لجريدة عمان:
2025-05-19@15:25:17 GMT

ترجمة عمانية لـ«شهر في سيينا»

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

صدرت خلال هذا الشهر الترجمة العربية لكتاب شهر في سيينا، للكاتب الليبي الذي يكتب بالإنجليزية هشام مطر وذلك بتوقيع المترجمة العمانية زوينة آل تويه، ومراجعة إبراهيم الشريف. صدرت الترجمة عن دار الشروق التي تحتفظ بالحقوق الحصرية لكتب هشام مطر الذي يزداد لمعان نجمه في العالم مع كل عمل جديد يقدمه. عُرف هشام مطر بكتابه العودة الذي لم يترجم بعد، والذي يحقق فيه بعد موت القذافي بعيد الثورة في ليبيا، البحث عن والده الذي غيّبه النظام الليبي، على أمل الحصول عليه، أو معرفة ما جرى له، حتى وإن كان ذلك يعني الوصول للمقبرة التي دفن فيها إن كان قد اغتيل، لطالما بحثت العائلة خلال عقود عن حل هذا اللغز.

شبح هذا السؤال شكّل هوية هشام مطر ككاتب، من الصعب بما كان حتى في كتبه الأخرى أن يغيب هذا الهاجس، فرواية اختفاء التي قرأتها قبل نحو عام من الآن، يختفي فيها الأب كذلك في ظروف غامضة لها علاقة بدور سياسي يؤديه. كذلك الأمر في شهر في سيينا الأب وليبيا حاضران.

ليس هذا فحسب بل تمتد تلك الذكرى في تشكيل مفهوم «العودة» وعلاقة خاصة بالرؤى التي تتلبس الكاتب حول الأماكن التي يرغب في قضاء الوقت فيها. إن العودة عند هشام مطر هي امتداد لذلك الفقد الكبير، قلما وجدتُ ذلك في الأدب غير الفلسطيني، إذ إن هذه المفردة تحديدًا باتت علامة على الأدب الذي يكتبه اللاجئون أو الفلسطينيون في المهجر على وجه التحديد. يصبح المكان بالنسبة لهشام مطر، نقطة مركزية، إنه لا يحلم سوى به، وكأنه ممسوس بالفضاء المحدد والحيز المسمى، وبهذا يصبح الزمن طيفًا أمام وطأة المكان وأثره عليه، كان هشام مطر، قد قضى طفولته المبكرة في ليبيا قبل اضطراره للمغادرة مع عائلته بسبب الظروف السياسية التي حتّمت عليهم ذلك. تصبحُ الأماكن إذن الفردوس المفقود بالنسبة لمطر.

حَلمَ هشام مطر بزيارة سيينا الإيطالية لعلاقته الوثيقة والقديمة بالفن السييني، وهكذا يعزم على زيارتها مدة شهر كامل برفقة زوجه ديانا. يكتب هشام مطر إذن عن اللوحات السيينة في المتاحف، دون أن ينسى هويته وتاريخه الذي يستدعيه في هذا التأمل، في قراءة خاصة تتقاطع فيها التجربة الشخصية مع ما يشاهده في تلك اللوحات. يصبح تقدير الفن مضيئًا في هذه الكتابة بشكل خاص، فيكتب «بتحدي المخيلة يكِز الفنانون مداركنا قليلًا، وفي لحظة على الأقل، يُعاد خلق العالم» وفي موضع آخر «إن ما يبتغيه الفنان ربما... هو أن يدفع السطح المستوي إلى فسح المجال، فتح فضاء» وفي جزء آخر من الكتاب يقول: «لعل هذا ما يبتغيه كل فنان في نهاية المطاف، أن يبقيك ضمن الحدود، ويمنحك ضربًا من حرية نادرة لا تأتي إلا من الحدود».

تصبحُ هذه اللوحات التي يقضي مطر الساعات في تأمل كل واحدة منها حتى أن حارسات المتحف يأتين إليه بكرسي بعد أن اعتدن على وجوده ووقوفه ساهمًا أمام كل لوحة، منفذًا للإيمان والحب والرغبة واللغة، والأمل، ووصف الحياة اليومية للناس في سيينا قديمًا وحديثًا، واللقاء بهم، خصوصًا العائلة الأردنية التي سيتعرّف عليها هناك، وتأخذنا بطبيعة الحال لليبيا، وبينما يتمشى مطر في سيينا، يصبح للأفق معنى مختلف، الأفق الذي يختفي في سماء المدينة، لكنه مطبوع بفنها، ممتد به، يقول هشام مطر وهو ما أثر عليّ بشكل خاص، أنه في سيينا تحديدًا تحرر من الرغبة في أن يكون في مكان آخر، لم يعد هنالك شيء يفوته في مكان آخر، هذا الإحساس الذي يصعب الإمساك به، إذ إنني شخصيًّا كثيرًا ما أشعر في أي مدينة أحط الرحال بها، بأنه ينبغي أن أكون في مدينة أخرى، وأن هذه المدينة التي أكون فيها هذه اللحظة ليست هي المدينة المنشودة. ربما شعرتُ بأن إسطنبول تتملكني أحيانًا بهذه الطريقة، لقد جعل هشام مطر هذا الحلم ممكنًا، أن تزور مكانًا ما، وتألفه بتلك السرعة، فيصبح مرة أخرى كأنه مكان «تعود» إليه بدلًا من أنك تكتشفه.

