التدخل الحكومي.. هل هو الحل لإنقاذ الاقتصاد الأوروبي؟
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
الاقتصاد نيوز - متابعة
يشهد الاقتصاد العالمي تحولات عميقة، دفعت بالعديد من الدول إلى إعادة تقييم سياساتها الاقتصادية، وفي قلب هذه التحولات، تبرز أوروبا التي تواجه تحديات اقتصادية متزايدة، بدءاً من المنافسة الشديدة من الاقتصادات الناشئة، ووصولاً إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي ظل هذا المشهد المتغير، هل يمكن لأوروبا أن تجد مخرجاً من أزمتها الاقتصادية من خلال التوجه نحو اقتصاد موجه، كما تفعل الولايات المتحدة؟ يدعو ماريو دراجي، أحد أبرز الاقتصاديين الأوروبيين، (الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ورئيس الوزراء الإيطالي السابق) إلى زيادة التدخل الحكومي في الاقتصاد كحل محتمل.
في مقال نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، تحت عنوان "لماذا تتبنى أوروبا النموذج الأميركي الجديد للنمو الاقتصادي؟"، يؤكد الكاتب جون سيندرو، أن اتباع نهج الولايات المتحدة يتطلب تدخلاً حكومياً أكبر في السياسة الصناعية والتجارية.
وشهدت سياسات الاتحاد الأوروبي اهتزازاً الأسبوع الماضي بعد أن نشر ماريو دراجي، الذي يُنسب إليه الفضل في إنقاذ منطقة اليورو في عام 2012، تقريره حول كيفية وقف الركود الاقتصادي الذي تفاقم بسبب المنافسة التي فرضتها الصادرات الصينية ونهاية حقبة الطاقة الروسية الرخيصة، حيث قوبل اقتراحه بإصدار المزيد من الديون المشتركة بالمعارضة من قبل ألمانيا، وهو أمر ليس جديداً على الساحة السياسية، بحسب المقال.
ويقول كاتب المقال: "النقطة الأساسية في التقرير هي أنه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يسعى للتقارب مع نموذج الولايات المتحدة فيما يتعلق بنمو الإنتاجية والابتكار، ماذا يعني الاقتراب أكثر من نموذج الولايات المتحدة؟، يؤكد دراجي على أهمية قطاع التكنولوجيا، مشيراً إلى أنه مسؤول عن كل النمو الزائد في الإنتاجية الأميركية على مدى العشرين عاماً الماضية. ويجادل بأن أوروبا لا تستطيع تحمل البقاء عالقة في الصناعات القديمة".
ويوضح أن هذا التركيز "العمودي" على قطاع واحد يشكل ابتعاداً كبيراً عن الوضع الراهن الذي ساد بعد الثمانينيات من القرن الماضي والذي روج للأسواق الحرة وروح المبادرة والسياسات "الأفقية" الهادفة إلى تعزيز الاقتصاد الأوروبي بأكمله مثل تعليم القوى العاملة وبناء البنية التحتية. هذا النهج متأصل في الأساس القانوني للاتحاد الأوروبي، معاهدة ماستريخت لعام 1992.
ويتساءل كاتب المقال.. لماذا الولايات المتحدة أكثر إنتاجية؟ ليجيب على التساؤل بنفسه: "هذا سؤال قديم طرحه ألين يونج، رئيس قسم الاقتصاد الأميركي في كلية لندن للاقتصاد، في عام 1928. وفي خطاب له، نفى أن تكون الفجوة ناتجة عن إدارة أفضل للشركات الأميركية. ما يعني أن الأساليب الإنتاجية التي تعتبر اقتصادية ومربحة في أميركا لن تكون كذلك في أماكن أخرى".
