معرض السويس للكتاب يستعيد مدينة الغريب في ذاكرة شعرائها
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
نظمت الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لمعرض السويس للكتاب، المنعقد حاليا تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، ندوة بعنوان «مدينة الغريب في ذاكرة شعرائها»، شارك فيها الشعراء حاتم مرعي- إبراهيم جمال الدين، وأدارها الشاعر أحمد عايد.
وافتتحت الندوة أحمد عايد، مثنيا على آثار الشعراء الراحلين ( عبد العزيز عبد الظاهر -عطية عليان - كابتن غزالي- وكامل عيد رمضان)، قائلًا: إن الكتابة كشكل من أشكال الفن هي فعل من أفعال المقاومة التي تجعل المرء خالدا ضد فنائه المحتوم.
فالذاكرة البشرية تخلد دوما في طياتها الفنانين مثل هوميروس وامرؤ القيس وغيرهم ممن خلدوا آثارهم على الأرض، فكل ما يفعله الفنان هو فعل مقاومة، الشاعر يقاوم ليس عن نفسه فقط ولكن عن المكان الذي يعيش فيه فالمكان نفسه قد يكون مهددا بالفناء مثل الإنسان بسبب الحروب والأوبئة كما تعرضت السويس لحروب وأوبئة هددت وجودها على مر تاريخها، فالشاعر هنا بمقاومته كالذي ينجو بقومه من الموت، وهذه الندوة هي تكريم لهؤلاء الشعراء الذين رحلوا وتخليدا لذكراهم.
وقال حاتم مرعي: «إنه سعيد بهذا التكريم لشعراء أثروا تأثيرا حقيقيا في وجدان أهلهم، وأنه يطالب بإعادة طباعة الأعمال الكاملة لهؤلاء الشعراء ليتمكن الشباب من الاطلاع على أعمالهم، فدائما ما ترتبط السويس بشعر المقاومة فشعر العامية في العموم يتميز بكونه مرتبطا بالجمهور، بينما يتميز شعر مدن القناة عموما بدور وظيفي المقاومة وتعبئة الجماهير ضد المحتل».
وأضاف: «كما يتميز شعر المقاومة بأنه شعر غنائي مثل فرقة ولاد الأرض التي أسسها كابتن غزالي مع عطية عليان وكامل عيد رمضان، ولم يكن الشعر آنذاك يهتم بالقوالب والتطورات الحداثية للقصيدة العامية في هذا الوقت ولكن بالأداء الحماسي والموضوع الذي يشحذ قضية المقاومة في وجدان الناس، ثم اتجه الشعر إلى منحى آخر بعد الحرب حيث انتقل للتعبير عن وجدان الناس وطرح قضاياهم بجانب طرح قضايا التعبير عن الذات».
وتابع: «ويظهر التأثر بتاريخ المنطقة النضالي في اختلاط شعر الفصحى بالعامية في بعض القصائد، كما نجد التنوع في شعر العامية في فنون القول الشفهية مثل الموال والمربع بجانب الزجل والشعر النبطي الذي هو شعر البادية في سيناء أو الأشكال الأحدث مثل قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر».
وتحدث مرعي عن الشاعر عطية عليان قائلا: «إنه كان يجمع بين أشكال كثيرة جدا من الكتابة حتى يرضي حسه الوطني، أبرزها الزجل وهناك أمثلة من ديوانه التي تبين الطريقة المباشرة التي اختارها لتقديم بعض أشعاره:
يا مصر يا نبضها
يا عمر دايم للزمان
يا معلم الناس كلها
كيف النضال يدبح
أمام سكة سفر دايمة
وتايهة في بحر العرب
وعن الكابتن غزالي الذي هو حالة خاصة وفريدة من نوعها فهو أشبه بلوحة فنية أصلية تشير إلى ذاتها فهو شاعرنا الأول وقائد سفينتنا، وكان يواكب الأحداث الجديدة ويعبر عن هواجسه وغرائزه الدفينة في شعره بقوة وبشجن ومثال على ذلك قصيدة الخوخ».
