فيصل بسمة
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
سؤال:
هل هنالك ما يجمع بين الطموح و الطمع غير الإشتراك في بعض الحروف و التشابه في جانب من الرسم الحرفي؟!!!...
و مصدر طموح من الفعل طَمَحَ ، و قد جآء في معجم المعاني أن الفعل طمح يفيد الرغبة الشديدة في تحقيق شيء ، و أن الشخص الطموح هو الساعي برغبة للحصول على ما هو أعلى و محمود و نبيل ، و الطموح أمرٌ مشروع و شيءٌ محمود طالما كان الطموح دافعاً و حافزاً إلى: عمل الخير و التجويد في الصنعة و إنتاج/إنجاز الأفضل و تحقيق الأهداف المرجوة و من ثم النجاح.
و قد جآء في معنى الطمع أنه أيضاً يفيد التطلع إلى الشيء الأعلى و الأمل و الرجآء و الرغبة في الحصول و الإستحواذ عليه كما يستدل من البلاغة القرءانية:
{ وَبَیۡنَهُمَا حِجَابࣱۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالࣱ یَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِیمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡا۟ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡۚ لَمۡ یَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ یَطۡمَعُونَ }
[سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ٤٦]
{ یَـٰنِسَاۤءَ ٱلنَّبِیِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدࣲ مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِنِ ٱتَّقَیۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَیَطۡمَعَ ٱلَّذِی فِی قَلۡبِهِۦ مَرَضࣱ وَقُلۡنَ قَوۡلࣰا مَّعۡرُوفࣰا }
[سُورَةُ الأَحۡزَابِ: ٣٢]
{ أَیَطۡمَعُ كُلُّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُمۡ أَن یُدۡخَلَ جَنَّةَ نَعِیمࣲ }
[سُورَةُ المَعَارِجِ: ٣٨]
{ ثُمَّ یَطۡمَعُ أَنۡ أَزِیدَ }
[سُورَةُ المُدَّثِّرِ: ١٥]
و لكن قد جرى العرف على الربط ما بين الطمع و الجشع و الأنانية ، بل أن هنالك من يُعَرِّفُ الطمع بأنه الجشع و العكس أيضاً صحيح ، و لا يذكر الطمع في الترجمة و الأدب إلا و مقترناً بالأنانية و الخبث و نقص الورع و عدم الإكتراث بالآخرين ، و أن الشخص الطَّمَّاع و في سبيل تحقيق أهدافه في الفوز بالمناصب و الألقاب و الثروات يلجأ إلى إستخدام ذرآئع و أدوات و أليات تصب جميعها في خانات الظلم و الفساد و أعمال السوء الملتوية و الغير مشروعة...
و فطرة الله سبحانه و تعالى التي خلق عليها الإنسان هي الخير ، فمن بعد الخلق و التسوية ألهم الله سبحانه وتعالى النفس الإنسانية التقوى و الفجور:
{ وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا (٧) فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا (٨) }
[سُورَةُ الشَّمۡسِ: ٧-٨]
و الفجور هو إرتكاب المعاصي ، و مفردها معصية و تعني عدم الطاعة ، أما التقوى فمن الإتقآء و الوقاية ، و قد فسرت التقوى على أنها مخافة الله التي تقتضي إتباع أوامره التي تشمل العدل و الإحسان و البذل و الخير عموماً و ملحقاته من كريم الأخلاق و القيم و تجنب ما نهى عنه و ما لا يرضيه من المعاصي:
{ إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَـٰنِ وَإِیتَاۤىِٕ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَیَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡیِۚ یَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ }
[سُورَةُ النَّحۡلِ: ٩٠]
و قد بين الله سبحانه و تعالى أنه قد ألهم النفس الإنسانية و زودها ببوصلة أخلاقية هذا بالإضافة إلى مشيئة الإختيار حتى تعلم و تستطيع أن تفرق و من ثم تختار بين طرق الشر و سبل الخير ، و هكذا هو أمر الإنسان تتدافعه مشيئة الإختيار و المؤثرات و المكتسبات من البيئة و الوراثة و الموروث و التدخلات الأخرى فتضيف المزيد إلى ما هو موجب فيكون الفلاح ، أو تنتقص من الفطرة السليمة فترجح كفة المساويء و المعاصي و بقية النواقص و السلبيات فتكون الخيبة:
{ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا (٩) وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا (١٠) }
[سُورَةُ الشَّمۡسِ: ٩-١٠]
و الأصل في الطموح الفطري يتمثل في الشخص السَّوِي الباحث بإختياره عن الفلاح ، و السَّبَّاق إلى عمل الخير ، و المتجنب لشرور المعاصي ، و المتطلع دوماً إلى الأفضل و الأصلح ، و الذي يجد سعادة بالغة و رضا نفسي و سرور و إرتياح عظيم في تحقيق الأهداف و النجاح ، مما يحفزه إلى الإنتقال إلى مشروع و هدف جديد...
