السودان بين نهري النيل وشاري.. أو «في سيرة السودان والسودان الغربي» «3-3»
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
محمد بدوي
(١٢)
المشتركات التاريخية بين السودان وتشاد جعل قبرالاب الروحي لسلطنة المساليت السلطان تاج الدين، في مدينة ابشي بينما احتضن أديم مدينة الجنينة بالمسجد الكبير قبري ابنه وحفيده السلطان بحرالدين، وعبدالرحمن، ثم في حرب أبريل ٢٠٢٣ احتضنت الجنينة قبر الأمير طارق عبدالرحمن بحرالدين، بعد أن قتل بعد التعرف عليه من قبل قاتليه والحوار معه حول توجهه السياسي، وفقا لرواية شهود عيان لهم جميعا الرحمة والمغفرة جاء قتل الأمير طارق بعد أن تم اقتحام مقار سكن (حوش السلطان) بحي المجلس بالجنينة حيث تقيم أسرة السلطان الممتدة، كما أعتقل في الاحداث الأمير أسعد بحرالدين، وياسر يحيي بن أخته قبل إطلاق سراحهما لاحقا في مساء ذات اليوم.
(١٣)
في ذات الثاني عشر من مايو ٢٠٢٣ الذي تم فيه الهجوم علي حوش السلطان، الي جانب القتل والترويع، تم السرقة تحت تهديد السلاح للممتلكات، شملت ما لا يقل عن ثمان سيارات، وكمية من ذهب الزينة الخاص بنساء وفتيات الحوش، والكثير من الاموال المنقولة.
امتد الانتهاكات إلي سرقة خمسة سيوف التاريخية التابعة لسلطنة المساليت وهي الذهب والفضة بالإضافة الي زي التنصيب السلطاني، الذي كان قد ارتداه السلطان بحرالدين، مثل ذلك الحدث الثاني عقب سرقة مقتنيات متحف السلطان بحرالدين الكائن بحي الجبل الأمير بالجنينة في ٢٠٢١ بالتزامن أحداث معسكر كريندق -٢.
(١٤)
تواريخ الصراعات السياسية والظروف الطبيعية، دفعت بهجرات مواقيت مختلفة بين السودان وتشاد، المجاعة التي ضربت إقليم غرب أفريقيا في ١٩٧٠ دفع بهجرات نحو السودان من الغرب الأفريقي، أمتد بعضها عبر الكاميرون إلي شرق أفريقيا حيث دول الكنغو ويوغندا، ثم الحرب التشادية الليبية في السبعينات كان احدي تلك المحطات تلتها مجاعة ١٩٨٤ التي عززت من الهجرة نحو مدن دارفور والاقليمين الاوسط والشرقي آنذاك، هذه الهجرات اغلبها للمجموعات مشتركة قسم وجودها بين الدولتين ترسيم الحدود، فإقليم وداي بتشاد يحتضن المساليت، الزغاوة، التاما، البرقو، الميمي الذين يعرفون في السودان بالميما، الرزيقات، الاسنقور احد فروع الايرنقا، القرعان والمراريت ومجموعات أخري وهي بالمقابل تمثل امتداد لذات المجموعات على الجانب السوداني.
الحركة السياسية من السودان إلي تشاد حملت الرئيس الأسبق حسين هبري ١٩٨٤ رئيسا ثم في العام ١٩٩١ تكرر الحال مع الرئيس السابق الراحل إدريس ديبي الذي كان يقيم بمدينة الفاشر قبل تحركه نحو كرسي السلطة قي تشاد.
في ٢٠٠٨ تحركت حركة العدل والمساواة نحو أمدرمان من محورين وادي هور ومن داخل الأراضي التشادية، العديد من قادة المعارضة التشادية بما فيهم الابرز محمد نور ظلوا بالسودان، لكن جاء التحركات النشطة في الفترة ٢٠٠٦ -٢٠٠٧ التي شهد فيها القصر الرئاسي بانجمينا حصارا، ثم في ٢٠١٠ تحركوا في مساحات واسعة على الشريط الحدودي داخل السودان.
في ١٩٩٦ عقب أحداث بيضة بغرب دارفور لجا العديد من المدنيين إلي تشاد، تلي ذلك الأحداث الواسعة في ٢٠٠٣، ثم عودة جزئية للبعض عقب توقيع اتفاق وثيقة الدوحة ٢٠١١ لسلام دارفور، عادت أحداث الفترة الانتقالية ٢٠١٩-٢٠٢٢ إلي لجوء اخر للمدنيين إلي تشاد سواء من مناطق جبل مون، كرينك، مستري وغيرها، حرب أبريل ٢٠٢٣ دفعت بلجوء حديث واسع من عدة مناطق منها مستري والجنينة إلي ادري مرة أخري.
