لماذا تكثف واشنطن نشر طائرات الاستطلاع في أجواء اليمن؟
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
شهدت الشهور الأخيرة تكثيفًا أمريكيًا لافتًا لطلعات طائرات الاستطلاع من طراز» إم كيو-9» في أجواء اليمن؛ لدرجة أن حركة «أنصار الله» (الحوثيون) أعلنت خلال شهر أيلول/سبتمبر إسقاط أربع طائرات منها؛ واعترفت واشنطن باثنتين وتداولت أنباء اعترافها بثالثة؛ بل إن اسقاط تلك الطائرات كان في فترات متقاربة؛ ما يعني أن ثمة تحليقًا مكثفًا، وربما يوميًا، للطائرات الأمريكية من هذا الطراز في اليمن؛ ما يدفع للتساؤل: لِمَ تكثف واشنطن من تحليق طائراتها الاستطلاعية في أجواء اليمن على الرغم من إعلان الحوثيين إسقاط 11 منها منذ تشرين الثاني/نوفمبر و15 منذ بدء الحرب في اليمن؟
أول دلالة على هذا هو ما يمكن قراءته في افتقار واشنطن الشديد للمعلومات التي تريدها عما تشهده مناطق سيطرة «أنصار الله»؛ في ظل عجز واشنطن عن تجنيد جواسيس هناك في ظل ما يفرضه «أنصار الله» من سيطرة كاملة على الوضع الأمني، الأمر الذي يجعلها مضطرة لتكثيف طلعات طائرات الاستطلاع والرصد والتجسس.
وعلى الرغم من الاسقاطات المتوالية لهذه الطائرات باهظة الثمن، إلا أن واشنطن مستمرة في إرسالها ما يوحي بمدى ما تشعر به من قلق تجاه «عتمة المعلومات» لديها عن «أنصار الله».
الدلالة الثانية تتمثل في عجز تحالف واشنطن ولندن عن تحقيق تقدم ملموس في ضرباتهما الصاروخية والغارات الجوية ضد أهداف للحوثيين في اليمن؛ فبعد ما يناهز عشرة شهور من عمليات هذا التحالف، فيما تسمى عملية «بوسيدون آرتشر» صار الحوثيون في أوج قوتهم مقارنة بما كان يفترضه هذا التحالف بعد عشرة شهور؛ بل إن مقارنة وضع الحوثيين عند بدء هذه العملية في 12 كانون الثاني/يناير الماضي بما صاروا إليه اليوم، فإنهم قد صاروا أفضل حالًا بكثير مما كانوا عليه عند بدء تلك العملية؛ إذ ما زالوا يمارسون ما كانوا يمارسونه من عمليات بحرية قبل بدء هجمات التحالف الأمريكي البريطاني، بل لقد توسعت منطقة عملياتهم البحرية وشملت المحيط الهندي والبحر المتوسط وأقاصي البحر العربي، وصارت أكبر وأوسع مما كانت عليه قبل بدء الضربات الصاروخية والغارات الجوية الأمريكية البريطانية؛ بل لقد كشفوا خلال الفترة الماضية عن صواريخ أطول مدى وأكثر قوة، بما فيها صواريخ فرط صوتية، والتي امتلكها الحوثيون قبل الولايات المتحدة نفسها؛ وهو ما يمكن تفسيره بوضوح في عجز تحالف واشنطن ولندن عن تحقيق أهدافه، التي قام من أجلها؛ في دلالة على تفوق قدرات الحوثيين في إخفاء مواقع ومراكز أسلحتهم؛ الأمر الذي لم تحقق معه واشنطن أي تقدم حقيقي، على الرغم مما تعلنه من ضربات تقول إنها تحقق نجاحًا في استهداف منصات إطلاق صواريخ، وغيرها من الأهداف.
