الاختلاف سنه كونية تحتم علينا التعايش السلمي – دكتور محمد الرشيد
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
دكتور محمد الرشيد
عضو مجمع الفقه الاسلام
الاختلاف سنه كونية تحتم علينا التعايش السلمي
يمثل التعايش السلمي واحترام الأديان والرموز الدينية والحوار بين الثقافات مدخلاً للتقارب بين الشعوب، فالسنن الكونية تشير إلى اعتماد الحياة على التنوع والاختلاف، والحاجة إلى التعايش وتقبل الرأي والرأى الآخر، والتنوع والتعددية كقيم تؤكد عليها جميع الأديان السماوية …
والاختلاف المبني على احترام الآخر والتكامل معه في الأدوار مطلوب مع الاحتفاظ الثوابت الدينية هذا ما نص عليه الشرع وما وجدناه واقع معاش في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم …
والاختلاف وسيلة للتعارف والتعاون يقول الحق سبحان وتعالى في محكم تنزيله :
” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” (سورة الحجرات، الآية 13)، و الهدف من هذا الإختلاف و التعدد هو التعارف الإنساني بين مختلف الشعوب و الأمم …
في الحقيقة أن ذلك الاختلاف هو شأن طبيعي وموجود في المجتمع الإنساني وهو موجود منذ أول البشرية ولا سبيل إلغائه وهو مصدر للثراء وسببا للرقي الإنساني إذا تم إرساء مبدأ وثقافة التعايش في المجتمع …
و قد أكد القرآن الكريم على حتمية وجود الإختلاف بين أبناء البشر حسبما شاءت إرادة الله تعالى وحكمته …
و كما أن القرآن نص على ضرورة الإختلاف بين الناس، كذلك ينص العقل و الفطرة و الواقع الملموس على هذه الضرورية باعتبارها ظاهرة طبيعية في الحياة الإنسانية.
و يبلغ الإختلاف في الإسلام مبلغ الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، و هو سنة إلهية في الكون…
و لأن هذا هو شأن الإختلاف، و مكان التعددية، و مقام التنوع في الرؤية الإسلامية، كان القرآن الكريم هو المصدر الأول لالتماس موقف الإسلام من الإختلاف و التعددية، فنحن لسنا حيال فكرة حديثة أو طارئة …
و إنما إزاء مبدأ إسلامي ، أخبرنا القرآن أنه جعل إلهي و سنة أزلية و أبدية قد فطر الله عليها جميع المخلوقات،
و حقيقة الإختلاف بين البشر من الحقائق الثابتة التي لا يمكن لأحد أن يلغيها ، لأن الله تعالى هكذا شاء ، فلم و لن يكون الناس نمطا واحداً أو قالبا فردا، و إنما كانوا و لا يزالون مختلفين …
و تصديقا لذلك قال تعالى: ” و لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم ” . (سورة هود، الآية 118، 119)
لكل ذلك نقول ان المجتمعات الإنسانية القائمة على التعدد والتنوع الثقافي بسبب تباين وتنوع الخلفيات الأساسية لذلك التنوع يمكن التعامل معها بوعي تام عندما يحول التناقض إلى تكامل والتصادم إلى تعايش والتعصب إلى تسامح ، والقبلية والعنصرية والجهوية إلى قبول الآخرين بكل الوانهم وسحناتهم وعدم الاحتراب بسبب ذلك لأن ذلك مما يساهم في تدمير الشعوب
ذلك لأن التنوع والتعدد والاختلاف في الكون واقع ملموس، وفيه حكمة إلهية لذلك هذه دعوة للسلام والتعايش بيننا نحن أهل السودان فقد عرفنا بذلك منذ أمد بعيد لكن نعد الذي حصل نزع من الشيطان : قال تعالى ” وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله”
فنعوذ بالله من شرور أنفسنا ونسأل الله اللطف بالعباد والبلاد مع عودة روح السلام والاحترام …
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم مفتاح دار السلام …
د. محمد الرشيد سعيد عيسى عضو مجمع الفقه الإسلامي الأستاذ بالجامعات السودانية
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: الاختلاف تحتم سنه كونية
إقرأ أيضاً:
عندما يكون هناك «خداع بصري وتلوث صوتي»!
بدر بن صالح القاسمي
أحتاج في بعض الأحيان إلى حالة صمت طويلة، وإلى سكون أشبه بجمود نفسي وعقلي من أجل أن أستوعب ما يأتي به بعض البشر أو بالأحرى ما يروجونه من أفكار مسمومة وحديث لبق منمق، لكنه عبارة عن «خداع بصري وتلوث صوتي» لا يسمن ولا يغني من جوع.