تتمدّد اللحظات الوادعة في كتابة مطر، لتكافئنا بإيقاع يتملكنا طيلة لحظات القراءة، كان هذا في روايته «الاختفاء» أيضًا. ويصبح تمدده في الحديقة برفقة ديانا وهي تضع رأسها على صدره، لحظة يحبسها الزمن، وتجعلنا في ذلك القيد الرقيق كما لو أنه الأبدية، ليس هذا فحسب، تعود هذه اللحظة بمطر إلى لحظات أخرى مماثلة في تاريخهما هو وديانا، وعندما يحدق رجلٌ فيهما، لا يفوت الفضول بالتفكير في ذلك الرجل وقدره وفكرته التي يكونها الآن عنه وديانا، إلا أنه سريعًا ما يشرك ديانا داخل سره الذي لا ينطق به علانية، فهل تراها تفكّر في الرجل أيضًا بالطريقة نفسها. هكذا يحب هشام مطر ديانا كثيرًا. ويقتبس عنها في موضع آخر مقطعًا من كتابة لها عن والد هشام مطر المغيب الذي لم تره إلا في الصور، وكانت قد أشرقت في روحي بشكل خاص الجملة التي قالت فيها مخاطبة والد هشام «أتساءل كيف ستنادي زوجي باسمه؟»

وكما الحال في تفكير مطر في الرجل الذي يحدق فيهما في حديقة، يصبحُ للناس من حوله مكانة في كتابته، حتى أولئك الهامشيين، يهجس بهم، يتخيل أقدارهم، فيخصص فصلًا كاملًا لحارسات المتحف، ولتلاشيه في وجودهن، حتى أنهن كن يتحدثن مع أنفسهن في وجوده، بينما تصمت الواحدة منهن إذا انضمت زميلة لها. يختفي هشام مطر إذن أمام الفن، يصبحُ ربما كما يستحق، ضربة فرشاة في اللوحات التي يظل أسيرًا لها، متحدًا بها، كما لو أنه «يعود» لوطنه الوحيد.

طُبع الكتاب في طبعة أنيقة، مزودة باللوحات التي يكتب عنها هشام مطر، الأمر الذي ذكرني بمثال آخر حزين في الترجمات العربية، فهنالك الكتاب المهم «السينما التدميرية» لفوغل، والذي طبع دون الصور التي تحيل إليها كتابات فوغل المهمة، فيخسر الكتاب قدرًا مهمًّا من قيمته. أما ترجمة زوينة آل تويه، فهي ترجمة رائعة ورائقة، كما عودتنا منذ «بارتلبي النساخ» كنتُ قد بدأت هذا الأسبوع بقراءة ترجمتها الأخرى «هامنت» عن دار أثر السعودية، أتمتع بها أيما متعة، وأحب شباب وشابات بلادي الذين يحققون حلمهم في هذا الحقل كما يليق بهم.

أمل السعيدي كاتبة وقاصة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هشام مطر

إقرأ أيضاً:

بوذا يقفز فوق الجدار.. لهذا السبب ترجمة أسماء الأطعمة الصينية تعد مهمة مستحيلة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- هل "شياو لونغ باو" تعتبر زلابية؟ ومِمَّا يتكون طبق يُدعى "شرائح رئة الزوج والزوجة" حقًا؟

مع زيادة السفر الدولي إلى الصين، سيواجه السياح حتمًا بعض الترجمات  الطريفة لعناصر قوائم الطعام أثناء تذوقهم لمأكولات البلاد الشهية.

لكن بالنسبة لمن يحاولون ابتكار أسماء إنجليزية لهذه الأطباق، فلا يُلامون على النتائج غير العادية والمُقلقة أحيانًا، ويصعب لوم تطبيقات الترجمة أيضًا. 

وبحسب أيساك يوي، وهو أستاذ مشارك في الترجمة بجامعة هونغ كونغ وباحث في أدب فن الطهو الصيني، فإن ترجمة أسماء الوجبات الصينية إلى الإنجليزية "مهمة مستحيلة".

