كبرى منظمات الإغاثة في السودان تحذر من أزمة جوع “تاريخية”
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
وكالات - أبوظبي
حذرت ثلاث منظمات إغاثة كبرى تعمل في السودان، الثلاثاء، من أزمة جوع ذات مستويات "تاريخية" تشهدها البلاد، حيث أٌجبر العديد من العائلات على أكل أوراق الأشجار والحشرات، منددة بموقف "اللامبالاة" الذي يتخذه المجتمع الدولي.
وفي بيان مشترك، قال كل من المجلس النرويجي للاجئين والمجلس الدنماركي للاجئين ومؤسسة "ميرسي كوربس" العاملة في مجال الإغاثة الانسانية في السودان: "يشهد السودان أزمة جوع ذات مستويات تاريخية غير مشهودة.
وأضافت المنظمات: "إننا ندعو المجتمع الدولي بشكل عاجل إلى معالجة أزمة الجوع الهائلة داخل البلاد"، لافتة إلى أن "الاهتمام والتحرك الدوليين أقل من اللازم ومتأخران للغاية، وحتى الآن لم يتم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية إلا بنسبة 41 في المئة".
وقالت: "من المستحيل أن تعبر الكلمات عن مستوى المعاناة التي تحملها الشعب السوداني في الأشهر الأخيرة .. ولابد أن تنتهي هذه اللامبالاة".
وأفادت المنظمات في البيان بأن أكثر من 25 مليون شخص في السودان - أكثر من نصف سكان البلاد - يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مشيرة إلى أن العديد من العائلات "أُجبرت على أكل أوراق الأشجار أو الحشرات".
ومنذ أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وأسفرت الحرب عن عشرات آلاف القتلى. وفي حين لم تتّضح الحصيلة الفعلية للنزاع، تفيد تقديرات بأنها قد تصل إلى "150 ألفا".
ونزح أكثر من عشرة ملايين شخص داخل السودان أو لجؤوا إلى البلدان المجاورة منذ اندلاع المعارك، بحسب أرقام الأمم المتحدة. وتسببت المعارك بدمار واسع في البنية التحتية للبلاد، وخرج أكثر من ثلاثة أرباع المرافق الصحية عن الخدمة.
وفي بيان الثلاثاء، أوضحت منظمات الإغاثة أن الحرب في السودان دمرت قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية.
وقالت المنظمات: "تحدثت فرقنا في السودان عن الخسائر الهائلة في الأرواح الناجمة عن العنف الشديد، والآن تخبرنا أن من المرجح أن تخلف المجاعة وفيات تتجاوز هذا العدد من القتلى".
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان أکثر من
إقرأ أيضاً:
مقاربات تاريخية في تجارب فترات الانتقال السياسي في السودان
بروفيسور/ عادل علي وداعه (جامعة سنار)
2-1 جبهة الهيئات أكتوبر 1964
الفترات الانتقالية فترات مهمة تنفذ من خلالها مهاما محددة منصوص عليها في وثيقة دستورية أو دستور انتقالي مؤقت، وعبرها يتم وضع الأسس واللبنات الأساسية لبناء وطن مستقر ينعم بالامن والسلام، ولاهمية الفترات الانتقالية يجب أن تشارك وتساهم في انجاز مهامها كل القوى السياسية المؤمنة بالتحول الديمقراطي.
وفي عصرنا الحديث صار الانتقال السياسي علما يدرس في أقسام العلوم السياسية في الجامعات Transitology هدفه تتبع واستقصاء ظاهرة انتقال الدول من نظام سياسي إلى اخر، وازداد الاهتمام بعلم الانتقال في الفترة التي اعقبت نهاية الحرب الباردة وانهيار دول المعسكر الاشتراكي.
وللانتقال السياسي مسميات متعددة ومتداخلة مثل التحديث والتغيير والتحول الديمقراطي، واختلفت رؤى القوى السياسية والمدنية حول مفهوم ومضمون الفترات الانتقالية،فهناك قوى سياسية حصرت مهمة الانتقال في
عمليات اجرائية فنية سريعة وصولا إلى الانتخابات وهو ما يعرف بالانتقال الجزئي، وهناك قوى سياسية اخرى تنشد الانتقال الشامل الرامي إلي قيام نظام سياسي يختلف في جوهره عن النظام القائم بمؤسساته وقوانينه وتوجهاته وثوابته وهو ما يعرف بالانتقال الجذري والذي يستند على الشرعية الثورية.
ومنذ أن نال السودان استقلاله في مطلع عام 1956 مرت عليه أربع فترات انتقالية جاء تكوينها وفقا لترتيبات سياسية معينة. ففي ثورة أكتوبر 1964 تفتقت عبقرية الحركة الجماهيرية السودانية في ابتداعها لصيغة جبهة الهيئات كاداة منظمة وقائدة لثورتها،فقد كانت هذه الجبهة احياءا لصيغة التحالف الوطني العريض المجربة تاريخيا في معركة التحرر الوطني ضد الاحتلال البريطاني، وبدأ تكوين جبهة الهيئات بتحركات أساتذة جامعة الخرطوم مساء يوم الأربعاء 21 أكتوبر 1964 بعد إعلان نبأ استشهاد الطالب أحمد القرشي طه، واعقب ذلك تحركات نقابة المحامين في اليوم التالي. وما كان لثورة أكتوبر أن تأخذ مسارها الصحيح لو لا تصدي جبهات مهنية منظمة لقيادتها،حيث كآنت نقابات العمال واتحادات المهنيين والمزارعين على درجة عالية من الوعي السياسي حققت عبره تلاحما قويا أفضى إلى
تكوين جبهة الهيئات كحاضنة سياسية لثورة أكتوبر 1964.
