عربيا.. الانشغال بالمشاكل الداخلية والاكتفاء بالإدانة للإبادة
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
قبل أسبوع زاد المراقبون من أهمية اجتماع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية في العاشر من الشهر الحالي، بحضور وزير خارجية تركيا والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمفوض العام لوكالة الأونروا، ورغم أن القمة العربية الإسلامية التي عُقدت في الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والقمة العربية الأخيرة في البحرين، لم تسفرا عن شيء، إلا أنه كما يقول المثل المصري "الغريق يتعلق بعود من القش"، فقد تابع البعض أعمال الدورة 162 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري لعلها تسفر عن شيء.
لكن متابعة أعمال القمة الوزارية أكدت أن غالبية الدول العربية مشغولة بمشاكلها الداخلية أكثر من إنشغالها بمأساة غزة والضفة الغربية، رغم تأكيد الأمين العام للجامعة العربية أن هناك قضية وحيدة في تلك الاجتماعات تخص الإبادة الجماعية، بينما كشفت كلمات وزراء الخارجية تلك عن أمور أخرى.
فوزير خارجية السودان ركز على اتهام قوى إقليمية معروفة -دون أن يسميها- بأنها تواصل إمداد المليشيات بالأسلحة المتقدمة والمرتزقة. وذكّر الحضور بأن الجيش السوداني قد اشترك في كل الحروب العربية بداية من عام 1948 وحتى 1973، مطالبا بدعم الجيش السوداني لمواجهة العدوان، ومطالبا بإلزام الدعم السريع بنتائج اتفاق جدة في أيار/ مايو 2023، وبمساعدة الشعب الذي أضيفت له المعاناة من السيول والفيضانات.
وطالب مندوب جزر القمر بمواصلة دعمها بقضية مايوت القمرية المحتلة، ومساعدة بلاده بالنواحي الفنية واللوجستية بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية.
وطالب وزير الشؤن الخارجية في الصومال بمواصلة دعم بلاده في إعادة الإعمار، وأشار لاستمرار إثيوبيا في التدخل بالشؤن الداخلية لبلاده، واستمرارها بتهريب السلاح إلى داخل بلاده لنشر الصراعات القبلية، ودعا كذلك إلى مواصلة الدعم الدولي للحكومة اليمنية الشرعية في محاولة لمجاملة دول الخليج.
وطالب مندوب جيبوتي الدول العربية الأفريقية بدعم مرشح جيبوتي لمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي. وأشار الوزير اليمني لمواصلة جهود بلاده لإيقاف عمليات التصعيد التي يقوم بها الحوثيون، حتى الوزير الإماراتي أشار لسعى بلاده لحل سلمي مع إيران بشأن الجزر الثلاث المحتلة من قبل إيران، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، من خلال المفاوضات الثنائية أو القبول بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية.
106 ملايين للموازنة الفلسطينية من الجزائر
وهكذا كانت عبارات الشجب والإدانة لما تقوم به اسرائيل من عمليات إبادة جماعية هي السائدة في كلمات رؤساء الوفود، بينما استعرضت بعض الدول ما قامت به من مساعدات لسكان غزة.
فالوزير القطري ذكر أنه تم إرسال 116 طائرة عسكرية و97 طائرة مساعدات محملة بنحو 4766 طنا من المساعدات الغذائية والطبية والإغاثية، بخلاف مستشفيين ميدانيين و22 سيارة إسعاف، وإجلاء 2256 شخصا من المرضى والحالات الخاصة.
وأشار الوزير الكويتي للمساهمة بثلاثين مليون دولار لدعم الأونروا، بخلاف التعاون مع الأردن وسلوفيينيا لتأسيس مبادرة الإلتزامات المشتركة بشأن الأونروا والتي وقعت عليها 123 دولة، كما كشف توصيات الوزاري عن أن الجزائر قد سددت 106 ملايين دولار والعراق 20 مليون دولار ضمن مساهماتهما في دعم موازنة فلسطين، أما مصر فهي تسدد جزءا من مساهماتها في موازنة دولة فلسطين من خلال علاج الفلسطينيين في المستشفيات المصرية.
وقال الوزير الإماراتي بأن بلاده قدمت 30 في المائة من المساعدات التي وصلت غزة عن طريق البر والبحر الجو، والتي شملت مبادرة "الفارس الشهم 3" لتوصيل المساعدات الإغاثية والطبية وتشغيل المستشفى الميداني داخل غزة، بخلاف مستشفى عائم آخر في مدينة العريش المصرية، ومحطات لتحلية المياه وأفران آلية ومطابخ لتوفير الخبز والوجبات، واستقبال أطفال جرحى ومرضى سرطان للعلاج في الإمارات، والمشاركة بحملة التطعيم ضد مرض شلل الأطفال.
