جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-28@09:30:42 GMT

القضية الفلسطينية والوعي الجمعي

تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT

القضية الفلسطينية والوعي الجمعي

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

 

"سجِّل: أنا عربي

ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ

وأطفالي ثمانيةٌ

وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!

فهلْ تغضبْ؟

سجِّلْ: أنا عربي

وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ

وأطفالي ثمانيةٌ

أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ،

والأثوابَ والدفتر

من الصخرِ

ولا أتوسَّلُ الصدقاتِ من بابِكْ

ولا أصغرْ

أمامَ بلاطِ أعتابكْ، فهل تغضب؟".

محمود درويش.

وضع إميل دور كايم في عام 1893 نظريته الشهيرة المعروفة بـ"الوعي الجمعي"، والتي يرى فيها أن المجتمعات تظهر حين يجمع أفرادها شعور بعضهم بالتضامن حيال بعض، وهكذا كانت القضية الفلسطينية عبر تاريخها تجمع المسلمين جميعًا من مشارق الأرض ومغاربها لما تمثله القدس من قيمة دينية للمسلمين حتى أن القضية في بدايتها كانت تعرف بالقضية الإسلامية، وما لبثت أن تحولت إلى قضية عربية بعد أن جردت إسرائيل المعنى الإسلامي من روح القضية خاصة بعد التحولات الجيوسياسية التي أنتجتها الحرب الباردة وإنقسام العالم إلى معسكرين.

وخلال المرحلة التالية وبعد حرب 1973 وما تلاها من أحداث مثل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، وصولًا إلى توقيع مُعاهدة كامب ديفيد في 1979، وصلت الخلافات العربية إلى مرحلة مختلفة، تحوَّلت القضية بعدها إلى قضية فلسطين وقضية اللاجئين، وأخذت هذه القضية تشهد تحولات إلى أن أصبحنا لا نسمع كلمة فلسطين حتى، وحُصِرَت القضية في غزة، ومُشكلة اللاجئين والبحث عن قبول من إسرائيل بالموافقة على حل الدولتين ومنح الفلسطينيين أرضًا يُقيمون فيها دولتهم، وهكذا تغيَّرت المصالح وتلاشى الوعي الجمعي الإسلامي والعربي شيئًا فشيئًا.

هذه التحوُّلات لم تحدث اعتباطًا؛ بل كانت مُمنهَجة من قبل الكيان الصهيوني وأذرعه من الغرب والشرق، الذين أسهموا في وصول الخلافات العربية العربية إلى مراحل أدت إلى مُواجهات مباشرة، تسببت في تعمق المواقف تجاه القضايا العربية المشتركة، وأهمها القضية الفلسطينية، التي كانت الضحية الأبرز فيما حدث. وقد كانت هي الهدف الأساسي من هذه الصراعات السياسية التي افتُعِلت لأسباب كان من المُمكن تجنُّبها لو أنها لم تُدر بعقلية التعصب والتشدُّد وعدم قبول الآخر ومحاولات الهيمنة والإقصاء. لقد نجح الصهاينة وبمهارة كبيرة في تفتيت القضية وتحويلها من شأن إسلامي عربي إلى شأن يخص كل دولة على حدةٍ.

وما نشاهده اليوم من مواقف بعض العرب حيال القضية الفلسطينية وخاصة "طوفان الأقصى" ما هو إلّا نتيجة لجميع ما حدث سابقًا من اضمحلال في الوعي الجمعي العربي، وغياب الهدف الواحد والمصير المشترك، وعدم معرفة العدو الحقيقي الذي يُهدِّدهم جميعًا، وغياب القدرة على التفاعل مع الخلافات وفق منطلق ثابت من المبادئ والقيم التي تنطلق من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وحفظ حقوق الجوار والأخوة التي تجمعهم، إضافة إلى عامل آخر مُهم جدًا وهو التعامل مع القضية الفلسطينية من منظور المصلحة الخاصة بكل دولة على حدة؛ الأمر الذي أدى إلى فشل جامعة الدول العربية في القيام بدورها في مواجهة تجاوزات دولة الاحتلال الصهيوني، مما تسبب في إضعاف المنظمة العربية التي أنشئت من أجل توحيد كلمتهم.

