رمزية السنوار ودوره في المعركة
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
بقلم : تيمور الشرهاني ..
يكشف دور السنوار في المعركة عما تتطلبه القيادة الحقيقية من شجاعة وإخلاص، حيث خاض معاركه بجسارة مرتدياً رداء الشهادة ببدلته العسكرية وتجهيزاتها. إذ قام بصياغة تجربة نضالية استثنائية فريدة تفخر بها الأجيال، لذلك يُعتبر رمزاً للمدافعين عن القضية الفلسطينية. فقد واجه السنوار التحديات بجرأة وأعلن عن استعداده للتضحية.
عند دراسة قيادة السنوار نجد وجود فروقات ملحوظة مقارنة بقيادات أخرى. كان السنوار بعيداً عن مظاهر الجكسارات والتاهوات، كما أنه اختار البقاء بين شعبه في الأوقات الحرجة مدافعاً عنهم بكل بسالة وإقدام. في المقابل، سعى بعض قادة المقاومة إلى تجنب الخطر وفضلوا الحياة في الرفاه هم وعائلاتهم، مما يعكس اختلافاً كبيراً في مواقفهم. لذا تعتبر هذه المقارنة محورية لفهم ما الذي يجعل القائد محبوباً وفعّالاً في نظر شعبه.
من هنا ترتبط الشجاعة بالتضحية بشكل فريد في شخصية السنوار، فكانت خياراته الحياة على خط المواجهة بدلاً من السلامة الشخصية. فتجسدت معاني النبل، وهذا الأمر يعكس ضرورة وجود قيادات تنحاز لشعوبها في أثناء الأزمات، حيث تُشكل هذه الرمزية في عقل الجماهير وتتحول إلى رسائل قوية تشجع الأجيال الجديدة على الاستمرار في المقاومة.
سيما أن قرارات السنوار العسكرية كانت محورية في تعزيز الروح الوطنية بين الجماهير. من خلال قيادته في المعارك استطاع التأثير على توجهات المجتمع وتحفيز الشباب للمشاركة في النضال، وإن شعور التضامن الذي أحدثه كان له وقع عميق على العائلات والمجتمعات المحيطة. هذا التفاعل بين القائد وجماهيره يضعنا أمام دراسة شاملة لآثار القيادة العسكرية في السياقات المجتمعية.
فكان لهذه التضحية خير إيثار والتأمل في ذكرى الحسين (عليه السلام) ومعانيها المعاصرة. هذه الذكرى تحمل معانٍ عميقة ترتبط بالتضحية والفداء، ويعكس ذلك تطلعات شعوب تعاني من القهر والحرمان، وتتجلى هذه المعاني في تضحيات المقاتلين أمثال السنوار بالمقابل يواصل الناس استحضار ذكرى الحسين (عليه السلام) كرمز للثبات في مواجهة الظلم. الواجب علينا كشعوب عربية أن نتأمل في كيفية نقل تلك المبادئ إلى العصر الحديث بدلاً من الاكتفاء بالتأبين.
ثم إن مفهوم الشهادة شهد تطوراً كبيراً في العقود الأخيرة، حيث أصبح يُنظر إليه كرمز للعزة والكرامة.
وربطاً بما سبق، فإن الشهادة لم تعد مرتبطة بالتضحية فقط، بل هي دعوة للتغيير الاجتماعي والسياسي. لذا يتطلب من الأفراد التفكير في معاني الشهادة وكيف يمكن أن تكون ملهمة لأجيال جديدة. هذا النقاش أساسي لتفسير تأثير هذه الظاهرة على المجتمعات المختلفة.
بيد أننا نستطيع أن ننتقد الثقافة السائدة حول التأبين والرثاء التي تكتفي بالبكاء على القادة الشهداء دون النظر إلى الأسس الفكرية وراء ذلك. هذا النقد مهم لتسليط الضوء على جوانب العمل النضالي بدلاً من التركيز على الجوانب العاطفية فقط. وإن الرسالة التي تحملها تضحيات القادة تتجاوز الحزن إلى العمل الجاد لتحقيق التغيير، فلا بد أن ننظر إلى كيفية استلهام تلك الأفكار للانطلاق نحو مستقبل أفضل.
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
البحرية اليمنية…إنقاذٌ إنساني في قلب المعركة، ورسالة رادعة من عمق البحر
في مشهدٍ يُجسّد التقاء القيم الإنسانية بالصلابة العسكرية، وزّع الإعلام الحربي اليمني مشاهد مصوّرة لعملية بحث وإنقاذ نفذتها القوات البحرية اليمنية لطاقم السفينة «إترنيتي سي»، بعد أيام من استهدافها وإغراقها في التاسع من يونيو نتيجة خرقها قرار الحظر البحري المفروض على موانئ الكيان الصهيوني.
