دماء غزّة ولبنان والاشتغال بالطائفيّة
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
لا يمكن لعقل أن يجمع بين إبادة، وليست حربًا في الواقع، وبين التّشفي، أو إشغال الواقع بالانقسامات الطائفيّة، ففي وقت الرّخاء النّاس متساوون في جوهرهم، والمحافظة على وجودهم باعتبار ذاتهم الإنسانيّة، والّتي لها حقّ المساواة في الحياة والوجود، وحقّ العدل في التّمتع بالوجود، لما يرتبط الحقّان – أي المساواة والعدل – بحق تحقّق الكرامة الإنسانيّة الواحدة، فإن كان هذا في الرّخاء؛ فهو أولى أن يكون في الشّدّة، فكيف والحال متعلّق بإبادة وحرب عبثيّة لا تفرق بين أحد، ولا ترحم صغيرا ولا شيخا ولا امرأة ولا أيّ مدنيّ لا ذنب له.
إنّ غياب النّزعة الإنسانيّة في التّعامل ودراسة هذه القضايا من الخارج هي الّتي تقود إلى الرّؤى الضيّقة، ومنها استحضار الطائفيّة، والتي ينبغي أن يتجاوزها العقل الإنسانيّ بما فيها الواقع الإسلاميّ والعربيّ، فالأديان والمذاهب ألبسة يلبسها الإنسان غالبًا بعد ولادته، كأيّ لباس آخر من ثقافة وعادات وتقاليد، فله حريّته في دينه ومذهبه وتوجهه باعتبار ذلك قيمة إضافيّة متعلّقة بذاته الإنسانيّة الواحدة، وليس باعتبار نزعته الأصليّة المتناغمة مع الوجود، والتي لا تمايز فيها بين أحد في الجوهر، فهي عابرة للهويّات والانتماءات والإثنيات، وبها نتعامل في السّلم والحرب، والشدّة والرّخاء تعاملا واحدا كذاتٍ مكرّمة لا تمايز لأحد فيها. إنّ العيش في صندوق الطائفيّة لابدّ أن يتجاوزه العقل الأفقيّ أو الجمعيّ في العالم العربيّ، وما تقوم به السّياسات أو الإعلام الممنهج لا يتحقّق لها استحضار ذلك إلّا نتيجة ما تجده من قاعدة أفقيّة حاضنة لهذا الوضع الطائفيّ، لهذا نحن بحاجة اليوم أن نوجد خطابًا ذا نزعة إنسانيّة مشتركة به نفهم حركة النصّ الدّينيّ ومتعلّقات الاجتماع البشريّ في المنطقة، فموضوع الطائفيّة ينتعش ويظهر في الشّدّة؛ لأنّه هو المتعلق بالعقل الجمعيّ وليس النّزعة الإنسانيّة كما يرى محمّد الرميحيّ «أنّ موضوع الطّائفيّة قد انتعش... فلم ينجح أيّ سنيّ مثلا رشح نفسه في منطقة انتخابيّة أغلبها شيعة، وكذلك لم ينجح أيّ شيعيّ في منطقة انتخابيّة أغلبها سنّة، على الرّغم من الشّعارات والدّعم الوطنيّ، وأصبح تقليدا أنّ هناك دوائر مغلقة على قبيلة أو طائفة محدّدة». ويرى حليم بركات في كتابه المجتمع العربيّ المعاصر أنّ «النّظام العام، والثّقافة السّائدة على اعتبار المواطن سنيّا أو شيعيّا أو درزيّا أو علويّا أو شافعيّا أو زيديّا أو إسماعيليّا أو قبطيّا أو أرثوذكسيّا أو كاثوليكيّا أو مارونيّا... أكثر ممّا يصرّ على اعتباره مواطنا بالدّرجة الأولى، من هنا أهميّة الدّعوة للعلمنة»، بيد أنّ العلمنة في نظري لا تحقّق قيمتها إذا لم تنطلق من النّزعة الإنسانيّة الواحدة، وإلّا «فقد عمدت الإمبرياليّة إلى تعزيز الطّائفيّة... وترسيخها في خدمة مصالحها، والإبقاء على سيطرتها»، واستغلالها لخيرات هذه الشّعوب، وخلق الصّراعات والحروب فيها، وتمكين كيانات عبثيّة تسعى لخرابها كما في فلسطين من الكيان المحتل، وما يحدثه حاليًا من إبادة في غزّة، ودمار في لبنان وباقي فلسطين. ما نراه حاليًا في وسائل التّواصل الاجتماعيّ من استحضار الطائفيّة من جديد، وفتح ملفات لصراعات سياسيّة حصلت بعد حادثة السّقيفة (11هـ)، وإعادة بعث بعض الجدليّات حول الصّحابة، وبعض الخلافات الكلاميّة والفقهيّة، وتوظيفها في هذا السّياق، وهو سياق ينبغي أن نتجاوز فيه جميع الخلافات، وأن يكون التّركيز فيه على قضيّة الإنسان في فلسطين أو لبنان، باعتباره إنسانا يتعرّض لإبادة وحرب همجيّة، يجب حمايته والدّفاع عنه، وليس إشغال الإعلام بهذه الجدليّات الطائفيّة. إنّ استحضار الطّائفيّة في هذه القضيّة الإنسانيّة إذا لم يقف ضدّها العقلاء، ويستبدلونه بخطاب إنسانيّ عالمي واحد؛ لن يتوقف ضرره إذا تحول كحالة جمعيّة عند هذه القضيّة، ولن يقتصر عند مناطق الحرب والإبادة، فيمتد لساحات جغرافيّة أوسع كما يرى محمّد محفوظ في مقاله الدّولة والطّائفيّة وإشكاليّات الوحدة والسّلم المجتمعيّ، والذي نشر في مجلّة الكلمة، فيرى أنّ «لجوء تعبيرات المجتمع لهذه العناوين [الطّائفيّة] يعكس... أزمة عميقة تعيشها المجتمعات العربيّة كلّها، إذ تلاشت