و في الجانب الآخر فهنالك النوعية المضادة من الأشخاص الطموحين من غير السويين ، الذين يمكن تصنيف طموحاتهم في خانات الأعمال و النشاطات الشريرة الضآرة و السيئة و المريضة ، و الذين تغلبت في أنفسهم/ذواتهم (الأنا) الخبيثة على الجانب الخَيِّر فيهم ، و الشاهد هو أنه و حين تتغلب الأنانية و تطغى النفس (الأنا) فإنها حتماً تقود صاحبها إلى سلوكِ صراطٍ غير ذلك المستقيم ، و تسوقهم إلى إتباع سبل غير تلك السوية ، و إلى إغرآءهم بإستخدام أليات فاسدة لتحقيق الأهداف/الأطماع المرجوة ، التي هي في الغالب غير مشروعة ، و هم في مسعاهم من أجل تحقيق تلك المكاسب الغير مشروعة قد يرتكبون المعاصي و قد يسببون الأذى و الأضرار للآخرين...
السلوك الشآذ يقود صاحبه بعيداً عن المألوف و المعروف و ربما يفضي به إلى دآئرة مفرغة محيطها و محتواها الظلم و البغي و المنكر و الفساد و الإفساد ، و الشخص ”الطموح“ من هذه (الفئة المريضة) يمكن تعريفه بالأناني أو الطَّمَّاع أو الجشع الذي يهمه تحقيق مصلحته و إكتساب المزيد و الإستحواذ دون إكتراث للقيم و الأخلاق و القوانين و اللوآئح ، مثل هذا الشخص لا يأبه كثيراً لحقوق الآخرين و مصالحهم و مشاعرهم و لا يقيم لها وزناً ، و في سبيل تحقيق أهدافه فإن الأناني/الجشع الفاسد لا يتوانى و لا يجد حرجاً في سلوك الطرق الملتوية التي تسهل له مبتغاه و تختصر له المشوار ، حتى و إن إستدعى ذلك إرتكاب الخطأ و الجرم و الظلم و إنتهاك المحارم...
الخلاصة:
الطموح هو التطلع و البحث عن الأفضل ، بينما الطمع هو الجشع و الأنانية و اللهث ورآء المزيد ، و ما يجمع بين الطموح و الطمع هو البحث عن (القيمة/المكافأة) المتمثلة في المناصب و الثروة ، و ما يفرق بينهما هو في إختيار الوسآئط و الوسآئل و الأليات لتحقيق ذلك الهدف ، فبينما تسلك النفس الطموحة السوية الطريق المستقيم ، تنحرف النفس (الأنا) الطماعة و تحيد/تميل عن ممارسة الحق المشروع في: التطلع و الرجآء و الرغبة و الأمل و عوضاً عن ذلك تتبني الأنانية و الجشع و ملحقاتهما من السلوك الذي لا يخلو من الشرور و الإلتوآء و الخبث و الفساد و إلحاق الأذى بالآخرين...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
جامعة قناة السويس توقع بروتوكول تعاون مع مصر الخير لدعم الطلبة غير المقتدرين
وقعت جامعة قناة السويس بروتوكول تعاون مشترك مع مؤسسة مصر الخير في إطار تنفيذ برنامج «ابن السبيل» لدعم الطلاب المغتربين بالجامعات المصرية من غير القادرين على سداد المصروفات الدراسية والإقامة بالمدن الجامعية، وذلك تأكيدًا لدور الجامعة في دعم التكافل الاجتماعي وتوفير بيئة تعليمية عادلة لجميع طلابها.
