ما وراء عودة السياسي العطاس إلى عدن بعد 30 عاما من مغادرتها؟
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
أثارت عودة رئيس الوزراء اليمني الأسبق، حيدر أبوبكر العطاس، الذي يشغل حاليا منصب مستشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي الحاكم في اليمن، إلى مدينة عدن، عاصمة البلاد المؤقتة، للمرة الأولى منذ ثلاثين عامًا، تساؤلات حول دلالاتها وتوقيتها.
حيدر أبو بكر العطاس آخر رئيس لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الفترة 1986م إلى 1990 م وأول رئيس حكومة بعد إعلان الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب عام 1990م واستمر في المنصب حتى عام 1994م.
ولعب العطاس دورا كبيرا في الأزمة التي نشبت بين شركاء الوحدة، وما أعقب ذلك من إعلان انفصال جنوب اليمن عن شماله واندلاع حرب صيف 1994.
وقد عمل العطاس رئيسا لوزراء جمهورية اليمن الديمقراطية في فترة إعلان الانفصال التي استمرت لأسابيع، غير أن هذه الحرب انتهت بهزيمة حركة الانفصاليين، وهروبه هو وقادة الانفصال إلى خارج اليمن.
وكان العطاس قد وصل إلى عدن، منتصف الشهر الجاري، رفقة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في سياق ترتيبات يرى مراقبون أن الرياض تنشط فيها لاسيما في محافظة حضرموت، التي يتحدر منها الرجل، على وقع التنافس المحتدم بينها وبين أبوظبي.
"أولوية سعودية"
وفي السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي إن عودة العطاس إلى عدن، لاشك أنها حدث مهم في مساره السياسي، حيث أنه قد غادر المدينة مهزوما وعاد إليها في ظروف ليست جيدة على كافة المستويات.
وأضاف التميمي في حديث لـ"عربي21" أن "العطاس في خريف العمر ولم يعد سلاحا مناسبا في معركة النفوذ على عدن". لكنه استدرك قائلا : إلا أن الرجل لا يزال يتمتع بوزن في الوسط السياسي اليساري الذي بات رافعة مهمة للمشروع الانفصالي، الذي بات بدوره إحدى تجليات النفوذ الإماراتي لا أكثر.
وأشار إلى أن عودة العطاس بمنصبه الجديد كمستشار لرئيس مجلس القيادة من شأنه أن يخلط الأوراق إلى حد ما، ويسمح بإنهاء هذا المستوى من الحدية في المواجهة التي يخوضها المشروع الانفصالي بخلفية أيديولوجية".
وتابع الكاتب اليمني قائلا : "كما أن عودة تشير إلى "أنه يحارب الأعداء المسجلين في اللائحة الإماراتية أكثر من كونه يسعى إلى استعادة الدولة التي كان حيدر العطاس رئيس مجلس الشعب الأعلى فيها".
وحسب المتحدث ذاته فإن "عودة العطاس تمثل أولوية سعودية ليس فقط بدافع المواجهة الصامتة مع الإمارات، ولكن أيضا لتعزيز الموقع الرئاسي، الذي لطالما أصر الانتقالي وداعميه على استهدافه وخفض مستوى فعاليته ودوره".
"استقطاب إقليمي"
من جانبه، قال رئيس مركز أبعاد للدراسات، عبدالسلام محمد إن عودة يأتي ضمن إعادة ترتيب الأوراق في المحافظات الجنوبية وخاصة حضرموت، في ظل استقطابات إقليمية في تلك المناطق.
وأضاف محمد في حديثه لـ"عربي21" أن عودة العطاس لصالح الشرعية يمثل كسب نقاط أكثر في هذا المشروع خصوصا المنطقة الشرقية التي تكتسب أهمية أكبر بالنسبة للشرعية باعتبارها مناطق نفطية.