أو اضمحلت عناوين ويافطات الانتماء السّياسيّ الحديث، واستبدلت بعناوين طائفيّة عصبويّة، تزيد من حالة التّوتر الاجتماعيّ، وتعيد إنتاج أزمات المجتمعات العربيّة بمحن ومشاكل ذات طابع تأريخيّ مليء بالأحقاد والإرث الدّامي للعلاقة بين الطّوائف الإسلاميّة في حقب التّخلّف الحضاريّ... فالأحقاد الطائفيّة تصنع مبررات ومسوّغات استخدام العنف في الحياة العامّة... الّذي يدمر الإنسان والمجتمع والبنية الأساسية للحياة الكريمة بكلّ تفاصيلها». لهذا يجب اليوم على أصحاب الأقلام المتنورة، ومن المؤثرين دينيّا وثقافيّا واجتماعيّا، تفكيك بنية هذا الخطاب الطّائفيّ، والعودة إلى الخطاب الإنسانيّ المشترك، كما يجب مواجهة هذه الخطابات الشّعبويّة، والجيوش الإلكترونيّة – إن صح التّعبير -، والّتي تحاول إرجاع خطابات الكراهيّة والطّائفيّة من جديد، واستغلال الحالة غير الإنسانيّة الّتي تعيشها فلسطين ولبنان في توسيع دائرة الانقسام المذهبيّ، خصوصا وأنّ العقل الجمعيّ اليوم أصبح مستقبلًا بشكل كبير من المقاطع القصيرة، والتّغريدات والرّسائل السّريعة، والّتي تحمل مضامين طائفيّة تدعو إلى التّعصّب والكراهيّة، واستحضار خلافات تأريخيّة ولاهوتيّة وفقهيّة، كما يجب استخدم ذات الأدوات في نشر أهميّة الإحياء، ومقاومة ظلم الإنسان، وبعث النّزعة الإنسانيّة الواحدة، وعدم الاقتصار عند الكتب والمقالات الطّويلة، فالوضع اليوم يحتم علينا تجاوز هذه المرحلة بروح نقديّة وإحيائيّة، ونقترب من الذّات الإنسانيّة الواحدة، بحيث يتشكل وعي أفقيّ جمعيّ يؤثر على الحراك الاجتماعيّ، والقرار السّياسيّ. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ة الإنسانی ة الطائفی ة ة الإنسان
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تؤكد التزامها بتعزيز التنسيق الإنساني لمستقبل سوريا
نيويورك-سانا
جددت نائبة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، اليوم، التأكيد على التزام المنظمة الدولية والمجتمع الدولي بالعمل من أجل مستقبل أفضل للشعب السوري، مشددة على أهمية تعزيز الشراكات والتحالفات لتقديم استجابة إنسانية أكثر تنسيقاً وشفافية وفعالية داخل سوريا.
وأوضحت رشدي، في منشور عبر منصة “إكس”، أنها تشارك في الدوحة إلى جانب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، و”قطر الخيرية”، وعدد من الشركاء من منظمات دولية وغير حكومية ومراكز بحثية والهلال الأحمر، في المائدة المستديرة التشاورية الاستراتيجية التي تبحث سبُل تعزيز التنسيق الإنساني والتنموي في سوريا.
وأكدت رشدي أن هناك التزاماً مشتركاً من جميع الأطراف من أجل مستقبل أفضل للسوريين، مشيرة إلى أن الهدف المشترك يتمثل في تعزيز التنسيق الفعّال، وتوطين العمل الإنساني، وتمكين المنظمات المحلية، مع التشديد على أهمية استثمار مهارات وخبرات السوريين داخل البلاد وخارجها.
نجاة رشدي 2025-07-02malekسابق جيفري: ترامب يسرّع خطوات رفع العقوبات عن سوريا لتحقيق الاستقرار انظر ايضاً الأمم المتحدة تجدد التزامها بدعم ضحايا التعذيب بسوريا في ظل النظام البائدنيويورك-سانا أكدت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، وقوف المنظمة الأممية إلى …
آخر الأخبار 2025-07-02الأمم المتحدة تؤكد التزامها بتعزيز التنسيق الإنساني لمستقبل سوريا 2025-07-02جيفري: ترامب يسرّع خطوات رفع العقوبات عن سوريا لتحقيق الاستقرار 2025-07-02اتفاق تركي أوروبي لدعم جهود إنهاء الإرهاب والاضطرابات في سوريا 2025-07-02الشعار يعرض رؤية سوريا 2035 في مؤتمر تمويل التنمية بإشبيلية 2025-07-02السكاف والعلي يبحثان إصلاح هيكلية وزارة الصحة السورية 2025-07-02مشروع لإحياء قلعة حلب يعيد الألق لمعالمها التاريخية 2025-07-02صناعيون سوريون يطالبون الأردن بفتح الأسواق لمنتجاتهم 2025-07-02نتائج مخيبة تُنهي مشوار أنسيلمي مع بورتو 2025-07-02ألمانيا تدعم مبادرة “غذاء من أوكرانيا لسوريا” بثلاثة ملايين يورو إضافية 2025-07-02دليل إحصائي جديد لتحسين جودة البيانات في سوريا
صور من سورية منوعات دراسة حديثة: القيلولة الطويلة قد تزيد خطر الوفاة 2025-07-02 ما هي الكوارث التي ينذر بها التغير المناخي العالم؟ 2025-07-02
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |