من أمن العقوبة أساء الأدب.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجاوز الخطوط الحمراء لإيران وإسرائيل
تاريخ النشر: 5th, October 2024 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تحدث رئيس الوزراء القطري الأسبق، حمد بن جاسم، السبت، عن إمكانية أن نشهد بداية النهاية للتصعيد الحالي في المنطقة، بشرط احترام ما أسماها بـ"الخطوط الحمراء" لكل من إسرائيل وإيران، وعجز العرب عسكريا عن تغيير الوضع الراهن.
وقال حمد بن جاسم في منشوره عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس"، تويتر سابقا: "لست أحاول هنا تحليل الوضع السياسي في المنطقة، ولكنني أظن أننا قد نشهد بداية لنهاية التصعيد الراهن، بشرط أن تُحترم الخطوط الحمراء لكل من إسرائيل وإيران".
وأضاف رئيس الوزراء القطري الأسبق: "فإيران خطها الأحمر الذي لن تسمح أو تتهاون تجاه تجاوزه هو منجزاتها النووية. وإسرائيل في المقابل، تريد عودة الهدوء إلى جبهة الشمال مع لبنان، وضمان ألا يتكرر تعرضها لأي هجوم إيراني كالذي حدث مؤخراً، وما حدث في 7 أكتوبر".
وأردف حمد بن جاسم قائلا: "وكذلك فإن الطرفين ينتظران نتيجة الانتخابات الأمريكية، لمعرفة من سيكون الرئيس القادم في البيت الأبيض. فنتنياهو يريد أن يعرف من سيجلس في المكتب البيضاوي، وما إذا كان سيعطيه ما أعطاه سلفه من وقت ومماطلة قبل الموافقة على وقف إطلاق النار"، حسب وصفه.
وأكد حمد بن جاسم: "المهم عندما تنتهي المعركة الحالية، هل ستكون لدى العرب عموماً والفلسطينيين بالذات، والولايات المتحدة، استراتيجية للوصول إلى حل أو البدء بوضع حلول للقضية الفلسطينية تؤدي إلي حل الدولتين وانطلاق عملية سلام شامل؟".
ومضى يقول: "مع أنى أشك في أن نتنياهو يريد سلاماً عبر حل الدولتين، بل يريد استمرار الوضع الراهن تحت سيطرة حكومته وقواته، وهذا هو التحدي الأكبر. ومع أننا نحن العرب نعترف بأننا عاجزون، عسكرياً أولا، عن تغيير الوضع الراهن، فإنه لابد لنا من أن نضع لأنفسنا استراتيجية لمعركة سلام طويلة واضحة المعالم، تعتمد على المعايير الدولية والقانونية وقرارات الشرعية الدولية. وعلينا أن نعي أن هناك اليوم رأياً عاماً دولياً وشعبياً يساند حصول الفلسطينيين على حقوقهم، وهو ما يجب علينا استغلاله بسرعة من أجل وضع أسس سلام عادل يؤمن للمنطقة الاستقرار، وينهي كل أسباب الإرهاب، ويحبط مخططات من لا يريدون الاستقرار في المنطقة. فنتنياهو يشعر اليوم بنشوة نصر ستتعاظم إذا استطاع أن يحقق في جبهة الشمال نوعاً من التوغل في لبنان، وإذا استطاع أن يقتل في غزة من يسعي لقتلهم، خاصة يحيى السنوار، وبذلك ينتهي التوتر والإرهاب حسب زعمه".