وأشار إلى أنه إذا انتقل المشروع الانفصالي الذي يتبناه المجلس الانتقالي إلى المحافظات الشرقية "سيحدث صدام وتفكك وتشتت في ظرف يستعد التحالف بقيادة السعودية لإعادة ترتيب كثير من الأوراق فيما يتعلق بإنهاء الحرب في اليمن وعودة الدولة اليمنية إلى العاصمة صنعاء سواء سلما عبر اتفاق سياسي أو عبر الحرب حال تم دعم هذا الخيار من المجتمع الدولي"، على حد قوله.
وتتعاظم مظاهر التنافس بين السعودية والإمارات في المحافظات المحررة من سيطرة جماعة الحوثي جنوب وشرق اليمن، والتي تشهد تصدعات متزايدة بين الدولتين، ما دفع كلا منهما إلى تعزيز حضوره عبر فصائل مسلحة تتقاسم الولاء بينهما في تلك المناطق.
وما بات ملاحظا، فإن الرياض تحث خطاها نحو كسب وتعزيز نفوذها السياسي وحضورها العسكري جنوب اليمن، بعدما نجحت أبوظبي في تعزيز حضورها في المناطق الساحلية اليمنية عند خطوط الملاحة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب باتجاه القرن الأفريقي.
وباتت حضرموت كبرى محافظات البلادمؤخرا، محطة تنافس جديدة بين أبوظبي والرياض، في صحوة تبدو متأخرة للأخيرة، لخطر الهيمنة الإماراتية على هذه المحافظة الحدودية مع المملكة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة عربية اليمني الانفصال الإماراتي حيدر العطاس السعودية السعودية اليمن الإمارات الانفصال حيدر العطاس المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رئیس مجلس
إقرأ أيضاً:
التمكين… حين تحول الدين إلى غطاء للفساد السياسي
التمكين… حين تحول الدين إلى غطاء للفساد السياسي
صفاء الزين
منذ انقلاب عام 1989 الذي جاء بالحركة الإسلاموية إلى سدة الحكم في السودان رُفع الشعار الديني كمدخل أخلاقي للسياسة. وعدت الحركة ببناء دولة إسلامية عادلة لكن الواقع سرعان ما كشف أن الدين استُخدم كواجهة لتثبيت النفوذ وتقاسم الموارد. سياسة “التمكين” التي وُصفت يومًا بأنها استراتيجية لبناء دولة المبادئ تحولت إلى نظام محكم لإقصاء الخصوم ومكافأة الموالين مما ترك آثارًا عميقة على المجتمع والمؤسسات.
التمكين من الشعار إلى الإقصاءتحت شعار التمكين زرعت الحركة الإسلاموية أنصارها في مفاصل الدولة: الاقتصاد والإعلام والقضاء والتعليم. لم يعد الانتماء السياسي مجرد ميزة بل أصبح شرطًا أساسيًا للوصول إلى المناصب متفوقًا على الكفاءة والنزاهة. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية في عام 2015 احتل السودان المرتبة 165 من أصل 168 دولة في مؤشر مدركات الفساد مما يعكس حجم التحديات التي واجهتها البلاد في ظل هذه السياسات.
في الاقتصاد حُرمت شركات مستقلة من عقود البنية التحتية التي كانت تُمنح حصريًا لشبكات موالية للحزب الحاكم. في القضاء فقدت المؤسسة استقلاليتها حيث مالت الأحكام في قضايا مثل مصادرة أراضي المواطنين في كسلا ودارفور لصالح المنتفعين من النظام. أما الإعلام فتحول إلى أداة للترويج للخطاب الرسمي مع تعرض صحف مستقلة مثل “الأيام” و”السوداني” للرقابة والمصادرة المتكررة.
