لجريدة عمان:
2025-06-03@21:24:28 GMT

المقاومة بالتمادي في التفكير

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

ذهب بلا عودة الموقف المتساهل الذي يقول إننا ضحايا للسلطة الشرسة، والنظام الاستهلاكي الماكر الذي يختلق لنا -بلا توقف- حاجات، ويشغلنا بمطاردتها. يُجرد أشياءنا اليومية حتى يُفرغها من المعنى، بحيث يُصبح مستحيلاً أن ترى التبعات الحقيقية للفعل. لا تلتبس عليكم الأمور، إنه يفعل ذلك بلا هوادة، وبكل ما أوتي من حيل الإغراء، والتحايل، وقوة الإخضاع والإكراه.

الفرق الوحيد هو أن التساهل، والتسليك، والتغاضي ليس بأي حال من الأحوال مقبولاً بعد.

ما أصعب أن نُترجم ضغطة الشراء من أمازون إلى ما تعنيه حقاً: المساهمة في استدامة ظروف العمل القاهرة، والتغاضي عن الانتهاكات بحق العاملين فيها. ثم مواصلة التفكير في المنتج نفسه الذي حتى وإن سلِم من شرطنا الأول، أعني وإن لم يكن مساهماً في تمويل الحروب والإبادات، فهو على الأغلب متورط في تجاوزات أخلاقية من قبيل استغلال العمال الأطفال خصوصا، أو إساءة استعمال موارد الأرض.

بالانتقال من نمط الاستهلاك إلى طبيعة العمل في هذا العصر، فغالباً ما يتجاوز دورنا مجرد المساهمة السلبية، ويرقى ليكون دورا فاعلا في توطين الشر. دور يصعب علينا ملاحظته وتحديده نتيجة تقسيم العمل، تجزئة الوظائف، وتشعيب الإدارة وفق هيكلية معقدة يصعب معها تقفي الأثر وتحميل المسؤولية.

ولأن العالم لم يشتعل ككتلة نار، والأرض لم تقف على رجل واحدة، لا مع إبادة غزة، ولا مع الحرب على لبنان، ولأن كل شيء يسير مضبوطاً، عدا الإرباك المحدود والجبار في الوقت نفسه، لمشاغبات اليمنيين؛ ولأنه اتضح لنا بأصعب الطرق أن فلسطين قضية الفلسطينيين وحدهم (إلى أن يحين الدور على البقية)، فلنسائل على الأقل النظام الاقتصادي القاهر والمنحاز الذي أوصلنا إلى هنا، ونواجهه سواء بالمقاطعة السياسية الموجهة، أو الأخلاقية بالعموم.

ما أحاول قوله لنفسي وللآخرين هو أن إطالة التفكير، التردد، في كل شيء، واجب. لا أتحدث عن سلوكنا الاستهلاكي وحده (رغم أنه الأهم حالياً)، لكن عن الطريقة التي نُسير بها حياتنا، حتى في الأمور التي لا يبدو أن لها علاقة كعلاقاتنا الإنسانية، العلاقات التي تحتاج منا إلى إعادة تفكير، ونزع الغربنة عنها.

المقاومة (بالاوڤر-ثينكينج) في عالم لا تسمح سرعته بأن تقف لتتأمل، تبقى ممكنة متى ما طُورت حركات وتنظيمات تختصر علينا العمل، كل الفكرة في الانتظام، بغير هذا لا يكون بين أيدينا سوى جهود مهدرة، واستدامة لشعور العجز والخذلان.

ثمة أمر آخر يجول في خاطري كثيرا هذه الأيام، وأنا أشهد على الفصل في المقاهي والمطاعم البرلينية، وإعلان العربي (أو الشرق أوسطي) منها أماكن خالية من الصهاينة. لطالما استخدم «الاندماج» كأداة عنف، وتمييز، فالمهاجر المندمج (أيا يكن ما يعنيه ذلك) أرفع شأنا من المهاجر غير المندمج. ولابد أن نتفق أننا لا نعلم عما نتحدث حين نتحدث عن الاندماج. التصور في بالي أن صناع السياسات في البلدان الجاذبة للمهاجرين، يرغبون -في أحسن حال- بتفكيك هويات المهاجرين والاحتفاظ بالجوانب الحلوة من «ثقافتهم» أي الطبيخ والبهارات ، وآلات العزف الاكزوتيكية، ورفض ما عداه. لا يخطر في بال صناع السياسات أن للمهاجر حقا أن يُغير، لا أن يتغير فحسب.