وأشار حمد بن جاسم في منشوره إلى أن "هذه كلها تحديات كبيرة أمام العرب تحتاج إلي تفكير عميق وهادئ، لكن ما أخشاه هو أن يعترينا الوهم حين تنتهي المعركة بأن الاستقرار عاد، فنغرق بعدها في سباتنا العميق كما كان يحدث في السابق، ونفوت على أنفسنا الفرصة لتحقيق الاستقرار، وإفشال مخططات من لا يريدون الاستقرار. وربما تمر هذه الأزمة من دون أن يشتعل فتيل الفوضى وعدم الاستقرار في دولنا بسبب الشعور العام بالإحباط، وأسباب أخرى لا أريد أن أخوض فيها، لكن المستقبل قد يحمل لنا ذلك حين تتزايد الضغوط الشعبية، فتجبر الساسة وأصحاب القرار على اتخاذ قرارات صعبة. ولذلك على العرب أن يبدأوا من الآن من أجل بلوغ السلام".
وأكد رئيس الوزراء القطري الأسبق أنه "كما يعرف الجميع، فعند غزو العراق للكويت كان هناك موقف عربي ودولي موحد تقريباً لإحلال السلام وتحقق تقدم جيد، وهذا ما يجب أن يحصل الآن. وإن لم يحصل وتم تجاوز الخطوط الحمراء التي أشرنا إليها، فإننا سنرى توتراً وحرب استنزاف طويلة الأمد في المنطقة، لأنه قد لا يبق لإيران ما تخسره، وستستغل ذلك الجهات التي تريد استمرار التوتر، وكما قال المثل العربي: (من أمن العقوبة أساء الأدب) وهذا ينطبق على بنيامين نتنياهو أولا"، حسب قوله.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: البرنامج النووي الإيراني الجيش الإسرائيلي الحكومة الإسرائيلية الحكومة الإيرانية الشرق الأوسط الشيخ حمد بن جاسم القضية الفلسطينية بنيامين نتنياهو حركة حماس حزب الله عملية السلام غزة الخطوط الحمراء حمد بن جاسم فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
التلقي الطبيعي للأدب
لقد وقفنا في مقالة سابقة على حاجتنا في زماننا المنير إلى الأدب ليجعل حياة الفرد أثرى وأثقل وأغنى، فهل أنّ الأدب يُقَاس بمبيعاته، وبما يُحدثه من أثرٍ في السّوق، وكيف يُمكن أن نتلقَّى هذا الأدب الذي أفنيتُ عمري وأنا أسيح فيه؟ وأعمل على بيان قدرته وقوّته، وهل الأدب شبيه بالمهن التي تدرُّ مالًا أو تُفقر صاحبها؟ وهل يأتي على الإنسان الراغب في الأدب، المقبل عليه، حين من الدَّهر ينفُر فيه من الأدب ويُقْسِم أغلظ الأيمان ألّا يعود إليه وألّا يقترب من تجارته إن كسدت، وهي تجارة دائمة الكساد، باقية الخسران جنيًا للمال، وهي في الآن ذاته فعلٌ ضروريّ للبشر، وآخرُ قلاعِ الدِّفاع عن بشريّة البشر. لم يكن الأدب يومًا مصدرًا للثراء أو الإثراء، هو أداةٌ تحقِّق حاجةَ مَن يؤمن بها، مَن يعتقدُ فيها، وما عدا ذلك، فالأدب ليس ضروريًّا، ليس خبزًا ولا ماءً عند أغلب النّاس، ولكنّه الهواءُ عند فئةٍ من النّاس آمنَت بالأدب، وأدمنته، قراءةً فحسب، أو قراءةً وكتابةً، فالكاتبُ الحقُّ لا يمكن ألَّا يكون قارئًا مدمنًا، فهل يضمن ذلك ثراءً لتجارة الأديب؟ حتمًا في وطننا العربيّ، لا يضمن كسرةَ خبز، فالأدب مهما علا شأنه، ومهما راقت تجارته، واستوى ماؤه، ووفُر زاده، وبيعت منه الطبعة فالطبعة، لا يُمكن أن يحمي صاحبه من أشباح الحاجة وضيق اليد ومفارقة الفقر.