(١٥)
ادري معسكر يضم في داخله ثلاثة معسكرات ، السلطات التشادية تتعامل معه كمعسر استقبال، ليتم ترحيل اللاجئين الي معسكرات اخري، وهي ابوتنقي، ميجي، علاشا، زابوت، اركوم، بالإضافة إلي المعسكرات الموجودة من الفترة ٢٠٠٣- ٢٠٠٤ وهي معسكري قاقا وفرشنا.
التواجد بمعسكرات ادري تمثل أفضلية للاجئين لميزة ادري المدينة وقربها من الجنينة التي تبعد ٢٨ كيلو مترا، والمدن لها ميزات توفر فرص العمل، في ظل حصص الغذاء التي يشتكي الجميع من عدم كفايتها، لكن يظل الخيار مرتبط بالتوزيع في هذه المعسكرات للإقامة.
تظل دولة تشاد تمثل اكبر مستقبل للاجئين السودانيين مقارنة ببقية الدول التي أيضا فتحت اراضيها للسودانيين، فتوتر العلاقة بين الحكومتين، لا علاقة لها بالشعوب لأن المشتركات بينها قادرة على خلق الدبلوماسية الشعبية الاكثر رسوخا
(١٦)
انقذوا الجنينة مبادرة مدنية، احتضنتها مدينة ادري، جاءت نتاج لجهد مدني إنساني، بالرغم من شروط تسجيل المنظمات وفق للقوانين التشادية، فقد تم تسجيلها عبر جهود نجحت في ذلك، بعد أن سندتها احدي المنظمات الوطنية التشادية في ذلك.
مبادرة تبعث الأمل، فهي تحتضن في داخلها عيادة لأجلك التي تقدم خدماتها الطبية، أقسام المبادرة السبع، خلية نحل ، يقف ورائها شابات شبان شامخات وشامخين العطاء، كملوا جهد بعض في التخصصات الإدارية والصحية، انقذوا الجنينة، المساحة الآمنة والصديقة للناجيات والاطفال.
تدفع العين تقديرا لهذا العطاء الممتد من جيش المدافعات والمدافعين عن حقوق الانسان يصعب المجال للإشارة إليهم بالاسم، فستعيض عن ذلك بلقب ” انسان” تعبير عن الضمير الحي، وهم يقفون لبدء وجبات الأطفال صباحا ومساء، فبين يمتد صف ل٢٣٠ طفل في انتظار بدء الاطعام حينها يعزف النشيد الوطني للإنسانية، فالوطن هنا الإنسانية والأمان مكانا وزمانا.
(١٧)
بالرغم من المشتركات التاريخية بين اللاجئين والمجتمع المضيف، يمكن أن تلاحظ غياب التواصل، الحوجة للقارات المشتركة بين ممثلي اللاجئين ولادة المجتمع المضيف يمكنها أن تحل المنظمات التي قد تنتج بفعل النشاط اليومي، وبذات القدر بين مجموعات الشباب، وهو ما يمكن أن تقوم به “سينار” الجسم الحكومي المعني بتنظيم العمل الإنساني بتشاد، فالأمن الاجتماعي مدخل للاستقرار الكلي، والتواصل وسيلة يمكنها تذليل الكثير من الصعاب وتقليل الجهد والموارد.
(١٨)
السوق ” الجوه” بأدري، يكتسي ببعض ألق صوفي تجاني الهوي في عصر الجمعة، فيرتفع صوت الأذكار في تناغم يتجمع التجار في باحة المصلي بالسوق، ثم يرتفع ذكر عصر الجمعة مرددين ” صلاة الفاتح” عامرا.
(١٩)
برتقال جبل مرة ، في رواكيب السوق الصغير، سوق البرتكان، صار معلما يمكن للوصف أن يهتدي به، لم يكن في السابق يصل البرتكان ابوسرة إلي الجنينة نهايك عن ادري، كانت الشاحنات تأخذه إلي تجاه الشرق فتكون محطتها الأخيرة الخرطوم وليست القلابات على الحدود الشرقية مع الجارة اثيوبيا، فالحرب دفع بالبرتكان غربا ، فاكهة نضرت سوق ادري.
(٢٠)
ختاما: أما آن لهذه الحرب أن تقف!
وطنا حبيبنا رغم البين
هي الاشواق
حنينا إليك يظل دفاق
الراحل محمد الحسن سالم حميد
السودان بين نهري النيل وشاري.. أو في سيرة «السودان والسودان الغربي» «2-3»
الوسوممحمد بدويالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: محمد بدوي
إقرأ أيضاً:
مصر والسودان: دفعة جديدة للتكامل في مشروعات النقل والبنية التحتية
في خطوة جديدة نحو تعزيز التكامل الإقليمي ودفع العلاقات الاستراتيجية بين مصر والسودان، استقبل الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، المهندس صلاح حامد إسماعيل، وزير التنمية العمرانية والطرق والجسور السوداني، لبحث آفاق التعاون المشترك في مجالات النقل المختلفة، وذلك بحضور عدد من كبار المسؤولين من الجانبين.
النقل النهري: تطوير الموانئ والممرات الملاحية
أكد الوزير أهمية النقل النهري كأحد ركائز التعاون بين البلدين، مشيراً إلى بروتوكول التعاون الموقع بين الهيئة العامة للنقل النهري وهيئة وادي النيل للملاحة النهرية وسلطة الملاحة السودانية، لتطوير الرصيف النهري في ميناء وادي حلفا بتكلفة تقارب 300 مليون جنيه مصري، مع وصول نسبة التنفيذ إلى 69%.
كما يجري العمل على تزويد وصيانة المساعدات الملاحية لمسافة 350 كم بين أسوان ووادي حلفا، بالإضافة إلى انتظام اجتماعات اللجنة الفنية الدائمة للنقل النهري، والتي عقد آخر اجتماعاتها في الخرطوم عام 2021. وتواصل السودان مشاركتها ضمن اللجنة التوجيهية لمشروع الممر الملاحي من بحيرة فيكتوريا إلى البحر المتوسط.
الطرق والتنمية العمرانية
ناقش الجانبان سبل التعاون في مجال الطرق والبنية التحتية، حيث أعرب الجانب السوداني عن رغبته في إسناد مشروعات التنمية العمرانية لشركات مصرية كبرى مثل المقاولون العرب، الهيئة العامة للطرق والكباري، شركة النصر العامة للمقاولات (حسن علام)، وغيرهم.
وتطرق النقاش إلى مشروعات إعادة تأهيل كباري "الحلفايا" و"شمبات" في الخرطوم، وسط تأكيد الجانب المصري على استعداده الكامل لدعم تنفيذ هذه المشروعات الحيوية.
المعابر والموانئ البرية
استعرض الفريق كامل الوزير جهود الهيئة العامة للموانئ البرية والجافة في تيسير حركة العبور والتجارة عبر مينائي أرقين وقسطل، من خلال زيادة عدد العاملين وتحسين خدمات الإعاشة والإجراءات الإدارية.
كما ناقش الطرفان التعديلات الأخيرة في رسوم العبور السودانية، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لمعالجة التحديات التشغيلية في المعابر.
النقل البري والسكك الحديدية
أوضح الوزير أهمية حل التحديات التي تواجه النقل البري، خاصة ما يتعلق بإجراءات التأشيرات للسائقين المصريين، داعياً إلى تمديد فترة التأشيرة وتيسير عبور الشاحنات.
وأشار إلى التنسيق الجاري لبدء دراسة مشروع الربط السككي بين مصر والسودان، بتمويل من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، كخطوة استراتيجية لتعزيز الربط اللوجستي بين البلدين.
النقل البحري: تكامل في الموانئ وزيادة كفاءة التشغيل
أكد الوزير استعداد ميناء الإسكندرية لاستقبال البضائع السودانية وإعادة شحنها بوسائط مختلفة، كما بحث الجانبان آليات التعاون بين الشركة القابضة للنقل البحري والبري المصرية وميناء بورتسودان، بهدف رفع كفاءة التشغيل وتعظيم العوائد.
وتم الاتفاق على إشراك القطاع الخاص من خلال الغرف الملاحية لدراسة فرص الاستثمار وتقديم العروض التشغيلية المناسبة.
ختام اللقاء: دعم مستمر وتكامل استراتيجي
في ختام المباحثات، شدد الفريق مهندس كامل الوزير على أن التعاون المشترك في قطاع النقل يدعم العلاقات الاقتصادية ويعزز فرص التكامل الإقليمي والتنمية المستدامة، مؤكداً استعداد مصر لتقديم كل أوجه الدعم للسودان في هذه المرحلة المهمة.
من جانبه، أعرب الوزير السوداني صلاح حامد إسماعيل عن تقديره لحفاوة الاستقبال وعمق النقاشات، مشيراً إلى أن الزيارة فتحت آفاقاً واسعة للتعاون مع الجانب المصري في مشروعات النقل والبنية التحتية بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين.