السودان.. القصف والجوع يفتكان بالعالقين في القتال
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
سكاي نيوز عربية - أبوظبي
لم يتفاجأ العشرات من المصطفين للحصول على وجبة خيرية في أحد أحياء مدينة أم درمان شمال العاصمة السودانية الخرطوم، عندما أبلغهم فريق متطوعي الحي بإلغاء الوجبة اليومية التي يقدمونها لأنهم مشغولون بالتجهيز لدفن زميل لهم قتل للتو في قصف استهدف الحي.
فمشاهد الموت تتكرر يوميا وسط مهددات خطيرة تواجه العالقين، وصعوبات كبيرة في الحصول على وجبة واحدة تبقيهم على قيد الحياة إذا ما كتبت لهم النجاة من عمليات القصف اليومي المستمر بين طرفي القتال.
وفي الواقع، يجد المتطوعون في أحياء مدن العاصمة الثلاثة أنفسهم منقسمين بين محاولات دفن الموتى وإنقاذ الجرحى وإعداد الوجبات البسيطة للسكان الذين يواجه أكثر من 90 بالمئة منهم صعوبات كبيرة في الحصول على وجبة واحدة في اليوم.
مشهد معتاد
يؤكد أحمد عبدالله وهو أحد المتطوعين الذين يشرفون على عمليات مساعدة العالقين في منطقة الثورات بأم درمان، أن مشاهد المعاناة والقتل أضحت أمرا اعتياديا بالنسبة للمتبقين من سكان العاصمة والمقدر عددهم بأقل من مليون مقارنة مع نحو 8 ملايين قبل اندلاع القتال في منتصف أبريل 2023.
ويوضح لموقع "سكاي نيوز عربية": "شظايا القصف تودي يوميا بحياة العشرات، بالأمس فقدنا زميل لنا في فريقنا الطوعي حيث قتل في قصف استهدف الحي لينضم إلى نحو 100 ألف من ضحايا الحرب، قتل أكثر من 80 بالمئة منهم بالقصف المدفعي والجوي الذي يستهدف الأحياء السكنية، في حين راح البقية ضحية للجوع وانعدام الرعاية الصحية".
أوضاع خطيرة
يحذر المحامي والحقوقي معز حضرة من خطورة الأوضاع التي يواجهها العالقون في مناطق القتال والتداعيات الكارثية للحرب.
ويقول حضرة لموقع "سكاي نيوز عربية": "طرفا الحرب يرتكبان انتهاكات كبيرة وخطيرة ويتجاهلان قواعد وأسس القانون الدولي الإنساني المتعلقة بحماية المدنيين المنصوص عليها في اتفاقية جنيف لسنة 1949".
ويشير حضرة إلى أن سكان عدد من أحياء العاصمة مثل حي "شمبات" في منطقة الخرطوم بحري، ظلوا يدفعون ثمنا غاليا لتمسكهم بالبقاء في بيوتهم.
ويضيف: "إلى جانب المخاطر الناجمة عن القصف العشوائي الذي يودي بحياة العشرات يوميا، يواجه العالقين صعوبات كبيرة في التأقلم مع النقص الحاد في الطعام والمياه الصالحة للشرب وانقطاع الكهرباء لشهور عدة".
ويوضح حضرة: "ظل السكان العالقين يعتمدون علي التكايا الخيرية لتوفير القليل من الوجبات اليومية، لكن هذه التكايا تعاني من نقص التمويل وارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تضاعف بعضها أكثر من ثماني مرات إضافة إلى المهددات الأمنية الخطيرة التي تواجه المتطوعين العاملين فيها".
انتهاكات كبيرة
كشف تقريران دوليان عن انتهاكات كبيرة يرتكبها طرفا القتال في حق المدنيبن.
وتزامن التقريران مع تدهور مريع في الأوضاع الإنسانية وارتفاع كبير في عدد قتلى الحرب من المدنيين الذين قدرتهم مؤسسة "جينوسايد ووتش" بنحو 150 ألف، ودخول أكثر من 25 مليون من سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون نسمة في دائرة الجوع.
وأكد تقرير فريق تقصي الحقائق التي شكلته لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أن أطراف الحرب ارتكبوا انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني.
وشدد الفريق على استحالة إنهاء معاناة المدنيين العالقين في مناطق القتال دون وقف الحرب بشكل نهائي.
وفي ذات السياق، اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" طرفي النزاع بارتكاب "جرائم حرب" في حق المدنيين.
ومع تطاول أمد الحرب وتمددها في 14 ولاية من ولايات البلاد الثمانية عشر بما في ذلك ولايات دارفور والخرطوم والجزيرة التي يعيش فيها نصف سكان البلاد تزايدت الخسائر البشرية بشكل كبير.