فهل الأدب في خطرٍ اليوم بسبب من تحوّل العالم إلى ماديّة مُطلقةٍ، وإلى تلهّفٍ محموم إلى كفّ الاحتياج الماديّ، وبسبب من تساقُط مرحليّ لاعتقاداتٍ غلَبَت وسادت في القرن العشرين، وقوامها أنَّ الإنسان يُمكن أن يُضحّي بحياته وبماله وبآله فداءً لفكرةٍ أو لقيمةٍ أو لمذهبٍ في الفنّ. الأدب كان معتقَدًا وما زال، صاحبُه لا يريد منه تجارةً ولا ثراءً، وإنَّما يريده أن يُقرَأَ، وأن ينتشر، وأن تعمّ الفكرةُ، وأن تصل الرسالة، فكونٌ بلا أدبٍ هو كونٌ فاسدٌ، قليلُ الأدب، بلا وجهٍ ولا صفةٍ، ولذلك تُولي البلاد المتقدّمة، المغروسة في التقنية والعلم والعوالم الافتراضيّة أهميّة قصوى للعلوم الإنسانيّة عامّة، وللأدب على وجه خاصٍّ، فاحتفت بأقسام الآداب، وجعلتها واجهة جامعاتها، وفخرت بها وبأدبائها مَن فاتَ منهم، ومَن هو قائمٌ، وحفظت كرامتهم، بعدما وقفت على جرم ما فعلته في تاريخها من إهمالٍ لبعض الأدباء الذين رفعوا بأدبهم أمَمَهم.
لا يُمكن للمحامي ولا للمهندس ولا للقاضي ولا للمحاسَب أن يكون ناجحًا، ناجعًا، مختلفًا من بقيّة الأرقام في مهنته، إن كان عاريًا من الأدب، خاليّا من القراءة، عديم السياحة في كون الفنّ عامَّة، وفي كون الشعر أو القصص خاصّة، فـ«الأدب أداة لمعرفة العالم»، وهو أداةٌ وجب على معلّميها أن يبينوا قوّتها وأثرها ودورها في تغيير منظورنا للعالم. كنت دومًا أقول لأصدقائي، التقاعد ليس نهاية علم ولا عمل، وإنّما هو بالنسبة إلينا نحن القُرَّاء وقت أوفر لما لم نتمكّن من قراءته زمن ضغط العمل.
ثلاثة وجوه أضرّت بتلقّي الأدب في عالمنا العربي، الوجه الأوّل لن نخوض فيه كثيرًا لأنّه يحتاج مديد قولٍ وكبير عناية، وهو تغوُّل دور النشر العربيّة واستبداد أغلبها بالكاتب، تأخذ رحيقه وتلقيه عظْمًا تنهشه الكلاب، والوجه الثاني معلّمو الموادّ الأدبيّة الذين حوّلوا الأدب إلى درسٍ بارد لا روح فيه، وهو وجه تحدّثت فيه كثيرًا، والوجه الثالث، هو إفساد تلقّي الأدب بالإيمان بالنظريّات التي تشرّحه، وهو موضوعٌ خصّه الناقد الفرنسي أنطوان كومبانيون بكتاب أسماه «شيطان النظريّة، الأدب والحسّ المُشتَرك»، وهو أمرٌ موصولٌ بالحال النقديّة في تلقّي الأدب، فهل يحتاج القارئ إلى النظريّة النقديّة لتأخذ بيده وتُوَجِّهه إلى مواطن الجمال والحسن في خطاب أدبيّ ما؟ لا شكّ أنّني عندما قرأت أغلب زادي الروائيّ، توفيق الحكيم، المنفلوطي، الأصفهاني، فيكتور هيجو، تولستوي، لم أكن أعرف لا تدوروف ولا بارط ولا غريماس ولا جونات، وكنت أتلذّذ بقراءاتي، أستفيد منها، وأُدمن عليها.
