الطفولة!
هذه معضلتي، فقد وجدت نفسي كبيرًا فجأة، وكنت أرافق ذلك الرجل كل صباح مبكّرين، نحمل صناديق وأكياس الخضار ثم نرجع ببعض النقود، لكنه ارتأى أن يريح ظهره وساقيه فمات، وبكت أمي قليلًا، فقد كنا نقتصد في الدموع أيضًا.
الريح تصْفُر وتنشر الرعب في الزوايا الدّامس ليلها، ينشلع قلبه من الصدر الصغير يعلو ويعلو ثم يهوي الى الطين، تُرى من أين هذا الصوت يأتي، وتطايرت أواني الصفيح، ارتطمت بقسوة على الحائط القريب، وانسحق القلب رعبًا وهمد الجسد يثقله الخوف.
ـ أبردانةٌ أنت؟
ـ بل خائفة.
فأحببتك بكل تناقضاتي، ونشرت قلوعك داخلي ثم انسكبتِ خلالي وتسرّبتِ حتى أفنيتكِ، حوّلتكِ أصدافًا ترْكن في الأعماق. لم يكن هناك من أحد يا صديقتي، ولم يعد هناك من أحد. ها أنت تختفين.. تذوبين. وحيدًا كان في الزقاق أتدركين؟
فات الأوان إنها غلطتك أنت أنّك جئتِ. ظل يبكي. ثم يجأر حتى غابت نبرة عويله وصار قلبه يردد عويل الريح فانطلق بلا دموع.
ـ سأمضي.. وستسعى إليّ.
ـ انتظري، ألا ترين أنه بلا دموع، كان يشتاق العناق لكنها لم تكن هناك!
ـ لماذا أصبحت تتجاهلينه، كنت ترتجفين معه أو تمسحين جبينه، والآن تتركينه؟!
....
لماذا يمْضِين هكذا بلا مبرر، بل إنهن ينتهين مع شمع الطاولة، فيعود الظلام وتنتشر الوحشة من جديد وأعود إلى طين الأزقة. "يا شقيّ" تُلقيها عليّ ويملؤني الأسى.
ـ ها أنتَ مرة أخرى تأوي إليّ!
وتفرّستَ وجهي، كان هامدًا قد ارتحلت منه السمات، ارتدّ العناق إلى المستحيل فظلّت واقفةً مكانها.. ثم استدركت:
ـ يا شقيّ، طوال أسبوع دون خبر!
هذا كل ما تبقى إذن "يا شقيّ". آه كم هو مرير وقاس هذا الفراق الذي يطارد القلب، إنه كالهزيمة ما تفتأ تنبش بحنق مخالبها الحادة داخلي، وعند ابتداء المعركة أنهار من اللحظة الأولى.
هل أظل متهدمًا دومًا؟!أم أن الهاجس الذي يلازمني مجرد فشل كنت قد وقعت به أول الأمر.
تبتدرني ثانية :
ـ ألن تجيب، حسنًا سأطلب قهوة لكلينا.
الأزقة معتمة واستوحشتْ لما غابت عنها قناديل الكاز التي اختبأت خلف الجدران، تخُبُّ القدمان في الطين وينهمر في العين المطر، التفت، فقط أتحسّس راجفًا أذنيّ.
مرّي عليهما براحتيك، دعيني أخفي رأسي من هذا البرد الذي يثقل الأطراف. دعيني قبل أن تصبح أذناي قطعتين من جليد ثم تسقطان.لا تتركيني لقد بدأ يجأر. إنه أنت الملومة، لا يدري هو ماذا يريد لكنه يجهل الحنان.
رجوْتُ لمستك تمرّ على الرأس لكنك الآن بعيدة بعيدة، تجلسين في وسط الظلمة وتشيّعين صرخاته تتلوى في الطين متأوّهة، تحترق الشموع وأنت تبسمين، يا للفظاعة!
لازلت معي وتتحدثين عن لقاء للعشق والفرح، والقلب مجدبًا من حنان واجفًا من ظلمة تنغر في الأزقة. اللعنة هذا الشرخ العميق يلازم كل النساء.
كيف تعطيني ونجواي لها يكشف عجزي؟
إعطاء مقابل وهْم؟
الحب أن يظل في الصدر وهم، يتوقد وأتعب، أتناسى وأعيش ثم يرحل معي فيصير ترابًا بعد أن ينهس الدود قلبي، حبٌّ من تراب، أيليق؟
بِتُّ كمن يتلفّظ بالغزل متوددًا لامرأة قد يبست شفتاها حتى أصبحت غير قادرة على البسمة وغير آبهةٍ لحبيب جديد. فلطالما انتظرت أحبة لكنهم نفضوا عن ذاكرتهم ضفائرها.
أوتراها تقول نعم؟
ستكون كلماتي فارغة وقد تأْنَف منها مسامعها.
الرّفض باق معتّق في عروقها، يضجّ في ذراعيها.. شفتيها، قلبها ونظرتها، في تراب أقدامها.
هي القوية دومًا، وأنا ما زلت ضعيفًا.