وأثنى إبراهيم جمال الدين الذي على معرض السويس الثاني للكتاب، ثم تحدث عن الشاعر عطية عليان الذي يراه التجربة الشعرية الأهم في السويس، فهو جزء من تجربة غنائية فنحن أمام شاعر متكامل ذو تجربة مكتملة الأركان، وهو حالة إنسانية رائقة وفريدة من نوعها، فالشاعر الذي يستطيع في وسط صراخ الحرب والدمار أن يكتب مثل هذه الكلمات الرنانة، فهو شخص فريد من نوعه يحلق من سماء أخرى غير سمائنا».
أما عن كامل العيد صاحب الغناء الرائق في هذه المرحلة فهو شاعر عتيد من شعراء المقاومة الشعبية في فترة العدوان الثلاثي على مصر، ومؤسس فرقة شباب النصر على غرار فرقة الصامدين بالإسماعيلية و أولاد الأرض في السويس، ثم ألقى بعض نماذج من أشعاره، واختتمت الندوة بمداخلات الجمهور للضيوف.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: معرض السويس للكتاب الهيئة المصرية العامة للكتاب مدينة الغريب وزير الثقافة الثقافة أشكال الفن
إقرأ أيضاً:
عم عطية.. .أبو جاموس مات.. !!
مات عم عطية.
مات ميتة رجال.
لا طبّالين على الشاشات، ولا «ألتراس المياتم»، ولا حتى الواد «سيد برويطة» جاب خبره في الجرنال.
كان مشغول بتوزيع منشورات الانتخابات، والواد بتاع الواجب في كل مكان، مشغول بعزاء خمس نجمات.
ومات عم عطية.. .وماتت معاه فكرة إن الفلاح لسه ليه مطرح في النشرة، ولا حتى صورة في جنازة.. .!.
ماحدش قال: «فلاح بسيط مات من القهر.. .!» الفلاح اللي كان قلبه على الأرض، وسرّته في التراب، ما اشتكاش يوم، ولا جري ورا مكتب نائب، كان بيكتم صوته زي ما بيكتم وجعه.
في اليوم اللي مات فيه، كان لابس جلابية بهت لونها من شمس الحقل، مش من رغوة المساحيق.
شايل في جيبه وصلًا من أيام عبد الناصر، ومعلّق على صدره أمل.. .بس مش وسام شرف، أمل في شيكارة كيماوي تنقذ زرعه الواقف في سُكرات العطش.
دخل الجمعية كأنه داخل المحكمة، بس قبل ما يوصل للموظف، وقف شوية عند باب «الدوّار»، شاف ناس قاعدة مهمومة، ورئيس الجمعية والعضو قاعدين مع واحدة بتهزر، وبيقولوا لها: «يا ننوسة، يا مسك وعنبر.. .!»
هو بيصرخ: «الزرع بيموت، والجاموسة ما بتقومش!» وهُمّا بيضحكوا.. .. ! ضحكة زي نشرة الأسعار.. .مافيهاش رحمة، ضحكة تنشف ريق العدالة، زي الميه اللي ماوصلتش للغيط.
قال له واحد من المساكين اللي قاعدين: «مالك يا عطية.. .؟ ضحكوا عليك ياعطية؟»، رد عليه بصوت مخنوق: «ضحكوا علينا كلنا.. .دول شلة حرامية، صوتي يابهية علينا.. .وعليك يا عطية، إحنا الفلاحين اللي بقينا واقفين في طابور النسيان، بنمد إيدينا ولا حد بيشوفنا.. !.
راح للموظف أخيرًا، وقال له بصوت بيترجّى: «نفسي آخد شيكارة كيماوي.. .بالدور»، الموظف لف الجرنال، ونفخ من كرشه، وقال له: «يا عم.. .ارمي بياضك!»، قال له عم عطية: «أنا فقير يا بيه، دا حتى العيل اللي في المعمار بقى بيشفق عليّ.. .!».
