سياسة ستارمر التي نجحت في توحيد الإسرائيليين والفلسطينيين
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
هل تقترب جائزة نوبل السلام من كير ستارمر قبل الأوان؟ هل بوسع رئيس الوزراء البريطاني الجديد أن يتجاوز إنجاز باراك أوباما الذي اقتنص الجائزة ولم يمض على توليه السلطة 10 شهور؟ يثار هذا السؤال لأن حكومة حزب العمال نجحت في مهمة ظن الكثيرون أنها مستحيلة، وهي توحيد الجانبين فيما قد يكون أكثر صراعات العالم مرارة.
حدثت نقطة التلاقي بسب تعليق بريطانيا ثلاثين من تراخيص تصدير الأسلحة لإسرائيل، وهو قرار اتخذته الحكومة بعد أن رأت «خطرا واضحا» من احتمال أن تستعمل المعدات المبيعة ـ وهي طائرات حربية ومروحيات ومسيرات ومعدات استهداف ـ في انتهاكات للقانون الإنساني الدولي.
بالنسبة لأحد الجانبين كان التوقيت من العوامل التي أدت إلى تعميق الإساءة. ففي اللحظة التي صدر فيها الإعلان عن مجلس العموم البريطاني، كانوا يدفنون موتاهم في القدس. وحينما كان وزير الخارجية واقفا على قدميه، كان والدان ـ على بعد آلاف قليلة من الأميال ـ يودعان ابنهما الشاب البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما، مع خمس رهائن آخرين، قُتلوا في نفق بغزة قبل أيام قليلة.
ذلك التزامن وحده، الذي تجسد في الشاشة المنقسمة، هو السبب فيما تعرضت له حكومة حزب العمال من هجوم. إذ وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الخطوة بـ«المخزية»، وقال كبير الحاخامات في بريطانيا إنها خطوة «تستعصي على التصديق». وانتهز رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون الفرصة فتساءل إن كان لامي وستارمر «يريدان أن تنتصر حماس».
افترض كثير من أولئك المنتقدين أن حكومة العمال تتصرف بوازع من حسابات سياسية، غايتها هي استمالة اليسار الذي أغضبته حرب إسرائيل على حماس طوال قرابة العام، بعد أن أظهر اليسار عضلاته في الانتخابات العامة، إذ استولى المرشحون المستقلون الموالون لغزة على حفنة مقاعد من حزب العمال واقتربوا من ذلك في العديد من المقاعد الأخرى. ولو أن ذلك كان الهدف، فقد فشل فشلا ذريعا. لأن ذلك المعسكر بلغ من لذوعة الإدانة مثل ما بلغه المعسكر المناظر في الجانب الآخر، إذ أدان الحكومة لأنها بهذه الخطوة لم تفعل غير أقل القليل، تاركة نحو ثلاثمائة وعشرين ترخيصا دونما مساس بها. ووصفت منظمة العفو الدولية قرار السماح باستمرار إمداد إسرائيل بقطع غيار طائرات إف 35 المقاتلة ـ ولو بشكل غير مباشر ـ بـ«القرار الكارثي»، في حين وصفت «حملة مناهضة تجارة الأسلحة» القرار بـ«الشائن وغير المبرر».
كيف انتهت هذه الحكومة إلى هذه النقطة، ملومة من الطرفين؟ تنبئنا الإجابة بشيء مهم عن كل من هذه الحكومة الجديدة وكيف أن أمثالها من الإدارات في العالم مما يتألف من أحزاب يسار الوسط تجاهد بمشقة غير مسبوقة النظير للتحرك عبر تضاريس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دائمة الخطورة في هذا الطور الأخير من حكم نتنياهو.
سيجد من يتحدث إلى المقربين من عملية صنع القرار في الحكومة أنهم مصرون على أن كل الحديث عن الإشارات والتبادلات السياسية إنما هو حديث في غير موضعه، وإن الأمر لا يتعلق بالفاعلين السياسيين إذ يلتقون ويدبرون كيفية إدارة حزب العمال لائتلاف انتخابي، ولكنه أمر أكثر مباشرة من ذلك، فهو بالأساس عملية قانونية يقودها مسؤولون ويديرونها على النحو الصحيح.