ويؤكد أن "الشركات لن تقوم إلا باستثمارات كبيرة لتعزيز الإنتاجية إذا كانت تعمل في قطاعات نمو حيث يكون ذلك منطقياً. وهذا هو سبب وجود فجوة في أوروبا في معدلات الاستثمار غير الإنشائية مقارنة بالولايات المتحدة فقد ظل أكبر ثلاثة منفقين على الأبحاث في الآونة الأخيرة من شركات تصنيع السيارات التي تعمل بالبنزين. على النقيض من ذلك، كان كبار المنفقين على البحث والتطوير في الولايات المتحدة في مجال السيارات والأدوية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم في مجال البرمجيات والأجهزة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ومؤخرا في التطبيقات الرقمية، ولكن الدول لا تستطيع الانتقال بسهولة إلى هذه القطاعات الأكثر تعقيدًا، لأن العوائد المتزايدة مع الحجم تخلق حاجزاً طبيعياً ضد أي منافس ناشئ".
وفي الواقع، لا يمكن تفسير عالم اليوم المليء بـ "شركات رابح واحد" والاختلالات التجارية الراسخة والتكتل في عدد قليل من المناطق الحضرية بالكامل عن طريق المزايا النسبية، أو حتى تأثير أسعار الصرف غير المتوازنة وتدفقات رؤوس الأموال، ولا يمكن تفسير التاريخ أيضاً لأي دولة حاولت اللحاق بالركب اقتصادياً على الإطلاق. على الرغم من سجلها في سياسة عدم التدخل، فقد كانت الولايات المتحدة خلال مرحلة اللحاق بالمملكة المتحدة في القرن التاسع عشر، مستخدماً متحمسًا للسياسات الحمائية في الصناعة.
ويضيف كاتب المقال "كانت الولايات المتحدة بطلة التجارة الحرة متعددة الأطراف في النصف الثاني من القرن العشرين، وكان لديها حوافز كافية للقيام بذلك حتى وقت قريب جدًا. استخدمت شركات وادي السيليكون التابعة لها، التي ولدت جزئياً من خلال الاستثمارات العسكرية السابقة، اقتصادات الشبكات لتصبح بطلة العالم، ولكن أميركا بدأت تغير رأيها مع تحول الصين إلى منافس مباشر. تساعد الدعم الصناعي والسوق المحلي الواسع الصين الآن في إغراق الأسواق العالمية بالسيارات الكهربائية واللوحات الشمسية وغيرها من التقنيات المتقدمة بسعر لا يمكن تحقيقه للمنافسين الغربيين ذوي الحجم الأصغر".
جاء الرد أولاً من خلال تعريفة دونالد ترامب، ثم قانون الرقائق والعلوم وقانون خفض التضخم الذي تبناه الرئيس بايدن، والذي قدم أموالاً فيدرالية لصناعات أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية والطاقة النظيفة المحلية. على الرغم من الصعوبات النامية، كما تظهر مشاكل شركة إنتل، فقد أدت إلى طفرة في بناء التصنيع، ولكن الاتحاد الأوروبي فشل في الرد بنفس القدر، بحسب سيندرو.
فوائد التدخل الحكومي
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي علي حمودي: "أعادت الدعوات الأخيرة لمزيد من التدخل الحكومي في اقتصاد أوروبا والتي تعكس الرؤى التي عبر عنها رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي، إشعال نقاش طويل الأمد، هل يمكن لنهج أكثر تدخلاً، ربما يشبه النموذج الأميركي، أن ينقذ الاقتصاد الأوروبي من أزماته الحالية؟".
ويرى حمودي أن الحجة لصالح التدخل الحكومي تتجلى في:
معالجة إخفاقات السوق، حيث يتعقد المؤيدون أن التدخل الحكومي ضروري لمعالجة إخفاقات السوق، مثل الافتقار إلى الاستثمار في التكنولوجيات الخضراء والبنية الأساسية وشبكات الأمان الاجتماعي غير الكافية.
تشجيع الإبداع، حيث يمكن للمبادرات التي تقودها الحكومة أن تحفز الإبداع والبحث، وخاصة في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والتصنيع المتقدم.
معالجة التفاوت، حيث يمكن لنهج أكثر تدخلاً أن يعالج التفاوت في الدخل من خلال تمويل التعليم والرعاية الصحية والبرامج الاجتماعية، وخلق مجتمع أكثر إنصافاً.
السيطرة على التضخم، إذ يمكن للحكومات استخدام أدوات السياسة المالية، مثل زيادة الإنفاق وخفض الضرائب المستهدفة، لإدارة التضخم وتحفيز الطلب أثناء فترات الركود الاقتصادي.
