اقتربت النهاية.. الكيان يسير نحو الخراب الثالث
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
الثورة /
يساور الكثير من اليهود القلق بشأن مستقبل الكيان الصهيوني، إذ يثار الشك في المستقبل الذي ينتظره، حيث يشير الإسرائيليون إلى أمثلة تاريخية تبين أن “مملكة داود وسليمان”، التي كانت الدولة اليهودية الأولى، لم تستمر لأكثر من 80 عاماً، وبالمثل “مملكة الحشمونائيم”، الدولة الثانية لليهود، انتهت في العقد الثامن من تأسيسها، بينما إسرائيل الحالية وهي ” الثالثة”، تقترب من العام الثامن والسبعين.
في أبريل 1998م، أدلى الشيخ أحمد ياسين بتصريحات تنبأ فيها بمستقبل الكيان بعد خمسين عاماً من تأسيسه
وقال الشيخ أحمد ياسين: “إسرائيل قد نشأت على أساس ظلم واضطهاد، وكل كيان مبني على الظلم والاضطهاد سيواجه الهلاك… ليس هناك قوة في العالم تدوم إلى الأبد، فالإنسان يولد طفلاً ثم يكبر ويشيخ، وهكذا الدول تولد وتنمو ثم تندثر”.
وأضاف: “إن شاء الله فستندثر إسرائيل في الربع الأول من القرن القادم، تحديداً في عام 2027م”.
وكان الشيخ أحمد ياسين يتحدث خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة في برنامج “شاهد على العصر”، وفي رده على سؤال حول سبب اختيار هذا التاريخ، قال : “نحن نؤمن بالقرآن الكريم، والقرآن أخبرنا أن الأجيال تتغير كل أربعين عاماً، في الأربعين الأولى كانت لدينا النكبة، وفي الأربعين الثانية جاءت الانتفاضة والمواجهة والتحدي والقتال والقنابل، وفي الأربعين الثالثة ستحدث النهاية إن شاء الله”.
وأكمل: “هذا تفسير قرآني، فعندما ألقى الله على بني إسرائيل الضلال لمدة أربعين عاماً، لماذا؟ لتغيير الجيل المريض وتحضير جيل قوي ومقاتل، إذ استبدل الله جيل النكبة بجيل الانتفاضة، والجيل القادم سيكون جيل التحرير إن شاء الله”.
قد يبدو الحديث عن الزوال مبالغاً فيه وغير مستند إلى تحليل منطقي، ولكن عند قراءة الوضع الداخلي لهذا الكيان واستناداً إلى الاعترافات التي تصدر من منظومته السياسية والفكرية والعسكرية، يظهر التشكيك في مستقبله ويعزز مصداقية نبوءة اندثارها.
وقد كانت حادثة هروب الإسرائيليين خلال عملية طوفان الأقصى إشارة واضحة إلى ذلك، إذ جرى تداول مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر هروبهم من دون النظر إلى الوراء، ما يشير إلى عدم ارتباطهم بالأرض واعترافهم بأنهم محتلون لأرض غيرهم وزائلون.
وفي مقال لرئيس الوزراء السابق “إيهود باراك” في صحيفة “يديعوت أحرنوت” بمناسبة الذكرى الـ74 لتأسيس إسرائيل، أكد أنه في تاريخ الشعب اليهودي لم تستمر دولة يهودية لأكثر من 80 عاماً إلا في فترتين، وكان في كلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن، وتنتهي الدولة الصهيونية الحالية في العقد الثامن.
ويخشى أن يتأثر هذا العهد الثامن باللعنة نفسها التي أصابت الدول اليهودية السابقة، مثل “مملكة داود” الأولى في الفترة بين عامي 586-516 قبل الميلاد و”مملكة الحشمونائيم” في الفترة بين عامي 140-37 قبل الميلاد، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان استمرتا لأقل من 80 عاماً.
قلق قادة الكيان
أعلن بنيامين نتنياهو – رئيس الوزراء الإسرائيلي، في عام 2017م أنه يجب العمل على ضمان استمرارية إسرائيل لمدة 100 عام، وأشار إلى أنه لم يحدث في التاريخ أن استمرت دولة يهودية لأكثر من 80 عاماً.