وعند الحديث عن الاندماج، نادرا ما يتم تناوله بمعنى إجادة اللغة، أو كسب المعرفة المؤهلة للتعامل مع مؤسسات الدولة، فهذه واجبات بديهية من نظرهم. إنه يكرز على القيم، والثقافة، ونمط الحياة.

بالمثل، ينظر إلى الزواج المتعدد الأعراق كإشارة إيجابية، دون إعادة تفكير. إنه يعكس -هكذا يُقال- التسامح، وهو طريقنا إلى مجتمع غير منحاز. دون التفكير في أن الارتباط بشخص من غير عرقك قد يعني نقصان تجربة المشاركة، قد يضاعف فرصة ألا تصطفا في فريق واحد في قضايا جوهرية، وهو يخلق ديناميكية تسطيح تعلي من شأن المشتركات، وتحط من الاختلافات، مهما تكن هذه الاختلافات جوهرية لهوية المرء.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مخاطر تسليم سلاح المقاومة

 

في مفارقة تدعو إلى التعجب والكثير من السخرية والاستهزاء، يطرح كثير من السياسيين آراء تجعلهم مثار سخرية العالم أجمع منها، ما طرحه ترامب بشأن امتلاك بلاده لكندا وغزة، رئيسة وزراء كندا ضحكت، وغزة سالت دماؤها قبل دموعها.

غزة وفلسطين أرض محتلة ومن حقها الدفاع عن وجودها ولها حق العون الذاتي وهو أشمل يتيح الاستعانة بكل الوسائل من أجل طرد الاحتلال الصهيوني الذي يريد إبادة كل كائن حي في غزة حتى يضمن بقاءه .

صهاينة العرب والغرب في تعاملهم مع الاحتلال الصهيوني يقدمون مقترحات عجيبة وغريبة، منها تسليم المقاومة سلاحها؛ (عباس) رئيس السلطة في رام الله يريدها له؛ والوسيط المصري قدم المقترح أيضاً ووزير خارجية الإمارات (عبدالله بن زايد) قدم مبادرته(اطلاق سراح الأسرى وتسليم السلاح وإقصاء حماس من حكم غزة)، وهذه هي مطالب التحالف الصهيوني الصليبي، لكن بنص ولسان عربي.

لم يستطع الإجرام الصهيوني خلال العشرين شهرا الماضية القضاء على المقاومة بقوة السلاح والإجرام والآن يريد أن يستخدم الحصار والتجويع من أجل إبادة الأبرياء والعُزل ولم تستطع الأمم المتحدة أن تدخل المساعدات الإنسانية ولم يستطع صهاينة العرب والغرب أيضا، ولذلك فقد تعاظمت شهواتهم الإجرامية وجعلتهم يشترطون تسليم المقاومة لسلاحها.

صهاينة العرب ينطبق عليهم قول الحق سبحانه وتعالى ((الاعراب أشد كفراً ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم))التوبة-97- واما صهاينة الغرب فيقول فيهم سبحانه وتعالى((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم))البقرة120.

حركات المقاومة والجهاد معترف بها في كل القيم والمبادئ والأعراف الدولية، والاحتلال والإجرام غير معترف به إلا كأمر واقع، لكن المفارقة أن يكتسب الإجرام الشرعية ويتحول الجهاد والكفاح المسلح إلى عمل غير مشروع.

الإجرام والاحتلال يستمد بقاءه من إجرامه وجرائمه التي يرتكبها بقوته وسلاحه الذي اباد به في طوفان الأقصى حتى الآن ما يقارب من ستين الفا، معظمهم من النساء والأطفال ودمر غزة وحولها إلى ركام وعشرات آلاف الأطنان من المخلفات ولازال يتلقى دعما من معظم دول العالم؛ لم يتجرأ احد من زعماء العالم على المطالبة بمنع تصدير السلاح للكيان المحتل؛ ولم يتجرأ أحد على المطالبة بنزعه أو تدميره، كما فعل حلف صهاينة الغرب والعرب مع البلدان العربية والإسلامية لكنهم يريدون نزع سلاح المقاومة، دمروا العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان وغيرها بأموال الخليج، كما صرح بذلك وزير خارجية قطر السابق (حمد بن جاسم).

