لجريدة عمان:
2025-07-05@13:54:41 GMT

«الشيخ الأحمر» .. درس عباس بيضون الروائي

تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT

«الشيخ الأحمر» .. درس عباس بيضون الروائي

يمنحنا الكاتب اللبناني عباس بيضون درسا بليغا في الكتابة الروائية المُحكَمة، بناء ولغة وتدفقا وكشفا لنفسيات الأبطال ودوافعهم، في روايته الجديدة «الشيخ الأحمر». وبرغم قصر الرواية «النوفيلا» إلا أنها حققت عنصري الإشباع والإمتاع، كما أن المكان المتسع في الرواية، الذي يمتد من «النجف» في العراق إلى «جباع» في لبنان، وكذلك الزمان المنفتح على الحقبة العثمانية، كانا من الممكن أن يغريا روائيا أقل خبرة، بتوسيع قماشة العمل ونفخه حتى يصبح عملا ضخما ترحب به الجوائز.

ليست هناك ذروة معينة استهدفتها الرواية، فالكاتب اختار رجلا لبنانيا، هو «عبد الحسين»، كان لديه طموح بأن يصبح رجل دين، فذهب إلى «النجف»، وتزوج من عراقية اسمها «خديجة»، وتمنى أن يكمل حياته في الغربة، فهناك ثمة رجل دين تحت كل حجر، وهو بينهم مجرد شيخ عادي، لا يطالبه أحد بالحديث المنمق، ولا ينتظرون مشورته في مسائل الدين والدنيا، بينما لو ذهب إلى قريته «جباع»، كما يطالبه أهلها، يصبح عاريا تحت الشمس. إنه يرغب في أن يقضي حياته صامتا، لكنه بمجرد أن يفتح فمه، يتلعثم ويرتبك ويضيع بين الكلمات، فما حاجته إلى وجع الدماغ؟ لكن العودة، على ما يبدو، أصبحت قدره فعاد.

وبفرشاة الفنان يرسم عباس بيضون شخصيات بيت الشيخ عبد الحسين، وعلى رأسها زوجته خديجة، وهي امرأة هادئة ومسالمة، تترك له العنان يفعل ما يشاء، حتى لو كان الأمر يتعلق بعلاقاته الحسية مع أرامل ومطلقات القرية، فهي تؤمن مثل بقية الأهالي أن ذلك سُترة لهن يشجعها الدين، لكن أختها «عاصمة» المرأة المطلقة تكره تصرفاتها وتعنِّفها أحيانا، لكنها سرعان ما تؤمن بأنَّ شيئا لن يتغير في سلوكها، فتتركها لحالها، وتضطلع بدلا منها بشؤون البيت، ورعاية الأبناء.

يقترب السرد كذلك من نفسية «آمنة» ابنة الشيخ، ذات الخمسة عشر ربيعا. من خلالها يمكن فهم تلك التربية المتزمتة، تربية التحريم، التي تُعاقِب على أتفه الأشياء، فالخالة «عاصمة» توبِّخها إذا مسَّت الصابونةُ جسدَها، فماذا يقول الناس عن تلك الفتاة التي يفوح منها العبير؟ ويبرع عباس بيضون في إظهار التناقضات الشديدة في سلوك معظم الكبار، فـ«عاصمة» الخالة التي تضع «آمنة» تحت حراستها المشددة، لا تتردد في إظهار شبقها تجاه «عبد الفضيل» خطيب تلك الفتاة الصغيرة، والشيخ عبد الحسين لا يتردد في المرور على أجساد النساء باسم الدين، وباسم الحماية من الرذيلة. ومع تهتكه الشديد، إلا أنه كان عنيفا فيما يخص الدين، يرفض أي كلام عن التجديد فيه، فالدين ثابت وأي مساس به هو عبث غير مقبول، ثم إن تعمقه في الفلسفة لم يطوِّر شيئا في شخصيته، بل أكسبه فقط ذلك اللقب الذي أحبه رغم أن مَن أطلقوه عليه كانوا يقصدون التندر وهو لقب «الشيخ الأحمر»!

يضع عباس بيضون بطلتيه، آمنة وخالتها عاصمة، في الاختبار نفسه تقريبا، فآمنة تتعرض لفجيعة كبرى حين يموت حبيبها عبد الفضيل بمرض تشمُّع الكبد، ثم يظهر في منام الجميع، بعد رحيله، موصيا بأن تتزوج شقيقه أيمن، ويضعنا عباس بيضون في لُجَّة مشاعر آمنة، وترددها بين القبول والرفض، وأسبابها في كل مرة للابتعاد من أيمن أو الاقتراب منه، فأيمن ليس عبدالفضيل، وهي ليست بديلا جاهزا لأحد، أو غرضا يمكن نقله من شخص إلى آخر، لكنها تتجه في النهاية وبعد مكابدات مضنية باتجاه أيمن الذي يتحرر كذلك من وصية شقيقه بشكل كامل بعد أن يدرك أنه شخص مستقل لا يمكن لميت أن يحركه من العالم الآخر!

أما عاصمة ففجيعتها الكبرى كانت موت شقيقتها بمضاعفات السكري، وهكذا يخلو البيت عليها، وتصبح أمام تحدٍ من نوع غريب، فقد كانت هي السيدة الحقيقية لهذا البيت، وتدير شؤونه نيابة عن أختها، لكنها لم تكن تتحكم في الداخلين والخارجين وخاصة نساء عبد البصير، لكنها قررت أن تأخذ دورها الكامل، فماذا يقول الناس عنها وقد أصبحت بمفردها في بيت الشيخ عبد الحسين؟ ضيقت الخناق على جميع النسوة وحددت لهن مواعيد للحضور، ثم واجهت نفسها بمشاعرها المتدفقة تجاه عبد الحسين، وسألت نفسها: هل يمكن أن تحل بديلة لشقيقتها؟ وقد أطلعنا الكاتب على العاصفة النفسية التي مرَّت بها حتى اهتدت إلى البر، مقررة أنها لن تخون شقيقتها مهما حدث، مواصلة إيثار الجميع على نفسها، بمَن فيهم خديجة الميتة!

هذه الرواية نموذج للفن الراقي، القادر على أن يجعلنا أكثر فهما لأنفسنا، ولتناقضاتنا، ولتصرفاتنا الغريبة، وللحياة والناس من حولنا. رواية مدهشة قادرة على أن تأخذك بعيدا في الزمان والمكان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عبد الحسین

إقرأ أيضاً:

ممدوح عباس: مباراة اعتزال استثنائية لشيكابالا.. ابني وحدوتة الزمالك

أعلن ممدوح عباس، رئيس نادي الزمالك السابق، عزمه إقامة مباراة اعتزال غير مسبوقة لتكريم محمود عبد الرازق شيكابالا، بعد إعلان الأخير اعتزال كرة القدم رسميًا، مشددًا على مكانة قائد الزمالك التاريخي في قلبه وفي تاريخ الكرة المصرية.

وقال عباس، خلال مداخلة هاتفية عبر قناة "MBC مصر": "شيكابالا ابني، أعشقه وأعيش معه تفاصيل يومه، وهو واحد من أعظم أساطير الكرة المصرية، وقراره بالاعتزال أحزنني بشدة"، مضيفًا أنه تأثر لدرجة البكاء عندما علم بالقرار.

عمر جابر: شيكابالا سبب في زيادة شعبية الزمالك.. وسأفتقده داخل الفريقشيكابالا: حزين من الشائعات عن تمديد عقدي.. وعبد الشافي أعظم من دخل غرفة ملابس الزمالك

وتابع رئيس الزمالك الأسبق: "دائمًا ما يُقال إن اسمه شيكابالا ممدوح عباس.. وهذا شرف لي.. سأقيم له مباراة اعتزال غير مسبوقة تليق بتاريخه ومكانته، فقد كان وفيًا للزمالك حتى اللحظة الأخيرة".

كما وجه عباس الشكر لزوجة شيكابالا، قائلًا: "نظّمت حياته وكانت سندًا له، وساهمت في استقراره داخل وخارج الملعب"، مؤكدًا أن المدرب الشهير فينجادا سبق أن وصف شيكابالا بأنه من بين أفضل عشرة لاعبين في العالم.

من جانبه، رد شيكابالا على كلمات عباس، قائلًا: "ممدوح عباس زملكاوي أصيل، ويُعتبر والدي الروحي.. لا يبحث عن أي مصلحة شخصية، وكل ما يهمه هو الزمالك فقط"، مؤكدًا أن كل ما يُثار حوله بعيد تمامًا عن الحقيقة.

طباعة شارك ممدوح عباس نادي الزمالك اعتزال شيكابالا الزمالك

مقالات مشابهة

  • دبي عاصمة الرفاهية.. من قصور ڤيرساتشي إلى أطباق ميشلان
  • لكنها الحرب !!
  • عباس شومان: من صام تاسوعاء فليجمع معه عاشوراء.. يكفر عاما| فيديو
  • الخوي تشتعل من جديد... الجيش السوداني يقترب من استعادتها والدعم السريع تتكبد خسائر فادحة
  • ممدوح عباس: مباراة اعتزال استثنائية لشيكابالا.. ابني وحدوتة الزمالك
  • ممدوح عباس: "بكيت على اعتزال شيكابالا.. وسأنظم له مباراة اعتزال عالمية"
  • وزير الخارجية في روسيا لتعزيز العلاقات الثنائية 
  • هل يمكن أن تصبح دبي عاصمة الويب 3 العالمية؟
  • عراقجي: طهران ملتزمة بمعاهدة منع الانتشار النووي
  • أسامة عباس لـ صدى البلد: النقد الفني حالياً أسهل من زمان