لجريدة عمان:
2025-06-10@14:00:07 GMT

مهرجان المسرح الخليجي والعالمية

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

عاد مهرجان المسرح الخليجي في دورته الرابعة عشرة المقامة في الرياض للمرة الأولى في الفترة من 10 إلى 18 سبتمبر بعد انتظار طال لمدة عشر سنوات. سأل المسرحيون: لماذا طال هذا الغياب؟ تقدم العالم بمخترعاته وتقنياته وكذلك تقدمت أساليب العرض المسرحي في عالم أخذ يكتشف مؤخرًا أنه غير راض في المطلق عن الإقامة فيه.

فهل نقدر على الهروب من العالم إلى مكان آخر غيره؟ هل نقدر أن نفكر بتقدم أدبنا ومعارفنا في غير هذا العالم الذي ننتمي إليه؟

حصلت أحداث كثيرة في العالم تأثر بها المسرح لعل أهمها وأخطرها وأشرّها كان وباء كوفيد 19 الذي تسبب في تعطيل الحياة من النواحي جميعها. أدى ذلك إلى التفكير بالتقنية وخدمتها في المسرح. ظهر ما أطلق عليه الميتافيرس والذكاء الاصطناعي ليطرح سؤالا حول إمكانية الاستفادة منهما في الفن المسرحي. سأل المسرحيون أنفسهم: ما الذي سوف يتأثر أكثر من المسرح بهذه التقنية في العالم؟ ما الفائدة التي سيستفيد منها المسرحيون من استثمار الذكاء الاصطناعي في تطور العرض المسرحي وجمالياته؟ هل سيضحى بالنصّ ومؤلفه لتتجدد صيحات موت المؤلف التي تُفهم مع الأسف الشديد في سياقات متناقضة؟ هل سيختفي الممثل ليحل محله الروبوت؟ هل سيتوارى الناقد ليقبع في بيته وأمامه شاشة زرقاء يتفرج منها على العروض ليكتب مداخلته المتخيلة عن العرض المسرحي؟ هل سيُخلق جمهور جديد من شرائح اجتماعية مختلفة، أو يُستعان بكائنات خرافية تتناسخ عن بعضها بعضًا أو آلات ميكانيكية كالدمى لتجسّد أدوار الجمهور، وتلتقط أنفاسهم وصيحاتهم وتصفيقهم أو امتعاضهم وردود أفعالهم المتباينة تجاه العرض في حال أعجبهم وراقهم أو لم يُعجبهم؟

إن تفكير مسرحنا بالعالمية ليس صبغة جديدة أو صيحة يمكن ترديدها في الملتقيات والمحافل الدولية وجلسات احتساء فناجين القهوة. إن كل مبدع يفكر بالعالمية. المؤلف والممثل والمخرج والموسيقي والتقني والفنان المسرحي والسينمائي وفنان الدمى وفن العرائس وصانع اللدائن الدقيقة جدًا يفكرون جميعهم بالعالمية كلٌّ من موقعه واشتغاله. ينبع تعريف العالمية من منطلقات عدة هي: وجود تراث ثقافي متجذر يتسم بالقدرة على التفاعل لا الجمود والتصلب أو التخشب نحو استقبال كل ما هو جديد. ويدخل في الثقافة كل ما يتصل بالتراث المادي واللامادي كاللباس والطعام والموسيقى ومرجعيات السرد الكبرى واللغة. لا يقف الحال عند تفاعل التراث المادي واللامادي مع الجديد، بل يتطور إلى قدرته على الانتقال عبر العالم مع الأفراد وحكاياتهم. يذكرني هذا بعناصر الحكاية الشعبية التي وضعها الباحث الروسي في دراسات الفلكلور (فلاديمير بروب 1895م- 1970م) وعددها ثلاثة وثلاثون عنصرًا سرديًا.

إن التراث إذا طبقنا عليه عناصر وظائف الحكايات الشعبية لا ينتقل بمكوناته بين الحضارات إلا إذا كان يمتلك خصائص معينةً وقيمًا إنسانيةً واعية يكون لها صداها لدى الشعوب التي تستقبلها وأهمها قيم الحرية الفكرية والعدالة الاجتماعية واحترام كرامة الإنسان، بالإضافة إلى توفر القيم الروحية المنسجمة مع آدمية الإنسان التي ترفع من الوجود الإنساني في العالم كله.