رد الموظف وهو بيعد سُبايك الشاي: «فاكر نفسك في جمهورية الفلاحين.. .. ؟، التموين بالواسطة، والكيماوي للمحسوبين.. .!» ضحك الجميع، ضحكة سامة،
ضحكة بترن في أذن الكرامة، ضحكة زي إبرة بتخرّم خريطة الوطن من ناحية الأرض. وقف عم عطية، ساكت، لكن عنيه كانت بتكتب وصية حزنه على بلاط الجمعية، بصّ في الأرض كأنه بيودّعها بعد عشرة عمر، زي واحد شاف مراته بتتجوز غيره، وهو ماسك الدُف من جوه مكسور.
ضرب كفًّا على كف، وقال: «دي مش جمعية.. .دي ورشة نَصْب، واللي فيها مش موظفين.. .دول شياطين بكرنيهات.. !» ومشي.. .بس الأرض كانت بتسحبه لتحت، خطوته تقيلة، كأنها بتكتب نعيه قبل ما يوصل الباب.
رجع بيته، قعد على عتبة الدار، والجاموسة بصّة له من الحظيرة، كأنها فهمت.
حتى الجاموسة فهمت يا بلد، وإنتي لسه مش فاهمة.. .؟! مات عم عطية، يا خسارة وحسرة على آخر الرجال.
مات من القهر، من الوجع، من السكوت، من الوقوف في طابور النعاج، وكان راجل.
راجل رفض يبقى زيهم، فمات، وكل يوم بيموت ألف عطية، في السكون، في الطين، في النسيان. مات عم عطية، ولا حتى «بوست» على جروب القرية،
ولا حد قال: «فين الفلاح.. .؟» ولو حد سأل قالوا مات.. .وخلاص.. !.
زمانه راح، وزماننا بقى معاه كام.. ؟ معاك بطاقة مصرفية بنكية.. ؟ ولا بطاقة تموين.. .. ؟ هنا تبدأ القضية.. ! القضية ناقصة جاني مش أنا ولا عم عطية ولاحد تاني، المشكلة قالوا عليه انت الجاني.. ؟، شيكارة سماد بختم النائب، ولا عضو الجمعية.. ؟، ولا عضو مجلس قالك: «ازرعها وطنية.. !»، ونسيوك تدور على الكرامة في كيس علف قديم.
نسيت أقولك: «الوطنية» ماتت.. .ودفنوها في الغروب، جنب عم عطية، وجنب حلم الفلاحين، اللي ما بيموتوش من الجوع، لكن بيموتوا لما الأرض تتحول لإقطاع، والتراب يتباع بشيك.. .!.
الوصية الأخيرةمات عم عطية، لكن قبل ما يسيب الدنيا، ساب على حيطة الجامع وصية: «إياكم تبيعوا الأرض، ولا تفرّطوا في التراب، ولا تركنوا الكِفّ على خد السكوت، ولا تصدّقوا اللي يقول: الفلاح انتهى».
حاسبوا على بلد بتدفن الفلاح قبل الزرع، وتفرش السجادة للحرامي، وتطبّل للجهل، وتنسى اللي كان بيشيلها على ضهره في الطين والمطر.
ومات عم عطية، لكن اللي مات أكبر من جسد فلاح. اللي مات: كرامة كانت في التراب، وصوت كان ساكت من كتر الخوف، وجيل.. .كان آخر من مسك المحراث بإيده.
وختامًا.. .لا تبكوا عم عطية، بل ابكوا زمنًا كان فيه الرجال بيموتوا من القهر، وما حدّش بيزغرد، ولا حتى بيرفع صورة ليهم في جنازة.. .، !
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية
اقرأ أيضاًيحرسون الأمل وسط الصراع: حان الوقت لتمكين حفظة السلام التابعين للأمم المتحدة لمجابهة تحديات الغد
الكتاتيب والذكاء الاصطناعي