جاء توقيع البروتوكول تحت رعاية الدكتور ناصر سعيد مندور رئيس جامعة قناة السويس، الذي وقع البروتوكول ممثلًا عن الجامعة، فيما وقع عن مؤسسة مصر الخير العميد مدحت أحمد كمال مدير أول برنامج «ابن السبيل».
شهد مراسم التوقيع الدكتور محمد عبد النعيم نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، والدكتورة مها الحفناوي وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بالإسماعيلية، وبحضور رانيا عادل مسئول أول مشروع «ابن السبيل»، وإسلام الغمري القائم بأعمال المكتب بالإسماعيلية ومدن القناة، و محمد إبراهيم مسئول أول برنامج «ابن السبيل».
وأكد الدكتور ناصر مندور أن توقيع هذا البروتوكول يأتي في إطار حرص الجامعة على دعم طلابها غير القادرين ومساندتهم في استكمال مسيرتهم التعليمية، موضحًا أن التعاون مع مؤسسة مصر الخير يجسد نموذجًا للتكامل بين مؤسسات التعليم العالي والمجتمع المدني في تحقيق العدالة التعليمية وتكافؤ الفرص بين جميع الطلاب.
ومن جانبه، أوضح الدكتور محمد عبد النعيم أن هذا التعاون يعكس التزام جامعة قناة السويس بتوفير الدعم والرعاية لطلابها في مختلف الجوانب التعليمية والاجتماعية، مشيرًا إلى أن الجامعة لا تدخر جهدًا في تذليل العقبات أمام الطلاب لضمان استقرارهم واستمرارهم في العملية التعليمية.
فيما أكدت الدكتورة مها الحفناوي أن وزارة التضامن الاجتماعي تثمن هذا التعاون البنّاء بين الجامعة ومؤسسة مصر الخير، الذي يجسد الشراكة الفاعلة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في خدمة أبنائنا الطلاب، مشيرة إلى أن مثل هذه المبادرات تساهم في تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية وتدعم جهود الدولة في تمكين الشباب.
ومن جانبه، أشار العميد مدحت أحمد كمال إلى أن مؤسسة مصر الخير تسعى من خلال هذا البرنامج إلى دعم وتمكين الطلاب المغتربين غير القادرين، مؤكدًا أن التعاون مع جامعة قناة السويس يأتي استكمالًا لرسالة المؤسسة في تقديم الدعم للطلاب المستحقين وتوفير سبل الاستقرار التعليمي لهم.
ويأتي هذا التعاون تجسيدًا لالتزام جامعة قناة السويس ومؤسسة مصر الخير برسالتهما الإنسانية في دعم التعليم كأحد محاور التنمية المستدامة، وتعزيزًا لجهود الجامعة في رعاية طلابها وتمكينهم من استكمال دراستهم في بيئة جامعية مستقرة تضمن تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.
وفي ختام مراسم التوقيع، وجّه الدكتور ناصر سعيد مندور خالص الشكر والتقدير إلى مؤسسة مصر الخير على جهودها الوطنية في دعم التعليم وخدمة الطلاب غير القادرين، مؤكدًا أن هذه المبادرات تعكس روح العطاء والمسؤولية المجتمعية التي تميز مؤسسات المجتمع المدني المصرية، وتدعم رؤية الدولة نحو بناء جيل متعلم وقادر على الإسهام في مسيرة التنمية الشاملة.