نجلس في زاوية مجهولة من زوايا الوطن ونتابع أخبار المذابح الدموية ولا نغفل عن المذابح السياسية، ونشعر بواجب بث الأمل في الناس ولكننا نعيا في توليف الجمل المناسبة.. نهرب من مناحات مظفر النواب وخيبات الشعراء فلا نفلح في نقض تشاؤمهم بقصيد فرح، نود أن ننصح للمقاتلين على الجبهات فنتذكر أننا من القاعدين فنخجل من تعالمنا.
المشهد في الشرق ينذر بحرب طويلة
في حمى الأخبار المتسارعة من لبنان تبدو غزة كأنما دخلت في النسيان لولا أن العدو ما زال يمارس القتل للمتعة، والثمن ما زال يرتفع، وضربات المقاومة تتباعد. يصدمك مشكك قاعد مثلنا باستنتاج حاسم "لقد قضوا عليهم، لقد قلنا لكم"، فكأنما تسمعه المقاومة هناك فتصلنا أخبار ضربة نوعية متأنية مدبرة بحرص وموجعة للعدو. الذين يضربون بهذه الأسلوب القتالي المحكم يتصرفون في وقتهم بطريقة ذكية ويقتصدون في سلاحهم لضربات نوعية، ولا شك أن النسق يبين عن تفكير استراتيجي أيقن قبلنا بطول المعركة وضرورة ترتيب الفعل المقاوم في الزمن. لا موجب لتكرار التفجّع على غزة، إنها تواجه مصيرها بصبر، لقد صمدت لعام كامل أمام آلة قتل كونية وهذا انتصار لم يبلغ نهايته بعد.
تفكير استراتيجي أيقن قبلنا بطول المعركة وضرورة ترتيب الفعل المقاوم في الزمن. لا موجب لتكرار التفجّع على غزة، إنها تواجه مصيرها بصبر، لقد صمدت لعام كامل أمام آلة قتل كونية وهذا انتصار لم يبلغ نهايته بعد
على جبهة لبنان تنكشف المعركة؛ الأرض لأصحابها والسماء للجبناء، المناوشات الأولى تنذر بغزة أخرى أقوى وأصلب أرضا وأكثرا تسليحا. لم يتأخر العدو في حساب خسائره، لكنه يعوض بالرجم من السماء. هذا كان شأن الأمريكي في أفغانستان، بذل بارودا كثيرا وهزمته الأرض. قال كل الخبراء إن الطيران لا يحسم المعارك، الصورة تبدو قابلة للتكرار في لبنان، هنا أيضا تنفتح معركة طويلة لا تبدو نهايتها ممكنة. لقد فشلت الدبلوماسية الاستباقية في منعها فانطلقت، ولأن طرفا في المعركة متغطرس لا يتراجع فإن نذر التوتر ستطول وتؤثر وتغير في مجرى التاريخ. لن نستبق بغير علم، لكن الكشف النوراني للشيخ ياسين ما زال يشد أزرنا.
المشهد التونسي لا ينذر باستقرار
تعيدنا الأخبار إلى مربعنا القُطري، بعد يومين تفتح صناديق الاقتراع في تونس، غابت مظاهر الفرح والحماس، لا شيء يدل على مناخ انتخابات بعد خمسين ساعة. البؤس مخيم على المشهد والوجوه موزعة بين الحيرة والذهول، هل هذه تونس التي خاضت ثلاث انتخابات رئاسية صاخبة اشتعلت فيها الشوارع بالهتافات والاجتماعات؟ ماذا أصاب البلد والناس؟
توجد حالة نفسية أقرب إلى المرض سماها الظرفاء بحالة "المشاطعة"، وهي كلمة مصاغة بأسلوب إميل حبيبي في "المتشائل"؛ نصف مع المشاركة بغير يقين ونصف مع المقاطعة بغير يقين. قد يكتب للفظ الخلود، هذا التشاطع هو عنوان اللحظة وما يليها.
لا شك أن هناك توجها يتسع مع الساعات للتصويت ضد الرئيس الحالي دون إيمان بالرئيس القادم، وهو تصويت قائم على اجتناب الأسوأ وقبول السيئ، وهذا عامل غير محفز للذهاب إلى الصندوق إلا بخطى ثقيلة.
حالة العبث بالقانون والقضاء هزت صورة التونسيين عن أنفسهم، فلطالما افتخروا بأنهم قوم منظمون وأن عندهم لكل معضلة حل قانوني، فصار القانون عندهم محل تقدير، وهناك على الأقل خمس كليات متخصصة في تدريس القانون. لكن ما يجري حطم الصورة وبدل الفخر بمهانة، وزاد الأمر سواء أن العابثين بالقانون قضاة ومحامون وأساتذة قانون.