وتابعت نقابة المحامين ما اسفر عنه اجتماع أساتذة الجامعة وتولى ذلك الأمر عابدين اسماعيل رئيس النقابة وفاروق ابوعيسى سكرتيرها،ويعد ذهابهما إلى جامعة الخرطوم الخطوة الأولى لتجميع القوى النقابية والمهنية وتوحيدها في جبهة واحدة لقيادة الحركة الجماهيرية،وتلا ذلك اجتماع قضاة المحكمة العليا الذي أعلنوا فيه الإضراب،ومن ثم استمر نشاط جبهة الهيئات في متابعة سير الإضراب السياسي العام والعصيان المدني .ففي يوم 25 أكتوبر 1964 عقدت الجبهة اجتماعها الثاني بمشاركة هيئات نقابية جديدة بلغ عددها عشرة وشملت المحامين والأطباء والبيطريين والزراعيين والقضاة واتحاد طلاب جامعة الخرطوم واتحاد مزارعي الجزيرة وطلاب المعهد الفني(جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا ) ،وكان حضور أجسام نقابية جديدة مؤشرا على اتساع قاعدة المشاركة في نشاط جبهة الهيئات،وانبثق من ذلك الاجتماع توقيع الميثاق الوطني(ميثاق أكتوبر ) وتم التوافق عليه نهائيا في 27 أكتوبر 1964 ،وحددت فيه مهام الفترة الانتقالية ومدتها ستة أشهر. وتحت ضغط الإضراب
السياسي والعصيان المدني انهارت حكومة الفريق ابراهيم عبود،وبدأت المشاورات لاختيار رئيس وزراء للحكومة الانتقالية انتهت باختيار سرالختم الخليفة،وتكوين مجلس للسيادة من خمسة أعضاء هم مبارك الفاضل شداد،وابراهيم يوسف سليمان،وعبدالحليم محمد، ولويجي ادوك،والتجاني الماحي ورئاسة المجلس دورية.وعلى الرغم من أن الثقل الأوضح داخل جبهة الهيئات كان لفئات المهنيين والنقابيين غير أن القيادة كانت بأيدي مجموعات سياسية عجزت عن تلبية احتياجات الشارع الثائر،وعليه لم يتحول الثقل الكمي للعمال والمزارعين داخل الجبهة إلى ثقل نوعي ليعطي هذا التحالف العريض طابع الاستمرارية وبالتالي يتحول إلى تحالف استراتيجي،وأخطر من ذلك أن الفصيل العسكري(تنظيم الضباط الأحرار ) والذي لعب دوره في أحداث الثورة لكن دون اندماج عضوي في الجبهة مما ضخم لدى بعض عناصره الشعور بأهمية دورهم الذاتي ورسخ فكرة الاعتماد على هذا الفصيل وحده كوسيلة للتغيير في اذهان بعض المثقفين.
تشكلت حكومة أكتوبر الانتقالية الأولى من ممثل لكل من أحزاب الأمة والوطني الاتحادي والشعب
الديمقراطي وجبهة الميثاق الإسلامي والحزب الشيوعي السوداني،كما ضمت سبعة وزراء يمثلون النقابات والاتحادات المهنية،ووزيرين من الجنوب ومن بين السبعة وزراء المهنيين السكرتير العام لاتحاد نقابات عمال السودان ورئيس اتحاد مزارعي الجزيرة،ودل هذا التكوين على اعتراف القوى التقليدية بدور القوىالحديثة في معركة التغيير،غير أن ذلك لم يستمر طويلا إذ بدأت معارضة الأحزاب التقليدية تتشكل وتتبنى موقفا مناهضا للحكومة بحجة أن اليسار ومن خلال جبهة الهيئات نال تمثيلا كبيرا فارتفعت الأصوات المطالبة بتعديل الوزارة الانتقالية مما دفع رئيس الوزراء لأن يتقدم باستقالته في 18 ديسمبر 1964 .
كلف مجلس السيادة سرالختم الخليفة بتاليف وزارة جديدة تستبعد منها القوى النقابية ،واعلن عن هذه الوزارة رسميا في يوم 23فبراير 1965 وتكونت حكومة أكتوبر الانتقالية الثانية من ثلاثة ممثلين لاحزاب الأمة والوطني الاتحادي وثلاثة للجنوبيين وممثل لجبهة الميثاق الإسلامي وتركت ثلاثة مقاعد شاغرة لحزب الشعب الديمقراطي ومقعد للحزب الشيوعي السوداني اللذين رفضا المشاركة اعتراضا على حل الحكومة الأولى.
شهدت الفترة الانتقالية رغم قصرها تنافسا سياسيا واجتماعيا حادا والتنافس في حد ذاته سمة طبيعية من سمات فترات الانتقال وكان بالامكان ضبط ذلك التنافس لصالح نجاح الفترة الانتقالية،ولكن عجزت حكومتا أكتوبر في تطوير الإجماع السياسي لبناء نظام سياسي مستقر رغم ان ميثاق أكتوبر حمل نصوصا ثورية،فالثورة أثبتت إمكانية إسقاط السلطة العسكرية عن طريق المواجهة الشعبية السلمية وطرحت في الوقت نفسه القضايا الجوهرية للمرحلة وفي مقدمتها الديمقراطية بابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
adilali62@gmail.com