لقد أنتج هذا الوضع فئة من أبناء الدول العربية والإسلامية هم أشد صَهْيَنةً من الصهاينة أنفسهم، وكما قال المُفكِّر المصري عبدالوهاب المسيري- رحمه الله- أن المستقبل سيحمل لنا نوعًا من الإنسان العربي المُسلم يُعرف بـ"الصهيوني الوظيفي"، الذي يؤدي الوظائف نفسها التي كان يؤديها القائد العسكري الإسرائيلي أو التاجر اليهودي الموالي لإسرائيل. وهو ما نشاهده اليوم من بعض العرب والمُسلمين الذين يهاجمون المقاومة وقادتها ويفرحون لموتهم ويُهلِّلون لإسرائيل عندما تقصفهم وتبيدهم وتبيد الشعب الفلسطيني الأعزل، ويتمنون زوال دول إسلامية بعينها ويشنون حربًا شعواء ضد من يقف مع القضية الفلسطينية، انطلاقًا من تعصُّب مذهبي وطائفي وصل إلى درجة الموالاة لغير المُسلمين والاعتقاد بأنهم خير من المسلمين!

لقد أثَّرت الخلافات السياسية بين الدول العربية والإسلامية والتي نتجت في الأساس لأسباب متعددة؛ منها ما هو سياسي صرف، ومنها ما هو ديني طائفي عرقي. أثرت بشكل كبير على تشكيل التوجهات التي نشاهدها اليوم نحو القضية الفلسطينية، وهو ما يشير بشكل واضح إلى غياب الوعي بشتى أنواعه. وهذا يعيدنا إلى قضايا مُهمة جدًا ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر فيما حدث، مثل الثقافة والمعرفة بالقضية وتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك إشكاليات الهوية العربية والإسلامية ومدى تأثير ذلك على تشكيل الوعي، وهي نواتج لما وصلت إليه بعض المجتمعات العربية من تغييب مُمنهج وتوجيه سياسي مقصود بغية الوصول إلى ما نراه اليوم.

على كل حالٍ.. لا بُد من مُراجعة السياسات التي أدّت إلى هذا المستوى من التعاطي مع قضية فلسطين التي كانت في يوم ما قضية كل العرب والمسلمين دون جدال أو نقاش، فهذا الوضع يُنذر بتفوق هذا الكيان وقدرته على تحقيق أهدافه الكبرى، إن لم يتدارك العرب والمسلمون الوضع ويعملوا على تصحيح الواقع من الداخل العربي، قبل أن يصدُق فيهم المثل الشهير "أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حركات المقاومة الفلسطينية تستنفر أبناء الأمة العربية والإسلامية للدفاع عن الأقصى.. وهذا ما حدث اليوم؟!

يمانيون|خاص

أثارت عملية اقتحام وزير الأمن القومي الصهيوني المتطرف “بن غفير” لباحات المسجد الأقصى المبارك برفقة مجموعات من عصابات المستوطنين وتأديتهم طقوس تلمودية بحماية مشددة من كيان العدو ردود فعل غاضبة, في أوساط الفصائل والحركات الفلسطينية التي اعتبرته انتهاك سافر لمقدسات الأمة ووصفته بالتصعيد الخطير الذي يأتي ضمن مخططات صهيونية تستهدف المسجد وتسعى إلى تدميره, داعية شعوب الأمة العربية والإسلامية إلى الوقوف صفًا واحدًا في الدفاع عن المسجد الأقصى، والتعبير عن موقفهم تجاه مقدساتها وكرامتها.

وأصدرت الفصائل والحركات سلسلة بيانات متتالية حيث اعتبرت حركة المجاهدين الفلسطينية هذه الاعتداءات استخفاف جديد بمشاعر ملياري مسلم, واستهجنت الصمت العربي والإسلامي تجاه الحصار المتواصل بحق المسجد الأقصى ومدينة القدس المبارك.

