بقلم : الشرقاوي الروداني

الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استهدف 20 موقعاً عسكرياً في إيران، وفقاً للمصادر الإسرائيلية، يسلط الضوء على تعقيدات المشهد الاستراتيجي الذي تتحكم به توازنات دقيقة. من الناحية الإسرائيلية، يبدو أن نتنياهو يواجه قيوداً جيوسياسية جعلت من الضروري اتباع نهج محسوب ومضبوط، بحيث يبقى نطاق الهجوم محدوداً ضمن قواعد اللعبة التي صاغتها واشنطن، والتي تتسم بالحذر لتجنب انجرار المنطقة إلى تصعيد شامل.

على الجانب الإيراني، عدم تفعيل منظومات الدفاع الجوي عالية التقنية خلال الهجوم يُعتبر إشارة ذات دلالات استراتيجية مرتبطة بحماية المنشآت النووية و المرافق ذات حساسية المرتبطة بالحرس الثوري. فقد تكون إيران اتخذت قراراً بعدم الرد المباشر، إما لتعزيز موقفها الاستراتيجي في المستقبل، أو ضمن ترتيبات وتفاهمات ضمنية مع الولايات المتحدة لتجنب تصعيد واسع في هذا التوقيت الحساس. هذا النهج الإيراني يعكس استراتيجية معقدة قائمة على سياسة “الصبر الاستراتيجي”؛ إذ تحرص إيران على الاحتفاظ بقواها الدفاعية وعدم استنزافها في مواجهة تكتيكية غير حاسمة، وتفضل الاعتماد على وكلائها في المنطقة، مما يعزز من موقعها ضمن شبكة النفوذ الإقليمي. استراتيجياً، تسعى إيران لتحقيق “توازن ردعي استراتيجي” عبر دعم وكلائها في لبنان وغزة، وهو ما يشكل تهديداً متعدد الجبهات بالنسبة لإسرائيل. هذا التوازن الردعي يسمح لإيران بالاحتفاظ بخياراتها في حال حدوث تصعيد أكبر مستقبلاً.

 في المقابل، وفي قراءة للضربة الإسرائيلية على ايران، يبدو أن نتنياهو يعمد إلى تركيز جهوده على جبهات قريبة، لا سيما في لبنان وغزة، حيث يواجه تهديدات مباشرة من قبل وكلاء إيران، وذلك لضمان الحفاظ على القدرة الإسرائيلية في المناورة دون التورط في مواجهة غير متكافئة مع إيران نفسها.

 الهجوم الإسرائيلي يمكن اعتباره محاولة لإعادة ضبط ميزان القوى في المنطقة دون خرق الاتفاقات غير المعلنة، بحيث يبقى هذا “التصعيد المدروس” بعيداً عن نقطة اللاعودة. ومما لا شك فيه، أن الولايات المتحدة تلعب دوراً حيوياً في ضبط وتيرة هذا النزاع، حيث تعمل على توجيه ردود الطرفين ضمن حدود وسقوف محسوبة لتجنب أي تصعيد قد يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة. 

 من الواضح أن الطرفين يدركان أن أي خلل في هذا التوازن قد يؤدي إلى تصعيد غير قابل للاحتواء، مما يدفعهما إلى توظيف تكتيكات محسوبة ومتناوبة. هذه المقاربة الاستراتيجية المتبادلة تجعل من الصراع بين إسرائيل وإيران أكثر تعقيداً وأقل وضوحاً، حيث إن كلاً منهما يسعى للظهور بمظهر القوة دون تجاوز الحدود المرسومة من قبل القوى الكبرى، مما يجعل المشهد خاضعاً لاستراتيجية “التصعيد المضبوط” التي تضمن لكل طرف الحفاظ على موقعه الاستراتيجي دون خسائر فادحة. 

ولكن حتى وإن تم احتواء هذا التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران، فإننا بلا شك قد دخلنا في مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين، وهي مرحلة سيكون لها تأثير عميق ودائم على مستقبل هذه العلاقات وعلى استقرار المنطقة بأكملها. لقد كُسر “حاجز الخوف” الذي كان يمنع إسرائيل من شن هجمات داخل العمق الإيراني، وهذا التغير يفتح بابًا أمام تحولات استراتيجية معقدة. إن رد إيران القادم هو ما سيحدد ما إذا كانت طهران ستكسر بدورها حاجز الخوف من الانخراط في حرب شاملة مع إسرائيل، أم أنها ستلجأ إلى رد مدروس يحافظ على التزامها بالرد دون تفجير صراع أوسع قد تكون له عواقب وخيمة على المنطقة. وفي هذا السياق، ستسعى إدارة بايدن، ومن خلال جهود دبلوماسية مكثفة، إلى ممارسة ضغوط قوية على إيران للامتناع عن الرد، مستندةً إلى وصف الهجوم الإسرائيلي بأنه ذو “طبيعة دفاعية”. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف لن يكون أمرًا يسيرًا نظرًا لتعقيدات الوضع وحساسية التوازنات الإقليمية. إن التطورات القادمة ستكون حاسمة ومثيرة، وستحدد بشكل كبير مسار الأحداث في منطقة تشهد توترات متصاعدة منذ عقود.

 

المصدر: زنقة 20

إقرأ أيضاً:

إيران ترفض سيطرة واشنطن على الممر القوقازي بعد اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان

10 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة: هددت إيران يوم السبت بمنع مد ممر مزمع في القوقاز بموجب اتفاق إقليمي برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفق ما ذكرت وسائل إعلام إيرانية، مما أثار شكوكا جديدة حول خطة السلام التي أشاد بها البعض باعتبارها تحولا استراتيجيا مهما.

وكان دبلوماسي أذربيجاني رفيع المستوى قد قال في وقت سابق يوم السبت إن الخطة التي أعلنها ترامب يوم الجمعة تجعل بلاده على بعد خطوة واحدة من اتفاق سلام نهائي مع أرمينيا التي أكدت مجددا دعمها لها.

وسيمتد طريق ترامب للسلام والازدهار الدولي عبر جنوب أرمينيا، مما يتيح لأذربيجان الوصول المباشر لجيب ناخيتشفان التابع لها ومن ثم تركيا.

وستحصل الولايات المتحدة على حقوق تطوير حصرية للممر الذي قال البيت الأبيض إنه سيسهل زيادة صادرات الطاقة وغيرها من الموارد.

ولم يتضح بعد كيف ستمنع إيران، التي تقع على حدود المنطقة، المشروع، لكن تصريح علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري الزعيم الأعلى الإيراني، أثار شكوكا حول أمنه.

وقال ولايتي إن المناورات العسكرية التي أجريت في شمال غرب إيران أظهرت استعداد الجمهورية الإسلامية وتصميمها على منع أي تغييرات جيوسياسية.

وقال “هذا الممر لن يصبح ممرا مملوكا لترامب، بل مقبرة لمرتزقة ترامب”.

وكانت وزارة الخارجية الإيرانية قد رحبت في وقت سابق بالاتفاق “كخطوة مهمة نحو سلام إقليمي دائم”، لكنها حذرت من أن أي تدخل أجنبي بالقرب من حدودها يمكن أن “يقوض أمن المنطقة واستقرارها الدائم”.

ويقول محللون ومصادر مطلعة إن إيران، التي تتعرض لضغوط أمريكية متزايدة بسبب برنامجها النووي وعواقب الحرب التي دامت 12 يوما مع إسرائيل في يونيو حزيران، تفتقر إلى القوة العسكرية اللازمة لإغلاق الممر.

واستقبل ترامب الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان في البيت الأبيض يوم الجمعة، وشهد توقيع الطرفين على إعلان مشترك يهدف إلى وضع حد لصراعهما المستمر منذ عقود.

ولم تنضم روسيا إلى الاجتماع رغم تمركز حرس حدودها على الحدود بين أرمينيا وإيران. وروسيا هي الوسيط التقليدي وحليف أرمينيا في منطقة جنوب القوقاز التي تتقاطع فيها أنابيب نفط وغاز.

وكانت موسكو قد أعلنت دعمها للقمة لكنها اقترحت “تطبيق حلول وضعتها دول المنطقة نفسها بدعم من جيرانها المباشرين روسيا وإيران وتركيا” لتجنب ما تطلق عليها “التجربة المؤسفة” للجهود الغربية للتوسط في الشرق الأوسط.

ورحبت تركيا، حليفة أذربيجان الوثيقة وعضو حلف شمال الأطلسي بالاتفاق.

وظهر الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان في أواخر الثمانينيات عندما انشقت منطقة ناجورنو قره باغ عن أذربيجان بدعم من أرمينيا.

وناجورنو قره باغ منطقة جبلية في أذربيجان أغلبية سكانها من الأرمن.

واستعادت أذربيجان السيطرة الكاملة على المنطقة في عام 2023 في هجوم عسكري، مما دفع جميع الأرمن المتبقين في الإقليم البالغ عددهم 100 ألف تقريبا إلى الفرار إلى أرمينيا.

وقال إلين سليمانوف سفير أذربيجان لدى بريطانيا “لقد طوى ملف العداء ونحن الآن نتجه نحو سلام دائم”، وتوقع أن يشهد ازدهار المنطقة وروابط النقل فيها تحولا إيجابيا.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • مصدر استخباراتي: إعادة انتخاب ترامب مهّد الطريق أمام الهجمات الإسرائيلية على إيران
  • مرحلة جديدة من الصراع السياسي المفتوح والحسم مؤجل
  • الأمم المتحدة: قرار الحكومة الإسرائيلية بشأن غزة فصل مروع آخر من الصراع
  • إيران: لن نسمح بأي تغييرات جيوسياسية على حدودنا مع أرمينيا
  • FT: إيران وإسرائيل تواصلان تبادل الهجمات السيبرانية بعد وقف إطلاق النار
  • إيران تحذر من مشروع «طريق ترامب» في القوقاز: سذاجة سياسية لا يمكن قبولها
  • إيران ترفض سيطرة واشنطن على الممر القوقازي بعد اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان
  • انسحاب أوروبي من البحر الأحمر مع اقتراب التصعيد اليمني الرابع
  • تهديد لأمن المنطقة.. إيران تعلن رفضها لـ ممر القوقاز المدعوم من ترامب
  • يسرائيل هيوم تكشف تفاصيل جديدة عن العمليات الاستخبارية الإسرائيلية في إيران