الدين كدرع ضد النقداستُخدم الدين كسلاح لتحييد النقد وتكميم الأفواه. من يطالب بالشفافية يُصنف كعدو للدعوة ومن ينتقد الفساد يُتهم بمهاجمة الإسلام. هذا الخطاب أدى إلى إسكات الضمير العام لسنوات طويلة حيث أُقصي المبدعون والأكفاء إذا لم يرفعوا الشعار المناسب. على سبيل المثال في جامعة الخرطوم واجه الأكاديميون ضغوطًا مباشرة وتم استبدال رؤساء أقسام بآخرين موالين للحزب الحاكم مما أدى إلى هجرة العديد من الكفاءات إلى دول الجوار.
الأثر على المجتمع والمؤسساتعلى مستوى الفرد أصبح الولاء السياسي أداة للبقاء. المواطن العادي عانى من حرمان ممنهج من الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والدواء خاصة في أحياء الخرطوم والأرياف المحيطة. وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة في عام 2019 كان أكثر من 60% من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر وهو ما يعكس التدهور الاقتصادي والاجتماعي الناتج عن هذه السياسات.
على مستوى المؤسسات أُفرغت الدولة من فعاليتها. التعليم تحول إلى أداة لتلقين الولاء بدلاً من تعزيز المعرفة والخدمات الصحية أصبحت حكرًا على من يملكون الوساطة. الشباب الذين رأوا أن مستقبلهم مسدود اضطروا للهجرة أو البحث عن فرص في القطاع الخاص مما أدى إلى نزيف الكفاءات.
مقاومة وأمل في التغييرعلى الرغم من هذا الواقع القاتم برزت محاولات مقاومة من داخل المجتمع السوداني. طلاب الجامعات مثل طلاب جامعة الخرطوم نظموا احتجاجات ضد سياسات التمكين في التعليم مطالبين باستقلالية الأكاديميا. صحفيون مستقلون رغم الرقابة واصلوا فضح الفساد عبر منصات بديلة. هذه الجهود التي كللت بانتفاضة ديسمبر 2018 أظهرت أن الشعب السوداني قادر على استعادة صوته.
النظام السابق وإشعال الحرب الحالية للعودة إلى السلطةبعد سقوط النظام في أبريل 2019 لم يستسلم عناصره الإسلاموية السابقة بل سعوا إلى إشعال الصراعات للعودة إلى الوضع السابق قبل الثورة المجيدة. في سياق الحرب الدائرة منذ أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية SAF وقوات الدعم السريع RSF يُتهم الإسلاميون السابقون بدعم الجيش لإعادة ترسيخ نفوذهم محاولين استغلال الفوضى للعودة إلى “المربع نفسه” من السيطرة والتمكين.
ومع ذلك فإن عودتهم تبدو مستحيلة في ظل رفض الشعب السوداني الواسع لهذا النظام الذي أدى إلى ثورة شعبية واسعة إلى جانب الضغوط الدولية والتحالفات الإقليمية التي تعيق أي محاولة للعودة بالقوة أو بدون انتخابات نزيهة. الإسلاميون أنفسهم أعلنوا أنهم لن يعودوا إلا عبر صناديق الاقتراع بعد الحرب لكن التاريخ يظهر أن الشعب لن يسمح بتكرار تجربة التمكين مع تزايد الوعي الجماعي ضد استغلال الدين في السياسة.
الدروس المستفادةتجربة التمكين تثبت أن احتكار الحقيقة باسم الدين لا يبني دولة بل يخلق طبقة فوق الدولة. اليوم بعد سقوط النظام لم يعد التحدي يكمن فقط في فضح الفساد بل في إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة. يتطلب ذلك إصلاحات مؤسسية تضمن الشفافية وتعليمًا يعزز الكفاءة واقتصادًا يتيح الفرص للجميع. السودان بحاجة إلى وطن يقدر العدالة والمساواة حيث لا يُحرم أحد بسبب انتمائه أو رأيه.
الوسومالأمن الإعلام التمكين الحركة الإسلاموية السودان الفساد السياسي القضاء القوات المسلحة انتفاضة ديسمبر 2018 انقلاب 1989 صفاء الزين قوات الدعم السريع