لم تكن العملية مجرّد ردع عسكري ينتهي بإغراق هدف معادٍ فحسب، بل امتدت لتُبرز جانبًا آخر من أخلاقيات المعركة اليمنية، وهو الالتزام الإنساني تجاه الأرواح، حتى وإن كانت من طاقم سفينة اخترقت الحظر وتعاونت مع عدو الأمة. وعلى مدى يومين متواصلين، خاضت فرق البحرية اليمنية عملية بحث معقدة وسط أمواج البحر المفتوح، حتى تمكنت من إنقاذ 11 فردًا من طاقم السفينة، بينهم جريحان تلقيا الرعاية الطبية اللازمة، في حين تم انتشال جثة أحد أفراد الطاقم من داخل السفينة قبل غرقها، ونُقلت إلى ثلاجة مستشفى ميداني.
إن ما كشفته المشاهد المصوّرة من لحظات الإنقاذ، يعكس بجلاء أن العمليات العسكرية اليمنية لا تنطلق من نزعة عدوانية أو عقلية انتقام، بل من رؤية منضبطة تُحكمها القيم والمبادئ، وتوازن بين مقتضيات الحرب وضرورات الإنسانية. هذه هي المدرسة التي تخرّج منها المجاهدون اليمنيون، الذين لم تمنعهم قسوة المواجهة ولا حرارة الميدان من الالتفات إلى الجريح والناجي، أياً كان انتماؤه أو موقعه.
وفي تسجيلات موثّقة، أدلى طاقم السفينة باعترافات صريحة، مؤكدين أن «إترنيتي سي» كانت متجهة إلى ميناء أم الرشراش (إيلات) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في مهمة تجارية لصالح الكيان الصهيوني، انطلاقًا من ميناء بربرة في الصومال، في حين تم إدراج ميناء جدة السعودي كوجهة ظاهرية لغرض التموين والتمويه.
لم تكتفِ هذه الاعترافات بتأكيد مشروعية العمل العسكري اليمني، بل حمَلَت معها إدانة ضمنية للكيان الإسرائيلي ولكل من يتعاون معه تجاريًا، إذ وجّه أفراد الطاقم رسائل واضحة وصريحة إلى شركات الملاحة الدولية: «توقفوا عن المتاجرة مع إسرائيل، فالبحر لم يعد آمنًا لمن يخترق قرارات الشعوب الحرة ويستخف بدماء الفلسطينيين.» كما لم يتردد أفراد الطاقم في التعبير عن اعتذارهم للشعب الفلسطيني، مؤكدين أن ما حدث لم يكن خيارًا شخصيًا لهم، بل قرارًا فُرض عليهم في إطار العمل التجاري الدولي.
إن هذا التطور النوعي، الذي يجمع بين البعد الإعلامي والعسكري والإنساني، يؤكد أن البحرية اليمنية لم تعد مجرد قوة دفاعية تحرس المياه الإقليمية، بل أصبحت قوة إقليمية فاعلة ترسم خطوطًا حمراء وتفرض معادلات جديدة في قلب البحر الأحمر وخليج عدن. فلم تكن عملية استهداف «إترنيتي سي» مجرد ضربة عسكرية فحسب، بل كانت رسالة استراتيجية مزدوجة: واحدة موجهة للعدو الصهيوني بأن الحصار لن يمرّ، والأخرى موجهة لكل من يتعامل معه بأنهم تحت طائلة الاستهداف.
لقد غيّرت هذه العملية قواعد الاشتباك، وأعادت تعريف مفهوم السيادة البحرية في زمن الصراع الشامل. فاليمن، رغم العدوان والحصار، لم يتخلّ عن مسؤوليته القومية، بل تصدّر مشهد الردع البحري دفاعًا عن فلسطين وعن كرامة الأمة، في الوقت الذي صمتت فيه أنظمة تمتلك أساطيل بحرية وجوية لكنها رهنت إرادتها للوصاية الأجنبية.
إن رسالة طاقم السفينة، التي بثّها الإعلام الحربي، لم تكن عابرة، بل تعبّر عن حجم التأثير اليمني في وعي الأعداء والمتواطئين، وتؤكد أن من يخاطر بالإبحار نحو موانئ الاحتلال، يخاطر بمصيره وسمعته وربما بحياته.
وفي المحصلة، فإن عملية «إترنيتي سي» لم تكن مجرد نجاح أمني أو عسكري، بل نموذج متكامل لعملية نوعية جمعت بين الحسم والرحمة، وبين الصرامة والإنقاذ، لترسل إلى العالم أجمع صورة ناصعة عن مقاومة تعرف متى تضرب، ومتى تُنقذ، ومتى تتحدث بلسان الأخلاق والمبادئ.
هذه هي اليمن… تصنع المعجزات في زمن الانحدار، وتُبحر بثقة من بحر العزة نحو شاطئ الحرية، حاملةً لواء القدس، وراية الأمة، وضمير الشعوب.