتلال المعلومات والبيانات المطلوبة حول الأنفاق، وبالتأكيد لم تكن لديهم خطة دقيقة لكيفية إغراقها بطريقة تلحق الضرر بحركة حماس.
وتقول الصحيفة، إن الأنفاق كان يتم الدخول إليها عبر سلالم مرتجلة، ولكن الهيكل تغير إلى بناء من الدرجات أو المنحدرات المؤدية إلى النفق، مما يجعل من الصعب على الجنود المرور مع معداتهم، وأضافت أنه قد تكون المسافة بين الأعمدة ظاهرة من الأعلى، ولكن المدخل من الأعمدة يقع على منحدر يمكن أن يصل إلى عشرات الأمتار، مما يجعل النفق نفسه أقصر أو أطول بكثير من المتوقع، كما أن هناك ممرات بين الأنفاق ليس لها فتحات خروج، مما يزيد من تعقيد التقييم.
وتشير الصحيفة، إلى أن بينما كان الباحثون يواصلون عملهم لتحديد التغيرات في قطاع غزة وتقييم احتمالات حدوث الفيضانات، لم ينتظر جيش الاحتلال وصول المياه إلى شبكة الأنابيب، وهو ما أثار غضب خدمة المياه الهيدرولوجية.
وذكرت الوثيقة الصادرة عن الخبراء بعد حوالي ثلاثة أسابيع من بدء مشروع “أتلانتس”، أنه “لم تتم العملية وفقاً لتوصيات المتخصصين، ولم يتم تنفيذ عملية التفريغ وفق النظرية القتالية المطورة، ولم تُجمع أي نتائج أو تُجرَى القياسات المحددة”.
كما أعرب الخبراء عن استيائهم من عدم وجود تنسيق بين العناصر الميدانية والوحدة المرافقة والخبراء الذين حددوا مسار العمل، وخلصوا إلى أن جيش الاحتلال بدأ بغمر الأنفاق دون آلية لتقييم النجاح العملياتي، وبالتالي لا يمكن تحديد مدى نجاح العملية.
وبحسب الصحيفة، فإنه ربما يكون ما هو مكتوب في الوثيقة أقل من الواقع، فقد علمت “هآرتس” أن المتخصصين شككوا منذ البداية في إمكانية إغراق الأنفاق بشكل يعيق بقاء نشطاء حماس فيها ويؤدي إلى موتهم، ويوضح مصدر أمني مطلع على تفاصيل الخطة أن “فينكلمان أراد تنفيذ العمل داخل الأنفاق بأسرع ما يمكن”.
وأضاف المصدر للصحيفة، أن “كل قدرة مارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى الحرب لم تكن متماشية مع الواقع الذي واجهته القوات في الميدان، واعتقد الجيش أنه يمكن إعادة اختراع العجلة في أيام أو أسابيع دون دراسة عميقة”.
أما بما يتعلق بمسألة المختطفين لدى حماس فإنها لم تُناقش أبداً، ويقول مصدر للصحيفة شارك في المشروع، إنه “لم يكن ذلك في الحسبان، ومن يقول عكس ذلك فهو غير دقيق، وعندما طلبنا معلومات حول احتمالية وجود مختطفين في الأنفاق، أو كيفية احتجازهم، أو هل هم محبوسون في غرف لا يمكن الهروب منها، أو أي أسئلة متعلقة بالموضوع، اكتشفنا بسرعة أن هذه المعلومات ليست متاحة لنا، وهناك مناطق يحتمل فيها وجود المختطفين، لكن فهمنا أن الأمر كان أقل صلة بالأنفاق”.
وتقول مصادر أمنية تحدثت إلى “هآرتس”، إنه كان الهدف هو تقديم نظام عمل مبتكر لمواجهة أنفاق حماس. لذا اعتبرت أي تساؤلات أو مشكلات متوقعة من الأطراف المختلفة محاولة لعرقلة جهود جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وخلال إحدى المناقشات، يقول مصدر في الميدان، إنه “كان هناك تساؤل حول كيفية تمكن حماس من التعامل مع مياه الأمطار في الأنفاق طوال هذه السنوات، وكيف أن الأنفاق لم تُغمر بالمياه”، ولم تُحصل الإجابات على هذا السؤال إلا بفضل عمل الخبراء والتحقيقات التي أجراها نشطاء حماس. ويقول المصدر: “اتضح أنهم بنوا الأنفاق على مستويات ومنحدرات، مع خزانات صرف صحي لمياه الأمطار وأبواب علوية”.
وأضاف: “لقد قيل لنا إن لديهم حلولا لتحويل المياه إلى نقاط الامتصاص، ومن ثم، سيكون من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، إغراق الأنفاق وجعل التواجد فيها غير ممكن، كما أضاف بعض المحققين، أنه بعد انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً، غمر المصريون أنفاق حماس بمياه الصرف الصحي وكانت القضية كلها قد عولجت، لكن هذا لم يكن ضمن اهتمامات أحد، ولم يكن الأمر يتعلق بالتحليل المنطقي، وكان تصور قيادة الجيش أنه إذا مات المقاومون في الأنفاق، فهذا ممتاز، وإذا خرجوا، فإن قوات الاحتلال ستقتلهم في المعارك، وعملياً، لم يحدث ذلك”.
وأوضحت الصحيفة خلال تحقيقها، أنه لأسابيع، كان هناك عالمان متوازيان، في أحدهما، واصل الخبراء أبحاثهم، وفي الآخر، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ الاستنتاجات التي لم تكن قد اكتملت بعد، وتضمن هذا التنفيذ تكاليف كبيرة، مثل شراء أنظمة ضخ خاصة قادرة على ضخ مياه البحر بقوة وعلى مسافات طويلة، رغم أن النظام الذي تم اختياره كان غير معتاد على جيش الاحتلال، إلا أن الضغط لتحقيق النتائج أدى إلى تجربة واحدة صغيرة فقط قبل تطبيقه بالكامل، مع فكرة أن الجنود سيتعلمون استخدامه.
وفي تلك الأثناء، تشير الصحيفة، أن جيش الاحتلال كان يفتقر إلى المعلومات حول نتائج المشروع الجديد، وما أصبح واضحًا بسرعة هو صعوبة تشغيل النظام وادعى من هم في الميدان أنه كان مشروعًا مرهقًا يتطلب الكثير من الموارد على حساب تقدم المناورة والقتال ضد المسلحين النشطين في المنطقة، ويقول ضابط كبير شارك في المناورة: “كان الهدف هو القضاء على المقاومين في الأنفاق، وإذا خرجوا – ستقوم قوات جيش الاحتلال بقتلهم، لكن الواقع لم يكن كذلك”.
وتقول “هآرتس”، إنه “منذ البداية، سعى جيش الاحتلال للحفاظ على سرية العمليات المتعلقة بالنظام، وهو ما كان سرًا مكشوفًا بالفعل بين الجنود ووسائل الإعلام، إلا أن الجيش كان يدرك أن غمر الأنفاق التي قد تحتوي على مختطفين إسرائيليين سيواجه انتقادات شديدة من أهالي المختطفين والجمهور، خاصة وأن الأمريكيين كانوا قد أبدوا قلقهم بشأن المختطفين، وحقيقة وجودهم في الأنفاق.
وقال ضابط كبير، أحد القائمين على المشروع، لـ “هآرتس”، إنه لم تكن هناك معلومات دقيقة عن وجود مختطفين في الأنفاق، وعند الرجوع إلى الماضي، أصبح واضحًا أن هناك جوانب مفقودة في اللغز.
وتم الكشف عن نظام “أتلانتس” لجمهور الاحتلال الإسرائيلي قبل حوالي ستة أشهر، في 30 كانون الثاني حيث وصفه رئيس الأركان لدى الاحتلال هرتسي هاليفي بـ “الفكرة الجيدة”، وجاء في الإعلان الرسمي أن “تفعيل القدرة سبقه عمل احترافي شامل”، ولكن الوثيقة التي كتبها فريق خبراء سلطة المياه لدى الاحتلال انتقدت هذه التصريحات، مشيرة إلى أن النظام لم يُفَعّل وفقًا لتوصيات المتخصصين وأن المعلومات لم تكن كافية لتقييم فعاليته.
ورغم ذلك، تردف هآرتس: “أدرج الخبراء بعض الأفكار التشغيلية في الوثيقة، مثل تنسيق نشاط الفيضان مع القصف للحصول على أقصى تأثير، ومع ذلك، تم اتخاذ قرار بإيقاف استخدام نظام أتلانتس، ومن غير الواضح ما هي الفوائد التي حققها، إن وجدت، أو ما الأضرار التي تسبب بها”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف جيش الاحتلال أتلانتس إغراق أنفاق حماس غزة الاحتلال الإسرائیلی جیش الاحتلال الاحتلال ا أنفاق حماس فی الأنفاق کان هناک مشروع ا فی قطاع لم تکن إلى أن ما إذا لم یکن
إقرأ أيضاً:
ماذا حدث في المفاوضات؟ ولماذا انقلبت “إسرائيل”؟
#سواليف
في ذروة الإشاعات والبيئة السلبية التي صنعها المبعوث الأميركي ستيف #ويتكوف، والرئيس #ترامب الذي اتّهم حركة #حماس بأنها لا تريد التوصّل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وهدّد بالقضاء عليها، كشف بيان لوزارة الخارجية القطرية 25 يوليو/ تموز- وبلسان قطري مصري مشترك- أن المفاوضات شهدت “تقدّمًا”، مؤكّدًا أن “التسريبات الإعلامية” لا تعكس واقع #المفاوضات، وهي تهدف للتأثير عليها وتقويضها، وأن مغادرة الوفود للتشاور قد يعقبه استئناف للمفاوضات في وقت قريب.
معلومات مهمّة
ظهر #بشارة_بحبح- وهو رجل أعمال أميركي من أصل فلسطيني، عمل مع ستيف ويتكوف في تقريب وجهات النظر بين الأطراف- في مقابلة إعلامية 25 يوليو/ تموز، ليكشف ما سمعه من الوسيطين: القطري والمصري، قائلًا نقلًا عنهما:
مقالات ذات صلة“رد حماس كان إيجابيًا، ويمكن البناء عليه، للتوصّل لاتفاق في وقت قريب”. “رد حماس لم يكن متصلبًا، بمعنى أنها كانت مستعدّة للأخذ والعطاء في هذا الرد”.
“عندما أعطوا رد حماس للإسرائيليين، قالوا لهم (أي قال الإسرائيليون للقطريين والمصريين)؛ يمكن التعامل مع رد حماس بحذر وإيجابية”.
ويضيف بحبح؛ “أن حماس قالت إن موضوع #الأسرى لن يكون عثرة أمام الاتفاق، فالخرائط أهم بكثير. حماس لا تريد تواجدًا إسرائيليًا داخل الأماكن السكنية في غزة”.
وفي هذا التوضيح من بحبح، ردٌ أيضًا على مصادر إسرائيلية تحدّثت عن أن سبب تعثّر المفاوضات هو شروط حماس، وتعنّتها في معايير إطلاق سراح الأسرى، وهو ما نفته حماس بتأكيدها أن ملف الأسرى لم ولن يتم مناقشته قبل الانتهاء من الاتفاق على محدّدات الاتفاق الإطاري المتعلقة بوقف الحرب، والانسحاب، والمساعدات أولًا.
إضافة للمعلومات التي تحدّث عنها بحبح، أصدرت حماس بيانًا توضيحيًا بالخصوص قالت فيه:
“كانت الأطراف الوسيطة، وخصوصًا قطر ومصر تعبّر عن ارتياحها وتقديرها لموقفنا الجاد والبنّاء”.
“حرصنا على تقليل عمق المناطق العازلة التي يبقى فيها الاحتلال خلال الـ 60 يومًا، وتجنّب المناطق السكنية الكثيفة، لضمان عودة معظم أهلنا إلى أماكنهم”.
هذه المعلومات من بحبح وحماس، تتقاطع مع بيان وزارة الخارجية القطرية لتؤكّد أن المفاوضات كانت تسير بشكل إيجابي، وأن رد حماس كان عاملًا محفّزًا للوصول لاتفاق قريب، وأن الموقف الإسرائيلي الأميركي ليس له ما يبرره موضوعيًا.
هنا لا بد من الإشارة أيضًا إلى أن بيان مكتب رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو تعليقًا على سحب وفده من الدوحة، برّره في حينه أنه للتشاور لاتخاذ قرار، في وقت أثنى فيه على الدور القطري والمصري في هذا السياق، ولم يكن يحمل إشارة سلبية.
أسباب الانقلاب
يلاحظ ابتداء أن الموقف الأميركي على لسان الرئيس ترامب ومبعوثه ويتكوف، كان أكثر تطرفًا وسلبية ولا ينسجم مع دور واشنطن “الوسيط”، وإن كانت منحازة لإسرائيل كما هو معلوم، ما يؤكّد تكرارًا أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل ونتنياهو على كافة الأوجه والاحتمالات، وأن أي تباين ظاهر بينهما لا يعدو كونه تبادلًا للأدوار، أو اختلافًا في التكتيكات، وليس الأهداف الإستراتيجية.
التناقض في السردية الأميركية الإسرائيلية السلبية من جهة، مع السردية القطرية المصرية الفلسطينية الإيجابية من جهة أخرى، يشير إلى عدة أمور منها:
أولًا: نجاح حركة حماس في إعادة رسم خرائط الانسحاب لجيش الاحتلال الإسرائيلي (تموضع مؤقّت داخل قطاع غزة)، بتوافق فلسطيني وقبول مصري وقطري كوسطاء، وبدعم من بعض دول الإقليم، ما يحسب للحركة ولحسن إدارتها المفاوضات. ثانيًا: الخرائط التي قدّمتها حماس والتي حازت قبول الوسطاء، وهي خرائط لا تسمح باستمرار النزوح لمئات آلاف المدنيين، ولا تسمح للاحتلال باقتطاع مناطق واسعة لإقامة معسكرات اعتقال ضخمة تسمّى “مدنًا إنسانية” للتهجير، كانت سببًا كافيًا لاستفزاز الإسرائيليين الذين يريدون فرض رؤيتهم وخرائطهم بالقوّة. ثالثًا: الموقف الإسرائيلي السلبي المدعوم أميركيًا، يمكن أن يحمل في حد ذاته مناورة تفاوضية، لشراء الوقت وممارسة أقسى درجات الضغط على حماس عبر القصف والتجويع الذي بلغ حدًا كارثيًا، لتَقْبَل حماس بالشروط الإسرائيلية، التي تعني وفقًا لخرائط الانسحاب الإسرائيلية، احتفاظ إسرائيل بمناطق سكنية متعدّدة ومساحات واسعة، تُفضي لاستمرار نزوح مئات آلاف الفلسطينيين داخل قطاع غزة (700 ألف فلسطيني).ومن ثم إنشاء معسكرات اعتقال لهم ولغيرهم، تحت مسمى “مدن إنسانية” في مدينة رفح جنوب القطاع على الحدود المصرية، للتهجير التدريجي، كما جاء على لسان وزير الحرب يسرائيل كاتس، وبدعم من الحكومة الإسرائيلية.
رابعًا: إذا لم تُفلح المناورة والضغوط الإسرائيلية، ولم تنجح إسرائيل في رسم اتفاق، بقبول فلسطيني يسمح لها بتهجيرهم تدريجيًا عبر سيطرتها على مساحات واسعة من القطاع والتحكّم في المساعدات، فهذا سيضع إسرائيل أمام احتمالين: القبول باتفاق وقف إطلاق نار، وفقًا لخرائط لا تسمح باستدامة نزوح الفلسطينيين داخل القطاع أو تهجيرهم خارجه، مع دخول المساعدات بإشراف الأمم المتحدة، ما يعدّ مقدّمة لانتهاء العدوان على غزة.استمرار تعنّت إسرائيل وتمسّكها بشروطها وبخرائطها لإعادة انتشار جيشها في مناطق واسعة من القطاع، بهدف تهجير الفلسطينيين، سيعقّد المشهد إنسانيًا وميدانيًا، ويُفضي لتوقّف المفاوضات، ويُبقي المشهد الحالي معلّقًا باستمرار الحرب والكارثة الإنسانية في غزة.
العامل المشترك أو الخيط الرفيع الذي يربط بين مخططات إسرائيل العسكرية في غزة، وحراكها التفاوضي في الدوحة طوال عامين ماضيين؛ هو محاولة كسر إرادة الفلسطينيين وهزيمتهم نفسيًا لقبولهم بسيناريو التهجير عبر المفاوضات، أو بالقوة العسكرية المباشرة.
فشل إسرائيل في تحقيق ذلك، يفسّر سبب انقلابها وبدعم أميركي على بيئة المفاوضات الإيجابية التي تحدّث عنها بيان وزارة الخارجية القطرية، وما تحدّث عنه بشارة بحبح المقرّب من ستيف ويتكوف، وما تحدّثت عنه أيضًا حركة حماس.
إسرائيل عودّتنا كلما أرادت أن تهرب من استحقاقات العملية التفاوضية، قامت بحملة إعلامية ضخمة وبدعم أميركي مباشر، بتحميل حركة حماس مسؤولية الفشل أو عدم نجاح المفاوضات، وبضخ معلومات كاذبة ومشوّهة على لسان مصادر مطّلعة وعلى لسان مسؤولين لا يتورّعون عن الكذب.
عقدة “إسرائيل”
اعتادت إسرائيل أن تفاوض لتُملي شروطها وتصوراتها بالقوّة وبدعم أميركي لا يصمد أحدٌ على الوقوف أمامه.
لكنها في هذه المرة، تواجه مفاوِضًا يرفض الاستسلام لشروطها المجحفة أو الركوع لسيف قوّتها العاتية، فكيف ذلك وهذا المفاوِض هو حركة حماس وفصائل مقاومة فلسطينية محاصرة ومحدودة القوّة المادية؟
كيف يحدث هذا والفلسطيني يتعرّض لإبادة وتطهير عرقي قتلًا وتجويعًا وتعطيشًا، وما زال يصر على البقاء ويرفض الاستسلام والتهجير؟
هذا المشهد المعقّد والصعب يزيد في حيرة الإسرائيليين والأميركيين، ويضعهم في مأزق أمام محدودية الخيارات، لا سيّما أن المقاربة العسكرية فشلت منذ نحو عامين في تحقيق الأهداف، فإسرائيل لم تُبقِ وسيلة أو خطة شيطانية إلا واستخدمتها.
العقل الإسرائيلي المتغطرس والمتبجّح لا يسعه الاعتراف بالهزيمة أمام إرادة الشعب الفلسطيني الأعزل، وهو يرى في ذلك استمرارًا لهزيمته المدوّية في معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، التي صفعت وجه الردع الإسرائيلي، وضربته سهمًا في قلبه.
نتنياهو يبدو في موقفٍ ظاهره الظَفَر وباطنه فيه الخيبة، فهو لم يستطع تحقيق أهدافه السياسية بالقوّة العسكرية؛ فلا هو قضى على حركة حماس، ولا استطاع أن يكسر إرادة الفلسطينيين، أو أن يعيد الأسرى بالقوّة العسكرية، والجيش الإسرائيلي منهك ومتعب وقيادته تؤكّد عدم قدرتها على تحقيق الأهداف.
الأسوأ لدى نتنياهو، إدراكه أن إطالة أمد المعركة في غزة لا تضمن له الانتصار قُبيل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة في العام القادم، وهو الذي يعوّل عليها للعودة مجددًا لحكم إسرائيل، وإذا لم يستطع الحسم سياسيًا عبر المفاوضات فقد يفقد الزخم الشعبي الذي حازه بعد الحرب على إيران، فغزة ستبقى ثَقبًا نازفًا في الذاكرة الإسرائيلية ما سينعكس سلبًا على حظوظه الانتخابية.
استمرار الوضع الحالي، لن يتوقّف في تداعياته على مصير نتنياهو والخريطة السياسية الإسرائيلية الداخلية فقط، وإنما سينسحب سلبًا على صورة إسرائيل خارجيًا وبشكل عنيف، فإسرائيل خسرت سردية “الضحية”، وتحوّلت في نظر العالم إلى كيان مارق متوحّش ينهش قيم الإنسانية، كما يأكل أجساد الفلسطينيين وأطفالهم في غزة.
الانهيار يبدأ من فقدان الشرعية والصورة، وهذا ما بدأت تعاني منه إسرائيل التي تقودها مجموعة متطرفين من اليمين، فاشلين سياسيًا وغير قادرين على تحقيق أوهامهم اللاهوتية، حيث الشعب الفلسطيني يتمسّك بالبقاء والحياة رغم الكارثة التي صنعها الاحتلال في غزة، ولسان حالهم يقول؛ رغم القتل والتجويع لا نكبة بعد النكبة.