د. فيصل عبدالرحمن علي طه

[email protected]

(1)

في تقرير الألفية 2000 المعنون «نحن الشعوب»، طرح كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك المعضلة بالتساؤل الآتي: إذا كان التدخل الإنساني يمثل حقاً تعدياً على السيادة، فعلى أي نحو ينبغي علينا أن نستجيب لحالات شبيهة برواندا وسرِبرينتشا؟ وأضاف أن الدفاع عن الإنسانية والدفاع عن السيادة كليهما مبدآن ينبغي دعمهما، ولكن ذلك لا يرشدنا إلى أيهما تكون الغلبة عند حدوث تعارضٍ بينهما؟

(2)

تصدت الحكومة الكندية للاجابة على تساؤل عنان، فأنشأت في سبتمبر 2000 اللجنة العالمية حول التدخل وسيادة الدولة.

أصدرت اللجنة في ديسمبر 2001 تقريرها المُعنْوَن «مسؤولية الحماية». تبنَّت اللجنةُ مفهوم السيادة كمسؤولية في الوظائف الداخلية أو في الواجبات الخارجية على حدٍ سواء. ورأت اللجنة أن المسؤولية الأولى عن حماية السكان تقع على عاتق دولتهم بينما تقع مسؤولية ثانوية على المجتمع الدولي عندما يتضح أن دولتهم غير راغبةٍ أو غير قادرةٍ على النهوض بمسؤولية الحماية، أو أنها هي المرتكبة للجرائم أو الفظائع.

(3)

في ديسمبر 2004 أيَّد تقرير الفريق الرفيع المستوى المَعنِي بالتهديدات والتحديات والتغيير الذي شكله كوفي عنان «المبدأ المستجد المتمثل في وجود مسؤولية دولية جماعية عن الحماية يمارسها مجلس الأمن بأن يأذن بالتدخل العسكري كملاذٍ أخيرٍ عند حدوث إبادةٍ جماعيةٍ أو عمليات قتل واسعة النطاق أو حدوث تطهير عِرقي أو انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، ثبت أن الحكومات ذات السيادة عاجزةٌ عن منعها أو غير راغبةٍ في منعها».

(4)

اعتمد مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 في الفقرتين 138 و139 من وثيقته الختامية التي صدرت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 60/1 مفهوم مسؤولية حماية السكان من الابادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الانسانية. وهناك من يرى بأن مجلس الأمن على الرغم من تأكيده على أحكام الفقرتين 138 و 139 في القرار 1674 (2006)، وإشارته إليهما في القرار 1706 (2006) المتعلق بمسألة دارفور، إلا أنه لم يطبق مفهوم مسؤولية الحماية عليها رغم توفر مسوغات تطبيقه. ووفقاً لهذا الرأي الذي يستند إلى تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور للعام 2005، فإن مجلس الأمن قد تعمّد ذلك حتى لا يدخل في مواجهة مع حكومة السودان، وآثر الحصول على موافقة تلك الحكومة على استخدام البعثة الأممية في أراضيها. ولكن الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" يرى بأن ذلك المفهوم قد طُبِّق في دارفور بصورة غير قسرية -أي بدون استخدام القوة.

(5)

إن الحالة الوحيدة التي طُبق فيها مفهوم مسؤولية الحماية حتى الآن هي الحالة الليبية بمقتضى القرار 1970 (2011) والقرار 1973 (2011). فرضَ القرار 1973 حظراً جوياً على جميع الرحلات الجوية في المجال الجوي للجماهيرية. كما أذن للدول الأعضاء إتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان المدنيين المعرضين للهجمات في الجماهيرية بما في ذلك بنغازي. من ثم بدأت عملية عسكرية بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ولاحقاً آلت القيادة إلى حلف شمال الاطلسي كجزء من عملية «الحماية الموحَّدة». تعرضت هذه العملية لانتقاد من كثير من الدول لأنها تعدَّت الحماية وتحولت إلى عمليةٍ لتغيير النظام. افتقدت هذه الدول عدم اقتران مفهوم مسؤولية الحماية بمفهوم آخر وهو المسؤولية اثناء توفير الحماية ودعت إلى تطويرهما معاً.

(6)

في الحالة السورية استخدم الاتحاد الروسي والصين حق النقض (الفيتو) لاحباط قرارين بشأن الوضع في سوريا بمنطق احترام السيادة الوطنية لسوريا واستقلالها ومبدأ عدم التدخل في شؤونها بما في ذلك التدخل العسكري. وأبدى المندوب الروسي خشيته من أن يتكرر نموذج عملية «الحماية الموحدة» بشأن ليبيا في سوريا. بمعنى أن يتحول التدخل إلى عملية لتغيير النظام.

(7)

إن مفهوم مسؤولية الحماية لا يزال مفهوماً سياسياً ولم يستقر بعد كعرفٍ قانونيٍ دولي لأنه لم يستوف شروط ذلك. كما أن حدود مسؤولية الحماية تحتاج إلى تدقيق وبيان. وسيظل تطبيق المفهوم رهناً باتفاق الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، هذا المجلس المشلول باستخدام الفيتو.

(8)

وحريّ بالذكر أن مفهوم مسؤولية الحماية مُضمَّنٌ في مبادئ القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي المبرم في العام 2000، أي قبل خمسة أعوام من اعتماد مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 لمفهوم المسؤولية عن الحماية. فقد كفلت الفقرة (ح) من المادة الرابعة حق الاتحاد في التدخل بقرارٍ من جمعية رؤساء الدول والحكومات في حالات جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الانسانية. ولكن المادة 53 (2) من ميثاق الأمم المتحدة تحظر على التنظيمات أو الوكالات الإقليمية القيام «بأي عمل من أعمال القمع بغير إذن مجلس الأمن». كما أن المادة 54 تنص على وجوب «أن يكون مجلس الأمن على علمٍ تامٍ بما يجري من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي بمقتضى تنظيمات أو بواسطة وكالات إقليمية أو ما يُزمَع إجراؤه منها».