وما يُضاعف من قلق واشنطن تواتر إعلانات «أنصار الله» عن أسلحة وصواريخ جديدة، وآخرها صاروخ «قدس 5» المجنح طويل المدى، والذي يتجاوز مداه الألفي كيلومتر، ويمتلك قدرة المناورة والتخفي وتجاوز مستويات مختلفة من الدفاعات الجوية، والذي أعلن عنه المتحدث العسكري للجماعة، يحيى سريع، الأسبوع الماضي في تنفيذ «عملية عسكرية استهدفت مواقع عسكرية في عمق الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة».
إزاء كل ذلك لم تستطع واشنطن إثبات أن الحوثيين تلقوا تلك الصواريخ، التي يعلنون عنها، من إيران أو استهداف مراكز تصنيعها لدى الحوثيين؛ وهو ما يؤشر إلى عامل تفوق الجماعة الأمني، ما أسهم في محاصرة القدرات الاستخباراتية لواشنطن في اليمن، بدليل ما تبديه واشنطن من عجز عن اكتشاف واستهداف المراكز الحساسة في مناطق سيطرة «أنصار الله».
على الرغم من التحليق المكثف لطائراتها الاستطلاعية وتواجد حاملات طائراتها وعدد من المدمرات والمعدات في المنطقة، علاوة على استعانتها بالأقمار الاصطناعية إلا أنها لم تستطع كبح جماح القدرات التسلحية لجماعة «أنصار الله»؛ وكانت المفاجأة ما أعلنت عنه الجماعة في مستهل العام 2024 ممثلًا في امتلاك صواريخ فرط صوتية؛ وهي بذلك كانت ـ كما سبقت الإشارة- قد سبقت الولايات المتحدة، التي لم تعلن حيازة هذه التقنية من الصواريخ إلا قبل شهور قليلة.
كل ذلك يضع واشنطن في مأزق معلوماتي معتم للغاية؛ وما يزيد من مخاوفها هو عجزها عن الحصول على ما تريد من معلومات؛ وهو ما يمكن اعتباره العامل الأهم وراء تكثيف الطلعات الجوية لطائراتها بدون طيار (إم كيو- 9) التي سبق وإن استخدمتها وكالة الاستخبارات الأمريكية في التحليق في أجواء اليمن في فترات سابقة قبل الحرب.
وسبق واستخدمت الولايات المتحدة طائرات بدون طيار (ليس معروفا بالتأكيد إن كان طرازها إم كيو-9) بين عامي 2002 و2021 في استهداف ما قال الأمريكيون إنهم شخصيات قيادية في تنظيم القاعدة الإرهابي بالإضافة إلى تنفيذ 15 غارة بطائرات مأهولة. وقالت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان في تقرير بعنوان «الضحايا المدنيون وفعالية ضربات الدرون الأمريكية في اليمن عن هذه الغارات»: «في عام 2017 قمنا بالتحقيق في ثمان غارات بطائرات بدون طيار وعمليات برية، ووجدنا أن العمليات الأمريكية كانت مسؤولة عن مقتل ما لا يقل عن 32 مدنياً ـ بينهم 16 طفلاً وست نساء ـ وجرح عشرة آخرين، بينهم خمسة أطفال».
ويمكن لطراز «إم كيو- 9» والتي تكلف حوالي 30 مليون دولار لكل منها، أن تطير على ارتفاعات تصل إلى 50000 قدم (15240 مترًا) ولديها قدرة تحمل تصل إلى 24 ساعة قبل الحاجة إلى الهبوط. وقد حلقت الطائرات من قبل الجيش الأمريكي ووكالة المخابرات المركزية فوق اليمن لسنوات، وفق وكالة «إسوشيتد برس».
وأعلن الحوثيون خلال إسقاط طائرة في 7 أيلول/سبتمبر في أجواء محافظة مأرب، وثانية في 10 أيلول/سبتمبر في أجواء محافظة صعدة، ثالثة في 16 أيلول/سبتمبر في أجواء محافظة ذمار، ورابعة في 30 منه في أجواء محافظة صعدة.