لم تُلقِ بالًا لِما يعتمل في قلبي، أوهكذا توحي إليّ ايماءاتها، ليكن. سأكفّ عن كل ذلك حتى يهجرنا الخريف، ويخرق الشوك ندبة مضمخة بالندى تروي هجير روحي، فتهتزّ الأجراس الصغيرة في فضاء نظيف وتعبُّ شوارع مدينتي هواء جديدًا.
حسنًا يا صديقتي أريد أن أقول:
-
ـ لا أحبك.
إنها الأشواك وما زلت أنتظر الندى يسيل من العروق.
أريد أن أقول:
ـ أحبك
تريدين فارسًا وليس عاشقًا، أفهم هذا، لكن كيف الفارس يكون عاشقًا؟
قلت لك، أحبك فبكيتِ.
قلت لك: لا أحبك فبكيتِ تارة أخرى.
وفي اليوم التالي لبِستْ ثوبًا طالما أحببته وأحببتها ترتديه، مطلًّا وجهها والثّوب أزرق بلا غيوم.
ـ لكن لباسًا أبديًا يُبشِّر بربيع يدوم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات حب قصة مدون معاني مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
“البيت الذي شيده الطفايلة في قلب الوطن”
صراحة نيوز- الدكتور زيد أحمد المحيسن
في قلب العاصمة، وعلى بعد خطوات من مراكز القرار، بزغ فجر جديد لأبناء الطفيلة؛ فجرٌ يحمل بين طياته بشرى طال انتظارها، وأمنية ظلّت ردحًا من الزمن تتناقلها الألسن والقلوب على حد سواء، حتى قيّض الله لهذا الحلم أن يرى النور، ويتحول إلى صرحٍ شامخٍ يعانق سماء عمان: مقر جمعية ديوان عشائر الطفيلة.
لقد كان لي شرف الحضور في هذا اليوم البهي، يوم افتتاح المقر وتناول الغداء مع إخوتي من أبناء الطفيلة الذين توافدوا من كل حدب وصوب، يحملون في قلوبهم البهجة، وعلى وجوههم ابتسامات الفخر والرضى، إذ أصبح للطفايلة اليوم عنوان واضح، ومقر دائم، وبيت يجمع ولا يفرق، ويوحّد ولا يبعثر.
ليست فكرة المقر سوى تجلٍّ لفكرةٍ نبيلة، طالما حلم بها الغيارى من أبناء المحافظة، ممن حملوا همّ الانتماء الصادق والعمل التطوعي النظيف، فعملوا بصمت، وسعوا بجد، حتى أُتيحت لهم هذه اللحظة التاريخية. لم يكن الطريق ممهّداً، بل شاقًا ومعمّدًا بالإرادة والإيمان، لكنهم مضوا دون كلل، حاملين على أكتافهم أمانة الطفيلة ومكانتها، فكان لهم ما أرادوا.
إن وجود مقر دائم في العاصمة لهو علامة فارقة في مسيرة الطفايلة، وخطوة استراتيجية تنقل العمل الأهلي من التشتت إلى التنظيم، ومن الجهد الفردي إلى الحراك الجماعي المنظم. فهذا البيت ليس مجرد مبنى من حجر وإسمنت، بل هو مساحة حوار وتفكير، ومظلة جامعة، تحتضن أبناء الطفيلة بمختلف أطيافهم واتجاهاتهم، ليكونوا يدًا واحدة في خدمة مجتمعهم، وتقديم المبادرات التي تنهض بالشأن الاجتماعي والثقافي والتنموي.
إنه بيت للتشاور لا للتنازع، وللتآلف لا للتنافر، ومجلس دائم للحوار الجاد والبنّاء، يُعزز الانتماء الوطني، ويعيد للروح الجماعية حضورها وهيبتها في زمنٍ كثرت فيه المسافات وتفرّقت الجهود. وفيه يتدارس أبناء المحافظة قضاياهم، ويضعون أيديهم بأيدي بعض، من أجل صياغة مستقبل أفضل لأبنائهم وأحفادهم.
ولأن هذا المشروع ولد من رحم الحاجة، وتغذّى على حبّ الأرض وأهلها، فإنه يستحق أن يحاط بكل أشكال الدعم والرعاية. وها نحن على أعتاب الافتتاح الرسمي تحت الرعاية الملكية السامية، في مشهدٍ سيشكل محطة مضيئة في تاريخ العمل الأهلي لأبناء الطفيلة، ويؤكد أن الانتماء لا يُقاس بالكلام، بل بالفعل الملموس والعطاء المستمر.
كل الشكر والتقدير لكل من ساهم بفكرته أو جهده أو دعمه في إخراج هذا الحلم إلى النور، ولمن آمن بأن لابناء محافظة الطفيلة الهاشمية الحق في أن يكون لهم بيتٌ في العاصمة عمان، يجمعهم ولا يُقصي أحدًا، ويرتقي بهم نحو مزيد من المشاركة المجتمعية الفاعلة، تحت مظلة القانون والشرعية والانتماء الصادق – لله والوطن والعرش .
نعم، أصبح للطفايلة بيتٌ في قلب الوطن… فهنيئًا لهم، وهنيئًا للوطن بأبنائه الأوفياء..