(9)

يبدو جلياً مما تقدم أن الاتحاد الإفريقي لا يستطيع التدخل بالقوة في الحالات المنصوص عليها في الفقرة (ح) من المادة الرابعة من القانون التأسيسي للاتحاد بدون إذنٍ من مجلس الأمن، وقد لا يصدر هذا الإذن إذا لم يكن هناك اتفاق بين دول المجلس الخمس الدائمة العضوية.

(10)

في جلسة للجمعية العام في سبتمبر 2015 بمناسبة الذكرى العاشرة لاعتماد مبدأ «مسؤولية الحماية»، أكدت الأمم المتحدة أن هذا المبدأ ينبغي أن يُترجَم إلى عمل. وقال الأمين العام "بان كي مون" إن الجرائم التي تلطِّخ ضمير الانسانية تُحتِّم على قادة الدول تحويل مفهوم «مسؤولية الحماية» من مبدأٍ حيويٍ إلى ممارسة واضحة.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مجلس الأمن

إقرأ أيضاً:

الأرشيف والمكتبة الوطنية يثري المخيمات الصيفية الطلابية

أبوظبي (الاتحاد)

شارك الأرشيف والمكتبة الوطنية في المخيمات الصيفية الطلابية - التي تنظمها الجهات المعنية لكي يستفيد الطلبة فيها من إجازتهم الصيفية - بعدد كبير من الفعاليات التي تعزز الانتماء للوطن والولاء لقيادته الرشيدة، وترسخ الهوية الوطنية لدى النشء، وذلك انطلاقاً من دوره كشريك استراتيجي في التنشئة الوطنية السليمة للأجيال. وتوزعت مشاركات الأرشيف والمكتبة الوطنية في عدة أماكن، وقد بلغ عددها 71 فعالية، واستفاد منها أكثر من 3777 مشاركاً، وأول الأماكن التي قدم فيها الأرشيف والمكتبة الوطنية فعالياته كانت بمقره حيث استضاف الطلبة، وقدم لهم محاضرات بمواضيع وطنية، وصحبهم المختصون في جولات تعريفية للاطلاع على محطات مهمة في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى أبرز المراجع والمصادر التي يمكنهم الاعتماد عليها.
ومن الأرشيف والمكتبة الوطنية انطلق المختصون إلى المخيمات الطلابية التابعة لبرنامج صندوق الوطن، حيث قدموا ورشاً فنية تدور حول معالم من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومحاضرات في الهوية الوطنية والقيم الإماراتية.
وكذلك في المخيم الصيفي الخاص بالمركز الوطني للتأهيل، حيث شارك الأرشيف والمكتبة الوطنية في الملتقيات الصيفية التي تستهدف صقل مواهبهم في متطلبات الحياة، ومحاضرة حول عهد الاتحاد، موضحاً للمشاركين أهمية يوم 18 يوليو 1971 في مسيرة قيام الاتحاد الذي انطلقت منه الإمارات بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه الآباء المؤسسين نحو اتحادها الميمون، وشارك الطلبة أيضاً في لعبة المسيرة التي تحظى بإقبال مميز، إذ تثري معارفهم بالمعلومات الموثقة، فهي لعبة وطنية استلهم الأرشيف والمكتبة الوطنية مضامينها من سيرة المؤسس والباني الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه - ومن المعارف التاريخية والتراثية التي وثقتها إصدارات الأرشيف والمكتبة الوطنية.
وشارك الأرشيف والمكتبة الوطنية أيضاً في مخيم رعاية الأحداث، فقدم ورشاً فنية في الكتيب التعليمي «وطني الإمارات» الذي يتضمن معلومات موثقة وتمارين وأنشطة وتدريبات   وجميعها تتطرق إلى تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة وتراثها وجغرافيتها وحاضرها المشرق، وقدم لهم محاضرات في القيم الإماراتية. وفي المراكز العشرة لمخيمات وزارة التربية نُظمت ورش ومحاضرات عن الهوية الوطنية وورش فنية للأطفال.

أخبار ذات صلة «جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية» تنظم ورشة تدريبية في أساسيات الشعر العربي دعم راسخ

مقالات مشابهة

  • الأمن الغذائي: ركيزة السيادة وقوة الصمود الوطني
  • بروك تايلور تدعي: أمريكا تبذل جهودًا مكثفة للتهدئة.. وحماس تتحمل مسؤولية شلال الدم بـ غزة
  • الوزير التوفيق يعفي رئيس المجلس العلمي لفجيج والأخير يكشف أن السبب هو عدم حضوره بانتظام إلى المجلس
  • من سيتولى رئاسة مجلس الأمن للشهر الحالي؟
  • مختص يوضح تأثير تدخل الأهل في العلاقات الزوجية.. فيديو
  • ورشة بصنعاء حول المخاطر السيبرانية وطرق الحماية من الهجمات الإلكترونية
  • رئيس النواب : العالم يعيش لحظات فارقة تمس جوهر الاستقرار الإنساني العالمي
  • الأمن الإنساني.. الداخلية تنقل سيدة عجوز للمستشفى
  • مدير أمن سوهاج الجديد يتفقد الحماية المدنية ويجوب شوارع المدينة
  • الأرشيف والمكتبة الوطنية يثري المخيمات الصيفية الطلابية