الموت هامسًا في أُذنه: عِش
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
لم نعتد كثيرًا رؤية رجل أزِفت سنوات عمله وهو مُفعم بالحياة مُتفائل لا ينتظر اليوم الذي سيختفي فيه من الوجود حتى نحن الذين حوله نُصِرُ من حيث لا ندري على إسكات صوت الحياة داخله.. التعامل معه باعتباره شخصا «منتهي الصلاحية» لم يعد باستطاعته التعاطي مع المرحلة واستيعاب حراكها ومتطلباتها.
أما في بعض الثقافات فلا يعني ذلك أكثر من كونه اختتام مرحلة والانتقال إلى أُخرى برؤى ومفاهيم مختلفة وهنا يتجلى التباين والتناقض الشديدان في تفسير المفاهيم، ففي الوقت الذي نفهم فيه انتهاء حقبة العمل تلك بـ«الانحسار» و«التقهقر» و«انعدام الفاعلية» تمثل هناك بداية تجربة سماتها الحضور والتجدد وانبعاث النشاط.
انقضاء فترة العمل المُقيد للحرية يجب أن يعني إعلان فك الارتباط بكل التزام رسمي أو أعمال روتينية مكرورة.. توفر المزيد من الخيارات يدخل ضمنها محو ما التصق بالذاكرة من رواسب.. السفر والقراءة والرياضة والاستجمام ولقاء الأصدقاء الذين باعدت بينهم ظروف الحياة.. البحث عن الرزق المفتوحة أبوابه في أماكن لم نكن نعرفها وبيئات أكثر صحة وعدالة.
المرحلة التالية من الحياة فرصة سانحة للانطلاق ومعاودة إحياء الهوايات التي لم تسمح الانشغالات بممارستها.. دخول البرامج التي ديدنها تجديد وتطوير المعلومات.. هي كذلك التوقيت المناسب لبدء المشروعات المؤجلة أو إكمال ما لم تُمّكِن الظروف من إنجازه بسبب الالتزامات المتزاحمة.
مرحلة الانفكاك من كل ما هو مفروض علينا يمكن استثمارها في استعادة أرواحنا التي أرهقها التوتر والقلق وأضناها الاضطراب.. إصلاح علاقتنا التي ربما تضررت مع الله سبحانه وتعالى ومع من حولنا من الناس.. تقييم الماضي لأخذ العِبر والبحث عن السعادة والرضى عن النفس.
إنها الوسيلة المُجربة والناجعة لـ«نخل» أسماء حفظناها داخل قوائم هواتفنا وبريدنا الإلكتروني ومذكراتنا بسبب انتهاء المصالح والعودة لأنفسنا التي لوثتها العلاقات السامة والمناكفات.. النافذة المُشّرعة للحرية والعيش بهدوء والتحليق عاليا حيث تسكن النجوم حيث لا أسوار ولا حواجز لا عيون لا حُراس.
النقطة الأخيرة..
«الموت يهمس باستمرار في أُذني: عِش، فأنا في الطريق إليك».
سير أوليفر هولمز
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
كشف أثري يوفر معطيات عن الحياة قبل 11 ألف عام
توفّر اكتشافات أثرية جديدة على أحد المرتفعات في جنوب شرق تركيا معطيات عن مرحلة تاريخية شهدت ظهور المجتمعات البشرية الأولى قبل أكثر من 11 ألف عام.
تتيح أحدث الاكتشافات، ومن بينها وجه حجري ذو شفتين مخيطتين، توضيح بعض معتقدات العصر الحجري الحديث وطقوسه.
وقال البروفيسور نجمي قارول المسؤول عن التنقيب في موقع قره خان تبة إن "كثرة المنحوتات البشرية تدلّ على استقرار المجتمعات".
وأضاف عالم الآثار، مشيرا إلى وجه بشري منحوت على عمود على شكل حرف تي (T) في منطقة قره خان تبة الواقعة شرقي مدينة شانلي أورفا، قرب الحدود التركية مع سوريا "كلما كانت المجتمعات تستقر، كان البشر يبتعدون تدريجا عن الطبيعة ويجعلون الشكل البشري والتجربة الإنسانية محور عالمهم".
تندرج أعمال التنقيب هذه في مشروع "تلال الحجارة" التركي، وهو مبادرة حكومية أُطلقت عام 2020 في 12 موقعا في ولاية شانلي أورفا، التي تصفها السلطات التركية بـ"العاصمة العالمية للعصر الحجري الحديث".
يشمل المشروع موقع غوبكلي تَبه المُدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، ويضم أقدم الهياكل الصخرية الضخمة المعروفة في بلاد ما بين النهرين العليا.
"كمية هائلة من المعلومات"
من قره خان تبة، رأى لي كلير، من المعهد الأثري الألماني، أن الاكتشافات الحديثة تُبدد بعض المفاهيم السائدة عن الانتقال من مجتمعات الصيد وجمع الثمار البدوية الرحّالة إلى أول المجتمعات المستقرة.
ولاحظ عالم الآثار، الذي يُنسق مشروع "تلال الحجارة"، أن السنوات الخمس الأخيرة أسفرت عن "كمية هائلة من المعلومات".
وأضاف "كل مسكن نعمل عليه، يُتيح لنا لمحة عن حياة شخص ما (...). نكاد نلمسه من خلال عظامه، ونكوّن فكرة أفضل عن معتقداته".
وأفاد البروفيسور قارول بأن الآثار المكتشَفة تُبيِّن أن أولى المستوطنات البشرية بدأت بالظهور مع نهاية العصر الجليدي الأخير.
وشرح أن "البيئة وفّرت ظروف خصوبة زراعية، مما مكّن السكان من تأمين مستلزماتهم دونما حاجة إلى الصيد المستمر، وهو ما عزّز النمو السكاني وشجّع على تطور الجماعات المستقرة في المنطقة وتوسُّعها".
"مجتمع شديد التنظيم"
ترافَقَ الاستقرار مع بروز أولى الظواهر الاجتماعية، إذ ما إن "توافَرَت لدى السكان فوائض، حتى ازداد البعض ثراء، فيما ازداد البعض الآخر فقرا"، بحسب لي كلير الذي يعرف المنطقة جيدا منذ عام 2013.
وتوقَّع إمري غولدوغان كبير علماء الآثار في موقع سفر تبة القريب، أن يؤدي استمرار أعمال التنقيب إلى إحداث تحول أكبر في الفهم الراهن للعصر الحجري الحديث.
وأوضح أن "موقع قره خان تبة والمشروع الأوسع +تلال الحجارة+ يبيّنان أن المجتمع كان شديد التنظيم، وله عالمه الرمزي الخاص ونظم معتقداته"، مما ينسف المفاهيم السائدة عن الطابع "البدائي" لعالم العصر الحجري الحديث.
واستنتج وجود "خصائص مشتركَة" بين مجتمعات ذلك الزمن، ولكن في الوقت نفسها كان بعضها يتمايز عن البعض الآخر بـ"اختلافات ثقافية ملحوظة".
ففي موقع قره خان، كانت الرمزية البشرية حاضرة في كل مكان، بينما تسود نقوش تمثّل الحيوانات في غوبيكلي تبة، وفق علماء الآثار.
وساهمت الاكتشافات الأثرية الجديدة في زيادة الاهتمام بهذه المنطقة التركية التي اشتهرت في البداية بأنها المكان الذي عاش فيه النبي إبراهيم عليه السلام.