لجريدة عمان:
2025-05-11@23:30:37 GMT

وحوش الجذام

تاريخ النشر: 4th, August 2024 GMT

أصابع ملتوية، إبهام معقوف نحو راحة اليد، نظرة غير متسقة للعينين، ما يشبه الصفائح المعدنية تحت جلد الوجه، كل هذه العلامات هي دلالات تعني بأنّ «توكي يوشي» البالغة ٧٥عاما، في الرواية اليابانية «ملذات طوكيو» لدوريان سوكيجاوا، عبرت مأزق مرض الجذام في طفولة بعيدة.

لكن «توكي» تقرر أن تستفيد من خبراتها في صناعة الحلوى، فقد تعافت قبل 40 عاما، لكن تلك الأصابع كانت أمرا مزعجا في أي عمل تجاري، فكيف يمكن للزبائن أن يتلقوا الخدمة من أيدٍ مشوهة، دون أن يظهر تناقض حاد بين الأيدي المعطوبة والحلوى المعدة بإتقان!

سرعان ما سُحقت «توكي» جراء سوء فهم الناس لها، عندما انتهكت شروط الاتفاق مع صاحب المحل، وانكشفت أمام الناس، فانهارت المبيعات وأصبح المحل التجاري منبوذا!

فقدان الأطراف -حتى بعد الشفاء- جعل المرضى عرضة للتمييز، لا سيما في مكان مُعد لتناول الطعام حيث ينبغي أن يكون كل شيء لائقا بالزبون، وكأنّ رؤية الأصابع المعقوفة أشبه بالنظر إلى وحش مختبئ! وكأنّ هذا المرض يعني أن تتوقف حياتك تماما في الماضي السحيق!

ألغي القانون الخاص بعزل مرضى الجذام عام 1996 في اليابان، عندما ظهر «البرومين» الدواء الذي أحدث ثورة في علاج المرض، فخرج الناس من مصحات العزل واستطاع ذوو المرضى أن يلتقوا بهم بحرية، لكن المجتمع كان قد تغير! فقد أضمر الناس توبيخا شديدا على أمر مشين لم يقترفه المرضى، لاعتقادهم بأنّ الجذام عقاب إلهي يُصيب من كان سيئا في حياته الماضية، ولذا كان هذا المرض يجلب العار الرهيب للمريض ولعائلته أيضا.

كان من المستحيل على المريض أن يُغادر النطاق المحدد له طوال حياته. الأشجار الكثيفة كانت بمثابة أسوار عالية تمنعهم من الهروب. الشرطة لا يأتون عندما تقع الجرائم ورجال الإطفاء لا يأتون لإطفاء الحرائق، وحتى العُملات النقدية لا يتم تداولها إلا فيما بينهم. كانوا أشبه ما يكون بمجتمع صغير ومعزول.

المرأة التي تعودت أن تخيط الثياب تعطي دروسا في الخياطة في المصحة، وكذلك تفعل المعلمة والحلاق وصانع الحلوى والفخار، يجتهدون في إيجاد المعنى لحياتهم الجديدة والمُعذبة.

في مكان كهذا لا أحد يرغب في الحصول على الجثامين بعد الوفاة، لذا تبقى معزولة هي الأخرى! فالفصل العنصري يمتد من الحياة إلى الموت.

تغيرت القوانين وصارت في صالح مرضى الجذام لكن المجتمع بات عديم الرأفة والشفقة. فرغم أنّه سُمح لهم الالتقاء بأقربائهم الذين ذرفوا الدموع لفراقهم، إلا أنّهم لم يعودوا كذلك الآن! سأتذكر طويلا الرجل الذي فقد أطرافه بسبب الجذام وأصيب بالعمى، كان يقرأ كُتب برايل بلسانه كأنّه يتذوقها من مركز إحساسه الوحيد الذي تبقى له.

كانت شجرة الكرز تُعطي تلوينات للحالة النفسية للشخصيات، عندما تكون مزهرة وعندما تفقد أوراقها تظهر الأغصان العارية بوضوح. طائر الكناري الجريح الذي لا يتمكن من الطيران هو الآخر انعكاس لجراح العجوز «توكي»، فلطالما كانت تتوق للخروج من قفص العزل ذاك.

كانت «توكي» تريد أن تؤكد لنفسها أنّها من البشر أيضا، ولذا ظنت أنّ الإصغاء إلى الأشجار والأزهار والرياح والمطر والنور والقمر يجعلها كذلك «ولدنا لكي ننظر لهذا العالم، ولكي نصغي إليه»، فرغم سلسلة الآلام الهائلة كانت متأكدة أنّ لمجيئها إلى هذه الدنيا معنى.