ويقدّم مثالًا قائلاً: "يمكنك ترجمة شيزيتو (طبق شعبي من شرق الصين وشانغهاي) مجازيًا إلى "كرات اللحم الصينية" أو حرفيًا إلى "رأس الأسد المطهو ببطء"، لكن لا تجسد أي منهما جوهر الطبق أو سياقه الثقافي تمامًا".

"ثقافة طهي معقدة للغاية"

لشرح السبب وراء صعوبة ترجمة أسماء هذه الأطعمة، علينا النظر إلى تاريخ المطبخ الصيني العريق الزاخر بالعديد من الأطباق المربوطة بالقصص والصور الرمزية

أوضحت فوشيا دنلوب، وهي كاتبة طعام بريطانية متخصصة بالمطبخ الصيني لأكثر من عقدين، أنّ جزءًا كبيرًا من المشكلة ينبع من عدم توفّر كلمات معينة في اللغة الإنجليزية.

وقالت: "تتمتع الصين بثقافة طهي معقدة للغاية، مع مفردات محددة للغاية، وفي الكثير من الحالات، لا نملك أطعمة أو طرق طهي أو مفاهيم أو أشكال طعام مكافئة باللغة الإنجليزية".

ورُغم التحسينات التي شهدتها أدوات الترجمة الإلكترونية خلال السنوات الأخيرة، لا تزال دنلوب تصادف أخطاءً طريفة في ترجمة المصطلحات خلال رحلاتها في الصين.

طبق "شياو لونغ باو"

شياو لونغ باوCredit: simon2579/iStockphoto/Getty Images

بفضل عجينته الرقيقة وغير المخمّرة، يُشبه "شياو لونغ باو" زلابية "جياوزي" (هلالية الشكل)، لكنه من الناحية التقنية يُصنّف كنوع من زلابية الـ"باوزي".

محيّر، أليس كذلك؟ تعود أصوله إلى عهد أسرة سونغ، حيث صُمم في شكله الأولي ليشبه الـ"باو"، مع عجينة أكثر سُمكًا ومخمّرة، وكان يُحشى بمرق جيلاتيني يتحول إلى سائل عند الطهي على البخار.

يُشار إلى هذا الطبق أحيانًا بـ"تانغباو" (أي حساء الباو) باللغة الصينية.

باختصار، إنّه هجين بين الـ"باو" والـ"جياو".

كعكة اللفت أو كعكة الفجل؟ تظهر هذه الحلوى اللذيذة غالبًا في قوائم الطعام الإنجليزية على أنها كعكة اللفت، وهي في الواقع مصنوعة من الفجل.Credit: YamisHandmade/iStockphoto/Getty Images

طبق "لو باك غو"، المعروف أيضًا باسم "كعكة اللفت"، لا يحتوي على اللفت، فهو فطيرة لذيذة من الفجل الأبيض المبشور والروبيان المجفف والفطر.

أشار الأستاذ المشارك في البستنة بجامعة ولاية ميشيغان بأمريكا، غو تشينغ سونغ، إلى أنّ النبات المستخدم فيه هو الفجل البري.

وقال سونغ: "الفجل من الخضراوات الرئيسية (إلى جانب الملفوف الصيني) في الجزء الشمالي من نهر اليانغتسي خلال الشتاء".

ويُرجّح أن يكون الخطأ في الترجمة ناتجًا عن أوجه التشابه في الشكل واللهجات المحلية.

شرائح رئة الزوج والزوجة

يُترجم اسم هذا الطبق إلى "شرائح رئة الزوج والزوجة".Credit: Waqar Hussain/iStockphoto/Getty Images

مقالات مشابهة

  • تقرير أمريكي: الصراع في سقطرى يهدد بقاء "شجرة دم الأخوين" النادرة في العالم (ترجمة خاصة)
  • متى يصبح زيت السيارة قديما وعليك تغييره؟.. حسم الجدل
  • مجلة أمريكية تفند من المنتصر في حرب اليمن.. الحوثيون أم أمريكا؟ (ترجمة خاصة)
  • مشروعات ومبادرات عمانية واعدة تدعم الطاقة والنقل الأخضر
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • بوذا يقفز فوق الجدار.. لهذا السبب ترجمة أسماء الأطعمة الصينية تعد مهمة مستحيلة
  • حين يصبح الهدم بداية جديدة.. نازحو الشمال السوري يعودون لديارهم
  • هل يصبح زيت الزيتون سلعة نادرة على مائدة المغاربة؟
  • النجم الهندي  Hiten Tejwani لـ "الفجر الفني" : "العواطف لا تحتاج إلى ترجمة... وهذا سر سحر السينما الهندية"
  • التمييز الطبقي في اليمن.. يهدد النسيج الاجتماعي ويُقوّض قيم المساواة (تقرير)