الموت جوعا ومرضا
في ظل خروج أكثر من 80 بالمئة من المستشفيات عن الخدمة، تتزايد الوفيات بسبب انعدام الرعاية الصحية ونقص الأدوية خصوصا في أوساط الأطفال وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة مثل الكلى والسكري وغيرها من الأمراض التي تحتاج إلى رعاية سريعة ومتواصلة.
وفي الجانب الآخر، تتسع يوميا دائرة المجاعة التي طالت حتى الآن أكثر من نصف السكان.
وتتفاقم أزمة الجوع أكثر في أوساط العالقين في مناطق القتال والذين يعاني أكثر من 60 بالمئة منهم من فقدان مصادر الدخل تماما بسبب الحرب.
كما تعاني نسبة كبيرة من العالقين من ضعف القدرة الشرائية في ظل الارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية وتآكل قيمة الجنيه السوداني حيث يتم تداول الدولار الواحد عند 2700 جنيها مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العالقین فی بالمئة من أکثر من
إقرأ أيضاً:
السودان على حافة الانهيار الاقتصادي والفقر يهدد غالبية السكان (تقرير)
في أحدث تحذير دولي، كشف البنك الدولي عن استمرار تدهور الاقتصاد السوداني على نحو غير مسبوق، مؤكدًا أن البلاد تمر بواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والإنسانية في تاريخها الحديث، وذلك بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب في أبريل 2023.
وفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر في 10 يونيو 2025، بعنوان "العواقب الاقتصادية والاجتماعية للنزاع: رسم طريق للتعافي"، فإن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسودان انكمش بنسبة 13.5% خلال عام 2024، بعد انكماش كارثي بلغ 29.4% في العام 2023. ويعكس ذلك استمرار انهيار النشاط الاقتصادي في مختلف القطاعات، لا سيما الزراعة والخدمات.
ارتفاع الفقر والبطالةقدّر التقرير أن نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع – أي بأقل من 2.15 دولار يوميًا – وصلت إلى 71% بنهاية 2024، مقارنة بـ33% فقط في عام 2022. كما ارتفعت معدلات البطالة بشكل حاد من 32% إلى 47%، ما يفاقم المعاناة المعيشية ويزيد من مستويات الهشاشة الاجتماعية.
نزوح جماعي ومجاعة وشيكةأكد التقرير أن الحرب أدت إلى أكبر موجة نزوح داخلي في العالم خلال العامين الماضيين، حيث اضطر أكثر من 12.9 مليون سوداني إلى مغادرة مناطقهم، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية. كما تم تسجيل حالات مجاعة فعلية في بعض المخيمات، خاصة في أغسطس 2024، ما يضع البلاد على شفا كارثة إنسانية.
تضخم وانهيار ماليأشار البنك الدولي إلى أن التضخم بلغ 170% في عام 2024، في ظل انهيار شبه كامل للجنيه السوداني، وتراجع الإيرادات الحكومية إلى 4.7% فقط من الناتج المحلي، مقارنة بـ10% في 2022. هذا الانخفاض الحاد في الموارد العامة قلّص قدرة الدولة على تمويل الخدمات الأساسية، بما فيها الصحة والتعليم.
الزراعة مفتاح التعافي.. ولكن
رغم حجم الكارثة، رأى البنك الدولي أن القطاع الزراعي لا يزال يشكل الأمل الأبرز في عملية التعافي، إذ يمثل 35% من الناتج المحلي ويوفر أكثر من 40% من فرص العمل. لكن التقرير أشار إلى أن الزراعة تأثرت بشدة نتيجة القتال في ولايات زراعية رئيسية مثل الجزيرة، حيث انخفض إنتاج الحبوب بنسبة 46% في عام 2023 مقارنة بالعام الذي سبقه.
خارطة طريق لإنقاذ السودان
أكد التقرير أن عودة السودان إلى مستويات ما قبل الحرب لن تكون ممكنة قبل عام 2031 على أقل تقدير، ما لم يتم إنهاء النزاع المسلح وتنفيذ إصلاحات هيكلية عميقة. وتشمل التوصيات الأساسية:
استئناف مبادرة إعفاء ديون الدول الفقيرة (HIPC).
توحيد سعر الصرف وتجنب دعم السلع بصورة غير مستدامة.
تحويل الإنفاق من المؤسسات العسكرية إلى القطاعات الاجتماعية والإنتاجية.
الاستثمار في التعليم والصحة والزراعة لإعادة بناء رأس المال البشري.
في النهاية البنك الدولي بمثابة ناقوس خطر يدعو السودانيين والمجتمع الدولي إلى التحرك السريع، فالسودان اليوم لا يواجه فقط أزمة اقتصادية، بل يقف على شفا انهيار شامل ما لم تتوقف الحرب وتُوضع خارطة طريق واضحة نحو السلام والتنمية المستدامة.