مخاطر الاقتصاد الموجه
ولكن الخبير الاقتصادي حمودي أشار إلى مخاطر الاقتصاد الموجه وفقاً لما يلي:
انخفاض الابتكار والكفاءة، يمكن للتدخل الحكومي المفرط أن يخنق الابتكار والكفاءة في القطاع الخاص، مما يخلق اقتصاداً أقل ديناميكية وتنافسية.
زيادة البيروقراطية، حيث يمكن أن يؤدي توسيع مشاركة الحكومة إلى زيادة البيروقراطية، وبطىء اتخاذ القرار، وتقليل المرونة في الاستجابة لظروف السوق المتغيرة.
إزاحة الاستثمار الخاص: يمكن للإنفاق الحكومي المفرط أن يزاحم الاستثمار الخاص، حيث قد ترى الشركات بيئة أقل ملاءمة للنمو.
الخطر الأخلاقي، ويمكن أن يؤدي الاعتماد المفرط على التدخل الحكومي إلى خلق خطر أخلاقي، حيث تصبح الشركات والأفراد معتمدين بشكل مفرط على الدعم الحكومي، مما يقوض الاعتماد على الذات.
محاكاة النموذج الأميركي
ورداً على سؤال فيما إذا كانت أوروبا تستطيع أوروبا محاكاة النموذج الأميركي قال حمودي: "للولايات المتحدة تاريخ طويل من التدخل الحكومي في اقتصادها، وأبرزها في الأزمة المالية عام 2008. ومع ذلك، فإن النموذج الأميركي ليس خالياً من المنتقدين، الذين يزعمون أنه ساهم في عدم المساواة وتراكم الديون. إن محاكاة النموذج الأميركي في أوروبا يتطلب تحولاً كبيراً في المواقف الثقافية والسياسية تجاه التدخل الحكومي".
وأضاف: لقد حث دراجي، المعروف بأفعاله الجريئة أثناء أزمة منطقة اليورو، على تدخل حكومي أكبر لمعالجة التحديات الاقتصادية التي تواجه أوروبا، بما في ذلك تغير المناخ، والابتكار التكنولوجي، والتفاوت الاجتماعي. وتسلط حججه الضوء على الحاجة إلى نهج أكثر استراتيجية واستباقية لضمان القدرة التنافسية لأوروبا وقدرتها على الصمود في المشهد العالمي المتغير بسرعة".
ويرى الخبير الاقتصادي حمودي أن المناقشة حول التدخل الحكومي في أوروبا لم تستقر بعد. وفي حين أن زيادة التدخل يمكن أن تعالج بعض إخفاقات السوق وتعزز العدالة الاجتماعية، فإنها تحمل مخاطر انخفاض الكفاءة، وزيادة البيروقراطية، والتشوهات المحتملة في ديناميكيات السوق.
وأكد أن المفتاح يكمن في إيجاد التوازن بين الأسواق الحرة والتدخل الحكومي. وهذا يتطلب دراسة متأنية للتحديات المحددة التي يواجهها الاقتصاد الأوروبي، وفهما ًواضحاً للمخاطر والفوائد المحتملة للتدخل، والالتزام بالشفافية والمساءلة في الإجراءات الحكومية. ويتطلب المسار إلى الأمام نهجاً دقيقاً يعالج التحديات الفريدة التي تواجه أوروبا ويعزز النمو المستدام والرفاهة لمواطنيها، لافتاً إلى أن مستقبل الاقتصاد الأوروبي سوف يعتمد في نهاية المطاف على قدرته على التعامل مع التفاعل المعقد بين قوى السوق والتدخل الحكومي، مع الحفاظ على التركيز على النمو المستدام والشامل.
الإنتاجية والابتكار
بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "نحن نتحدث عن نظام اقتصادي يعتمد على زيادة التدخل الحكومي في السياسات الصناعية والتجارية، وهو الأمر الذي يواجه حالياً نقاشاً صعباً حول فعاليته في معالجة التحديات الاقتصادية الخاصة بأوروبا".
