شهدت باكستان الأحد والاثنين أوسع الهجمات نطاقا منذ سنوات في إطار تمرد عرقي يشنه مسلحون منذ عقود، حيث قتل أكثر من 73شخصا في هجمات معددة استهدفت مراكز شرطة وخطوط سكك حديد ومركبات على طريق سريع في إقليم بلوشستان جنوب غربي البلاد. 

وفي بيان أُرسل عبر البريد الإلكتروني إلى صحفيين أعلنت جماعة جيش تحرير بلوشستان مسؤوليتها عن الهجمات.

 

وقالت الجماعة إن أربعة انتحاريين، بينهم امرأة من مدينة جودار الواقعة على الساحل الجنوبي لإقليم بلوشستان، شاركوا في هجوم على قاعدة كبيرة شبه عسكرية، غير أن السلطات الباكستانية لم تؤكد وقوع ذلك الهجوم حتى الآن.

تهميش وتمرد

في عام 2004، ثار هؤلاء المتمردون مطالبين باستقلال منطقتهم التي تمثل أكثر من 40 في المئة من الأراضي الباكستانية لكنها ما زالت تعاني من التخلف.

وتعتبر بلوشستان الأوسع مساحة في باكستان وهي محاذية لإيران وأفغانستان.

ويعم الفقر بلوشستان على الرغم من غناها بالموارد الطبيعية من غاز ومعادن، وهو ما شكل مصدر غضب لسكانها الذين يشكون  من عدم حصولهم على حصة عادلة من ثروات منطقتهم.

إفليم بلوشستان يشهد الكثير من الهجمات من قبل متمردين بطالبون بالانفصال

وما زاد من استياء السكان المحليين تدفق الأموال إلى المنطقة عبر مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يعد جزءا أساسيا من مبادرة الحزام والطريق الصينية، إذ يعتبرون أن هذا المشروع لم يدر عليهم سوى القليل في حين ذهبت معظم الوظائف الجديدة إلى غرباء عن المنطقة.

ويطالب البلوش الباكستانيون بمزيد من الحكم الذاتي على الصعيد السياسي وبتقاسم أفضل لموارد هذه الولاية الغنية بالغاز الطبيعي.

وعلى مدار السنوات، أصبح جيش تحرير بلوشستان أكبر جماعة مسلحة بين عدة جماعات تنتمي إلى مجموعات عرقية وتحارب الحكومة المركزية منذ عقود. وهو متحالف مع جبهة تحرير بلوش، الجماعة المسلحة الانفصالية الرئيسية الأخرى النشطة في المقاطعة. ويعتقد الخبراء أن جيش تحرير بلوشستان يضم عدة آلاف من الأعضاء.

ويعتقد أن لواء مجيد، فرقة الانتحار التابعة لجيش تحرير بلوشستان، نفذت أكثر الهجمات تعقيدا. 

في العام الماضي فقط، نفذ مسلحو بلوش 110 هجمات، وفقًا لمعهد باكستان لدراسات السلام، وهو مركز أبحاث مقره إسلام أباد. وفي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 وحده، شنت الجماعات 62 هجومًا، مما يشير إلى ارتفاع حاد.

وإلى جانب استهدافها الجيش والشرطة الباكستانيين، تهاجم الجماعة مؤسسات صينية بانتظام، حيث تسعى الجماعة إلى طرد الاستثمارات الصينية من الإقليم. 

ويوجد في بلوشستان عدد من المشروعات الكبرى التي تديرها الصين، من بينها ميناء استراتيجي ومنجم ذهب ونحاس.

ويشكّل أمن الطواقم الصينية العاملة في مشاريع منشآت في باكستان مصدر قلق لبكين التي استثمرت مليارات الدولارات في البلد خلال السنوات الأخيرة.

وقتل مئات الأشخاص منذ نهاية عام 2004 في أعمال عنف تشهدها هذه الولاية التي طالتها أيضا الهجمات المنسوبة إلى مقاتلين إسلاميين قريبين من طالبان.

وفي مارس الماضي، نفذ جيش تحرير بلوشستان الانفصالي هجوما على مرافق في ميناء غوادر الاستراتيجي الذي يشكل حجر الزاوية في مشروع صيني ضخم في الإقليم.