السؤال هنا هو: ماذا يعني تسليم المقاومة سلاحها؟

هناك نتائج كبيرة تترتب على تسليم المقاومة للسلاح منها الآتي:-

1 -عدم شرعية الجهاد والكفاح المسلح ومن حق الإجرام والاحتلال القضاء على المقاومة.

2 -شرعية الاحتلال في قتل وإبادة الشعب الفلسطيني وبدون مقاومة أو اعتراض .

3 -مشروعية التنسيق بين التحالفات الإجرامية ضد المقاومة والكفاح المسلح .

4 – الخضوع والاستسلام التام لإرادة الإجرام والاحتلال بدون قيد أو شرط.

5 -الانتحار السياسي وانتهاء العمل الجهادي والكفاح المسلح .

6 -حرية الاحتلال في القتل والإبادة وتعقب وسجن المعارضين له والناشطين وكل أفراد الشعب.

7 -سلمت السلطة سلاحها واستلمت أسلحة معدلة من الاحتلال، فتحكم بها ومارس على مسؤوليها كل أشكال الإذلال والإهانة.

8 -سلاح المقاومة دمَّر حسب احصائيات اليهود المشكوك فيها أكثر من ألفي دبابة ومدرعة وقتل ما يزيد على ألفين من المجرمين الصهاينة .

9 -خيانة الله ورسوله ومخالفة تعاليم الإسلام الحنيف برد الظلم ونصرة المظلومين والمستضعفين.

وللتدليل على خطر تسليم السلاح المقاوم للعدو، لا بد من الإشارة إلى بعض الوقائع التي تمت في العديد من البلدان الإسلامية وما تعرضت له من إجرام بسبب تسليمها للسلاح للمقارنة وللعظة والعبرة:

-سلم المسلمون سلاحهم للنصارى في الاندلس1492م مقابل عدم التعرض لهم، فقتلوهم بدم بارد وأقاموا لهم محاكم التفتيش وخيروهم بين التنصر أو القتل وتم إجلاؤهم بعد أكثر من تسعة قرون من الفتح.

-حاصر التتار بغداد وأعطوا الأمان مقابل التسليم لهم والقاء السلاح، دخلوا بغداد وقتلوا أكثر من سبعمائة ألف بينهم الخليفة .

-حاصر الفرنسيون الجزائر واتفقوا مع أميرها على إلقاء السلاح مقابل الأمان فتمت إبادته مع الجيش واحتلت الجزائر لمدة 132سنة وقدمت الجزائر في حرب الاستقلال فقط أكثر من مليون ونصف شهيد.

-في حرب البوسنة والهرسك 1995م، سلَّم المسلمون السلاح للأمم المتحدة مقابل حمايتهم، فدخلت القوات الصربية وأبادت أكثر من ثمانية آلاف إنسان واغتصبت النساء وقتلت الأطفال.

خلاصة القول، لقد حاصر الصهاينة غزة على مدى أكثر من عشرين عاما، منعوا كل الإمدادات إليها ولم يسمحوا بدخول حتى السكاكين والعكازات لمن فقدوا أطرافهم بسبب القنابل والصواريخ، لكن غزة لم تستسلم واليوم يتكالب عليها صهاينة العرب والغرب ويريدون القضاء عليها .

مقالات مشابهة

  • مخاطر تسليم سلاح المقاومة
  • ضريبة الدخل على الأفراد بين فلسفة التفكير ومنهجية التطبيق
  • الحرب تُطيل عُمر نتنياهو
  • غزة ما بين “حجار داود” و”ركاب جدعون”
  • العمل: غرامة لا تقل عن 800 دينار على صاحب العمل الذي يُضبط لديه عامل سوري لا يحمل تصريحًا
  • بعصر كاميرات المراقبة وبرامج التتبع.. دراسة: شعور الإنسان أنه مراقب يغيّر نمط التفكير
  • سعد: الغائب الذي لم يَغب
  • في اليوم الذي يسمونه يوم القدس
  • متى تتراجع الولايات المتحدة؟
  • امريكا ترفض ردّ “حماس” الذي يؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني