ظلت الأهداف السياسية للدول حتى عهد قريب أسرارًا لا يعرفها سوى صانعوها والمخططون لها، وكان التخطيط لها يتم عادةً في الخفاء ويُعد من الأسرار التي لا يجوز الإفصاح عنها، فهذا الإفصاح كان يُعد من باب الخيانة! ولكننا في عصرنا هذا نجد أن هذا الإفصاح قد أصبح أمرًا معتادًا على ألسنة المتحدثين الرسميين عن سياسات ومواقف الدول، بل على ألسنة قادة الدول نفسها، ممن لهم تأثير ملحوظ على أوضاع العالم وما يجري فيه من صراعات.
هذه قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدد صراحةً بضرب أماكنَ معينة في فلسطين أو لبنان، بل تهدد بضرب أية منطقة في الشرق الأوسط، وهي تنفذ تهديدها كما يحلو لها. وها هي معظم الدول الغربية التي تنتمي إلى حلف الناتو تدعم صراحة ضرب هذه الأماكن، بل تسعى إلى تبرير ذلك باعتباره دفاعًا عن النفس! وهذا أمر عجيب: إذ تبرر هذه الدول اعتداء المحتل على أراضي الغير باعتباره دفاعًا عن النفس، وتنظر إلى هذا الغير الذي يدافع عن أرضه، لا باعتباره مقاومًا للاعتداء، وإنما باعتباره إرهابيًّا!! فها هو ذا مستشار ألمانيا لا يرفض موقف إسرائيل حينما أرادت السيطرة على محور فيلادلفيا الذي لجأ إليه الفلسطينيون هروبًا من مجازر الاحتلال في الشمال، واكتفى بالقول بأن هذا الغزو يجب ألا يكون موسَّعا وأن يترفق بالمدنيين! ومثل هذا قاله كثير من قادة دول الغرب، وكأن لسان حالهم يقول: اقتلوهم، ولكن برفق، وفي أقل الحدود!!
أما موقف الولايات المتحدة الأمريكية فهو الموقف الأكثر صراحة بشكل فيه كثير من الفجاجة: ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تخفي موقفها الداعم لإسرائيل في عدوانها على المقاومين من أصحاب الأرض، بل أصبحت تعلن صراحة عن إمدادها للكيان الصهيوني بالأسلحة الفتاكة لقتل أصحاب الأرض من المقاومين، وهو ما أدى إلى قتل الآلاف من المدنيين من النساء والأطفال في مآس يندى لها جبين الإنسانية. ولكن ساسة أمريكا لا يعبأون بشيء من ذلك، وهم يواصلون إمداد الكيان الصهيوني بالقذائف الفتاكة التي لا يمتلكها الكيان نفسه، بل إنهم يرسلون حاملات الطائرات وأجهزة الاستخبارات الدقيقة التي تعين الكيان على رصد المواضع التي يمكن قصفها بدقة، سواء في فلسطين أو لبنان، وهذا هو ما أعان الكيان على تصفية كثير من قيادات المقاومة في فلسطين وفي لبنان أو حزب الله. ولهذا يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص هي شريك في هذه الحرب المعلنة على فصائل المقاومة، بل إنها المدبر والمخطط والمنفذ أيضًا بأياد قذرة لهذه المجازر التي ارتكبها الكيان. لم يعد هذا خافيًا على أحد؛ ببساطة لأن الداعم الرئيس بالخطط والاستخبارات والسلاح يعلن عن ضلوعه صراحةً من دون مواربة في ذلك، بل يعلن عن رفضه لكل أشكال المقاومة في منطقة الشرق الأوسط، ويراها امتدادًا لنفوذ العدو الاستراتيجي: إيران. وكأن إيران قد أصبحت شماعة لتعليق كل أشكال المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني الذي يريد أن يبتلع المنطقة بأسرها.
بينما أعكف على هذا المقال، فوجئنا في مساء هذا اليوم الأول من شهر أكتوبر 2004 بأن إيران قامت برشقات صاروخية طالت المدن الكبرى في إسرائيل. وعلى الفور قامت الولايات المتحدة بالتقليل من فاعلية هذه الضربة، وأعلنت صراحةً أنها ساهمت في اعتراض الكثير من هذه الصواريخ، وأصدر رئيسها أمرًا للجيش الأمريكي الموجود في الشرق الأوسط في البحر والبر (من خلال قواعده العسكرية) بمساعدة إسرائيل في التصدي لضربات إيران. وهكذا تعلن الولايات المتحدة الأمريكية أنها ضالعة في مواجهة محور المقاومة أيًّا كان مكانه. وبذلك يصبح من الواضح أن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لا تواجه إسرائيل بقدر ما تواجه قوة أعظم منها كثيرًا، لولاها لاستطاعت المقاومة سحق هذا الكيان الصهيوني، أو- على الأقل- تقليم أظافره. وربما يتساءل المرء عن السبب في دعم الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الكيان الصهيوني الذي هو أشبه بجسم غريب أو دخيل في جسد الأمة العربية. ولكن هذا السؤال سيبدو ساذجًا حينما ينظر المرء في أصل نشأة هذا الكيان. فهو لم ينشأ إلا بهذا الاعتبار نفسه: أعني باعتباره ذرعًا لكيان قابل للتمدد والانتشار في جسد الشرق الأوسط. قامت بريطانيا في البداية بالتخطيط لهذه المهمة التي تكفلت بها فيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية! وربما يضع هذا علامات استفهام على مواقف بعض الدول العربية التي تتحالف مع الموقف الأمريكي ضد محور المقاومة، ولا ترى أن أيران يمكن أن تكون داعمًا قويًّا في المعادلة، أعني في تحجيم دور الكيان الصهيوني ومواجهة مخططاته التي تسعى إلى ابتلاع الشرق الأوسط في مجمله!
ولا شك في أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية في هذه القضية تحديدًا يعكس تغلل اللوبي الصهيوني في المفاصل السياسية والاقتصادية لهذه الدولة الكبرى، وهو ما رأيناه دائمًا حينما تحين فترة انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ لا يجرؤ أي مرشح للرئاسة على أن يتجاهل دعم دولته المطلق لهذا الكيان والتأكيد على أحقية هذا الكيان (المغتصب للأرض) في الدفاع عن نفسه ضد الإرهابيين (الذين هم أصحاب الأرض)! وذلك بصرف النظر عن كل القرارات الدولية التي تنكر هذا الزعم. إسرائيل تلعب على هذه الورقة من ضمن ما تتلاعب به، ولكن الكرة لا تزال في ملعب الدول العربية التي يمكن أن تتبنى استراتيجية جديدة في مواجهة استراتيجية الكيان الصهيوني.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الکیان الصهیونی الشرق الأوسط هذا الکیان کثیر من
إقرأ أيضاً:
عقبات تواجه تصنيع آيفون في الولايات المتحدة
يواجه مسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتصنيع هواتف “آيفون” التي تنتجها شركة “أبل” داخل الولايات المتحدة الكثير من التحديات القانونية والاقتصادية أقلها تثبيت “البراغي الصغيرة” بطرق آلية، وفق خبراء.
فقد هدد ترمب الجمعة بفرض رسوم جمركية تبلغ 25% على “أبل” في حال بيعها هواتف “آيفون” مصنعة في الخارج داخل الولايات المتحدة، وذلك في إطار سعي إدارته لدعم سوق العمل.
وقال ترمب للصحفيين الجمعة إن الرسوم الجمركية البالغة 25% ستطبق أيضًا على شركة “سامسونغ” وغيرها من صانعي الهواتف الذكية. ويتوقع أن تدخل الرسوم حيز التنفيذ في نهاية يونيو/ حزيران.
صناعة تتطلب تكنولوجيا غير متوفرة
وقال ترمب ط: “لن يكون من العدل” عدم تطبيق الرسوم على جميع الهواتف الذكية المستوردة، مشيرًا إلى تفاهم مبرم مع (الرئيس التنفيذي لشركة أبل) تيم (كوك) بأنه لن يفعل ذلك.
وبحسب ترمب، قال (كوك) إنه سيذهب إلى الهند لبناء مصانع. ورد ترمب له “لا بأس أن يذهب إلى الهند ولكنك لن تبيع هنا بدون رسوم جمركية”.
وكان وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك قال لشبكة “سي.بي.إس” الشهر الماضي إن عمل “الملايين والملايين من البشر الذين يثبتون البراغي الصغيرة جدًا لصنع أجهزة آيفون” سيأتي إلى الولايات المتحدة وسيصبح آليًا، مما سيوفر وظائف للعمال المهرة مثل الميكانيكيين والكهربائيين.
لكنه قال لاحقًا لقناة “سي.إن.بي.سي” إن كوك أخبره بأن القيام بذلك يتطلب تكنولوجيا غير متوفرة بعد.
وأوضح قائلًا: “لقد قال أحتاج إلى أذرع روبوتية وأن أقوم بذلك على نطاق ودقة يمكنني بهما جلبها (الصناعة) إلى هنا. وفي اليوم الذي أرى ذلك متاحًا، ستأتي إلى هنا”.
“قصة خيالية غير ممكنة”
وقال محامون وأساتذة بقطاع التجارة إن أسرع طريقة لإدارة ترمب للضغط على شركة “أبل” من خلال الرسوم الجمركية هي استخدام نفس الآلية القانونية التي تفرض الرسوم على شريحة واسعة من الواردات.
ونقلت وكالة “رويترز” عن دان إيفز المحلل في “ويدبوش” إن عملية نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة قد تستغرق ما يصل إلى 10 سنوات وقد تؤدي إلى أن يصل سعر جهاز آيفون الواحد إلى 3500 دولار. ويُباع أحدث إصدار من هواتف آيفون حاليًا في حدود 1200 دولار.
وأضاف إيفز: “نعتقد أن مفهوم إنتاج أبل لأجهزة آيفون في الولايات المتحدة هو قصة خيالية غير ممكنة”.
وبحسب “رويترز”، قال بريت هاوس، أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا، إن فرض رسوم جمركية على أجهزة آيفون سيزيد من تكاليف المستهلكين من خلال تعقيد سلسلة التوريد والتمويل الخاصة بشركة “أبل”. وأوضح قائلًا: “لا شيء من هذا إيجابي بالنسبة للمستهلكين الأميركيين”.
قناة العربي
إنضم لقناة النيلين على واتساب