وفي نفس الشهر، قتل خمسة صينيين يعملون في موقع بناء سدّ داسو الكهرومائي في ولاية خيبر بختنخوا وسائقهم الباكستاني في تفجير انتحاري استهدف مركبتهم في شمال غربي باكستان.

والأحد والاثنين، استهدف المسلحون التابعون لهذه الجماعة العمال القادمين من إقليم البنجاب شرقي البلاد، معتبرين أنهم يستغلون موارد بلوشستان.

لماذا كانت هناك زيادة حادة في الهجمات؟

وتنقل إذاعة أوروبا الحرة (راديو ليبرتي)، في تقرير نشر في أبريل الماضي، عن خبير مقيم في إسلام أباد رفض ذكر اسمه خوفا من الانتقام، أن "تجنيد المنظمات المسلحة الانفصالية ارتفع بشكل كبير" مؤخرا.

وأشار إلى أن الانتخابات التي أجريت في فبراير الماضي والتي شابتها مزاعم واسعة النطاق بالتزوير، كانت بمثابة "صب الزيت على النار" لأنها حرمت البلوش من التمثيل السياسي الحقيقي.

ويقول المحلل إن الشباب البلوش "لا يرون أي سبيل للتعبير عن معارضتهم".

لقد خسرت الأحزاب السياسية البلوشية، التي شكلت أغلب الحكومات الإقليمية في الماضي، السلطة في الانتخابات المثيرة للجدل.

ويرى ظفر بلوش، وهو باحث في شؤون بلوشستان يقيم في بريطانيا أن "استراتيجية مكافحة التمرد التي تنتهجها إسلام أباد، والتي تقوم على نهج عسكري، هي السبب الجذري" لعدم الاستقرار في بلوشستان، بحسب ما تنقل عنه الإذاعة. 

وقتل الجيش الباكستاني الزعيم الانفصالي لقبائل البلوش نواب أكبر بقتي في أغسطس 2006، لكن المواجهات العنيفة استمرت بين الجانبين حتى اليوم.  

وفي 2019، أدرجت وزارة الخارجية الأميركية جيش تحرير بلوشستان في القائمة الخاصة بالإرهابيين العالميين بهدف حرمان الجماعة من الموارد اللازمة للتخطيط لهجمات إرهابية وتنفيذها.

وبموجب القرار، يتم حظر جميع الممتلكات والمصالح الخاضعة للولاية القضائية الأميركية وكذلك يحظر عموما على جميع المواطنين الأميركيين الاشتراك في أي معاملات معهم، بحسب موقع الخارجية الأميركية على الإنترنت.

وقالت الوزارة في بيان حينها إن "جيش تحرير بلوشستان يعد مجموعة انفصالية مسلحة تستهدف قوات الأمن والمدنيين، ولا سيما في مناطق عرقية البلوش في باكستان". 

وأشارت الخارجية الأميركية إلى أن هذه الجماعة نفذت العديد من الهجمات الإرهابية بما في ذلك هجمات انتحارية استهدفت مهندسين صينيين في أغسطس 2018 وكذلك هجوم على القنصلية الصينية في كراتشي في نوفمبر 2018، فضلا عن هجوم ضد فندق فخم في غوادار في بلوشستان في مايو 2019.

ما علاقة أفغانستان وحركة طالبان؟

يرى الخبراء أن استيلاء طالبان على أفغانستان المجاورة عزز قدرات الجماعات المسلحة في المنطقة، بما في ذلك الجماعات الانفصالية البلوشية.

لقد ظهرت بعض المعدات العسكرية والأسلحة التي خلفتها الولايات المتحدة بعد الانسحاب العسكري في عام 2021 واستولت عليها طالبان واستخدمتها الجماعات المسلحة البلوشية، وفقا لتقرير إذاعة "أوروبا الحرة".

ويقول الباحث المقيم في إسلام أباد للإذاعة إن جيش تحرير بلوشستان تطور أيضا في السنوات الأخيرة. فبعد أن كانت تقوده شخصيات قبلية، يدير المجموعة الآن محترفون متعلمون من الطبقة المتوسطة يفكرون "بطرق حديثة وغير تقليدية".