وصرح وزير الحرب الإسرائيلي السابق، بأن هناك مخاوف من سيطرة الفلسطينيين على إسرائيل في المستقبل، وتوقع أن تتقلص إسرائيل بين مستوطنتي غديرا والخضيرة.
من جانبه، أعرب يوفال ديسكين – الرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي، عن قلقه إزاء التهديد الداخلي الذي يشكله أزمة الهوية والديمقراطية في الكيان.
أيضاً، هناك قلق مشابه من صحفيين ومفكرين وكتّاب صهاينة بشأن مستقبل إسرائيل، حيث يشير الجنرال المتقاعد شاؤول أرئيلي – المستشرق والمختص في الصراع العربي الإسرائيلي، إلى فشل الحركة الصهيونية في تحقيق حلم إقامة دولة إسرائيلية ديمقراطية بأغلبية يهودية. يعتبر أرئيلي أن الصراعات الداخلية والتوترات الثقافية والهوياتية تهدد استمرارية الكيان.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد المحلل الإسرائيلي آري شافيط أن إسرائيل تواجه نقطة لا عودة وأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، ويرى أن الإسرائيليين يدركون أنهم أصبحوا ضحية لكذبة صهيونية ويشير إلى وجود عملية تدمير ذاتي ومرض سرطاني في إسرائيل يصل إلى مراحله النهائية.
بيني موريس – المؤرخ الإسرائيلي، يعتقد أيضاً أن إسرائيل ستشهد انحلالاً وغوصاً في الوحل، ويتوقع انتصار العرب والمسلمين وتحول اليهود إلى أقلية في تلك المنطقة، إما بأن يطاردوا وإما يُقتلوا.
رونالد لودر- رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، يعتبر أن فكرة الدولة الواحدة تشكل تهديداً خطيراً لوجود إسرائيل، ويشير إلى أن عدد السكان العرب الذين يعيشون في المنطقة بين البحر ونهر الأردن قد تجاوز عدد السكان اليهود، وهذا يُعَد تحدياً صعباً. يؤكد أنه إذا مُنح الفلسطينيون الجنسية الكاملة والحقوق الكاملة، فإن إسرائيل لن تعود دولة يهودية، وإذا لم تفعل ذلك، فلن تكون ديمقراطية. وبغض النظر عن السيناريو الذي يحدث، فإن إسرائيل قد تتوقف عن الوجود.
وعلى الرغم من أن بعض الأشخاص يرون نبوءة الزوال كاستراتيجية خبيثة لجذب التعاطف نحو اليهود وتأمين الدعم الدولي المستمر لإسرائيل، فإن هذه المواقف الصهيونية الداخلية لا يمكن أن تكون متكررة بهذا الشكل لولا الاعتقاد الحقيقي في خطورة الزوال، فلا يكون من الطبيعي أن نسمع من قادة دولة مستبدة بصورة واضحة يتحدثون عن احتمالية اندثارها.
إن هؤلاء الصهاينة لا يتحدثون عن الخطر الخارجي الذي يتمثل في زيادة قوة المقاومة في المنطقة وسقوط المئات من الصواريخ من غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن أو غيرها، ما يدفع الصهاينة إلى الهجرة ويترك الجيش الإسرائيلي منهاراً من دون دعم شعبي، فيتحول إلى مجموعات منفصلة يسهل استهدافها.
إسرائيل تعاني في الوقت الحالي انقساماً داخلياً مستعصياً، إذ تتفكك القوى البرلمانية المختلفة التي من المفترض أن تشكل الحكومة، فتتكون تحالفات رئيسية تضم عدداً كبيراً من الأحزاب.
ويصف الباحث السياسي أفرايم غانور حالة الإسرائيليين بأن الأرض تهتز تحتهم، إذ يشاهدون أمة مشتتة ومجتمعاً متقسماً، وينتظرون قائداً ومعجزة تخلصهم من الكراهية المستعرة التي تأكل كل جزء مما أسماها “الدولة”.