هذا حسب تقديري في الواقع هو ما يجعل السرد الأدبي ممثلا في الرواية أن تكون عملًا فنيًا عابرًا للحدود، ويمكن القياس أيضا على الموسيقى والشعر وفن المسرح الذي إذا شاهد متفرج في أي بقعة من الجغرافيا منزوية في العالم عرضًا يدور عن الحرب والاضطهاد لاستطاع التأثر بها في بقعة فيها سلام وأمن وأمان، دون أن تكون البقعة الجغرافية التي ينتمي إليها تتعرض للحرب. إن امتلاك الفن لعناصر العاطفة والتعاطف والشفقة هي ما تجعله قادرا على اختراق المحرمات والمحاذير التي تتفنن الرقابة في وضعها وتطويرها عبر آلاف السنين.

بالطبع إن الظهور الجارف للعولمة قد أثر في سياسات الثقافة والاقتصاد في العالم كله. والجانب الخطير من العولمة يتمثل في تحويل الجغرافيا والتراث المحلي إلى أرقام بجانبها أصفار. كلما زادت الأصفار ارتفع سعر الرقم في سُلّم التقسيمات العالمية للشعوب وتراثها وثقافتها. لا تملك السياسات في العالم إلغاء العولمة أو تجاهلها أو تأجيل تقدمها؛ لأن العالم كله يعيش في عالم عبر الاتصالات والتقنيات وحرب المعلومات وتبادل المعارف والأسلحة. لكن سياسيات الشعوب باستطاعتها مواجهة العولمة عبر تخطيط سلسلة من البرامج الثقافية بين الجهات الرسمية في كل دولة. ويعد الفن المسرحي الفن الأكثر قدرة على احتواء الفنون الأخرى وهضمها وتشكيلها، ولكن بشرط أن يملك الكاتب والمخرج والفرقة رؤية فنية عالية تستوعب تداخل الثقافات في الفنون المحلية وغير المحلية.

قرأت جملة تُنسب إلى الرئيس الراحل غاندي تقول: «يجب أن أفتح نوافذ بيتي لكي تهب عليه رياح الثقافات كلها، بشرط ألا تقتلعني من جذوري». دلالات الجذور في جملة غاندي معانيها كثيرة، وتصب جلّها في معاني الأصول. ومن هنا فالعالمية بهذا المعنى ليست حكرا على شعب دون غيره. فلكل شعب ثقافته الأصيلة التي ينتسب إليها، ولا يملك إزاءها موقفا واضحا أو قاطعا. إذ يحتاج المرء أن يكون منتميا إلى عائلة ما، ينمو ويترعرع داخلها كما النبات.

في الكلمة التي ألقاها سلطان البازعي، الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية أكد نقاطا تتصل بحاضر المسرح الخليجي العربي والتوجه نحو العالمية، استوقفني فيها التالي: أولا: «الدعم اللامحدود من قبل القيادة الرشيدة -أيدها الله تعالى- لوجود مسرح مستدام يحافظ على الأصالة، ويعزز الثقافة ويحيي التراث». ثانيا: «اعتبار المهرجان منصة حيوية دورية يتبادل فيها المبدعون والفنانون الخبرات والمعارف، بما يؤسس لبناء جيل جديد من المسرحيين الخليجيين المحترفين». ثالثا وأخيرا: «نحن في المملكة ماضون في التزامنا بدعم الحركة الثقافية والفنية في الخليج والمنطقة العربية وترسيخ مكانة الخليج باعتباره مركز إشعاع ثقافي وفني».