وفقا لهذه الرواية، لم يكن هناك قرار أصلا ليتخذ. ثمة سياسة قائمة، سياسة أسبق من هذه الحكومة، والوزراء مرغمون على اتباعها. وفي جوهر هذه السياسة «تحليل قانوني محض» هو الذي يؤدي ـ في حالة إشارته الواضحة إلى مخاطرة جلية باستعمال هذا العنصر أو ذلك في انتهاك القانون الإنساني الدولي ـ إلى ألا يبقى أمام الوزراء خيار إلا تعليق ترخيص بيع ذلك العنصر.
وفقا لهذه الرواية، كان عدد التراخيص المعلقة مسألة تقنية أيضا. فهو لم يكن نتيجة لاختيار لامي رقما عشوائيا، مرتفعا بالقدر الذي ينبه إسرائيل، ومنخفضا بالقدر الذي يجتنب صدعا دبلوماسيا. ولكنه رقم توصل إليه تقدير المسؤولين للأجزاء الدقيقة من المعدات التي قد تتصادم مع القانون الإنساني الدولي ولا تشملها أي استثناءات قائمة. أما عن التوقيت، فالحكومة تقول إن ذلك لم يكن أكثر من مسألة تتعلق باتباع القواعد: ففور اتخاذ القرار، كان لا بد من إعلام البرلمان به عند أول فرصة تسنح لذلك، أي يوم الاثنين. والنتيجة غضب في كل اتجاه.
وحتى الذين يدعمون القرار يسلّمون بأن التوقيت كان شنيعا. صحيح أنه ما من يوم مناسب لإعلان كذلك، فمنذ السابع من أكتوبر لم تمض إلا أيام قليلة دون أن يدفن أب ـ إسرائيلي أو فلسطيني ـ ابنا له فيها. لكن جنائز يوم الاثنين كانت لحظة توتر خاص، وذلك جزئيا لأن أحد الذين لقوا مصرعهم، وهو هيرش جولدبرج بولين، صار له موضع خاص لا بالنسبة لإسرائيل وحدها وإنما بالنسبة لليهود في العالم كله.
ويرجع بعض أسباب هذا إلى أن والدي هيرش أقاما حملتهما العالمية من أجل إنقاذه باللغة الإنجليزية، ويرجع أيضا إلى أن الأبوين أصرا دائما، وبصورة استثنائية، على ألا يقصرا حديثهما على ألمهما، وإنما شملا آلام الثكلى من الفلسطينيين في غزة أيضا. وقد تكلم والد هيرش في مؤتمر الحزب الديمقراطي الأمريكي بشيكاغو الشهر الماضي عن «فائض الألم» لدى الإسرائيليين والفلسطينيين قائلا إن المتاح منه يكفي الجميع.
ولذلك كان إعلان هذه الإجراءات بينما يسجى جثمان هيرش تحت التراب أمرا لا يمكن أن يمر مرور الكرام، شأنه شأن غضب الغاضبين لمقتل أربعين ألفا في غزة الذي ما كان له أبدا أن يهدأ بتعليق محض عُشر تراخيص الأسلحة البريطانية لإسرائيل. صحيح أنه كان ثمة داع إضافي للعجلة يتمثل في أن نظام مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل كان مقررا أن تنظره المحكمة في يوم الثلاثاء التالي مباشرة، وهي مواجهة قانونية كان يرجح أن تخسرها الحكومة ما لم تسبق المحكمة بالتحرك. لكن من المؤكد أنه كان يمكن القيام بذلك في ساعة مختلفة.
ومع ذلك، لا ينبغي لشيء من ذلك كله أن يلهينا عن النقطة الرئيسية في الموضوع. لدينا الآن حكومة تتعامل مع القانون بجدية، ولا تمن على نفسها ـ شأن الحكومة السابقة ـ بمساحة للمناورة حين تنعدم المساحة للمناورة. ولا شك أن هذا الأمر يتم تحديده من القمة، على يد قانوني جاد يؤمن بأن سيادة القانون تعلو على ما عداها. وهذا جدير بالإعجاب.
غير أنه لم يؤد إلى كثير من الإعجاب. وذلك أحدث دليل على مدى الصعوبة التي باتت تواجه ساسة يسار الوسط من أمثال لامي وستارمر حيال التعامل مع القضية الإسرائيلية الفلسطينية التي لم تكن يسيرة قط. واقرأوا خطاب وزير الخارجية أمام مجلس العموم لتروا بأعينكم كفاحه لكي يؤكد أنه يريد الخير للشعبين. فقد قال إن الهدف هو «الأمن، والسلامة، والسيادة لكل من إسرائيل ودولة فلسطينية». ووجهت كامالا هاريس رسالة مماثلة في شيكاغو: دعم لا يتزعزع لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مع مطالبة «بأن يتسنى للشعب الفلسطيني أن يدرك حقه في الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير».
