جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-03@05:37:20 GMT

ليطمئن قلبك

تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT

ليطمئن قلبك

 

 

صاحب السمو السيد نمير بن سالم آل سعيد

 

أعتبرُ نفسي من أولئك الذين يشعرون بالامتنان لنِعم الله التي أسبغها علينا جميعًا، وأنَّ شُكره واجب على كل شيء بما قدّره لنا سبحانه وتعالى، كما إنني من الراضين القانعين بعطاء الرزّاق، ولله الحمد، ولو كنتُ في غير ما أنا عليه من نعمةٍ لكنت كذلك راضيًا قانعًا بما لديَّ، مُسلِّمًا أمري لله عزَّ وجلَّ، الذي يُحسن تدبير الأمور.

الحمدلله شكرًا كثيرًا ولا إله إلا هو، وحده الذي يمنح ويمنع، فإذا منح فله الحمد والشكر، وإذا منع فلا حول ولا قوة إلا به، وبه نستعين. ومن عَرَفَ حق المعرفة أن الله خالق السموات والأرض ومالكها والمتصرف فيها يُعطي لمن يشاء ويمنع عمّن يشاء لحكمة إلهية مُقدّرة، أطمأن قلبه ورضي بقضاء الله وفوّض أمره له وحده؛ بما يختاره له مولاه. يقول المولى عز وجل "وَاللهُ يَعلَمُ وَأنتُمْ لا تَعلَمُونَ".

وعطاؤه كله خير، والرضا والقناعة والتسليم في كل الأمور لله عزَّ وجل واجبة، والله ما منع إلّا ليُعطي، ولا ابتلى إلّا ليُعافي، والمرءُ إذا ضاق طريقه لا يجب أن يضيق صدره وليجعل نور الله ساطعًا في قلبه رحبًا، بالرضا والمحبة واليقين بأنَّ الله يومًا ما سيفرجها عليه.

"ولتدع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البال، فما بين غمضة عين وانتباهتها يُغير الله من حالٍ إلى حال".

ولجهل بعض الناس وقلة إيمانهم- وأعوذ بالله من الجهل والجهلاء- فإنهم إذا أصابتهم السراء اغتروا وتكبروا وبطروا وتجاهلوا الناس واحتقروا، متناسين أنَّ هناك أناسًا يعرفونهم أرفع منهم شأنًا باتوا تحت الثرى، فأين هم منهم؟!

والشريف إذا نودي تواضع، والوضيع إذا نودي تكبَّر، وإنما لا شيء يدوم في هذه الحياة الفانية، وعجبتُ من الإنسان في فخره وهو غدًا في قبره يُقبر!

ولغرورهم، احتقروا الناس ممن ظنّوا أنهم دونهم، فانتُزعت محبة النَّاس منهم، ومثل ما احتقر المغرورون الناسَ، احتقرهم الناس أكثر. وهؤلاء إذا أصابتهم الضراء يومًا اهتزوا واكتأبوا وسخطوا وكفروا وانكفأوا على أنفسهم خاسئين.

ولا يعتبر البعض العطاء إلا ما طاب له وسره الحصول عليه، أما ما لحقه من ابتلاء فيعتبره شرًا أصابه ومصيبة ألمت به، فيفرح ويغتبط بذاك ويحزن ويسخط لتلك.

ولو رزقه الله المعرفة لأدرك أن الحياة لا يمكن الحصول فيها على كل شيء، لقوله تعالى في كلماته التي تستوعب كل المعاني التامات: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة:155).

وكله خير، السراء والضراء، فليهيئ الإنسان نفسه دائمًا لما تأتي به الحياة، وليثبت شامخًا في كل الأحوال، عزيز النفس ذي رفعة إنسانية عالية، ولا يهن، فمن يهن يسهل الهوان عليه. وليعتز بنفسه دائمًا، وليتقبل ما يأتيه من ضراء أو سراء بروح راضية شاكرة.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلّا كان خيرًا له، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وأن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".

فإذا سلّم الإنسان نفسه لقضاء الله وقدره في الأشياء التي لا يستطيع تغييرها؛ فحتمًا ستغشاه راحة البال وطمأنينة النفس وترك الاعتراض والمعارضة في ما قسّم الله له.

وليجتهد في الأشياء التي يستطيع تغييرها؛ فالحياة مبنية على الاجتهاد والعمل، بما هو صالح لمنفعة الإنسان من أجل الترقي في كل أمور الحياة وتطورها.

ولنعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا أو كذا، وإنما قل: قدّر الله وما شاء فعل".

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا

صراحة نيوز ـ بقلم: جمعة الشوابكة

في العاشر من حزيران من كل عام، لا يمرّ اليوم على الأردنيين مرور الكرام، بل ينبض التاريخ في وجدانهم من جديد. إنه اليوم الذي تختصر فيه الأمة مسيرتها المجيدة بين سطرين خالدين: الثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف الحسين بن علي عام 1916، ويوم الجيش العربي الأردني، حين توحّدت البندقية بالراية، والعقيدة بالوطن.

لم تكن الرصاصة الأولى التي انطلقت من شرفة قصر الشريف في مكة مجرد إعلان تمرّد على الحكم العثماني، بل كانت البيان التأسيسي للسيادة العربية الحديثة، وبداية مشروع تحرر قومي لا يعترف بالتبعية، ولا يرضى بأقل من الكرامة. قاد الشريف الحسين بن علي هذا المشروع بوعي تاريخي عميق، وسلّمه لابنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك، الذي جاء إلى شرقي الأردن مؤمنًا بأن الثورة لا تكتمل إلا ببناء الدولة، وأن الدولة لا تنهض إلا بجيش عقائدي يحمل راية الأمة ويحميها. وهكذا، وُلد الجيش العربي، من رحم الثورة، ومن لبّ الحلم القومي، لا تابعًا ولا مستوردًا، بل متجذرًا في الأرض والهوية.