الناظر إلى تضافر النقاط الثلاث واتصالها مع بعضها بعضًا يحدوه الأمل في أن مفردة (العالمية) باتت تشكّل تحديا كبيرا للمسرح الخليجي شأنها شأن الحداثة التي تقتلنا وآن أوان التصدي لها، وأبرز جوانب العولمة تتجلى تأثيراتها على الثقافة والهوية. إن الانفتاح على الثقافات كما قال غاندي يجب أن لا يجعلنا نعيش في جغرافيا لا نشعر بالانتماء إليها. ولا لغة نتكلمها ونخجل منها، ولا لباسًا نلبسه في النهار لنتوارى عنه في الليل، ولا موسيقى عالمية نصفق لها وألحانا تراثية نمجها وننفر منها! هكذا تتجلى خصائص العولمة. أما في الفن، فالمسرح -أبو الفنون، الشاهد على الفنون جميعها- يحتاج إلى تفعيل الخطط التي تجعله موجودا في حياتنا المعيشية. قُدمت في مهرجان المسرح الخليجي عروض مسرحية لامست تراثنا وهويتنا ومكوننا المشترك؛ اللغة والدين والكرم والنخوة، وهي قواسم أكد وجودها المؤلفون والمخرجون والممثلون والفنيون. إن ما شاهدته من عروض مسرحية اتسمت بالحيوية والتجريب واللجوء إلى استثمار التراث والفلكلور يمكن أن تنطبق عليها عناصر الحكاية الثابتة للسرد. عبَّرت العروض في المجمل عن شعور كتابها بالأصالة والمعاصرة، ونشأت الحاجة إلى دمجهما بسبب ما يتعرّض له الإنسان اليوم من إرهاب ومحاولات لطمس هويته وقتل فعل المقاومة في داخله وتحويله في نهاية الأمر إلى سلعة أو حلية تزيينية في المتحف للفرجة! كذلك تجلت في بعض العروض صرخات حادة من التراث التكفيري الذي يجثم على القلوب ونداءات للتنوير والخروج إلى النهار وإعلان انتصار الحب، والغاية من تقديم تلك المعالجات للتراث جعل خشبة المهرجان منصة حيوية لبناء الحوار بين الأجيال، بحيث لا تزيد الفجوة وتتسع، ولا تتمركز مفاهيم العلاقة مع الغرب المنفتح على العالم حول جرّنا إلى ثنائية الشرق والغرب، أو الشمال والجنوب. إن المسرحيين الخليجيين يملكون طاقات كبيرة تؤهلهم الدخول إلى العالمية منطلقين من محليتهم ولهجاتهم والجيد من تراثهم دون التشبث بعناصر حضارة الحداثة المُربكة، وأن ذلك لن يأتي إلا باحترام الحرية والاختلاف والابتعاد عن السلبيات وتشجيع روح العمل المنظم، عندئذ سنرى مبدعينا من المسرحيين والفنانين يتبادلون المعارف بينهم، بما يعزز الترابط بين مهرجانات المسرح في الخليج وتكاملها فيما بينها لتكون أكثر مهرجانات في المنطقة منارة مشعة للتنوير في العالم.

آمنة الربيع باحثة أكاديمية متخصصة في شؤون المسرح

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المسرح الخلیجی فی العالم

إقرأ أيضاً:

محمود عبدالعزيز.. الساحر الذي دفعه النجاح للاعتزال وتغريدة تنبأت بوفاته

#سواليف

في الرابع من يونيو (حزيران) عام 1946، ولِد #محمود_عبدالعزيز في مدينة #الإسكندرية، التي لطالما احتضنته طويلاً، حيث ظل متمسكاً بها حتى النهاية، بعد أن أمتع جمهوره بآلاف الوجوه التمثيلية على الشاشة.

نشأ الساحر في #حي_الورديان_الشعبي، وعشق الفن مبكراً، فحمل معه روح البحر وحكايات المدينة القديمة، لتصبح لاحقاً مصدر إلهامه في تقديم شخصيات صادقة وأعمال خالدة.

البدايات تنبئ بالموهبة
التحق محمود عبدالعزيز بكلية الزراعة في جامعة الإسكندرية، وهناك بدأت ملامح الموهبة تتضح عبر مشاركته في العروض المسرحية الجامعية.

مقالات ذات صلة أول تعليق من محمد رمضان على براءته من إهانة علم مصر 2025/06/07

بينما كانت بدايته الحقيقية على الشاشة من خلال مسلسل “الدوامة” مطلع السبعينيات، إذ وقف أمام نجوم كبار مثل محمود ياسين ونيللي، ليخطو أول خطوة في مسيرة فنية استثنائية.

وجاءت أول أدواره السينمائية في فيلم “الحفيد” عام 1974، حيث لفت الأنظار بأدائه البسيط والمميز، بعدها بعام واحد، منحه فيلم “حتى آخر العمر” فرصة البطولة المطلقة، ليثبت قدرته على حمل العمل السينمائي بمفرده، ويبدأ رحلة طويلة من التألق والنجومية.

نجاح دفعه للتفكير في الاعتزال
جسد محمود عبدالعزيز شخصية “رأفت الهجان” في المسلسل الذي حمل الاسم نفسه، عن حياة شخصية حقيقية من ملفات المخابرات العامة المصرية.

رغم النجاح الساحق الذي حققه “رأفت الهجان”، إلا أنه دفعه في البداية للتفكير في الاعتزال النهائي، وقال إنه شعر بأنه لم يعد هناك ما يمكن تقديمه، ولكن حب الناس والإصرار على عودته، دفعاه لتغيير دفته مرة أخرى نحو بحر الإبداع.