ووفق وسائل إعلام تابعة للحوثيين فقد أسقطت قواتهم أول طائرة من ذات النوع منذ بدء إسنادهم لغزة في 8 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في أجواء المياه الإقليمية، والثانية في 19 شباط/فبراير في أجواء محافظة الحديدة غربي البلاد، والثالثة في 26 نيسان/ابريل في أجواء محافظة صعدة شمال، والرابعة في 16 أيار/مايو في أجواء محافظة مأرب شمال شرق، والخامسة في 21 أيار/مايو في أجواء محافظة البيضاء وسط، والسادسة في 29 أيار/مايو في أجواء محافظة مأرب، والسابعة في 4 آب/أغسطس في أجواء محافظة صعدة، والثامنة في 7 أيلول/سبتمبر في أجواء محافظة مأرب، والتاسعة في 10 أيلول/سبتمبر في أجواء محافظة صعدة، والعاشرة في 16 سبتمبر/أيلول في أجواء محافظة ذمار/ والحادية عشرة في 30 أيلول/سبتمبر. وجميعها تم إسقاطها بصواريخ «أرض- جو» محلي الصنع، وفق بيانات المتحدث العسكري يحيى سريع.
واعترفت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» بإسقاط الحوثيين بعض هذه الطائرات.
وتعد طائرة «إم كيو- ناين»مسيرة هجومية غير مأهولة وقاذفة للصواريخ بجانب قدراتها في الرصد والمراقبة والاستطلاع والاستشعار والتجسس. وتبلغ سرعتها 240 كيلومترا في الساعة. ويبلغ مدى تحليقها 3 آلاف كيلومتر. وسبق واُستخدمت في حربي أفغانستان والعراق وغيرها من الحروب.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن امريكا الحوثي طائرات استطلاع فی أجواء محافظة صعدة فی أجواء محافظة مأرب فی أجواء الیمن أنصار الله على الرغم فی الیمن إم کیو
إقرأ أيضاً:
سماء اليمن تُسقط هيبة الطائرات الأمريكية: “أم كيو 9” تفقد سيادتها أمام الدفاعات الجوية اليمنية
يمانيون../
نشرت صحيفة Business Insider الأمريكية تقريرًا تحليليًا موسعًا للكاتب المتخصص في الشؤون الدفاعية مايكل بيك، حمل عنوانًا لافتًا: “عهد طائرات MQ-9 Reaper يشارف على النهاية”، حيث استعرض فيه التحولات المتسارعة في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، مُسلطًا الضوء على التراجع الكبير في فاعلية الطائرات الأمريكية الثقيلة وعلى رأسها “ريبر”، التي كانت تمثل لسنوات طويلة رمزًا للهيمنة الأمريكية في الحروب الحديثة.
وفي مقدمة التقرير، اعتبر الكاتب أن ما يجري في اليمن، إلى جانب تجارب مشابهة في أوكرانيا ولبنان، يكشف بداية الانحدار لهذا النوع من الطائرات، بعد أن أظهرت بيئات المقاومة الشعبية والجماعات غير الدولتية قدرتها على إسقاطها بكفاءة، رغم بساطة منظوماتها الدفاعية مقارنةً بما تمتلكه القوى العظمى.
اليمن.. النموذج الأبرز لإفشال الهيمنة الجوية الأمريكية
ركز التقرير بشكل خاص على الدور المحوري الذي لعبته القوات المسلحة اليمنية في إسقاط طائرات MQ-9 Reaper، مشيرًا إلى أن اليمن وحدها شهدت تدمير ما لا يقل عن 15 طائرة من هذا النوع منذ أكتوبر 2023، بما في ذلك سبع طائرات في شهري مارس وأبريل 2025. وقدّر التقرير الخسائر الناتجة عن ذلك بنحو نصف مليار دولار أمريكي.
ويكشف الكاتب أن الدفاعات الجوية اليمنية لم تعتمد في إسقاط هذه الطائرات على أنظمة حديثة، بل استندت في كثير من الأحيان إلى صواريخ سوفييتية قديمة من طراز SA-2 وSA-6، وهو ما يبرهن على أن “ريبر” باتت هدفًا هشًا في ساحة المعركة، حتى أمام إمكانيات بدائية نسبياً.