وقالت: “إن اعتداء الارهابي بن غفير اليوم على المسجد الأقصى واعتداءات المستوطنين الصهاينة الغاصبين يظهر مجدداً حجم الخطر الذي يتعرض له مسرى الرسول الأكرم في ظل الحكومة الصهيونية اليمنية المتطرفة، ويكشف مضي تلك الحكومة النازية بمخططاتها التهويدية التي تستهدف المسجد الأقصى وكينونته وهويته الاسلامية والعربية وتغيير الواقع هناك بالتزامن مع المجازر الارهابية البشعة في غزة”.
ودعا البيان الصادر عنها كل أبناء  الأمة لأخذ دورها في حماية مسرى نبيها والضغط على الأنظمة التطبيعية التي تواصل تطبيعها مع الكيان الصهيوني المجرم في ظل جرائم الابادة الجماعية في غزة والانتهاك المتواصل لمقدسات الأمة في فلسطين.

 

دعوة للاستنفار الشامل

بدورها قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،إن هذا التصعيد يُمثّل حلقةً جديدة في مسلسل العدوان المنظم على المسجد الأقصى والمقدسات، ضمن برنامج حكومة العدو الصهيوني الأكثر تطرّفاً وفاشية في تاريخ الكيان.

وأشارت إلى أن حكومة العدو الإجرامية تسعى للانتقال من التقسيم الزماني والمكاني إلى فرض السيطرة الكاملة على الأقصى، تمهيداً لتهويده بشكل شامل.

ولفتت إلى أن هذه الخطوة التي نُفذت بتواطؤ واضح من الإدارة الأمريكية، تُعبّر عن شراكة مباشرة في العدوان، أكّدها موقف وسلوك السفير الأمريكي لدى الكيان.

وذكرت “الشعبية” أنّ ما يجري في القدس، بالتوازي مع المجازر اليومية وجريمة الإبادة الجماعية والتجويع في غزة والضفة، يؤكد أن الشعب الفلسطيني يواجه حرباً شاملة تستهدف وجوده، وحقوقه، ومقدساته.

وأكدت أن كل ذلك يستدعي أوسع حالة استنفار شعبي ووطني في القدس والضفة والداخل المحتل، وتكثيف التواجد والاحتشاد في ساحات الأقصى وشوارع المدينة، والتصدي لمحاولات العدو الصهيوني فرض وقائع جديدة.

ووجهت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، نداءً إلى جماهير الأمة العربية والإسلامية للتحرك الفوري والفعّال، نصرةً للقدس وغزة، ولمقدساتها التي تُستباح على مرأى من العالم.

وشدد على أن القدس هي رمز ومقدس للأمة العربية والإسلامية جمعاء، ومكانتها الروحية والتاريخية يجب أن توقظ في شعوب الأمة كل أشكال الغضب والتحرك، باعتبار الدفاع عنها مسؤولية جماعية لا تقبل التخاذل أو الصمت، وفق البيان.

 

تصعيد خطير

حركة الجهاد الإسلامي أوضحت بدورها أن التصعيد الصهيوني الخطير الذي يشهده المسجد الأقصى المبارك استفزاز صارخ لمشاعر المسلمين حول العالم ، وانتهاك للحرمة الدينية للمسجد الأقصى المبارك، خصوصاً في ظل مخططات صهيونية تستهدف المسجد وتسعى إلى تدميره.

وحذرت من أن هذه الممارسات الاستفزازية تهدف إلى فرض سيادة العدو الإسرائيلي على المسجد الأقصى، وفرض تقاسمه وتهويده، وإهانة الأمة العربية والإسلامية في مقدساتها وتاريخها.

كما حملت الحركة حكومة العدو المسؤولية الكاملة عن تبعات هذه الانتهاكات، معربة عن إدانتها صمت الدول والأنظمة العربية وعدم تحركها لوقف هذه الاعتداءات وحماية المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة، بعدما تقاعست عن حماية دماء المسلمين في غزة، عجزاً أو تواطؤاً.

وتساءلت قائلة: “أين مواقف الشعوب العربية والإسلامية من هذه الانتهاكات المتكررة؟ وأين هي مشاعر الغضب تجاه مقدسات المسلمين وقبلتنا الأولى مسرى نبينا الكريم؟ وإن لم يتحرك المسلمون اليوم في مواجهة هذه الإهانة لعقيدتهم، والخطر الذي يتهدد مقدساتهم، فمتى يتحركون؟”.

