بعد عشرين عاماً من الحلم والسعى قال لى صديقى المهاجر إلى بلاد العم سام «عشت وهماً».لا أمريكا يوتوبيا ذهبية، ولا أوروبا أرض ميعاد، ولا مكان على الأرض يصلح حلماً مثالياً للعيش. فى كل مكان ثمة أوجاع.
قال لى صديقى «أشعر بأننى سأموت وحيداً. لن يودعنى محبون. سينظر البعض لجنازتى دون عطف، ولن يكترث أحد بأن روحاً من هذا العالم فارقت نحو عالم آخر».
أنا ابن جيل كفر بالحدود، وسئم من الشعارات الرنانة. شباباً تمردنا على كل قديم، موروث، شعارات مقولبة، خاصة تلك الكلمات المغرقة فى المثالية اللفظية التى وصلتنا من عهد جمال عبدالناصر. كبرنا على انطفاء حلم القومية العربية بغزو صدام حسين المفزع لديار جيرانه تحت جنح الظلام، وشببنا على صراعات الهوية العبثية فى بلاد لم تقدر العلوم والفنون كما ينبغى. آمنا أن الألق بعيد، والتحقق لن يكون سوى خارج الخريطة العربية المحفوظة. لسنوات طويلة كنت أكتب أبيات الشافعى الشهيرة على دفاترى كدليل سير «سافر تجد عوضاً عمن تفارقه/ وانصب فإن جميل العيش فى النصبِ: إنى رأيت وقوف الماء يفسده/ إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطبِ».
كانت عيناى متعلقتين بالآخرين، كتباً، أدباً، صحافة، فكراً. ألغى الحواجز، وأعادى نظرية المؤامرة، وانفتح على الخارج بكل طاقة. كُنت هناك، وأنا هنا، لكننى لم أهاجر ولا أدرى حتى الآن السبب، لكننى فى النهاية سعيد وراضٍ تماما.
كان حلم الهجرة وما زال حلماً شائعاً لدى الشباب فى جيلى والأجيال التالية، لأن اتساع القبح حول الجميع، يدفع المرء دوماً إلى أن يظن أن ما لم يعشه بالضرورة أفضل مما عاشه، فيسعى ويخطط ويرسم تصوراته، ويحاول المرة تلو المرة، حتى يدرك مناله.
صاحبت عشرات حلموا بعيش كريم فى بلاد الغرب، تلك الدول المتقدمة، حيث الحياة أكثر رخاء، والدخول أعلى، والنظم أكرم، والضجيج أقل، والحقوق أقسط، لكنهم هم أيضاً تألموا بعدما بلغوا مرادهم فقرروا العودة فى خريف العمر، أو حلموا بها، مقررين أن شيئاً ما ينقصهم.
وعلى الجانب الآخر فثمة مَن خطفتهم المنافى، وتغربوا، وانعجنوا بطين الأرض الأخرى، فصارت أوطانهم، لكن الأمر نسبى.
يبدو اللغز محيراً، وتختلف صيغته من إنسان لآخر، كما تختلف الأجوبة. كتب المفكر المصرى المهاجر إيهاب حسن (1925-2015) فى سيرته المعنونة «الخروج من مصر» أنه كان يرى كابوساً مفزعاً بعد هجرته يتمثل فى إجباره على العودة لمصر بالقوة. لكن المفكر الفلسطينى المهاجر إدوارد سعيد (1935-2003) كتب أيضاً فى سيرته، أنه كان يشعر دوماً بعد وصوله إلى أمريكا أنه ليس فى مكانه.
ويبدو أن الشاعر العظيم أبى العتاهية وصلته بعض هذه الحيرة، فكتب يوماً بيت شعر جميلاً يقول «طلبت المستقر بكل أرضٍ.. فلم أجد لى بأرض مستقراً».
هل تبدو الهجرة باب أمل؟ بالقطع لا. اختتم مقالى وأنا أستمع لأغنية جميلة من كلمات مدحت العدل، ولحن وغناء أحمد الحجار تقول «يعنى إيه كلمة وطن؟ يعنى أرض حدود. مكان. ولا حالة م الشجن؟ ولا إيه ولا إيه ولا إيه؟؟. شاى الحنين على قهوة ف الظاهر هناك. نسمة عصارى السيدة ودير الملاك».