مثال يتكرر في أوكرانيا ولبنان
واستعرض التقرير كيف اختفت طائرات مسيرة أخرى من السماء بعد أن ثبتت هشاشتها أمام منظومات دفاعية متوسطة. فطائرات “بيرقدار” التركية، التي رُوج لها كثيرًا خلال بدايات الحرب الأوكرانية، لم تصمد طويلًا أمام الشبكات الروسية، وكذلك الحال مع طائرات “هيرمس” الصهيونية التي سقطت على يد حزب الله في جنوب لبنان. هذه الأمثلة، وفقًا للتقرير، تعزز من فرضية أن “السماء لم تعد آمنة للطائرات الباهظة والمكشوفة”.
تغيّر في العقيدة العسكرية الغربية
ولم يكتف التقرير بعرض وقائع السقوط، بل غاص في عمق الأزمة الاستراتيجية التي تواجهها الجيوش الغربية. فبينما تبلغ تكلفة طائرة Global Hawk قرابة 200 مليون دولار، وقد سبق أن أسقطتها إيران في 2019، بات من غير المنطقي الاعتماد على منظومات مرتفعة التكلفة ولا تضمن البقاء في ساحة المعركة.
ويؤكد الكاتب أن ما يجري يمثل تحولًا جذريًا في العقيدة العسكرية، من منطق السيطرة التكنولوجية إلى عقيدة جديدة تعتمد على السرعة والكثرة والمرونة. فباتت الطائرات الرخيصة والقابلة للتضحية من نوع FPV خيارًا أكثر عقلانية من طائرات يصعب تعويضها عند سقوطها.
أزمة في البدائل
وحين ناقش التقرير البدائل المتاحة أمام الجيوش الغربية، أشار إلى محدودية الخيارات. فالأقمار الصناعية المنخفضة المدار تعاني من تغطية غير دائمة، والبالونات الثابتة لا يمكن نقلها بسرعة، مما يجعل المشهد المخابراتي في ميدان القتال معقدًا للغاية.
في ظل هذه الإخفاقات، يدعو بعض الخبراء لتطوير مسيرات أكثر خفاءً وتطورًا، إلا أن الكاتب حذر من أن هذه الطائرات الجديدة باهظة التكاليف ولا يمكن إنتاجها على نطاق واسع، خاصة في ظل ميزانيات محدودة كحال الجيش البريطاني مثلًا.
اليمن يعيد رسم ملامح الحرب الحديثة
ما تكشفه تجربة اليمن، بحسب التحليل، ليس مجرد تفوق دفاعي موضعي، بل نقطة فاصلة في مسار الحروب الجوية. فالقوات المسلحة اليمنية، بإمكانات تقنية محدودة ولكن بعقيدة عسكرية مرنة وذكية، تمكنت من انتزاع زمام المبادرة في مواجهة واحدة من أكثر الطائرات تطورًا في الترسانة الأمريكية.
لقد أنهى اليمن، بحسب توصيف التقرير، “الهيبة المطلقة لطائرة الريبر”، وفرض معادلة جديدة يُحسب لها ألف حساب قبل الإقدام على أي مغامرة جوية جديدة، ليس فقط في أجواء اليمن بل في أي ساحة تواجه فيها الولايات المتحدة خصمًا يمتلك الإرادة والإبداع أكثر من امتلاكه المعدات.
ولا مبالغة في القول إن سماء اليمن تحولت إلى مقبرة للطائرات الأمريكية، وأن سقوط الريبر لا يعكس فقط فشلًا تكنولوجيًا، بل ارتباكًا استراتيجيًا في طريقة التفكير الأمريكي في خوض الحروب. فالقوة لم تعد تُقاس بقيمة الطائرة، بل بمدى قدرتها على الصمود أمام صاروخ محمول على الكتف أو منظومة صواريخ أعيد إحياؤها من المخازن السوفييتية.
وها هي القوات المسلحة اليمنية، تثبت للعالم أن الإرادة والشجاعة والدقة في التخطيط يمكن أن تهزم التكنولوجيا مهما عظمت.