لقد مر وقت كان بوسع الحكومات الإسرائيلية فيه أن توافق على مثل هذه التصريحات المتوازنة. وبرغم كل الإدانات الصادرة عن مؤسسات رسمية لا يزال كثير إن لم يكن جميع يهود الشتات في بريطانيا وغيرها يتبنون هذه التصريحات. حتى نتنياهو نفسه كان في وقت ما يتقبلها على مضض، وذلك قديما حينما كان يشعر أنه مضطر لادعاء دعم حل الدولتين. لكن قلب حكومته النابض اليوم هما اليمينيان المتطرفان الوحشيان إيتامار بن جيفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذان يريان أن الدور الوحيد للفلسطينيين هو أن ينزاحوا من طريقهما. وفي هذا الواقع، يكون أي تنازل لاحتياجات الطرف الآخر، حتى حينما يفرضه القانون، بمثابة الخطر أو التهديد، بل والخيانة.
وهذا لا يمثل صعوبة كبيرة للساسة اليمينيين القوميين. فبوسع دونالد ترامب أن يميل بثقله إلى أحد الجانبين، أي إسرائيل، ويتظاهر أن الطرف الآخر ليس له وجود. أما أمثال ستارمر وهاريس، فالأمر أصعب بلا حدود، ومؤلم ألما لا نظير له.
جوناثان فريدلاند من كتاب الرأي في جارديان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حزب العمال لم یکن
إقرأ أيضاً:
العدو الذي يتحدث لغتك.. خطة إسرائيل الجديدة لاختراق المجتمعات
في محاولة للتمدد داخل المجتمعات العربية، يعمل الاحتلال الإسرائيلي على صناعة جيل من عناصر الاستخبارات والجنود المتحدثين بالعربية بلهجاتها المتنوعة، كأداة اختراق تتجاوز البندقية والدبابة إلى محاولة السيطرة على العقول.
"إسرائيلي يتحدث لهجتك، يغني أغانيك، ويردد أمثالك الشعبية" مشهد بات يتكرر في مقاطع فيديو ينشرها إعلام الاحتلال، ضمن خطة مدروسة للتأثير على الرأي العام العربي وتحويل مجرم الحرب إلى وجه مقبول.
ومهمة الجيل الجديد هي كسر الحواجز النفسية مع الشعوب العربية، وتهيئة الأرضية لاختراقات ثقافية وأمنية أشد خطورة من الحرب التقليدية، وفق ما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية.
بعد فشل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في التنبؤ بعملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شرعت إسرائيل في إعادة تقييم أدواتها الاستخبارية وأساليبها في جمع المعلومات.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية -في تقرير نشرته في الثامن من يوليو/تموز الجاري- عن تكثيف إسرائيل جهودها في تدريب كوادر بشرية متخصصة في اللغات واللهجات المحلية بهدف تعزيز قدراتها الاستخبارية بعد إخفاقات أكتوبر/تشرين الأول.
وقد أقرت الأجهزة الأمنية ضرورة العودة إلى الأدوات التقليدية، كاللغة وتفعيل الجواسيس على الأرض، إلى جانب استخدام التكنولوجيا المتطورة لمراقبة الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل أكثر فاعلية.
وبناءً على ذلك، أطلقت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" برامج تدريبية مكثفة تستهدف شبابًا أنهوا دراستهم الثانوية حديثًا، حيث يتم اختيارهم لتعلم لغات ولهجات محددة، حسب الاحتياجات الأمنية. وتستغرق هذه الدورات حوالي 6 أشهر.
إعلانوهو ما أكد عليه ضابط إسرائيلي برتبة مقدم، رمزت له الصحيفة بالحرف (ح) والذي قال إن الحرب الدائرة في غزة أظهرت أنه "لا يمكن الاستغناء عن الأذن التي تلتقط النبرة، والعين التي تفسر التعبيرات والسلوكيات" مضيفًا أن هذا التوجه سيمتد للسنوات القادمة من خلال تعزيز وتوسيع منظومة كوادر اللغة داخل المؤسسة الأمنية.