وأضاف: "يعتقد ماريو دراجي، في تقريره لعام 2024 حول القدرة التنافسية الأوروبية، أن التدخل الحكومي المكثف ضروري لتعزيز الإنتاجية والابتكار في أوروبا، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة وهي قطاعات تتخلف فيها أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة والصين. ويشير دراجي إلى ضرورة ضخ استثمارات كبيرة في هذه المجالات لكي تتمكن أوروبا من المنافسة مع الولايات المتحدة والصين".
إحدى التوصيات الرئيسية لدراجي هي زيادة الاستثمارات بنحو 800 مليار يورو سنوياً، وهي خطوة تواجه مقاومة من دول مثل ألمانيا وهولندا. وتعتبر هذه الاستثمارات ضرورية لتحديث القاعدة الصناعية القديمة في أوروبا ودعم الابتكار. ومع ذلك، فإن التحديات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي، مثل الانقسامات بين الدول الأعضاء، قد تعرقل تحقيق هذا الهدف، بحسب تعبيره.
بالإضافة إلى ذلك، اقترح دراجي إصدار ديون مشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي وتخفيف القواعد المتعلقة بالمنافسة للسماح بإنشاء "أبطال أوروبيين" يمكنهم التنافس على الساحة العالمية، لكن هذه الاقتراحات لاقت معارضة سياسية كبيرة.
ويرى القمزي رؤية دراجي بأن أوروبا بحاجة إلى تركيز استثماراتها على تقنيات محددة وإنشاء مراكز ابتكار عالمية لمواكبة التطورات في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، تتطلب التغلب على تحديات سياسية وهيكلية كبيرة لضمان نجاحها.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار الاقتصاد الأوروبی التدخل الحکومی فی الاتحاد الأوروبی الولایات المتحدة الخبیر الاقتصادی فی أوروبا فی قطاعات من القرن من خلال
إقرأ أيضاً:
«معلومات الوزراء»: 3 تحولات أساسية تُعيد تشكيل الاقتصاد العالمي مستقبلًا
في إطار اهتمام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، برصد وتحليل كل ما هو متعلق بالتقارير الدولية التي تتناول الشأن المصري أو تدخل في نطاق اهتماماته، سلط المركز الضوء على عدد من التقارير الدولية التي ترصد التوقعات الاقتصادية العالمية، ومن ذلك تقارير لعدد من الجهات والمؤسسات الدولية أبرزها بنك مورجان ستانلي وبروجيكت سينديكت.
حيث سلط تقرير بنك مورجان ستانلي، - والذي جاء بعنوان «التوقعات الاقتصادية لمنتصف عام 2025: تباطؤ واسع النطاق»، الضوء على تباطؤ واسع في النمو الاقتصادي العالمي خلال عام 2025، المدفوع بتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية وتراجع الطلب العالمي، مع تفاوت في السياسات النقدية والمالية بين الدول. كما يبرز اختلاف مسارات التضخم، واستمرار التحديات البنيوية في الصين، وتماسك نسبي في الهند واليابان، وسط حالة متزايدة من عدم اليقين على المستويين السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.
أوضح التقرير أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي إلى معدل سنوي يبلغ 2.9% في عام 2025، مقارنة بـ3.3% في 2024، مع انخفاضه إلى 2.5% بحساب الربع الرابع على أساس سنوي. ويُعزى هذا التراجع أساسًا إلى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي الذي يؤثر سلبًا على بقية دول العالم. مشيرًا إلى أن هذا التباطؤ سيجعل من عام 2025 أضعف عام نمو منذ جائحة «كوفيد-19».
أشار التقرير إلى أن السياسات التجارية الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة الزيادات الجمركية، قد أحدثت صدمة هيكلية للاقتصاد العالمي، حيث أدت حالة عدم اليقين الناتجة عن تلك الإجراءات إلى تقييد الطلب عالميًّا. وعلى الرغم من احتمال استمرار المفاوضات التجارية الأمريكية، إلا أنه من غير المرجح إزالة الرسوم بالكامل، مما يبقي على التوتر في النظام التجاري العالمي.