كيف يذهب الناس إلى التصويت وهم على يقين بأن الرئيس القائم سيُسقط نتائج تصويتهم بواسطة ما أعد من تعديلات على القانون الانتخابي، وبواسطة هيئة أثبتت ولاءها التام لشخصه وقبلت مناوراته. أكثر الناس صبرا يقول الآن إنه تصويت لصناعة كتلة معارضة متجانسة تتجاوز الخلافات القديمة وتستعد بعد إسقاط أصواتها إلى التحرك في الشارع وراء رئيس سجين، هذا هو ثقب الإبرة الوحيد الباقي لديها.
ثقب الإبرة هل يصير نافذة كبيرة؟
ماذا يبقى للنخب التونسية (وكثير منها مغرور ومعتز بتونسيته) من كرامة إذا تم إسقاط أصواتها وأُبقي على مرشحها سجينا؟ هل تستفيق لتدافع عن كرامتها المهدرة وتعيد فتح الشوارع للاحتجاج السلمي؟
إذا ولج الجمل في سم الخياط كانت المعجزة. توجد مؤشرات عليها لكنها ثقيلة الخطو ومترددة، لقد تسرب في الحديث اليومي وصف الإسلاميين بالتيار المحافظ، واختفى تقريبا اصطلاح إسلام سياسي وخوانجية. نعتبر ذلك بداية خفوت التصنيفات الاستئصالية التي دمرت التجربة الديمقراطية التونسية، فهل يُبنى على هذا موقف واسع يغض الطرف عن أسباب الفرقة ويجمّع خلف الحق في الصندوق؟
السؤال الذي سيُطرح بعد يوم الأحد: ماذا يبقى للنخب التونسية (وكثير منها مغرور ومعتز بتونسيته) من كرامة إذا تم إسقاط أصواتها وأُبقي على مرشحها سجينا؟ هل تستفيق لتدافع عن كرامتها المهدرة وتعيد فتح الشوارع للاحتجاج السلمي؟ أم تتلقى الضربة وتدخل في سبات لمدة خمس سنوات وليتها تكون خمسا لا عشرا؟
إن ما عاينّاه من تردد وتوجس ويأس (ونفض يد من السياسة) لا يسمح لنا بوضع توقعات عن المستقبل، لذلك واحتراما لقارئ قد يقع على هذا المكتوب نقول: راقب معنا الوضع ولا تشفق علينا، فكثير مما يحصل لنا صنعناه بأنفسنا. مازال عندنا وقت لأكل أيدينا ندما على ما فرطنا.
سأختم بانتظار معجزة ولوج الجمل في سم الخياط، وأقدم عبارات التعاطف لزملائي مدرسي القانوني في كلياته عسى أن يفلحوا في ستر عورة القانون أمام طلبتهم.
آه نسيت أمرا، من يدري لعل حروب الشرق تصل شظاياها إلى تونس، فنجمع شظايا قلوبنا الموزعة بين بيروت وغزة وغيرهما من محارق أمة تتكالب عليها الأمم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة التونسي انتخابات تونس غزة انتخابات المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
إيران والاتفاق النووي.. احتمالات رفض المقترح الأمريكي وتصعيد المعركة الدبلوماسية
رويترز:
قال دبلوماسي إيراني كبير لرويترز يوم الاثنين إن طهران تعتزم رفض الاقتراح الأمريكي لإنهاء النزاع النووي القائم منذ عقود، ووصفه بأنه “غير قابل للتنفيذ” ولا يراعي مصالحها ولا يتضمن أي تغيير في موقف واشنطن بشأن تخصيب اليورانيوم.
وأبلغ الدبلوماسي الكبير، المقرب من فريق التفاوض الإيراني، رويترز بأن “إيران تُعد ردا سلبيا على المقترح الأمريكي وهو ما يمكن تفسيره على أنه رفض للعرض الأمريكي”.
وقدم وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي لإيران يوم السبت الماضي المقترح الأمريكي لاتفاق نووي جديد خلال زيارة قصيرة لطهران بينما كان يضطلع بدور وساطة في المحادثات النووية بين طهران وواشنطن.
لكن لا تزال العديد من القضايا عالقة بعد خمس جولات من المحادثات بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ومبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف لحل الأزمة النووية.
ومن بين الخطوط الحمراء التي يختلف الطرفان بشأنها رفض إيران مطلب الولايات المتحدة بالتزام طهران بوقف تخصيب اليورانيوم الذي يُنظر إليه على أنه مسار محتمل لتطوير قنابل نووية.