ودعت حركة الجهاد الإسلامي، شعوب الأمة العربية والإسلامية إلى الوقوف صفًا واحدًا في الدفاع عن المسجد الأقصى، والتعبير عن موقفهم تجاه مقدساتها وكرامتها.

 

حماس تحذر

من جانبها أصدر حركة حماس بيان أكدت خلاله، أن الاقتحام السافر الذي نفذه قطعان المستوطنين بقيادة الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير، محاولة مستميتة من العدو الإسرائيلي لإنفاذ التهويد الكامل للمسجد.

وقال البيان الصادر عنها إن الاقتحام السافر الذي نفذه المتطرف إيتمار بن غفير، وزير ما يسمى “الأمن القومي” في حكومة العدو الصهيوني، برفقة مجموعات كبيرة من قطعان المستوطنين لباحات المسجد الأقصى المبارك، وأداء طقوس تلمودية استفزازية فيه، يمثل انتهاكًا صارخاً لقدسية ومكانة الأقصى لدى الأمة الإسلامية جمعاء، ومحاولة مستميتة من العدو الإسرائيلي لإنفاذ التهويد الكامل للمسجد.

وحذرت حماس من تصاعد الاقتحامات والطقوس التلمودية داخل ساحات الأقصى، والتي كان آخرها السجود الملحمي ومحاولة ذبح القرابين، ونؤكد أن شعبنا الفلسطيني سيواصل الرباط والدفاع عن المسجد الأقصى، ولن يسمح بتمرير مخططات التقسيم أو التهويد”.

كما أهابت “بجماهير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل إلى الذود عن مسرى نبينا، وتكثيف الرباط وشد الرحال للمسجد الأقصى، والتصدي للاقتحامات وعربدة المستوطنين”.

ودعت “حماس” أحرار الأمة العربية والإسلامية للوقوف عند مسؤولياتهم تجاه حماية المسجد، ودعم وتعزيز صمود أهالي القدس الذين يتعرضون لمحاولات التهجير، والعمل على إيقاف العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية.

 

ويستخدم الكيان الصهيوني في انتهاكه المتواصل لحرمات وباحات المسجد الأقصى سياسية الترويض لإنفاذ تهويده ضمن مخططات التقسيم , وسط استمرار مجازر الإبادة الجماعية..ما يحتم على الأمة العربية والإسلامية تحمل مسؤولياتها في الدفاع عن مقدساتها في حماية مسرى النبي الكريم وإيقاف العربدة الصهيونية.

مقالات مشابهة

  • سوريا.. رئيس منظمة الإنقاذ يكشف لـCNN كيف تختلف المناطق التي كانت تحت سيطرة الأسد عن مناطق المعارضة وكيف ستزدهر البلاد؟
  • الرئيس الشرع: نلتقي اليوم على ثرى حلب الشهباء هذه المدينة التي ما انحنت لريح ولا خضعت لعاصفة بل كانت القلعة وكانت الجدار وكانت الشاهد على الصمود
  • شيخ الأزهر يدعو إلى منح قضية غزة الأولوية في وسائل الإعلام العربية
  • المدرب العام للمقاولون العرب: بداية الموسم كانت صعبة بعد رحيل 23 لاعبا
  • حركات المقاومة الفلسطينية تستنفر أبناء الأمة العربية والإسلامية للدفاع عن الأقصى.. وهذا ما حدث اليوم؟!
  • الحوثي ذراع إيران يهاجم المغرب تحت غطاء الدفاع عن القضية الفلسطينية
  • عُمان تُجدد التأكيد على محورية القضية الفلسطينية وضرورة وقف حرب الإبادة في غزة
  • لماذا سكتت الأبواق، التي كانت تعارض المقاومة الشعبية فى نوفمبر 2023م
  • ثمَّن موقف الدول الداعمة لـ”القضية الفلسطينية”.. وكيل الخارجية: المملكة حريصة على توسيع التعاون بين «الخليج» و»آسيان»
  • وزير الخارجية والهجرة يشارك في الاجتماع الوزاري الموسع لمجموعة مدريد بشأن القضية الفلسطينية