أوضح التقرير أن التوقعات تشير إلى أن التضخم سيواصل الانخفاض في معظم الدول، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قد تؤدي الرسوم الجمركية إلى ارتفاع أسعار المستهلكين، لتبلغ ذروتها بين 3% و3.5% في الربع الثالث من 2025. ومن المتوقع أن تؤدي أسعار النفط المنخفضة، وتقدير العملات، وتراجع الطلب إلى استمرار التباطؤ في نمو الأسعار عالميًّا، مع بلوغ التضخم العالمي 2.1% في عام 2025 و2% في عام 2026.
أفاد التقرير أنه في ظل تراجع النمو والتضخم، قد تتجه البنوك المركزية في أغلب الدول إلى خفض أسعار الفائدة. إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل حالة استثنائية، حيث من المرجح أن يُبقي الاحتياطي الفيدرالي على معدلات الفائدة دون تغيير حتى مارس 2026. وفي المقابل، ستزيد الحكومات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصين من الإنفاق العام لتحفيز النمو، مما سيرفع مستويات العجز، لا سيما في كل من ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح التقرير أنه من المتوقع أن يتباطأ الاقتصاد الأمريكي من نمو بلغ 2.8% في عام 2024 إلى 1.5% في عام 2025، ثم إلى 1% في عام 2026، نتيجة للقيود على الهجرة، وعدم اليقين بشأن السياسات، وارتفاع الرسوم الجمركية. كما من المتوقع أن يكون هناك ضغوط تضخمية إضافية بفعل نقص العمالة، لا سيما في قطاع الخدمات، على أن يبدأ التضخم في التراجع في عام 2026 مع ضعف الطلب وانخفاض الإنفاق الاستثماري.
ويرجح التقرير أن يحتفظ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بموقفه الحذر حتى أواخر 2025، حين تبدأ الضغوط التضخمية في الانحسار، ليعقب ذلك ضعف في سوق العمل. وبناءً على ذلك، من المتوقع أن يخفض الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 175 نقطة أساس بحلول نهاية 2026، متجاوزًا ما يُعرف بمستوى «الحياد النقدي».
أما في منطقة اليورو، فإن ضعف الصادرات يمثل العائق الرئيس أمام النمو، ويتوقع أن ينمو الاقتصاد الأوروبي بنسبة 1% في عام 2025، مقارنة بـ0.8% في عام 2024، على أن يتراجع التضخم دون مستهدف البنك المركزي الأوروبي خلال نفس الفترة. ويرجح أن يواصل البنك المركزي الأوروبي دورة التيسير النقدي ليصل سعر الفائدة إلى 1.5% بنهاية العام.
وفي الصين، أوضح التقرير أنه من غير المتوقع أن تنجح جهود الحكومة في تحفيز الاقتصاد في تعويض الأثر السلبي للرسوم الجمركية الأمريكية. كما تواصل البلاد مواجهة ضغوط انكماشية وضعف في قطاع الإسكان. ويتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 4.5% في عام 2025 و4.2% في عام 2026، مقارنة بـ5% في عام 2024، مع استمرار التحديات البنيوية المرتبطة بالديون والاختلالات الاقتصادية.
وفي هذا الصدد، تشير التقديرات إلى أن اليابان ستستفيد من تحسن دخول الأسر بفضل زيادة الأجور وتباطؤ التضخم، ما يدعم ثقة المستهلك ويُبقي على نمو اقتصادي بنسبة 1% في عام 2025 و0.5% في عام 2026، ارتفاعًا من 0.2% في عام 2024. أما الهند، فتظل الاقتصاد الأسرع نموًا عالميًّا، مع توقعات بنمو يبلغ 5.9% في عام 2025 و6.4% في عام 2026، مدعومًا بقوة الطلب المحلي وتوسع صادرات الخدمات والسياسات الاقتصادية الداعمة للنمو.
أضاف التقرير أنه في أمريكا اللاتينية، من المتوقع أن يتوقف النمو في المكسيك خلال 2025، مع احتمال التعافي في عام 2026، بسبب تأثير الرسوم الجمركية والارتباط الوثيق بالاقتصاد الأمريكي، بالإضافة إلى ضعف الطلب المحلي وسوق العمل. ويرجح استمرار حالة عدم اليقين حتى منتصف عام 2026، موعد إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة بين كل من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك (USMCA).