ويراقب الكثير من المحللين، تراجع روح التضحية والقتال في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وزيادة القلق من الخسائر البشرية والاعتماد المفرط على القوة الجوية. يبدو أن الجيش يتجنّب المخاطرة بالعمليات البرية وهذا نراه واضحاً في عملية طوفان الأقصى الحالية.
بينما تنمو قوة المقاومة الفلسطينية، وتزداد اعتمادية الناس عليها كمصدر للإلهام والقدوة، وتظهر في غزة جرأة كبيرة وقدرة على المبادرة،
والأكثر خطورة لإسرائيل هو نجاح المقاومة في ربط الساحات الفلسطينية المختلفة، إذ يعتبر الاحتلال الفلسطينيين في الداخل خطراً كبيراً في أي معركة مقبلة.
عامل آخر يمكن أن يلعب دوراً في زوال إسرائيل هي التغيرات الديموغرافية بين اليهود والعرب في داخل أراضي 48، إذا استمرت معدلات النمو السكاني للعرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة نفسها بمعدلات عالية، فقد يتغير التوازن الديموغرافي بشكل كبير.
عامل آخر يمكن أن يؤثر في استمرارية إسرائيل هي التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية، إسرائيل معروفة بابتكاراتها وتقدمها في مجال التكنولوجيا والبحث والتطوير، ومع ذلك، إذا تدهورت الأوضاع الاقتصادية وتراجعت القدرة التنافسية لإسرائيل على المستوى العالمي، فقد يكون لذلك تأثير في استمرارية الدولة.
علاوة على ذلك، العلاقات الدولية والتحالفات الإقليمية تلعب أيضاً دوراً في استمرارية إسرائيل، إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي والتحالفات الاستراتيجية للحفاظ على أمنها واستقرارها، إذا تغيرت الديناميكية الدولية وتراجع الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل، فقد يكون لذلك تأثير كبير في استمراريتها.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
أمريكا.. من إرث الإبادة إلى هندسة الخراب العالمي
هذا النموذج الاستيطاني الذي قام على أنقاض أمة كاملة هو الذي يفسر -اليوم- الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي؛ فكلا الكيانين يشتركان في سياسية الإحلال وإبادة السكان الأصليين عن طريق التهجير والتدمير والقتل. فواشنطن ترى في الكيان الإسرائيلي امتداداً لنفسها، ولذلك تستمر في توفير الغطاء السياسي والعسكري للكيان ليمارس جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، معتبرةً أن السيطرة على موارد الشعوب هي حق طبيعي لـ "شرطي العالم".
إن الشرطَ الأَسَاسيَّ لمسيرة التاريخ الأمريكي وصيرورته وكل ما حقّقه من قوة وإنجازات مادية هو غياب الفضائل والحكمة والعقل والأخلاق والروح والعاطفة والرحمة والإنسانية، وسيادة التوحش والإباحية والكراهية والقسوة والانحلال الخلقي، أي باختصار نفي كُـلّ فضيلة إنسانية وأخلاقية وروحية عن الشخصية الأمريكية الرئيسية القيادية والنخبوية التي لعبت الدور الحاسم في أحداث التاريخ الأمريكي.
تبدأ القصة الدموية للولايات المتحدة من نقطة الصفر، حيث تأسس هذا الكيان على أشلاء السكان الأصليين بعد إبادتهم والاستيلاء على أراضيهم بقوة السلاح، لتؤسس واشنطن نهجها القائم على التوسع عبر الدماء.
ولم تكد تجف دماء التأسيس حتى دشنت أمريكا سلسلة حروبها الخارجية، كان أبرزها العدوان المبكر على شعب "نيكاراغوا" في عام 1833، مؤسسةً بذلك لسياسة "الحديقة الخلفية" في جنوب القارة الأمريكية، ومستخدمة عملاء محليين لضمان هيمنتها التي لا تزال مستمرة في اعتدائها على هذا الشعب حتى اليوم.
ومع طي صفحة الحرب العالمية الثانية، دشنت واشنطن حقبة جديدة من "إرهاب الدولة" المنفرد؛ ففي السادس والثامن من أغسطس 1945، ارتكبت الجريمة النووية الوحيدة في التاريخ بقصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، حاصدة أرواح ثلاثمائة ألف مدني في لحظات، ومخلفة إرثاً من التشوهات الخلقية يلاحق الأجيال.