هنالك درجاتٌ من القراءة، ومن النقد، لا شكّ في ذلك، ولكن وجب على المؤمنين بسلطة النظريّة أن يتحرّروا منها بشكل كبير، وأن يُفتِّحوا أذهانهم على «الحسّ المشتَرك»، فالأدب لا يخضع إلى قوانين مشتركة شكليّة، بها تتحدّد منزلته، ولا إلى مسطرة تُسلَّط على كل النصوص الأدبيّة، كما يفعل دُعاة البنيويّة والإنشائيّة والسيمائيّة، وإنّما هو خاضعٌ إلى حسٍّ أدبيٍّ مشترك، به تُحسُّ ما يسمّيه حازم القرطاجنّي بـ«المعاني الجمهوريَّة»، لا يُمكن لناقدٍ حصيف، ذكيّ، ألَّا يعتمد في نقده على هذا التراكم النظريّ النقديّ الهامّ، ولكن وجب عليه امتصاص هذه المفاهيم والأدوات وتذويبها داخل الخطاب النقديّ، فتكون آليّةَ فهم وإدراكٍ، مع آليّات أخرى، أهمّها الإحساس بقيمة الأدب المدروس، فأنا لا أكتب نقدًا حولَ أدبٍ لا يستفزّني سلبًا أو إيجابًا، لا أكتب حول أدبٍ باردٍ، وكذا فعل من تسمّيهم صديقتي الأديبة المغوارة بـ«أولياء الله»، أصحاب النظريّات، فكلّ واحد منهم تخيَّر نصًّا أو نصوصًا هَامَ بها ورشَّحها أرضيَّةً لنظريّته.
لم تقدر النظريّة (في النقد البنيويّ) على محو عنصر أساسٍ من سبعة عناصر يتكوّن منها خطاب الأدب (المؤلّف، الأثر، القارئ، اللّغة، المرجع، التاريخ، النقد)، وهو المؤلّف، الذي ألحّت البنيويّة على موته، والمرجع الذي عملت البنيويّة على حصرِه في الإحالة الخطابيّة دون المقاميّة، فالبنيويّة والإنشائيّة والتفكيكيّة على جليل ما قدّمته من أدواتٍ نقديّة، حوّلت القارئ إلى «آلة تأويل»، لا إلى جهة إحساس وإدراك. التلذّذ بالأدب دون «لماذا؟» أو دون البحث عن علل التلذّذ أمر قديم ومألوف في الأدب، إذ تبحث في نفسك عن سبب استحسانك لقولٍ دون الآخر فلا تجده، وهنالك أيضا «ماء الأدب»، يُميّز نصوصَ الأدب دونَ ضرورةِ الإخضاع إلى هيكلٍ شكليٍّ يجعل النصوص كلّها متشابهة، دون روح، إذ يحلو قولٌ دون آخر، وهما جيّدان، متقاربان، لأنّ الأحلى يكسوه ماء لا ندركك كنهه بالضرورة.
قراءة اللذّة، المتعة، هي غاية الأدب القصوى، لقد لخّص أنطوان كومبانيون، فكرة سطوة شيطان النظريّة على الحسّ النقديّ، بقوله: «صحيح أن المؤلّف مات، ولا علاقة للأدب بالعالم، ولا وجود للترادف، وكلّ التأويلات صحيحة ومشروعة، والمعتمد غير مشروع، لكن مع ذلك يستمرُّ النَّاس في قراءة سِيَر الكُتَّاب، ويتماهون مع أبطال الروايات، ويتابعون باهتمام آثار راسكولنيكوف في شوارع سان بطرسبورغ، ويفضِّلون رواية «مدام بوفاري» على رواية «فاني» وينغمس بارت بلذَّة في قراءة رواية «الكونت مونت كريستو» قبل أن يخلد إلى النوم.
وهذا السبب هو الذي يحول دون انتصار النظرية. فهي عاجزة عن محو الأنا القارئ وإلغائه». التلقّي الطبيعيّ للأدب هو تلقّي المتعة، الاستمتاع، ومن بعد ذلك قد نبحث بأدواتٍ نظريّة عن علل هذا الجمال، وقد نقصر الأمر على متعتنا الذاتيّة.