أوضح التقرير أنه من المتوقع أن تحقق البرازيل نموًا في عامي 2025 و2026، وإن كان بوتيرة أبطأ. وتكمن أبرز التحديات في أسعار الفائدة المرتفعة، وتآكل الأجور، وضعف الاستثمارات قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2026، مما يضغط على إمكانات النمو في أكبر اقتصاد بأمريكا الجنوبية.
اتصالاً، سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الضوء أيضاً على تقرير منظمة بروجيكت سينديكت والذي جاء بعنوان «فهم الاقتصاد العالمي الجديد»، والذي تناول التحولات البنيوية التي تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي، من خلال استعراض ثلاث عوامل رئيسة هي: اضطراب تدفقات رؤوس الأموال بسبب التوترات الجيوسياسية، والتفاوت الديموغرافي بين مناطق نامية تتسم بوجود قوة شابة بها وأخرى متقدمة تتجه نحو الشيخوخة، وتصاعد الانقسامات الإيديولوجية الذي يعمق تفكك العولمة ويزيد من تعقيد البيئة الاقتصادية وصعوبة التنبؤ بتوجهاتها المستقبلية.
أوضح التقرير أن البيئة الاقتصادية العالمية تشهد اليوم اضطرابًا متزايدًا، الأمر الذي يفرض على صانعي السياسات وقادة الأعمال والمستثمرين إعادة التفكير في النماذج الذهنية التي يستخدمونها لتحليل الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى ثمة ثلاثة تحولات أساسية تُعيد تشكيل هذا الاقتصاد، وهي تدفقات رؤوس الأموال، والتغيرات الديموغرافية، والانقسامات الإيديولوجية، وهي جميعًا تدفع نحو عالم أكثر تجزؤًا وانغلاقًا.
أفاد التقرير أن تدفقات رؤوس الأموال تخضع لتغيرات ناتجة عن متطلبات تنظيمية كحظر الولايات المتحدة الأمريكية للاستثمار في الصين، وسعي المستثمرين وراء فرص جديدة لعوائد مرتفعة في مختلف القطاعات والمناطق، فقد تمثل الولايات المتحدة الأمريكية حاليًّا ما يقارب 70% من القيمة السوقية للأسهم عالميًّا، وتجذب أكثر من 70% من التدفقات إلى سوق الاستثمارات الخاصة البالغة 13 تريليون دولار. ويرجع ذلك إلى كون السوق الأمريكية الأكثر قدرة على تحقيق عوائد جذابة بفضل ريادتها في الابتكار وعمق سيولتها.
بالإضافة إلى، خطر الرفع المالي الخفي (Hidden Leverage) وديون القطاع المصرفي الموازي، إذ أفادت "ستاندرد آند بورز" بأن هذه البنوك امتلكت أصولًا مالية بقيمة 63 تريليون دولار بنهاية 2022، أي ما يعادل 78% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وفي عام 2024، شكلت هذه المؤسسات 70% من إقراض الرهن العقاري والتمويل عالي المخاطر في الولايات المتحدة الأمريكية، مما يستدعي من المستثمرين وقادة الأعمال التساؤل عن طبيعة الجهات الحائزة للديون، وأين تكمن نقاط التركّز المالي الكبرى.
والجدير بالذكر أن الرفع المالي الخفي هو استخدام الديون أو الأدوات المالية ذات المخاطر العالية بطريقة غير واضحة أو غير مُعلنة ضمن النظام المالي، بحيث لا تظهر هذه الالتزامات بشكل مباشر في الميزانيات العمومية للمؤسسات أو لا تخضع للرقابة التنظيمية الكاملة.
وفي السياق الديموغرافي، أوضح التقرير أن الكثافة السكانية تستمر في الارتفاع عالميًّا، إذ تتوقع الأمم المتحدة بلوغ عدد السكان 11.2 مليار نسمة بحلول 2100، مقارنة بـ8.1 مليار حاليًّا، حيث يعيش قرابة 90% من سكان العالم في الأسواق الناشئة الأفقر، وتُظهر التوقعات استمرار النمو السكاني في مناطق مثل إفريقيا والهند والشرق الأوسط بمعدلات تفوق 2.1 طفل لكل امرأة، ما يعني بقاء هذه المناطق شابة.