امتدت الأذرع الأمريكية لتفتك بشبه الجزيرة الكورية مدمرة إياها ومكرسة تقسيمها إلى دولتين، قبل أن تغوص في وحل فيتنام في عدوان استمر عقدين من الزمان، وانتهى عام 1975.
هناك، أحرق الجيش الأمريكي الأخضر واليابس بمادة "العامل البرتقالي" السامة وقنابل "النابالم" المحرمة دولياً.
لم تتوقف الشهية العدوانية عند حدود آسيا، بل امتدت لتشمل المنطقة العربية والإسلامية؛ فخاضت حروباً مباشرة ومدمرة ضد أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن وإيران، مستخدمة أسلحة دمار شامل كاليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض الذي فتك بعشرات الآلاف من العراقيين، وصولاً إلى احتلالها الحالي لمناطق في سوريا، وتدخلاتها في الصومال، وتهديداتها المستمرة لكوبا وفنزويلا وإيران بذريعة البرنامج النووي.
وتتويجاً لهذا المسار التصعيدي، أوصلت السياسة الأمريكية الوضع في أوكرانيا إلى حافة الهاوية، مهددة الأمن القومي الروسي بشكل وجودي، ما أجبر موسكو على شن عمليتها العسكرية في فبراير 2022. وبدلاً من الحل، حولت واشنطن أوكرانيا إلى ساحة استنزاف لروسيا، مزودة كييف بكافة الأسلحة الفتاكة لفرض عزلة دولية على موسكو.
في عملية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، أطاحت واشنطن عام 1954 برئيس غواتيمالا المنتخب ديمقراطيًا خاكوبو آربنز، ونصّبت هذه العملية الديكتاتورية العسكرية بقيادة كارلوس كاستيو أرماس، وهو الأول في سلسلة حكام مستبدين مدعومين أمريكيًا، واستعادت واشنطن مصالحها العسكرية والاقتصادية في غواتيمالا، التي شهدت -بسبب هذا الانقلاب- حربًا أهلية دامت 36 عامًا، سقط فيها أكثر من 200 ألف قتيل.
وفي جمهورية الدومينيكان يعتبر رافائيل ليونيداس تروخيو مولينا، ديكتاتور جمهورية الدومينيكان المدعوم أمريكيًا، مسؤولا عن مقتل ما بين عشرين ألفا وثلاثين ألف شخص في بلده، استمر في الحكم من 1930 وحتى اغتياله عام 1961، ثم جرى انتخاب حكومة جديدة ديمقراطيًا بقيادة اليساري خوان بوش، عام 1962، إنما تمت الإطاحة به في العام التالي، في ظل اتهامات أمريكية له بالضعف في مواجهة الشيوعية.
وفي 1965، تدخلت واشنطن خلال تمرد، لإعادة بوش للحكم، عبر جنرالات موالين لها، لكنها فشلت، فاحتلت هذا البلد بما يزيد عن أربعين ألف جندي.
وأُجريت في العام التالي انتخابات فاز بها موالون لواشنطن.. وأظهرت وثائق سرية (تم الكشف عنها عام 1980) أن تلك الانتخابات لم تكن نزيهة.
في 1983، احتلت واشنطن جزر غرينادا خشية امتداد نفوذ الاتحاد السوفيتي إليها، ولم تكن واشنطن راضية عن استيلاء الاشتراكي موريس بيشوب على السلطة في الجزيرة، عبر انقلاب غير دموي، عام 1979، ونتيجة لذلك الاحتلال قُتل بيشوف رميًا بالرصاص، وأصبحت الجزيرة تحت النفوذ الأمريكي.
في 1973 انقلب الجيش والشرطة في تشيلي على الرئيس المنتخب، سلفادور أليندي، وخلفه الجنرال أوغستو بينوشيه.
تحت حكم بينوشيه -الذي دام 27 عامًا- اختفى ثلاثة آلاف و200 سياسي في ظروف غامضة، واعتُقل أكثر من ثلاثين ألفًا آخرين تعرضوا للتعذيب في السجون، وكشفت المخابرات الأمريكية، عام 2000، عن وثائق تظهر أنها هي التي هيأت -بالتعاون مع جيش تشيلي- انقلاب بينوشيه.
خلال الثورة في المكسيك، أرسلت واشنطن قواتها لمحاربة الثوار دعما لنظام الديكتاتور الجنرال بروفيريو دياز، الذي سيطر على البلد لأكثر من ثلاثين عامًا، وفي 1913، أيدت واشنطن الانقلاب الدموي على ماديرو؛ للحفاظ على نفوذها، وتم تعيين الجنرال فيكتوريانو هويرتا رئيسًا.
عام 1915 يحتل الجيش الأمريكي هايتي للحفاظ على مصالح واشنطن الاقتصادية بها، وخلال الاحتلال، لقي آلاف الأشخاص حتفهم، حيث دعمت واشنطن الديكتاتور جان فيلبرون غيوم، ونظام العبودية، كما ساعدت شركات أمريكا الشمالية في مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي (الدونم يساوي ألف متر مربع)، وفي 1934 انسحبت واشنطن من هايتي، تاركة جيشًا مخلصًا لها، وبعد ستين عامًا أعادت احتلالها بزعم “الحفاظ على الديمقراطية”، بعد الإطاحة بنظام جان برتران أريستيد، عبر انقلاب، انتهى هذا التدخل بمغادرة الجنرال راؤول سيدراس، الذي كان يقف خلف الانقلاب، لهايتي، وظل فيها جنود أمريكيون وآخرون من الأمم المتحدة.
إن تتبّع المسار التاريخي للولايات المتحدة يكشف بوضوح أنّ السلوكيات العدوانية التي طبعت الحاضر ليست طارئة ولا منفصلة عن جذورها الأولى؛ فهي امتداد طبيعي لبنية قامت على الإبادة والتوسع القسري ومصادرة حق الشعوب في الحياة والاختيار، فمنذ أن بُنيت الدولة الأمريكية على ركام ملايين الضحايا من السكان الأصليين، وهي تواصل تمددها في العالم تحت الشعارات ذاتها: تفوق القوة، وشرعية السيطرة، وحق “الهيمنة الأخلاقية” المفترضة.
لقد أثبتت التجارب الدموية الممتدة من آسيا إلى أمريكا اللاتينية، ومن "الشرق الأوسط" إلى أوروبا الشرقية، أن واشنطن أكبر مصدر لعدم الاستقرار في العالم، مستخدمة أدوات متشابكة من الحصار والانقلابات والاحتلالات المباشرة والحروب بالوكالة. وكل هذا يجري تحت مظلة خطاب يبرّر القوة ويمحو الضمير الإنساني، ويعيد إنتاج منطق “الحديقة الخلفية” على نطاق عالمي.
واليوم، بينما تتورط الولايات المتحدة في صراعاتٍ مفتوحة بلا مخرج، وتخوض مغامرات استراتيجية تستنزف قوتها وتزيد من عزلة نفوذها، تظهر ملامح انتقالها من مرحلة “الدولة المهيمنة” إلى مرحلة “الدولة التي تحفر قبر نفوذها بيدها”، فإصرارها على فرض إرادتها بالقوة، وتجاهلها التحولات الكبرى في موازين القوى، يجعلها تسير بخطى ثابتة نحو انتحار استراتيجي لا يقل خطورة عن الجرائم التي رافقت صعودها.
وهكذا يتأكد أن التاريخ الأمريكي، الذي بدأ بالإبادة والاقتلاع، يمضي اليوم نحو نهايات تُشبه بداياته: صراع داخلي، ارتباك خارجي، وتآكل مكانة دولية لم تعد واشنطن قادرة على إنقاذها بالقوة أو الخطاب، فالعالم يتغير، والشعوب تنتفض، ومشروع الهيمنة الذي طالما استند إلى الدم والدمار يتهاوى أمام جغرافيا سياسية جديدة، ترفض الخضوع وتعيد كتابة قواعد الصراع والقوة.