ومنذ عام 2018، اندمجت العديد من الجماعات الانفصالية البلوشية حول جيش تحرير بلوشستان.

ويقول بلوش إن المجموعة استخدمت وسائل الإعلام الرقمية والاجتماعية لجذب مجندين جدد وتنمية التعاطف من السكان المدنيين.

ويقول الخبير المقيم في إسلام أباد إن باكستان ليست على استعداد لمعالجة المظالم السياسية العميقة الجذور التي تجعل بلوشستان غير مستقرة.

ويرى بحسب ما تنقل عنه إذاعة "أوروبا الحرة" أنه "إذا لم تحل 20 عاما من العمليات الحركية أي شيء، فلن تحل أي شيء في السنوات العشرين القادمة".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: جیش تحریر بلوشستان إسلام أباد

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسي يبحث مع رئيس هيئة الأركان الباكستانية تعزيز التعاون العسكري

استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، الفريق أول ساهر شمشاد مرزا، رئيس هيئة الأركان المشتركة لجمهورية باكستان الإسلامية، وذلك بحضور الفريق أول عبد المجيد صقر، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والسفير عامر شوكت، سفير جمهورية باكستان الإسلامية بالقاهرة، والعميد محمد رشيد خان، كبير ضباط الأركان بهيئة الأركان المشتركة.

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية نقل للسيد الرئيس تحيات رئيس وزراء باكستان، وهو ما ثمنه الرئيس، مشيدًا بما تشهده العلاقات الثنائية من تطور مستمر وزخم إيجابي بين البلدين الشقيقين.

وذكر السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي، أن اللقاء تناول سبل دعم وتعزيز التعاون المشترك، خاصة في المجالات العسكرية والأمنية، إلى جانب تبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب والتطرف، بما يعكس المصالح الاستراتيجية المتبادلة بين مصر وباكستان.

وأضاف المتحدث الرسمي أن اللقاء تناول مستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، حيث تم استعراض الجهود المصرية الرامية إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتشديد على أهمية تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته في إنهاء المعاناة الإنسانية لسكان القطاع، وضمان وصول المساعدات اللازمة، كما تم التأكيد على ضرورة توسيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة باعتبارها الضمان الحقيقي لتحقيق السلام الدائم والاستقرار في المنطقة.

وأشار المتحدث الرسمي إلى أن اللقاء تناول أيضاً تطورات الأوضاع في منطقة جنوب آسيا، وجهود تعزيز الاستقرار في الإقليم بما يسهم في تحقيق التنمية والازدهار لشعوبه الصديقة.

اقرأ أيضاًمدبولي: كلمة الرئيس السيسي عن غزة تؤكد ثوابت مصر في تعاملها مع القضية الفلسطينية

وزير الإسكان: بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع سكن مصر بـ القاهرة الجديدة

الفلبين تلغي التحذير من إمكانية حدوث موجات تسونامي

مقالات مشابهة

  • ماذا يعني إعلان الحوثيين مرحلة جديدة من التصعيد ضد إسرائيل؟
  • الرئيس السيسي يبحث مع رئيس هيئة الأركان الباكستانية تعزيز التعاون العسكري
  • اختطفها زوجان .. تحرير فتاة من داخل منزل مشبوه وسط محافظة ميسان
  • الحوثيون يغرقون سفينة جديدة ويحتجزون طاقمها: عشرة بحّارة في قبضة الجماعة ووعيد بمزيد من الهجمات
  • وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات
  • وزير الدفاع يبحث مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية سبل تعزيز التعاون
  • بعد القبض على رمضان صبحي في مطار القاهرة.. تعرف على الاتهامات والعقوبة التي يواجهها
  • المعركة الأكثر دموية.. كيف صمدت أوكرانيا في وجه الزحف الروسي نحو بوكروفسك؟
  • حكومة موازية في نيالا.. ماذا تعرف عن خريطة نفوذ الدعم السريع في دارفور؟
  • «أنصار الله» تعلن المرحلة الرابعة من حصارها إسرائيل وتحذّر الشركات العالمية!