السودان.. هجوم جبيت يطرح تساؤلات حول أهدافه والمستفيدين منه
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
قبل أن ينجلي دخان الهجوم الذي نفذته مسيرتان على حفل تخريج دفعة جديدة من طلاب الكلية الحربية، الأربعاء، بحضور قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في منطقة جبيت العسكرية شرقي البلاد، ظهرت فرضيات عديدة حول طبيعة الهجوم، الذي قتل فيه 5 أشخاص ويعتقد على نطاق واسع أنه كان يستهدف البرهان أولا.
الهجوم تزامن مع تفاقم حدة الخلافات داخل معسكر الجيش، حيث زادت المنصات الإعلامية الموالية لتنظيم الإخوان من هجومها على البرهان، في حين أصدرت الحركات المسلحة التي تقاتل مع الجيش قبل أقل من 24 ساعة من وقوع الهجوم بيانا اعتبره محللون بداية لتصدع في العلاقة التي نمت بشكل كبير بعد اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023.
وحتى الآن لم يصدر بيان رسمي يوضح حيثيات الهجوم أو الجهة التي نفذته، لكن محللين استطلع موقع "سكاي نيوز عربية" آراءهم حددوا سيناريوهات مختلفة لتفسير البعد الأمني والزماني للهجوم ومحاولة معرفة الجهة المستفيدة منه.
طبيعة الهجوم
منطقة جبيت التي وقع فيها الهجوم والتي تبعد نحو 120 كيلومترا من بورتسودان - العاصمة الحالية للحكومة - تعد واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية وتأمينا في السودان، كما تبعد بأكثر من ألف كيلومتر من أقرب نقطة سيطرة لقوات الدعم السريع، وعززت كل تلك المعطيات الشكوك حول دوافع الهجوم والطريقة التي نفذ بها.
ومن وجهة نظر عسكرية، ينبه الأمين ميسرة، الضابط السابق في القوات المسلحة، إلى أن منطقة جبيت التي وقع فيها الهجوم تعتبر من المناطق التي يمكن تأمينها ومراقبتها بسهولة نظرا لطبيعتها الجغرافية ووقوعها في منطقة مكشوفة.
ويقول ميسرة لموقع "سكاي نيوز عربية": "عبور المسيرات بالطريقة التي نفذ بها الهجوم على الموقع المقام فيه حفل التخريج في جبيت، يشير إلى فرضيتين إما وجود تقصير أمني واستخباراتي، أو وجود تقاعس ما خصوصا أن زيارة كزيارة القائد العام للجيش لأي منطقة عسكرية عادة ما تسبقها إجراءات تأمين عالية المستوى".
وعزا ميسرة ظهور البرهان باللباس الميداني، الذي لا يتناسب مع مناسبة تخريج طلاب كلية حربية والتي عادة ما يرتدي قائد الجيش فيها لباسا عسكريا تشريفيا كاملا، إلى وجود مخاوف لاحتمالية استهداف البرهان من جهة ما أو ربما من دوائر محيطة به.
ويوضح: "الخلافات التي تدور حاليا تشكل مناخا مناسبا لأي إفرازات غير متوقعة، خصوصا بالنظر إلى براعة وتجربة تنظيم الإخوان في التصفيات".
ملاحظات مهمة
يحدد الصحفي محمد المختار محمد، المتخصص في تدقيق المعلومات ومكافحة التضليل، ثلاث ملاحظات مهمة تحتاج إلى إجابات تتعلق بتأخر التصدي للمسيرات، والكيفية التي عبرت بها تلك المسيرات حتى وصولها إلى منطقة الاحتفال إضافة إلى تناقض الروايات حول توقيت الهجوم.
وفقا للمختار، فإن هنالك تناقضا بين ما ورد في بيان الجيش بأن المضادات الأرضية تصدت للمسيرات وما ظهر في مقطع فيديو منتشر على نطاق واسع يشير إلى أن صوت المسيرة بدأ يسمع من الثانية 25 في الفيديو، وبدأ يزداد ارتفاعه تدريجيا حتى ضربت المسيرة هدفها.
ويوضح محمد لموقع "سكاي نيوز عربية": "إذا افترضنا أن المسيرة انطلقت من مكان قريب أو بعيد، كيف عبرت حتى وصلت هدفها؟، خاصة وأن منطقة جبيت منطقة عسكرية وبها أكثر من دائرة أمنية تحيط بها، ودائرة جبلية، وأجهزة تشويش ثابتة وأخرى مصاحبة للبرهان، علاوة على رفع الاستعداد لأقصى درجة نسبة لأهمية المناسبة".
أما الملاحظة الثالثة فتتعلق بـ"توقيت الهجوم حيث أشار بيان الجيش إلى أن الهجوم وقع عقب انتهاء حفل التخريج، بينما يظهر الفيديو الهجوم أثناء التخريج".
الرسالة والتوقيت
يربط الإعلامي والمحلل السياسي ماهر أبو الجوخ بين الهجوم والتوقيت الذي وقع فيه، كما يرى أن الجهة التي نفذته - بغض النظر عن هويتها - تريد إيصال رسالة للبرهان مفادها "أننا نستطيع الوصول إليك".
ويقول أبو الجوخ لموقع "سكاي نيوز عربية": "دلالة التوقيت ترتبط بأمر جوهري وهو الدعوة لمباحثات جنيف التي قدمتها الولايات المتحدة الأميركية، ومن الواضح أن الدعم السريع إذا كان هو الجهة المنفذة للحادث يريد الضغط على البرهان لإجباره للذهاب للمفاوضات أما إذا كانت الجهة المنفذة هي من داخل معسكر تنظيم الإخوان فإن الرسالة مفادها إما إنهاء الصراع معه باغتياله وإخراجه من المشهد وبالتالي الدفع بوجه متوافق معهم أو في الحد الأدنى تهديده".
ويرى أبو الجوخ أن هنالك أكثر من جهة، لديها مصلحة في تغييب البرهان عن المشهد بهذا السيناريو.
ويوضح: "بإمكان الدعم السريع على سبيل المثال، توظيف غياب البرهان في إضعاف الروح المعنوية للجيش وزيادة وتعميق شقة الخلافات الداخلية وإظهار ضعف وفشل الجيش في حماية قائده في قلب معقلهم في جبيت، خصوصا في ظل التصدعات الداخلية الكبيرة بالمعسكر الداعم للجيش حتى وسط كبار القادة وهو ما يجعل عملية انتقال القيادة أمر عسير في ظل هذا الواقع وقد يترتب عليه تفكيك وانقسام الجيش نفسه".
ويكمل أبو الجوخ: "أما بالنسبة للمجموعات المختلفة مع البرهان ولديها صراعات معه فمن الواضح أن مصلحتها تكمن في أمرين إما إجبار البرهان على التوافق معها في موقفها بعد هذه الحادثة أو التخلص منه وبالتالي تنصيب شخص بديل متوافق معها".
لكن المحلل السياسي ينبه إلى خطورة تجاهل التفاعلات الداخلية الذاتية الناتجة عن الصراع، موضحا "تغييب البرهان بمثل هذا السيناريو ستكون نتيجته زيادة حدة الصراع وربما يقود لانقسام أفقي أو رأسي داخل الجيش بسبب صراع الولاءات".
ولا تستبعد الكاتبة الصحفية رشا عوض فرضية رغبة تنظيم الإخوان في التخلص من البرهان، لكنها تشير إلى ضرورة فهم تلك الرغبة في سياقها الصحيح.
وتوضح لموقع "سكاي نيوز عربية": "الداعمين لاستمرار الحرب يرغبون في التخلص من البرهان، لكن تلك الرغبة لا تنطلق مما يحاول التنظيم الترويج له بأن سببها هو فشل البرهان في إدارة الحرب والتسبب في الهزائم التي تعرض لها الجيش خلال الفترة الأخيرة، إنما تغذيها الرغبة في استبداله بشخصية عسكرية أكثر ولاء لهم".
الخرطوم - سكاي نيوز عربية
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: سکای نیوز عربیة أبو الجوخ
إقرأ أيضاً:
مدير مخابراتها التقى البرهان ومفضل.. افريقيا الوسطى.. “اعادة ضبط المصنع”
مدير مخابراتها التقى البرهان ومفضل..
افريقيا الوسطى.. “اعادة ضبط المصنع”..
تقريــر : محمـــد جمال قنــــدول- الكرامة
التقى رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة أمس (الأربعاء) مدير جهاز المخابرات بأفريقيا الوسطى الفريق أول هنري وانزين، وذلك بحضور مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل.
الضيف الزائر للعاصمة الإدارية المؤقتة بورتسودان حمل رسالة شفوية، من رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، فوستين-أركانج تواديرا تتصل بالعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتطويرها.
المبادرة الميدانية
وتطرق اللقاء الذي جرى أمس لمسار العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، بجانب القضايا ذات الاهتمام المشترك.
والمتابع لمسار الدبلوماسية السودانية خلال الأشهر الماضية يلحظ تركيزاً متزايداً على إغلاق الثغرات الحدودية وتعزيز العلاقات الثنائية مع دول الجوار الإفريقي، بما يخدم مسار استعادة الدولة وهيبتها.
وبالتالي، فإنّ زيارة وفد رفيع من جهاز مخابرات أفريقيا الوسطى ولقائه بقائد الجيش ومدير جهاز المخابرات السوداني، يشير إلى أن الطرف الآخر بدأ يستشعر جدية الخرطوم في ترتيب ملفات الأمن الإقليمي وفق رؤية وطنية لا تسمح بأي تهديد يأتي من دول الجوار.
ويقرأ بعض المراقبين في الرسالة الشفوية محاولة من بانغي لإعادة ضبط علاقتها مع السودان، خصوصاً بعد أن بات واضحاً أن الجيش السوداني يمسك بزمام المبادرة الميدانية والسياسية، وقد يكون تواديرا يسعى إلى تجنيب بلاده أية انعكاسات سلبية محتملة حال اتخذ السودان مواقف صارمة تجاه الدول المتورطة في دعم الميليشيات المتمردة.
وفي السياق ذاته، فإن إرسال رئيس جهاز المخابرات، لا وزير الخارجية، قد يحمل دلالة أمنية واضحة، مفادها أن بانغي تسعى إلى فتح قنوات تنسيق أمني مباشر، وربما تقديم تطمينات بشأن وقف أي دعم غير رسمي كانت توفره بعض المجموعات داخل إفريقيا الوسطى لميليشيات الدعم السريع.
ويقول الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي د. عمار العركي إنّ رسالة رئيس أفريقيا الوسطى فوستن، وإن وُصفت بـ”الشفوية” واكتفت بالإشارة إلى العلاقات الثنائية وسبل تطويرها، تعكس اهتمام أفريقيا الوسطى بتأمين حدودها الشمالية وتعزيز التنسيق مع السودان، خاصة في ظل حالة السيولة الأمنية التي يشهدها الإقليم نتيجة للحرب في السودان.
وبالنظر إلى أن جمهورية أفريقيا الوسطى تواجه تحديات أمنية داخلية وتحركات لمجموعات مسلحة عابرة للحدود، فإن تعزيز التواصل الأمني مع السودان يُعد خطوة استباقية لمواجهة أي تداعيات محتملة.
العركي يرى أنه أيضًا يمكن قراءة الزيارة من جانب آخر، يمكن في إطار إدراك بعض دول الجوار لأهمية دعم استقرار السودان باعتباره عامل توازن إقليمي. فغياب الاستقرار في السودان لا يهدد فقط محيطه المباشر، بل يفتح الباب أمام قوى إقليمية ودولية لمحاولة ملء الفراغ عبر شبكات مصالح معقدة، لا تخلو من امتدادات عابرة للقارات.
واختتم محدّثي إفادته بقوله إنّه من المهم التوقف عند دلالة انعقاد اللقاء في بورتسودان المدينة التي تحوّلت إلى مركز القرار السياسي المؤقت في السودان، ما يعكس محاولة المؤسسة السيادية إرسال إشارات بأن السودان لا يزال يحتفظ بعلاقاته الخارجية، وأنه مستمر في إدارة الملفات الإقليمية حتى في ظل الحرب.
تقدم الجيش
واعتبر الخبير في العلاقات الدولية الدكتور بدر الدين حسان، أن الرسالة الشفوية التي تلقاها رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، من نظيره رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستين أركانج تواديرا، عبر مدير جهاز مخابراته الفريق أول هنري وانزين، تمثل مؤشراً على تحول لافت في موقف بانغي تجاه السودان، في أعقاب تغير موازين القوى على الأرض، وتقدم الجيش وتحريره للولايات الاستراتيجية.
وقال حسان لـ(الكرامة) إنّ “اختيار توجيه رسالة شفوية في هذا التوقيت تحديداً، يشي برغبة واضحة من جانب القيادة في أفريقيا الوسطى لإعادة تموضعها السياسي بعد أن كانت خلال الفترة الماضية تُتهم بتوفير ممرات آمنة للمرتزقة والمسلحين الذين قاتلوا ضمن صفوف ميليشيا الدعم السريع، لا سيما في مناطق كردفان ودارفور”.
وأضاف: “هذه الرسالة تأتي في إطار ما يمكن تسميته بمراجعة الحسابات من جانب بعض الأطراف الإقليمية التي ساندت، بشكل مباشر أو غير مباشر المتمردين، لكنها باتت تدرك اليوم أن المعادلة تغيرت، وأن الدولة السودانية بقيادة قواتها المسلحة استعادت زمام المبادرة في المعركة العسكرية والدبلوماسية”.
وأشار محدّثي إلى أن طبيعة الوفد المرسل – والذي يترأسه مدير جهاز المخابرات ويضم مستشارين للرئيس – تؤكد أن مضمون الرسالة لا يقتصر على المجاملات البروتوكولية، بل يحمل أبعاداً أمنية واستراتيجية تتصل بتبريد الجبهات الحدودية، وفتح باب للتنسيق الميداني، وربما تقديم تطمينات للخرطوم بشأن إنهاء أي دعم غير رسمي للجماعات المسلحة.
وأكد بدرالدين أن السودان لديه من الأدوات السياسية والدبلوماسية ما يؤهله لإعادة ضبط علاقاته الإقليمية بما يخدم مصالحه، مضيفاً: “الرسالة تعني أن أفريقيا الوسطى تسعى لتفادي الدخول في خانة العداء الرسمي مع السودان، وهي بذلك تحاول أن تفتح نافذة تواصل جديدة مع القيادة السودانية، على أمل طي صفحة الماضي”.
وختم إفادته بالقول: “من المهم أن تتعامل الحكومة السودانية بحذر وواقعية مع مثل هذه المبادرات، دون التفريط في الثوابت الوطنية، فالمصالح قد تتقاطع مؤقتاً، لكن التاريخ القريب يشير إلى ضرورة توثيق أي تفاهمات بإجراءات عملية وضمانات واضحة تحمي الأمن القومي”.
إنضم لقناة النيلين على واتساب