2 أغسطس، 2024

بغداد/المسلة: كان فهد قاسم في الحادية عشرة من عمره حينما أسره مسلحو تنظيم داعش في هجوم على الإيزيديين في منطقة سنجار بشمال العراق في أغسطس آب 2014.

كان الهجوم بداية لما أصبحت حملة ممنهجة لقتل واسترقاق واغتصاب آلاف الإيزيديين، مما أصاب العالم بصدمة وأدى إلى تشريد معظم أفراد هذه الأقلية الدينية البالغ قوامها 550 ألف نسمة.

وأُسر الآلاف وقتلوا في الهجوم الأول الذي انطلق مع الساعات الأولى من صباح الثالث من أغسطس آب.

ويُعتقد أن كثيرين آخرين لاقوا حتفهم في الأسر. وفر الناجون إلى سفوح جبل سنجار حيث ظل بعضهم لأسابيع بسبب حصار ضربه التنظيم .

وكان هجوم التنظيم المتشدد على الإيزيديين، وهم أقلية دينية قديمة تسكن شرق سوريا وشمال غرب العراق وتستمد معتقداتها من الزرادشتية والمانوية واليهودية والمسيحية والإسلام، في إطار جهوده لإقامة دولة الخلافة.

وفي مرحلة ما، سيطر التنظيم على ثلث العراق وسوريا قبل أن تدحره قوات مدعومة من الولايات المتحدة وفصائل تدعمها إيران وينهار في عام 2019.

ويعيش قاسم وهو الآن في الحادية والعشرين من عمره في شقة صغيرة على أطراف مخيم للاجئين في منطقة كردستان العراق بعيدا عن مسقط رأسه.

وتدرب وهو طفل على أن يكون جنديا وخاض معارك ضارية قبل تحريره مع انهيار التنظيم في الباغوز بسوريا عام 2019، لكنه كان قد فقد النصف الأسفل من ساقه في غارة جوية للقوات التي تقودها الولايات المتحدة.

وقال “أنا أُفضل إني أخرج من العراق”، موضحا أنه ينتظر أنباء عن طلب تأشيرة إلى دولة غربية.

وأضاف “بعد التعب إللي شفناه مستحيل نبقى بمكان صار فيه كل هذا إللي شفناه (بعام) 2014”. موضحا أن أولئك الذين يعودون يقولون إنهم يخشون أن يحدث لهم نفس الشيء الذي حدث في عام 2014 مرة أخرى.

ويشارك كثيرون قاسم نفس شعور الإحجام عن العودة. وبعد عشر سنوات على ما وصفته العديد من الحكومات ووكالات الأمم المتحدة بأنه إبادة جماعية، لا تزال منطقة سنجار مدمرة إلى حد كبير.

والمدينة القديمة في سنجار عبارة عن أكوام من الحجارة الرمادية والبنية، كما تحولت أماكن مثل قرية كوجو، حيث قُتل المئات، إلى مدن أشباح متهدمة.

ويزيد من صعوبة العودة محدودية الخدمات وإمدادات الكهرباء والمياه الرديئة وشكوى السكان من التعويضات الحكومية غير الكافية لإعادة الإعمار.

صراع على السلطة

يزيد الوضع الأمني ​​من تعقيد الأمور إذ بقيت القوى التي قاتلت لتحرير سنجار في هذه الزاوية الاستراتيجية من العراق وتتمتع بالسلطة الفعلية على الأرض.

وذلك رغم اتفاقية سنجار لعام 2020 التي دعت القوى المسلحة إلى المغادرة وإلى تعيين رئيس بلدية وتشكيل قوة شرطة من السكان المحليين.

وتشن تركيا ضربات متكررة بطائرات مسيرة على مقاتلين متحالفين مع حزب العمال الكردستاني المحظور. وسقط قتلى من المدنيين في هذه الهجمات مما يعزز الشعور بعدم الأمان.

وتدافع آختين انتقام (25 عاما)، وهي قائدة في وحدات حماية سنجار التابعة لحزب العمال الكردستاني وهي أحد الفصائل المسلحة في المنطقة، عن استمرار وجودهم هناك.

وقالت “نحن نسيطر على هذه المنطقة ونحن مسؤولون عن حماية سنجار من كل الهجمات الخارجية”.

وفي حديثها من غرفة مزينة بصور زملائها الذين قتلوا، وعددهم يزيد عن 150، شككت آختين في اتفاقية سنجار.

وقالت “سنقاتل بكل قوتنا ضد كل من يحاول تنفيذ هذه الخطة. لن تنجح أبدا”.

جهود حكومية

ومع استمرار الجمود، تعاني سنجار من غياب أي شكل من أشكال التنمية. وتتلقى الأسر العائدة مبلغ ثلاثة آلاف دولار تقريبا من الحكومة يُدفع لمرة واحدة.

فيما لا يزال أكثر من 200 ألف إيزيدي في كردستان يعيش العديد منهم في مخيمات متهالكة. وتسعى الحكومة العراقية إلى تفكيك هذه المخيمات، وتصر على أن الوقت قد حان لعودة الناس إلى ديارهم.

وقال خلف سنجاري مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الإيزيديين “لا يمكنك إلقاء اللوم على الناس لفقدان الأمل. حجم الضرر والنزوح كبير للغاية وعلى مدار سنين لم يحدث شيء يذكر لمعالجته”.

وأوضح سنجاري، وهو إيزيدي، أن الحكومة مهتمة حقا بتطوير سنجار.

وتخطط الحكومة لإنفاق مئات الملايين من الدولارات، بما في ذلك الميزانيات التي لم تنفق منذ عام 2014، على التطوير والبنية التحتية، بما يشمل دفع التعويضات وبناء مستشفيين جديدين وجامعة وربط سنجار بشبكة المياه في البلاد لأول مرة.

وأضاف سنجاري “هناك أمل في إعادة الحياة”.

ومع ذلك، فإن وجود ما يقدر بنحو 50 ألف مقاتل من التنظيم  وعائلاتهم عبر الحدود في سوريا في مراكز احتجاز ومخيمات يثير المخاوف من أن يعيد التاريخ نفسه.

كما أن مساعي بعض المشرعين العراقيين لإقرار قانون عفو ​​عام يمكن أن يؤدي لإطلاق سراح العديد من السجناء المنتمين للتنظيم   من السجون العراقية يغذي هذه المخاوف.

كما توقفت مساعي الإيزيديين لتحقيق العدالة، إذ أنهت الحكومة هذا العام مهمة للأمم المتحدة سعت إلى المساعدة في تقديم مقاتلي التنظيم  للمحاكمة بتهم ارتكاب جرائم دولية، مشيرة إلى عدم وجود تعاون بينها وبين البعثة.

ورغم التحديات، اختار بعض الإيزيديين العودة. فقرر فرهاد بركات علي، وهو ناشط وصحفي إيزيدي نزح بسبب التنظيم  العودة قبل عدة سنوات.

وقال من منزله في مدينة سنجار في ظل حر خانق ناجم عن انقطاع التيار الكهربائي “لا أشجع الكل على العودة إلى سنجار، ولكنني لا أشجعهم أيضا على البقاء في مخيمات النازحين”.

وأضاف “العيش في مسقط رأسك هو أمر يمكن للناس أن يفخروا به”.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

إرادة البقاء

صراحة نيوز- بقلم: نادية إبراهيم نوري

في كتاب لغز الحياة للكاتب العبقري والمفكر الفذ الدكتور مصطفى محمود، وردت تجربة مذهلة أجراها البروفسور “ويلسون” أستاذ علم الحيوان. حيث أخذ قطعة من الإسفنج، وقطعها إلى أجزاء صغيرة بدبوس، ثم طرقها بالمطرقة، وهرسها، وعصرها في قماش دقيق الثقوب. ورغم هذا التمزيق والتشويه، استطاع الإسفنج أن يعيد تشكيل نفسه، ويعود إلى حالته الأصلية، ليصبح إسفنجاً جديداً!

وفي تجربة أخرى، أجرى أحد الباحثين دراسة على سلوك النمل. فعندما يعترض طريقه أي جسم، لا يهرب ولا يتوقف، بل يغيّر مساره ويواصل سعيه بلا كلل. وقد شاهدتُ مقطع فيديو لمجموعة من النمل وجدت في طريقها نهراً. لم يمنعها وجود الماء من مواصلة السير؛ بل تشابكت أيديها وأرجلها، وكونت كتلة دائرية طافية، نزلت بها إلى النهر، وعبرت به إلى الضفة الثانية دون أن تفقد فرداً واحداً من المجموعة.

تلك الحشرة الصغيرة، التي نعتقد نحن البشر أنها بلا عقل أو تفكير، أثبتت بتصرفها أنها أذكى من كثير منّا!

أما النحل، فنحن نعلم جميعاً أن مملكته تتكوّن من ملكة وذكور وعاملات، ولكل فرد منها دوره. ولكن إذا ماتت الملكة فجأة، تتصرف العاملات بسرعة لاختيار عاملة صغيرة، ويقمن بإطعامها الغذاء الملكي، لتتغير تركيبتها البيولوجية وتتحول إلى ملكة، فتُكمل دورة الحياة وتستمر الخلية.

سبحان الله الذي علم هذه الحشرات البسيطة حب الحياة، وغرس فيها غريزة البقاء، ولم يخلقها عبثاً، بل وصفها بأنها “أممٌ أمثالكم”، كما قال سبحانه:
“وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ۚ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ”
[الأنعام: 38]

وفي المقابل، نرى بعض البشر ينهار أمام أول أزمة، فينهي حياته انتحارًا دون وازع ديني، أو تفكير في ذويه ووجعهم بعد غيابه. ونجد آخرين يستسلمون لليأس بعد أول فشل، فيتسكعون في الطرقات أو ينغمسون في طريق الإدمان.

هذا ونحن الذين كرّمنا الله، وفضّلنا على كثيرٍ من خلقه، وسخّر لنا ما في السموات والأرض. قال تعالى:
“وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”
[الإسراء: 70]

هذا التفضيل الإلهي يجب أن يُحفزنا على التمسك بالحياة، والاجتهاد في بناء ذواتنا ومجتمعاتنا وأوطاننا. فإن تعثرنا، ننهض. وإن سقطنا، لا نستسلم. ولا تسمح لأزمة أو خذلان أن تهزمك.

تذكّر دائمًا: “وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ”، والتوفيق من الله، والنجاح لمن أصرّ وسعى

مقالات مشابهة

  • الحكومة: مصر تقدمت 8 مراكز في مؤشر التنمية البشرية خلال 10 سنوات
  • موسم بواكير التمور بالقصيم ينعش الاقتصاد بإنتاج يتجاوز 390 ألف طن
  • رئيس الاتحاد الدولي للخماسي الحديث: "فخورون بمصر.. والأكاديمية العربية نموذج يحتذى به في التنظيم والدعم الرياضي
  • هاميلتون ينعش الأمل في «جائزة بريطانيا»
  • مذبحة على متن القطار .. شاب يهاجم 4 ركاب بمطرقة في ألمانيا
  • نائب يدعو الحكومة لمعالجة نقص السيولة
  • إرادة البقاء
  • تعديل قانون الإيجار القديم في مصر.. الحكومة: الدولة لن تترك أحدًا بلا مأوى
  • الحكومة الأردنية تعتمد مسارات جديدة لمنح الجنسية والإقامة للمستثمرين
  • ما هي المادة 2 التي رفضت الحكومة حذفها من قانون الإيجار القديم؟