أقول لكم: الوطن حب الناس أولاً. أينما وجدوا وعاشوا وماتوا.
والله أعلم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد أوروبا الشعارات الرنانة
إقرأ أيضاً:
معظم اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب نقل إلى مكان غير معلن قبل الهجوم الأميركي
قال مصدر إيراني كبير لوكالة رويترز، إن معظم اليورانيوم عالي التخصيب بمنشأة فوردو النووية الإيرانية، نقل إلى مكان غير معلن قبل الهجوم الأميركي، بينما دعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاجتماع طارئ في ظل التطورات الأخيرة.
وقالت رويترز نقلا عن المصدر الإيراني الذي لم تذكر اسمه، إنه تم تقليص عدد العاملين في موقع فوردو إلى الحد الأدنى قبل الضربات الأميركية.
وفجر أمس الأحد قصفت الولايات المتحدة 3 منشآت نووية في إيران، وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه تم إسقاط حمولة كاملة من القنابل على الموقع النووي الأساسي في فوردو، مؤكدا أن موقع فوردو انتهى.
في غضون ذلك، كشفت صحيفة واشنطن بوست أن صور أقمار اصطناعية في 19 يونيو الجاري تظهر نشاطا غير عادي للشاحنات والمركبات في منشأة فوردو قبل يومين من الهجوم الأميركي.
وقالت الصحيفة الأميركية إن صور اليوم التالي تظهر تحرك معظم الشاحنات شمال غرب منشأة فوردو وتمركز شاحنات أخرى قرب مدخل الموقع.
وأكدت واشنطن بوست أن صور الأقمار الاصطناعية تظهر 16 شاحنة على طول الطريق المؤدي إلى مجمع عسكري تحت الأرض.
إلى ذلك، كتب رئيس لجنة السياسة الخارجية في البرلمان الإيراني عباس جولرو على إكس أمس الأحد، أن لطهران الحق القانوني في الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بموجب المادة العاشرة منها، بعد القصف الأميركي لـ3 منشآت نووية إيرانية.
وتنص المادة العاشرة على أن لأي عضو في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية « الحق في الانسحاب من المعاهدة إذا رأى أن أحداثا استثنائية عرضت المصالح العليا لبلاده للخطر ».
وصباح أمس، قالت وزارة الخارجية الإيرانية إن الإدارة الأميركية التي أشعلت الحرب ستتحمل المسؤولية عن العواقب الوخيمة للغاية لعدوانها.
كما طالب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية في رسالة إلى مدير وكالة الطاقة الذرية رافائيل غروسي بتحقيق في الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
وشملت الضربة الأميركية فجر أمس منشآت إيران النووية في فوردو ونطنز وأصفهان، وجاءت بعد ساعات من إقلاع عدة قاذفات « بي-2 » تابعة لسلاح الجو الأميركي من قاعدة في الولايات المتحدة عبرت المحيط الهادي.
كما أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كاين الأحد أيضا، أن القوات الأميركية استخدمت سبع قاذفات شبح من طراز « بي-2″، مشيرا إلى أن الهجوم لم يقابل برد من الدفاعات الإيرانية.
وفي معرض كشفه تفاصيل عن العملية التي أطلق عليها اسم « مطرقة منتصف الليل »، أوضح كاين أن « سلسلة الضربات الرئيسية تضمنت سبع قاذفات شبح بي-2 » حلقت 18 ساعة انطلاقا من البر الأميركي إلى إيران تخللتها عدة عمليات إمداد بالوقود في الجو، مضيفا أنه لم تسجل « طلعات للمقاتلات إيرانية ويبدو أن أنظمة الصواريخ أرض جو الإيرانية لم ترصدنا خلال المهمة ». أضاف « احتفظنا بعنصر المفاجأة ».
(وكالات)
كلمات دلالية أمريكا إيران اسرائيل السلاح النووي هجوم