لا شك أن خسارة حماس باستشهاد قائدها ورئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية كانت كبيرة وبالغة. وقد جمع هنية من الصفات والمواصفات الإيمانية والتربوية والسلوكية والقيادية والتنظيمية، والإمكانات السياسية والتوعوية والخطابية، ما يجعله في صدارة الصف القيادي، ليس على مستوى حركته فقط، وإنما على مستوى الشعب الفلسطيني والأمة.
ونقف في هذا المقال ثماني وقفات بين يدي استشهاده رحمه الله:
الأولى: أن هنية رحمه الله تمتع بشخصية قوية الإيمان، عميقة الثقة بالمشروع الإسلامي لفلسطين، مع قدرة متميزة على تقديمه بأسلوب وحدوي حضاري معتدل وبروح متناغمة منسجمة مع الأبعاد الوطنية والإنسانية لقضية فلسطين. وتميز خطابه السياسي بلغة سياسية منفتحة، تُركّز على المشترك، وتستوعب الاختلافات، وتسعى لتوحيد الجهد واستفراغ الطاقة في مواجهة العدو الصهيوني، وليس في الصراع الداخلي.
والثانية: طبيعته الشخصية المرنة المنفتحة، المريحة والسهلة في التعامل، وتواضعه الطبيعي غير المتكلف، وحسن إنصاته للمتحدثين، وابتسامته التي لا تفارقه.
هنية سعى إلى إنجاز وحدة وطنية حقيقية، وإلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، وإلى تذليل المعوقات والعقبات التي تعترضه
والثالثة: أن طريقته في القيادة مالت إلى الطريقة "الأبوية" التي تستوعب الجميع، وتتجنب إغضاب أحد، مع التجاوز عن الزلات، وتحمّل النقد بصدر رحب. ولم يُغيّر توليه لرئاسة وزراء السلطة الفلسطينية، وقيادة قطاع غزة، وقيادة حركة حماس؛ من طبيعته الاجتماعية الشعبية التي تحب البساطة وتعيش هموم الناس، وظل ابن معسكر الشاطئ على طبيعته تلك حتى لقي ربه.
والرابعة: أن هنية سعى إلى إنجاز وحدة وطنية حقيقية، وإلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، وإلى تذليل المعوقات والعقبات التي تعترضه، فأسهم بفعالية في اتفاق مكة سنة 2007، وترأس حكومة الوحدة الوطنية التي نتجت عنه. وكان له دوره في اتفاق المصالحة في القاهرة 2011؛ وقام بالتنازل عن رئاسة الوزراء في اتفاق الشاطئ سنة 2014 لتسهيل تشكيل حكومة وحدة وطنية يرأسها غيره. ومن أجل تفعيل المصالحة قدّمت حماس تحت قيادته في صيف 2020 ومطلع 2021 المزيد من التنازلات، بما في ذلك عدم تفعيل المجلس التشريعي قبل الانتخابات، والسكوت عن شرط التزامن في إجراء الانتخابات؛ وترك إصدار المراسيم لعباس، والتغاضي عن عدم عقد عباس للإطار القيادي المؤقت، حتى أدرك الجميع في النهاية أن المشكلة في جوهرها تكمن في تعطيل عباس وفريقه لعملية الإصلاح وإعادة البناء.
والخامسة: أن شخصية هنية لقيت قبولا كبيرا لدى الشعب الفلسطيني وفصائله ورموزه، وخلال السنوات الماضية تصدّر الكثير من استطلاعات الرأي العام في الضفة الغربية وقطاع غزة للفوز في انتخابات الرئاسة الفلسطينية في مقابل محمود عباس. وكان نتيجة آخر استطلاع للرأي نشره المركز الفلسطيني للبحوث المسحية والسياسية في حزيران/ يونيو 2024 أن هنية يحصل على 76 في المئة مقابل 20 في المئة من المصوتين لعباس.
شخصية هنية لقيت قبولا كبيرا لدى الشعب الفلسطيني وفصائله ورموزه، وخلال السنوات الماضية تصدّر الكثير من استطلاعات الرأي العام في الضفة الغربية وقطاع غزة للفوز في انتخابات الرئاسة الفلسطينية في مقابل محمود عباس
والسادسة: أن شخصيته لقيت قبولا واسعا عربيا وإسلاميا وعالميا؛ ونجح في تطوير علاقات قوية مع القيادة السياسية في قطر وتركيا وإيران، ولقيت شخصيته الاحترام والتقدير من القيادات الرسمية في الكثير من الدول حتى تلك التي تختلف مع حماس سياسيا وأيديولوجيا. وحظي هنية بمكانة متميزة لدى الحركات الإسلامية، كما حظي باحترام وتقدير مختلف الحركات السياسية والإصلاحية الوطنية والقومية واليسارية وغيرها.
والسابعة: أن هنية قاد باقتدار حركة حماس طوال معركة طوفان الأقصى، وأدار علاقاتها السياسية ومعاركها التفاوضية، بكفاءة عكست مكانة الحركة وقوتها وقدرتها على قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، وقيادة المقاومة ومشروع التحرير. ووفر هنية الغطاء اللازم للأداء العسكري، وجمع بين صلابة المحافظة على المبادئ والثوابت، والتعبير عن تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وبين مرونة التعامل مع الجوانب التكتيكية وفقه المصلحة، بما يوقف العدوان على غزة، ويضمن انسحاب العدو، ويُحقّق صفقة مُشرّفة لتبادل الأسرى، ويفتح المجال لفك الحصار عن القطاع وإعادة الإعمار؛ وكان على تنسيقٍ وتفاهم وتواصل دائمٍ مع إخوانه الذين يقودون العمل الميداني العسكري والمدني في القطاع، وعلى رأسهم رفيق دربه يحيى السنوار.