عندما أستفيق مما أنا فيه، أشرع في صب أعمدة الأسئلة في مكانها الصحيح، هل الذين يدعون معرفة كل شيء في هذا الوجود هم أشخاص عقلاء مثل بقية البشر أم أن حديث الوهم والخداع الذي يلفظونه بألسنتهم الطويلة، يأتي من أدمغة غسلت تماما من أي فكر مستنير؟! في بعض الأحيان أعلن ما بيني وبين نفسي، أن ثمة خطأ بشريا يرتكبه البعض عندما يدعون الناس إلى الاستسلام والتخلص من كل طاقتهم وتحطيم إرادتهم بأيديهم، معربين لهم عن ثقتهم بأن «الحياة ليس بها مستقبل»، وبأن الذي منحهم الله إياه من نعم، عليهم التخلص منه وأن يذروه بعيدا عنهم لأنهم «سيموتون»!.
لا أعتقد بأن حتمية الموت هي من يجب أن تدفعنا نحو اعتزال كل شكل من أشكال الحياة، وأعتقد بأن مثل هذه النداءات مضللة وإن كان أصحابها ينعقون فوق كل شجرة وحجر، الحياة لم توجد من أجل جلب التعاسة للبشر، بل هي أرض خصبة للعمل والجد والاجتهاد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ثم توضع الموازين ويثاب المجد ويعاقب المخطئ، أما حتمية الموت فهي الحقيقة التي لا مناص منها وهي القدر الذي يلاقيه كل البشر والكائنات الحية الأخرى، فلما نرمي كل شيء على هذه الحقيقة أي «الموت»!.
تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة من المقاطع الصوتية والمرئية لبعض الأشخاص الذين يدعون المعرفة بالحياة، ويدعون الناس إلى التراخي والاستسلام للقدر المحتوم، بل يطالبونهم بان يكبلوا أنفسهم بالأغلال والأصفاد، ويصطفون في طابور انتظار لحظة خروج الروح.
الموت هو اللحظة التي لا نعرف متى ستأتي لاي شخص منا، أما الترويج للأفكار السوداء فهي فعل شيطاني لا يمت للواقع بصلة، وما الذين يرفعون أصواتهم ويدعون المعرفة ويلبسون ثوب النصح والإرشاد ما هم إلا زوابع تأتي وتذهب مع الوقت!.
والبعض يهرف بما لا يعرف، يفتي في كل الأمور دون وعي أو يقين أو دراية علمية أو دينية، يصدحون ليل نهار فقط من أجل أن يتابعهم الملايين، ويتأثر بحديثهم الناس، يجدون في البحث عن «ضحايا» يصغون إلى تخاريفهم ومسرحياتهم الهزلية.
منذ فترة زمنية ماضية سمعنا عن شخص فارق الحياة، ثم اكتشف أمره بأنه أنفق كل ما كان يملك من مال، تاركا أبناءه في عوز ومشقة وبلاء، لكنه لم يترك الدنيا مديونا لأحد، بل ترك أبناءه يطلبون العون والمساعدة من الآخرين!.
عندما بحث الأبناء عن أموال أبيهم التي كان يدخرها على مدى سنوات طويلة، اكتشفوا أن ثمة شخص «أفتى له بأن الإنسان يعذب على المال الذي يتركه بعد موته حتى وإن كان حلالا»، وعليه صدق الرجل حديثه، وقام بإنفاق كل ما يملك لوجه الله، ولم يترك شيئا لأولاده!.
وهذا الذي أفتى بهذه الفتوى، نسي ما ورد في السيرة النبوية الشريفة: فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: «يا رسول الله، أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنه لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: أفأتصدق بشطره ؟ قال: لا، قلت: أفأتصدق بثلثه؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» متفق عليه.
قرأت ذات مرة حديثا يقول: «الدنيا لا تستحق أي حرب نفسية سواء كانت مع نفسك أو مع أي شخص آخر، لأنها تتقلب من لحظة إلى أخرى، صحتك قد تخونك واحبابك سيتركونك لا محالة، لا يوجد ضمان لا يشي ولو لدقيقة واحدة، فالأحوال كلها تتبدل في ثوان معدودة، لذا لا داعي مطلقا لإشعال الصراعات في حياتك»..، كلام جميل، ولكن هذا ليس معناه أن يتخلى الإنسان عن أي رابط يربطه بالحياة، ويلقي بكل الهزائم على القدر أو الآخرين.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: «لقد خلقنا الإنسان في كبد»، فمكابدة الحياة ليس معناها الاستسلام والانهزام من مواجهة الأزمات والصعوبات، ولكن طالما أن الانسان لا يزال على قيد الحياة عليه بالعمل، وأن يصارع رغباته ونزواته من أجل أن يخرج من دار الفناء إلى دار القرار آمنا مطمئنا.
هناك الكثير من الحقائق التي لا يتحدث عنها الناس، بل يركزون على نقطة سواء واحدة، يلفون حولها الحبال غليظة، وينصبون المشانق في رقاب البسطاء، يخرجوهم من رحلة الكفاح والنجاح إلى طرق المظلمة التي لا ترى فيها شمسا ولا قمرا.