كان الجيش العربي الأردني منذ تأسيسه أكثر من مجرد تشكيل عسكري، كان المؤسسة التي اختزلت روح الوطن. شارك في معارك الشرف على ثرى فلسطين، في باب الواد والقدس واللطرون، ووقف سدًا منيعًا في وجه الأطماع والعدوان، حتى جاءت اللحظة المفصلية في معركة الكرامة عام 1968، حين وقف الجندي الأردني بصلابة الرجولة خلف متاريس الكرامة، وردّ العدوان، وسطّر أول نصر عربي بعد نكسة حزيران، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه – ليُثبت أن الكرامة لا تُستعاد بالخطب، بل تُنتزع بالدم. لقد كان هذا النصر عنوانًا حيًا للعقيدة القتالية الأردنية، القائمة على الانضباط، والولاء، والثبات، وفهم عميق للمعركة بين هويةٍ تُدافع، وقوةٍ تُهاجم.

وفي قلب هذه المسيرة، وقف الشهداء، الذين قدّموا دماءهم الزكية ليظل هذا الوطن حرًا شامخًا. شهداء الجيش العربي الأردني لم يكتبوا أسماءهم بالحبر، بل خلدوها بالدم، في فلسطين، والجولان، والكرامة، وفي كل ميدان شريف رفرف فيه العلم الأردني. لم يكونوا أرقامًا في تقارير، بل رسل مجدٍ وخلود، يعلّموننا أن السيادة لا تُمنح، بل تُحمى، وأن كل راية تُرفع، تحمل في طياتها روح شهيد.

ومن بين هؤلاء، كان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – أول القادة الذين ارتدوا البزة العسكرية بإيمان وافتخار. تخرّج من الكلية العسكرية الملكية في ساندهيرست، وخدم جنديًا في صفوف جيشه، ووقف معهم في الخنادق، لا على المنصات. كان القائد الجندي، الذي يرى في الجيش رمزًا للسيادة، وركنًا من أركان الدولة، وظل يقول باعتزاز: “إنني أفخر بأنني خدمت في الجيش العربي… الجيش الذي لم يبدل تبديلا.” فارتقى بالجيش إلى مصاف الجيوش الحديثة، عقيدةً وعتادًا، قيادةً وانضباطًا، ليبقى المؤسسة التي لا تتبدل ولا تساوم.

واليوم، يواصل المسيرة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم – الملك الممكِّن والمعزّز – الذي تربّى في صفوف الجيش، وتخرّج من الميدان قبل أن يعتلي عرش البلاد. يرى جلالته في الجيش العربي الأردني شريكًا استراتيجيًا في بناء الدولة، لا مجرد مؤسسة تنفيذية. ولهذا، شهدت القوات المسلحة في عهده قفزة نوعية في الجاهزية القتالية، والتحديث، والتسليح، والتعليم العسكري، حتى أصبح الجيش الأردني عنوانًا للانضباط والسيادة الإقليمية والإنسانية، وصوت العقل في زمن الفوضى.

ويأتي تزامن يوم الجيش مع ذكرى الثورة العربية الكبرى تتويجًا لهذه المسيرة، ليس كمجرد مصادفة تاريخية، بل كتجسيد حي لوحدة الرسالة، واستمرارية المشروع الهاشمي، من الشريف الحسين بن علي، إلى الملك المؤسس عبد الله الأول، إلى الملك الباني الحسين بن طلال، إلى جلالة الملك الممكِّن والمعزّز عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم. فهذه ليست محطات منفصلة، بل خط سيادي واحد، يبدأ بالتحرر، ويُترجم بالجيش، ويُصان بالسيادة. لقد بقي الجيش العربي منذ نشأته على العهد، حاميًا للوطن، وحارسًا للهوية، ودرعًا للشرعية، لا يُبدّل قسمه، ولا يخون ميثاقه.

في العاشر من حزيران، لا نحتفل فقط، بل نُجدد القسم: أن هذا الوطن لا يُمس، وأن هذه الراية لا تُنكّس، وأن هذا الجيش لا يُكسر. من مكة إلى الكرامة، الرصاصة أصبحت جيشًا، والجيش أصبح عقيدة، والعقيدة أصبحت وطنًا لا يُساوم على كرامته، ولا يُفرّط بذرة من ترابه.

مقالات مشابهة

  • رؤية الحج الإنسانية التي تتسع للعالم أجمع
  • خالد الجندي: اللي عليه دين وناوي يطلع يحج مينفعش يروح إلا في حالتين
  • الشورى من عندنا.. والديمقراطية من عندهم!
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (وعن … أنت منو عشان تتكلم..؟)
  • من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
  • من أنوار الصلاة والسلام على سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم
  • أورتاغوس قريباً في لبنان... وهذا ما ستُركّز عليه
  • ⛔ لاحظ التعابير التي استخدمها فيصل محمد صالح في هذا اللقاء
  • “سفارة المملكة في تركيا” تعزي أسرة الطفل المفقود وتبلغهم بالعثور عليه
  • اتقوا الله في الأموات.. مات الإنسان.. لكن الطمع بَقي