وتعود مدارس اللغات التي تديرها "أمان" إلى بدايات تأسيس الشعبة، لكنها تشهد توسعًا كبيرًا حاليًا لتلبية متطلبات "الجبهات المشتعلة" حيث يتعلم مئات المجندين سنويًا لغات ولهجات متنوعة تشمل السورية واللبنانية والفلسطينية والعراقية والبدوية، وقبل 18 شهرا أضيفت اليمنية إلى القائمة، مما يعكس اهتمامًا غير مسبوق بتنوع اللهجات العربية.
ويتجاوز التدريب الجانب اللغوي ليشمل مواد نصية وصوتية مستمدة من الواقع العملياتي مثل محادثات حديثة أو تقارير إخبارية، وذلك للحفاظ على التأهب العملي لدى المتدربين، كما يتعرض المتدربون لتعبيرات يومية وأغانٍ ومقاطع فيديو من شبكات التواصل لإتقان النبرة واللهجة بشكل طبيعي، وفقا للصحيفة.
اختراق ثقافيلا يتوقف التدريب عند اللغة وحدها، بل يدمج بين الجانب اللغوي والتحليل الثقافي والسياسي، إذ يتعلم عناصر الاستخبارات المستقبليون قراءة ما بين السطور، وفهم أنماط التفكير والعادات المحلية، بحسب يديعوت أحرونوت.
ورغم أهمية اللغة، يوضح الضابط (ح) أن الهدف ليس فقط بناء "مترجمين" بل عناصر استخبارات تجمع بين القدرة اللغوية وفهم الثقافة والمجتمع والسياسة المحلية، مشددًا على أنه "لكي تكون رجل استخبارات جيدًا يجب أن تدرس النظريات، والثقافة (..) والقيم التي تشكل أساس رؤيتهم للعالم".
وقال الضابط المقدّم المسؤول عن مدرسة اللغات في شعبة الاستخبارات العسكرية -في حديثه عن دروس السابع من أكتوبر/تشرين الأول- أن أحد الاستنتاجات الأساسية من الهجوم المفاجئ هو الحاجة الماسة إلى زيادة عدد المتخصّصين في اللغات ضمن المنظومة الأمنية.
يُشار إلى أن تقارير إسرائيلية أكدت أنه كانت يُفتقر لمعلومات استخباراتية في اليمن بالتحديد، كونها لم تتوقع دخول جماعة أنصار الله (الحوثيين) في معارك ضدها كما حدث في جبهة الإسناد الحالية. وهو ما استدعى تجنيد إسرائيليين من أصول يمنية، من اليهود الذين وصلوا حديثا لإسرائيل ويجيدون العربية واللهجة اليمنية، للمساعدة في جمع معلومات استخباراتية عن الحوثيين، وفق صحيفة معاريف الإسرائيلية.
وفي إطار الإصلاحات التي تبنتها قيادة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بعد "طوفان الأقصى" أصدرت تعليمات بعمل دورات في الثقافة الإسلامية واللغة العربية بدءًا من مرحلة ما قبل التجنيد وصولًا إلى تدريب الضباط. وتهدف هذه المبادرة إلى تزويد الأفراد العسكريين والجنود والقادة المستقبليين بالكفاءة اللازمة لفهم المجتمعات العربية بشكل أعمق، بحسب إذاعة جيش الاحتلال.
ووفقًا لتقرير نشره موقع "ذا ديفنت بوست" في 16 يوليو/تموز الجاري، فإن جميع أعضاء شعبة الاستخبارات العسكرية سيخضعون لتدريب في الدراسات الإسلامية، وسيتلقى نصفهم تدريبًا في العربية بحلول العام المقبل.
إعلان سلاح خفيفي السنوات الأخيرة، اتضح أن إسرائيل باتت تستخدم إستراتيجيات ناعمة ترتكز على الجانب النفسي والثقافي، الهدف منها كسر الحواجز النفسية واختراق الوعي الجمعي، مما يسهل عليها نقل رسائلها وتأثيرها بالمجتمع العربي دون إثارة مقاومة واضحة.
ويتفق الخبير النفسي عبد الرحمن مزهر مع ذلك، ويقول إنها خطوات نحو محاكاة أنماط السلوك والتعبيرات العربية اليومية، مما يجعلها تظهر كجزء من النسيج الاجتماعي المستهدف.