وتؤكد طهران رغبتها في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، وتنفي منذ فترة طويلة اتهامات القوى الغربية لها بالسعي إلى تطوير أسلحة نووية.
وقال الدبلوماسي الإيراني الذي طلب عدم كشف هويته لحساسية الأمر “بموجب هذا المقترح، يبقى موقف الولايات المتحدة من التخصيب على الأراضي الإيرانية من دون تغيير ولا يوجد بيان واضح بشأن رفع العقوبات”.
وقال عراقجي إن طهران سترد رسميا على المقترح قريبا. ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق.
وتطالب طهران برفع جميع القيود التي فرضتها الولايات المتحدة وتعيق اقتصادها المعتمد على النفط فورا. لكن واشنطن ترى أنه يجب رفع العقوبات المرتبطة بالملف النووي على مراحل.
وفُرضت عقوبات على عشرات المؤسسات الإيرانية الحيوية بالنسبة للاقتصاد الإيراني ومن بينها البنك المركزي وشركة النفط الوطنية منذ عام 2018 بسبب “دعمها الإرهاب أو نشر الأسلحة” حسبما تقول واشنطن.
وشمل إحياء ترامب حملة “أقصى الضغوط” على طهران منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير كانون الثاني تشديد العقوبات والتهديد بقصف إيران إذا لم تُفض المفاوضات الحالية إلى اتفاق.
وانسحب ترامب في عام 2018، خلال ولايته الأولى، من الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران في 2015 مع ست قوى عالمية وعاود فرض عقوبات أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل. في المقابل، سرعان ما انتهكت طهران القيود التي فرضها الاتفاق النووي الموقع في 2015 على برنامجها النووي.
وألزم اتفاق 2015 إيران باتخاذ خطوات لتقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وقال الدبلوماسي إن التقييم الذي أجرته “لجنة المفاوضات النووية الإيرانية”، تحت إشراف الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، وجد أن الاقتراح الأمريكي “منحاز تماما” ولا يخدم مصالح طهران.
وأضاف الدبلوماسي الإيراني أنه لذلك تعتبر طهران هذا المقترح “غير قابل للتنفيذ” وتعتقد أنه يحاول الانفراد بفرض “اتفاق سيئ” على إيران من خلال مطالب مبالغ فيها.
*الأزمة النووية تزيد توتر الشرق الأوسط
والمخاطر كبيرة لكلا الجانبين. فترامب يريد الحد من قدرة طهران على إنتاج سلاح نووي قد يؤجج سباق تسلح نووي إقليمي وربما يهدد إسرائيل. أما المؤسسة الدينية في إيران فترغب في التخلص من العقوبات المدمرة.
وتقول إيران إنها مستعدة لقبول بعض القيود على التخصيب لكنها تريد ضمانات محكمة بأن واشنطن لن تتراجع عن أي اتفاق نووي مُستقبلي.
وصرح مسؤولان إيرانيان لرويترز الأسبوع الماضي بأن إيران قد توقف تخصيب اليورانيوم إذا أفرجت الولايات المتحدة عن الأموال الإيرانية المجمدة واعترفت بحق طهران في تخصيب اليورانيوم للاستخدام المدني بموجب “اتفاق سياسي” قد يُفضي إلى اتفاق نووي أوسع.
وترى إسرائيل، عدو إيران اللدود، أن البرنامج النووي الإيراني يمثل تهديدا وجوديا وتؤكد أنها لن تسمح أبدا لطهران بحيازة أسلحة نووية.
وقال عراقجي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري بالقاهرة “لا أعتقد أن إسرائيل سترتكب خطأ مثل مهاجمة إيران”.
في غضون ذلك، تضاءل نفوذ طهران الإقليمي نتيجة الانتكاسات العسكرية التي لحقت بقواتها وقوات حلفائها في “محور المقاومة” ذي الأغلبية الشيعية الذي يضم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وجماعة حزب الله اللبنانية والحوثيين في اليمن وفصائل مسلحة عراقية.
ووجه وزير الدفاع السعودي في أبريل نيسان رسالة صريحة إلى المسؤولين الإيرانيين لأخد عرض ترامب بالتوصل إلى اتفاق جديد على محمل الجد باعتباره وسيلة لتجنب خطر الحرب مع إسرائيل.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق عربي ودوليقيق يا مسؤولي تعز تمخض الجمل فولد فأرة تبا لكم...
المتحاربة عفوًا...
من جهته، يُحمِّل الصحفي بلال المريري أطراف الحرب مسؤولية است...
It is so. It cannot be otherwise....
It is so. It cannot be otherwise....