أدوار متجددة وتكريم مستحق
على مدار مشواره، قدم عبدالعزيز أكثر من 80 فيلماً سينمائياً، مزج خلالها بين الرومانسية والكوميديا والدراما الاجتماعية، ولامس قلوب الجماهير بأعمال مثل “العار”، “الكيف”، “العذراء والشعر الأبيض”، و”إعدام ميت”، استطاع أن يُجدد نفسه باستمرار، متنقلًا بين الشخصيات والأدوار دون أن يفقد بريقه.

وفي عام 1987، جاء فيلم “البريء” ليكشف جانباً مختلفاً من موهبة عبدالعزيز، إذ لعب دور المجند الذي يكتشف الحقائق المرة عن القمع والظلم، هذا الفيلم، الذي أثار جدلًا واسعاً وقت عرضه، رسخ صورة عبدالعزيز كفنان يجرؤ على مناقشة القضايا الإنسانية والاجتماعية بعمق وصدق.

ونال محمود عبدالعزيز العديد من الجوائز من مهرجانات عربية ودولية مرموقة، أبرزها: جائزة أحسن ممثل من مهرجان دمشق السينمائي الدولي عن أفلام “الكيت كات” و”القبطان” و”الساحر”.

إلى جانب جائزة أحسن ممثل عن “سوق المتعة” من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وجائزة أحسن ممثل من مهرجان الإسكندرية السينمائي عن “الكيت كات”.

تغريدة تنبأت بوفاته
مسلسل “رأس الغول” كان العمل الأخير، الذي اختتم به محمود عبدالعزيز مسيرته الفنية، ولكن اللافت والغريب في هذه القصة أنه شارك تغريدة في سلسلة تغريداته الأخيرة عبر حسابه على “إكس” وُصفت بأنها نبوءة وفاته.

وكان محمود عبدالعزيز قد كتب في تغريدته: “رأس الغول آخر مسلسل لي”، لتتداول الأخبار على الفور بأن الساحر قرر الاعتزال، ولكنه رد نافياً الأمر وقال إنه خطأ لغوي، فاستخدم “آخر” بدلاً من “أحدث”، إلا أن القدر صدّق على نبوءة تغريدته، وكان بالفعل آخر أعماله.

صعوبات قابلت الساحر
ورغم النجاحات الكبيرة، لم تخلُ حياة عبدالعزيز من الصعوبات؛ إذ مرّ بمرحلة من التراجع الجماهيري، خصوصاً بعد مشاركته في بعض الأعمال التي لم تحقق النجاح المتوقع، الأمر الذي أثر على حالته النفسية مؤقتًا، لكنه تجاوز هذه المحنة وواصل طريقه بعزيمة لا تلين.

وفي سنواته الأخيرة، واجه عبدالعزيز مرض السرطان بشجاعة لافتة، بدأ الأمر بآلام في الأسنان، ليتبين لاحقاً أن المرض قد انتشر في أكثر من موضع، ولكنه ظل يقاوم حتى آخر لحظة، محتفظاً بابتسامته وروحه المرحة رغم المعاناة، رحل في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، تاركاً إرثاً فنياً خالداً.

مقالات مشابهة

  • اختتام مهرجان التراث وسباق الفروسية والهجن بالقطيع في الحديدة
  • حكيم يحيي حفلًا ضخمًا في مهرجان أوسلو للموسيقى العالمية بالنرويج
  • مهرجان كرنفالي في الدريهمي لإحياء الموروث الشعبي التهامي
  • للمرة الرابعة.. حكيم يحيي حفلاً في مهرجان أوسلو للموسيقى العالمية بالنرويج
  • حكيم نجم الدورة الـ 22 لمهرجان أوسلو للموسيقى العالمية
  • حكيم نجم الدورة الـ22 لمهرجان أوسلو للموسيقي العالمية
  • حفل ضخم لـ حكيم بالدورة 22 لمهرجان أوسلو للموسيقي العالمية
  • في ذكرى وفاته.. نجيب الريحاني "الضاحك الباكي" الذي غيّر وجه الكوميديا وبقيت بصمته خالدة
  • محمود عبدالعزيز.. الساحر الذي دفعه النجاح للاعتزال وتغريدة تنبأت بوفاته
  • مهرجان المسرح القومي يطلق اسم سميحة أيوب على مسابقته