والثامنة: أن هنية حفر مكانته في قلب وعقل الشعب الفلسطيني، حيث عاش كواحد منه، وشاركه وعائلته معاناته وتضحياته وتطلعاته. وبالرغم من وجوده الاضطراري الاستثنائي خارج قطاع غزة لظروف مرتبطة بطبيعة عمله ومهامه، ولأسباب متعلقة بحرية حركته وتنقُّله،هنية قاد باقتدار حركة حماس طوال معركة طوفان الأقصى، وأدار علاقاتها السياسية ومعاركها التفاوضية، بكفاءة عكست مكانة الحركة وقوتها وقدرتها على قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، وقيادة المقاومة ومشروع التحرير. ووفر هنية الغطاء اللازم للأداء العسكري، وجمع بين صلابة المحافظة على المبادئ والثوابت إلا أن معظم عائلته التي بقيت في القطاع عاشت وعانت كبقية الناس، وتعرّضت للاستهدافات المتعمدة للاحتلال، حيث استشهد أكثر من 60 من أفراد عائلته، بما في ذلك ثلاثة من أبنائه وعدد من أحفاده؛ وتلقى أخبار استشهادهم باحتساب وصبر وثبات، مُصرّا على متابعة مسيرة المقاومة، حتى لحق بهم رحمه الله.
* * *
وأخيرا، فقد كانت خسارة حماس وفلسطين والأمة كبيرة بالفعل بفقد هنية، غير أن استشهاده سيكون دافعا للمزيد من العمل والتضحية والعطاء على طريق التحرير. وهو استشهاد كما أثبتت التجربة لن يُضعف حماس، بل سيزيدها قوة وشعبية ومصداقية. وحماس بما تتمتع به من بنى مؤسسية وشورية، ومن تنظيم واسع زاخر بالكفاءات في الداخل والخارج، قادرة على متابعة المسيرة ومراكمة المنجزات.
وأمثال هنية يدخلون التاريخ ليس فقط مصدر إلهام لشعوبهم، وإنما لأمتهم ولحركات التحرر وللإنسانية جمعاء.
x.com/mohsenmsaleh1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حماس إسماعيل هنية غزة المقاومة حماس غزة اغتيال المقاومة إسماعيل هنية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی أن هنیة
إقرأ أيضاً:
قبائل مربع مدينة الحديدة تجدد استعدادها لمواجهة العدو الصهيوني ونصرة الشعب الفلسطيني
الثورة نت / يحيى كرد نظّمت قبائل مديريات مربع مدينة الحديدة، اليوم، وقفة قبلية مسلّحة، دعماً للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتأكيداً على الجهوزية التامة للتصدي للعدوان الصهيوني، وذلك تحت شعار: “لنصرة غزة.. بقوة الله هزمنا أمريكا وسنهزم إسرائيل”. وخلال الوقفة بمشاركة محافظ الحديدة عبدالله عطيفي، ووكيل أول المحافظة أحمد مهدي البشري، وعدد من الوكلاء والعلماء والشخصيات الاجتماعية والعسكرية والأمنية. وأكد المشاركون استعدادهم الكامل لمواجهة أي تصعيد إسرائيلي على اليمن، وتضامنهم المطلق مع الشعب الفلسطيني المظلوم في وجه ما وصفوه بحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني الغاشم. كما أعلن أبناء قبائل مربع المدينة براءتهم من كل من تواطأ أو شارك في العدوان على اليمن، مؤكدين وقوفهم إلى جانب المقاومة الفلسطينية ومباركتهم لفشل الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني. وأكد المحتشدون استمرارهم في التحشيد والتدريب ضمن برامج “طوفان الأقصى”، واستعدادهم للالتحام مع القوات المسلحة اليمنية، نصرةً للأقصى ودفاعاً عن الوطن وأمنه واستقراره. وجدد أبناء القبائل تفويضهم الكامل لقائد الثورة، السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، لاتخاذ ما يراه مناسباً في مواجهة العدوان، مستنكرين في الوقت ذاته استمرار الكيان الصهيوني استهداف المستشفيات والمنشآت المدنية وقتل للمدنيين الأبرياء في غزة. وطالبت القبائل الجهات القضائية بتنفيذ قانون الخيانة العظمى بحق المتعاونين مع قوى العدوان، مشيدةً بموقف الشعب اليمني وقبائله في إعلان البراءة من العملاء والجواسيس الأمريكيين والإسرائيليين. وتخلل الوقفة كلمات لعدد من المشايخ، شددت على أهمية مواصلة التحشيد للمواجهات العسكرية، والاستعداد الكامل لأي مواجهة مع العدو الصهيوني، مجددين العهد لقائد الثورة على البقاء في أتم الجهوزية نصرةً لغزة ودفاعاً عن اليمن. وأشاد البيان الصادر عن الوقفة بثبات الموقف الشعبي في الدفاع عن غزة ودعم المقاومة الفلسطينية، مشيدين ببطولات وصمود المجاهدين في القطاع، وعمليات القوات المسلحة اليمنية في عمق العدو. وأعلن البيان البراءة من كافة العملاء والخونة، داعياً الأجهزة الأمنية والقضائية إلى تنفيذ القانون بحقهم. كما نوّه البيان بالمواقف الوطنية للقيادة الثورية والجيش والشعب اليمني في نصرة القضية الفلسطينية، مؤكداً الاستعداد التام لمواجهة أي تصعيد أمريكي أو صهيوني جديد ضد اليمن، ومثمناً في الوقت ذاته تضحيات القبائل اليمنية التي قدّمت الشهداء دفاعاً عن الأرض والسيادة والكرامة.