ويوضح مزهر أن هذا الانخراط اللغوي والثقافي يقلل الفجوة النفسية بين الطرفين، إذ إن اللهجة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل تعبر عن الهوية والشخصية. وعندما يتحدث شخص غريب باللهجة نفسها، يشعر المستمع بحالة من الألفة والقبول اللاواعي، مما يسهل قبول رسائل العدو دون وعي.
ويشير الخبير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن هذه العمليات النفسية تؤسس لتطبيع عاطفي مع الطرف الآخر، يجعل من السهل تمرير أفكار سياسية وثقافية عبر قنوات تبدو طبيعية ومألوفة، مثل ارتداء بعض الإسرائيليين لباسا عربيا تقليديا، والترويج لأطعمة عربية على أنها جزء من المطبخ الإسرائيلي، كممارسات تهدف إلى تشويش الهوية وإعادة تشكيل الصور الذهنية.
ويعتبر مزهر أن هذا "السلاح الناعم" أكثر خطورة من السلاح التقليدي، لأن الأخير معروف وتتم مواجهته برفض ومقاومة، أما السلاح الناعم فيتسلل بسلاسة ليعيد تشكيل المفاهيم والقيم داخل المجتمع، دون أن يشعر المتلقي بخطورته أو يدرك طبيعة تأثيره الحقيقي.
من أجل تعزيز التواصل مع الجمهور العربي، أنشأت الخارجية الإسرائيلية صفحات رسمية لكبار المسؤولين بالعربية على منصات التواصل، وصفحات بعض السفارات في دول عربية مثل مصر والأردن.
وتعتمد إسرائيل على وسائل إعلام ناطقة بالعربية منذ تأسيس إذاعة "صوت إسرائيل" التي بدأت العمل بموجب قانون سلطة البث لعام 1965، والذي نص على أن تعمل الإذاعات بالعربية لخدمة المواطنين العرب (الفلسطينيين) داخل إسرائيل، وتعزيز التفاهم والسلام مع الشعوب العربية المجاورة.
ومع ظهور ثورات الربيع العربي، تغيرت الصورة التقليدية لهذه الوسائل الإعلامية، إذ أدركت إسرائيل -كما الأنظمة العربية- أهمية وتأثير مواقع التواصل على الشباب العربي، لذا اتجهت نحو استخدام صفحات التواصل والمتحدثين العرب بهدف كسر الحواجز النفسية والثقافية مع الجمهور العربي الشاب.
ومن أبرز الشخصيات التي تتفاعل بالعربية بشكل مستمر مع الجمهور العربي أفيخاي أدرعي (المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال) والذي يحرص على التفاعل المباشر مع المتابعين على فيسبوك وتويتر، من خلال تهنئة المسلمين بالأعياد، ودعاء قبول الصلاة في منشورات مثل "جمعة مباركة".
كما ينشر صورا له من أماكن مختلفة بالأراضي المحتلة، رغم أن هذه المنشورات غالبا ما تتلقى تعليقات ساخرة من الجمهور العربي.
ويرى المنسق العام لتنسيقية مقاومة الصهيونية والتطبيع أنس إبراهيم أن مشروع الاحتلال الإسرائيلي لإنتاج جيل من المتحدثين الرسميين بالعربية بلهجاتها المتنوعة -من الخليج إلى الشام فالمغرب- ليس مسألة لغوية أو تواصلية بريئة، بل هو جزء من خطة عميقة تستهدف بنية الوعي العربي، وتهيئة الأجيال القادمة لتقبّل الكيان الصهيوني كجزء طبيعي من نسيج المنطقة.
ويقول إبراهيم في حديثه للجزيرة نت إن "الرسالة الأساسية التي يسعى الاحتلال لبثّها هي أنه ليس كيانًا غريبًا أو طارئًا، بل هو كيان مألوف يفهم العرب أكثر مما يفهمون أنفسهم. وعندما يتحدثون مثلنا فإنهم يخفون حقيقتهم الاستعمارية خلف قناع التفاعل الإنساني، في محاولة لكسر الصورة النمطية للعدو".
إعلانويرى أن أخطر ما في هذه السياسات أنها تُنتج استعمارًا ناعمًا يفتك بالعقول والقلوب قبل الأرض، فالاحتلال لم يعد يعتمد فقط على القوة المسلحة، ولهذا فإن مقاومة هذا المشروع تبدأ من الوعي، وحماية الهوية، وتمتين المناعة النفسية والثقافية، لأن ما لا نرفضه اليوم بوضوح سنعتاده غدا بصمت، على حد تعبيره.