لكنه لوحظ على كلمات جميع المتحدثين أو نصوص الكلمات التي تم توزيعها خلوها جميعا من الإشارة إلى حماس، ولو حتى من خلال كلمة المقاومة، كذلك لم يشكر أي منهم أو يُحيي صمود سكان غزة أو الضفة الغربية، رغم غلبة كلمات الشكر والمجاملة على كلماتهم حين شكر غالبتيهم الوزير الموريتاني على رئاسته للدورة المنقضية، وتهنئتهم للوزير اليمني برئاسته للدورة الجديدة، بل وتهنئة الوزراء الجدد الذين التحقوا بالمجلس الوزاري من مصر وتونس واليمن.
بل على العكس من ذلك، كانت كلمات الوزير الإماراتي تشير لاستبعاد حماس من المعادلة تماما، حين تحدث عن عمل الإمارات مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تحقيق الاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب في غزة، من خلال إيجاد آلية توافق عليها السلطات الشرعية الفلسطينية تعمل على إحلال النظام والأمن في غزة، وتمكين السلطات ذات الاختصاص والكفاءة من إدارة الأمور، وذلك من خلال إنشاء بعثة دولية مؤقتة لتحقيق الاستجابة الفعالة للأزمة الإنسانية في غزة، وأهمية وجود حكومة فلسطينية تمهد الطريق لتوحيد الضفة الغربية وغزة تحت سلطة فلسطينية شرعية واحدة.
العيش مع الفئران والعقارب والصرف الصحي
وانتهج وزير الخارجية السعودي مسارا مشابها مع حزب الله، حين دعا إلى الالتزام بالقرارات الدولية الخاصة بلبنان والخاصة بحصر السلاح بيد الدولة.
وكان وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب قد ذكر أنه يشعر بالخجل عندما يتسلم من دول أوروبية، حلولا وأفكارا من أطرافا عربية تتعلق بأوضاع غزة دون التشاور فيما بيننا، كما دعا للتفكير فيما سيتم فعله عربيا في حالة عدم التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، مؤكدا أن استمرار الأوضاع الحالية لن يطول أثره السيئ دول الجوار فقط، ولكنه سيطول الجميع ولو بعد حين.
ولعل الكلمة الوحيدة التي تأثرت بها كثيرا كانت كلمة المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، حين ذكر أن سكان غزة يعانون 11 شهرا من التهجير القسري والانفصال والأسرى والجوع، وأن غزة تحولت لمكان مرعب حتى لأكثر العاملين خبرة في العمل الإنساني، لتصبح أرضا قاحلة غير صالحة للحياة البشرية، مع تركز السكان في مساحة 10 في المائة من مساحة القطاع، حيث يعيشون وسط أنهار من الصرف الصحي وجبال من القمامة، جنبا إلى جنب مع الجرذان والصراصير والثعابين والعقارب. وحذّر من أن نفقد الإحساس بمعاناة المدنيين في غزة ونبدأ بإدارة ظهورنا لمعاناتهم، قائلا: إذا كان سماع ما يحدث لأهل غزة أصبح مُتعبا، فكيف لنا أن نستوعب حجم معاناة العيش هناك؟
وذكر أن أكثر من 600 ألف فتاة وفتى أصبحوا خارج المدارس ويعيشون وسط الأنقاض، محذرا من أنه لا يمكن للمنطقة أن تتحمل خسارة جيل بأكمله، الأمر الذي من شأنه أن يزرع بذور المزيد من الكراهية والتطرف، ولهذا فليس أهم من إعادة الأطفال إلى التعلم. وأشار لمقتل 214 موظفا من العاملين في الأونروا، وأن مساحة العمليات للأونروا في الضفة الغربية في تناقص، كما يسعى قانون في الكنيست لطرد الوكالة من المباني التي تواجدت بها لأكثر من 70 عاما، وإلغاء امتيازاتها وحصاناتها، وتصنيفها كمنظمة إرهابية، مشيرا إلى أنه ليست الأونروا وحدها التي تتعرض للهجوم، بل يتم التخلص التدريجى من هيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية من خلال عدم تجديد التأشيرات.
وهكذا أسفر اجتماع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري عن 22 قرارا، لكنها جميعا تُحيل تنفيذ ما جاء بها لجهات أخرى كمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، دون تكليف أعضائها بإجراءات عملية لمنع الإبادة الجماعية، بل إن تلك القرارات الـ22 خلت من الدعوة لوقف إطلاق النار بشكل صريح، أو فتح الحدود لإدخال المساعدات كما فعل مؤتمر القمة العربية الإسلامية الذي عُقد في الرياض.
وطالبت القرارات الأمانة العامة للجامعة العربية بوضع خطة لتفعيل الرأي الاستشاري، الصادر عن محكمة العدل الدولية بعدم قانونية استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم صدور القرار منذ شهرين، كما طالبت القرارات الأمانة العامة للجامعة العربية بتنفيذ قرار قمة البحرين بالإعلان عن قائمة العار للشخصيات الإسرائيلية التي تبث خطاب الإبادة الجماعية والتحريض ضد الشعب الفلسطيني، تمهيدا لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمقاطعة جميع الشركات العاملة في المستوطنات الفلسطينية غير القانونية في الأراضي المحتلة عام 1967.
ولأنه قد مرت أربعة أشهر على انعقاد قمة البحرين يصبح السؤال عن أساب تأخر الجامعة في إعداد قائمة العار تلك، وفي ضوء كثرة عبارات الشجب والإدانة بقرارات مجلس الجامعة، ذكر البعض أن الجهة التي تستحق الإدانة الحقيقية أولا هي الجامعة العربية والقيادات العربية، لتقصيرها الواضح إزاء استمرار عمليات الإبادة الجماعية خلال الشهور الماضية.
x.com/mamdouh_alwaly
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الإبادة الجامعة العربية غزة الجامعة العربية الإبادة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة من خلال ذکر أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
للإبادة وجوه كثيرة .. التجويع سلاح حرب فعال في إثيوبيا وغزة
في عالم يشهد تكرار الأزمات الإنسانية وسط صمت دولي مطبق، يبرز استخدام "التجويع كسلاح حرب" كواحد من أبشع الأدوات التي تستهدف المدنيين ببطء، دون قنابل أو صواريخ. هذا السلاح القديم المتجدد، الذي أودى بحياة مئات الآلاف في إثيوبيا، يعاود الظهور اليوم في قطاع غزة، ليحاصر سكانه وسط دمار الحرب وغياب الغذاء والدواء.
مجاعة إثيوبيا: جريمة متكررة بصيغة رسميةفي ثمانينيات القرن الماضي، كانت مأساة تيجراي في شمال إثيوبيا عنوانًا لمأساة إنسانية رسمت ملامحها يد الدولة لا قسوة الطبيعة.
فكما تشير الكاتبة "جيل واردن" في مقالها المنشور في صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، فإن الحكومة الإثيوبية آنذاك تعمدت حجب المساعدات الغذائية عن إقليم تيجراي لإخضاعه بالقوة، في واحدة من أبشع الجرائم السياسية التي قدمت على أنها "كارثة طبيعية".
كانت الحكومة الإمبراطورية في عهد هيلا سيلاسي سباقة في هذا النهج القمعي؛ حيث لم تكتف بمنع الغذاء، بل أقنعت حليفتها بريطانيا بشن غارات جوية على تيجراي عام 1943 لقمع التمرد، في مشهد يعكس كيف يمكن للتحالفات الدولية أن تسهم في تجويع الشعوب بدلًا من إنقاذهم.
ومع توقيع اتفاق بريتوريا في 2022 لإنهاء حرب دموية راح ضحيتها أكثر من 600,000 تيجرايي، ظن كثيرون أن السلام قد حل. لكن الواقع يؤكد أن التجويع لا يزال مستمرًا، والنازحون غير قادرين على العودة إلى منازلهم في ظل احتلال أراضٍ تيجراوية من قبل قوات إثيوبية وأخرى إريترية.
غزة: كارثة إنسانية بلا صواريخفي عام 2025، باتت غزة نموذجًا حيا آخر على استخدام التجويع كسلاحٍ سياسي وعسكري. لكن، وكما كتبت "جابي هينسليف": "هذه المرة، لا توجد كارثة طبيعية. ما يحدث هو حصار مقصود، مدروس، وممنهج".
تمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي دخول الغذاء والوقود إلى القطاع، وتقيد عمل وكالات الإغاثة، بل وتتهم باستخدام نقاط التفتيش والمعابر كأداة عقاب جماعي، وسط سكوت دولي مطبق. حتى المساعدات المحدودة التي تدخل عبر مؤسسات دولية، تواجه أحيانًا بعرقلة أو إعادة توجيه لا تضمن وصولها إلى المستحقين.
ولا تختلف هذه الأساليب كثيرًا عما حدث في تيجراي، حيث تستخدم أدوات الدولة والمنظمات الموالية لها في صناعة المجاعة لا مواجهتها. أطفال غزة يموتون اليوم ليس فقط تحت القصف، بل من الجوع ونقص الماء وتلوث الهواء، في مشهد يعيد للأذهان صور المجاعات التاريخية في إفريقيا والبلقان، ولكن هذه المرة تحت سمع وبصر العالم المتحضر.
سلاح بلا ضجيج.. لكنه أشد فتكًاتكمن خطورة "التجويع كسلاح" في أنه لا يحدث فجأة، ولا يترك وراءه حطامًا ماديًا يسهل توثيقه. بل هو موت بطيء، يومي، يتسلل إلى البيوت عبر بطون فارغة وأطفال يعانون من الهزال وسوء التغذية.
وهو سلاح يستخدم دون إعلان، ولا يدان دوليًا بالقدر الكافي، رغم كونه مجرمًا بموجب القانون الدولي، ووفقًا للبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، الذي يحظر "تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب".
ورغم هذا، لا تزال سياسات الحصار والمجاعة تستخدم دون مساءلة، سواء في غزة أو في تيجراي، مما يكشف فشل النظام الدولي في حماية المدنيين وتطبيق القانون الإنساني.