لقد تمكنوا من تجاوز السور الشجري، من ركوب الحافلات، تمكنوا من السفر، إلا أنّ علاقتهم مع العالم باتت مبتورة! هكذا ينتهي المرض وتبقى آثاره كعلامات لا تتخفى.

صورة الاغتراب في الحياة والموت كانت مروعة، وكل شخص يموت هناك تُزرع لأجله شجرة يحبها. ولذا كان عدد الأشجار بعدد الذين أمضوا حياتهم في العزلة القاسية!

المؤثر أنّ الصورة المرعبة لهؤلاء الذين حوّلوا إلى وحوش تتقاطع مع تصورات مجتمعاتنا، فقد حكى لنا أجدادنا ما لا يقل ضراوة عن ذلك بشيء، ورغم ما تكشفه هذه الرواية من مرارة العزل في اليابان فإنّ ما عاناه مرضى الجذام في مجتمعنا وقرأنا عنه في كتب الرحالة يُوجع القلب، لكن قصصهم للأسف ذهبت إلى النسيان ولم يُدوّن أحدٌ شقاءهم ولا تطلعاتهم!

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حكم في أهم القضايا.. وفاة المستشار شعبان الشامي بعد صراع مع المرض

توفي قبل قليل المستشار شعبان الشامي رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق، بعد صراع مع المرض، ومن المقرر إقامة الجنازة بمسجد فاطمة الشربتلي بالقاهرة الجديدة.

والمستشار شعبان الشامي تخرج في كلية الحقوق جامعة عين شمس في عام 1975، وعُين بالنيابة العامة في سنة 1976، ثم اختير في التحقيق والحكم في القضايا التي تخص الرأي العام بصفة عامة، كانت أهمها قضيتا الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك والرئيس الأسبق محمد مرسي.

مصادرة 309 كيلو أغذية غير صالحة للاستهلاك أو مجهولة بالغربيةجنازة مهيبة.. قرية قليب أبيار بالغربية تشيع شابين لقيا مصرعهما بحادث

ايضا عمل محققا في قضية كنيسة المسرة في شبرا وقضية الفتنة الطائفية في مركز سنورس بالفيوم عام 1981، وشغل منصب رئيس النيابة وعمل كقاضيا بالمحاكم الابتدائية في عام 1981، وعمل بمحاكم الجنايات منذ 2002، ثم منصب رئيس استئناف محكمة استئناف القاهرة، ورئيسا لدائرة 15 جنايات شمال القاهرة.

حكم المستشار الشامي على الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بإخلاء سبيله في قضية "الكسب غير المشروع"، ورفض طعن النيابة المقرر ضد الحكم، حتى تنحى عن الحكم في القضية مرة أخرى لـ"استشعاره الحرج"، كما أصدر حكما في شهر مايو 2013 ضد أحمد عرفة عضو حركة "حازمون" بالمؤبد بجانب غرامة 20 ألف جنيه لاتهامه بحيازة سلاح آلي.

وفي 16 يونيو 2015 حكم بالإعدام على 16 متهما في قضية "التخابر" كان منهم 3 من قيادات جماعة الإخوان، وأصدر حكم على الرئيس الأسبق محمد مرسي والمرشد العام لجماعة الإخوان محمد بديع بالمؤبد بخلاف 15 آخرين.

وفي قضية "اقتحام السجون" حكم على محمد مرسي و5 آخرين حضوريا بالإعدام، بجانب حكمه على 94 آخرين غيابيا منهم يوسف القرضاوي ووزير الإعلام السابق صلاح عبدالمقصود.

طباعة شارك المستشار شعبان الشامي رئيس محكمة جنايات القاهرة القاهرة الجديدة

مقالات مشابهة

  • السيطرة على حريق بمزرعة ملحقة بمستعمرة الجذام في أبوزعبل
  • السيطرة على حريق محدود في محيط مستعمرة الجذام بالقليوبية .. صور
  • السيطرة على حريق بمزرعة ملحقة بمستعمرة الجذام فى الخانكة بسبب سقوط كابلات
  • نشوب حريق بالمزرعة الملحقة بمستعمرة الجذام بأبو زعبل
  • وفاة المستشار شعبان الشامى نائب رئيس محكمة النقض بعد صراع مع المرض
  • وفاة المستشار شعبان الشامي بعد صراع مع المرض
  • حكم في أهم القضايا.. وفاة المستشار شعبان الشامي بعد صراع مع المرض
  • وفاة مغني الراب التونسي ”كافون” بعد صراع مع المرض
  • وفاة زوجة الإعلامي محمد مصطفى شردي بعد صراع مع المرض
  • وفاة طيار عسكري عراقي بعد صراع مع المرض