وفي إفريقيا، على سبيل المثال، يشكِّل من هم دون سن 25 عامًا ما بين 50% و60% من السكان، مقارنة بـ20% فقط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وفي المقابل، تشهد مناطق أخرى مثل أوروبا والصين تراجعًا في معدلات المواليد وشيخوخة سكانية متسارعة. في حين، تُظهر بيانات «يوروستات» أن عدد سكان الاتحاد الأوروبي سيبلغ ذروته عام 2026 عند 453.3 مليون نسمة، لينخفض لاحقًا إلى 419.5 مليون بحلول 2100.
وفي الصين، تفيد بيانات الأمم المتحدة بأن عدد سكانها سيتراجع من 1.4 مليار حاليًّا إلى أقل من 800 مليون في نهاية القرن. ولهذا التباين في الاتجاهات السكانية آثارٌ بعيدة المدى على الطلب والإنتاج العالمي للسلع كالطاقة والغذاء. فعلى سبيل المثال، لا تزال الهند تعتمد بشدة على الفحم والوقود الأحفوري لتلبية احتياجات سكانها الفقراء، مقارنة بالاعتماد على الطاقة المتجددة.
أما على الصعيد الأيديولوجي، أوضح التقرير أن التباعد بين الدول والمناطق أصبح أمرًا واقعًا يجب مراعاته. فانهيار التعددية وتجزئة التجارة وتدفقات رؤوس الأموال والهجرة وتبادل الأفكار أصبحت جميعها تدخل في حسابات الأسواق. ورغم أن كبرى الشركات الأمريكية ما زالت تحقق أكثر من نصف إيراداتها من خارج الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها مطالبة بإعادة تقييم علاقاتها التجارية التقليدية وتحالفاتها المتوترة.
وعلى المدى القصير، قد تؤدي سياسات الرسوم الجمركية وعمليات الترحيل التي تنتهجها إدارة ترامب إلى ارتفاع الأجور وأسعار السلع والخدمات، ما يغذي التضخم. وسيرافق ذلك ارتفاع في تكلفة رأس المال، مما قد يضعف شهية الاستثمار لدى الشركات. أما على المدى البعيد، فإن فك العولمة وتطورات التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية ستُعمّق من الانقسامات الإيديولوجية.
أشار التقرير إلى أن التوترات الجيوسياسية تُظهر انقسامًا حادًا بين الرأسمالية الحكومية والرأسمالية السوقية، مع إعادة تشكيل التحالفات والمجموعات الدولية. كما أكد التقرير أن هذه التحولات تزيد من صعوبة تحقيق التوافق العالمي، حتى في جهود كانت محل احتفاء عالمي مثل مؤتمرات المناخ التابعة للأمم المتحدة. وفي ظل تباطؤ النمو العالمي، أصبحت التجارة والتمويل والطاقة والدين والذكاء الاصطناعي والهجرة تُستخدم كأدوات للنفوذ، ما يعقّد المشهد ويجعل التنبؤ بالسياسات أكثر صعوبة.
أوضح التقرير في ختامه أن التحولات المتسارعة في بنية الاقتصاد العالمي تفرض على صانعي السياسات وقادة الأعمال تقليص آفاقهم الزمنية في التخطيط واتخاذ القرار، مع اعتماد أفق زمني أقصر لا يتجاوز 18 شهرًا بدلًا من الدورات الاقتصادية التقليدية الممتدة. فوسط هذا القدر المتنامي من التقلبات، لم يعد بالإمكان الاعتماد إلى استقرار الأطر التنظيمية أو التوازنات الجيوسياسية أو المعطيات الاقتصادية، مما يجعل من المرونة والتكيّف السريع شرطًا أساسيًّا للنجاح في البيئة العالمية الجديدة.
اقرأ أيضاًالأحزاب المصرية تثمن بيان الخارجية حول الضوابط التنظيمية لزيارة المنطقة الحدودية
وزير الخارجية والهجرة يلتقى نظيره النرويجي لتعزيز العلاقات